; معاناة المرأة المغربية وضياعها نتيجة للمساواة | مجلة المجتمع

العنوان معاناة المرأة المغربية وضياعها نتيجة للمساواة

الكاتب د. خالد سعيد

تاريخ النشر الثلاثاء 25-مايو-1993

مشاهدات 15

نشر في العدد 1051

نشر في الصفحة 46

الثلاثاء 25-مايو-1993

المساواة المزعومة بالرجل أضاعت حواء المغربية وأثقلت كاهلها بما لا تطيق ولا تتحمل، فالأم العاملة لا تجد الوقت الكافي ولا سعة الصدر لرعاية أطفالها بسبب ما تعانيه من إرهاق وتعب وتوتر للأعصاب ومشكلات المواصلات طوال فترة غيابها عن البيت، مما ينعكس سلبًا على حياتها وحياة أسرتها، بل ومجتمعها. موضوع المرأة في المغرب موضوع جد حيوي وقد يصبح مع مرور الأيام أساسيًّا؛ السبب هو مرور المرأة المغربية من مرحلة الالتزام التقليدي للإسلام المتجسد في الاكتفاء بدور الأم الخادمة للزوج والأولاد وعدم المشاركة في الحياة العامة، إلى واقع مناقض له تمامًا يتجلى في المشاركة الشاملة للرجل في كافة الميادين. الأستاذ عبد الإله بنكران «رئيس» حركة الإصلاح والتجديد يؤكد أن المرأة المغربية قد تحولت من مرحلة العادات والتقاليد المنحرفة عن الإسلام إلى مرحلة أصبحت فيها صورة للمرأة الغربية، وهي الصورة التي لا يتقبلها المجتمع المغربي رغم أنه يمارسها يوميًّا! إن المرأة المغربية اليوم تخرج أينما تشاء وكيفما تشاء، تصاحب من تشاء وتفعل كل ما تشاء بدون قيد ولا ضابط بدعوى الحرية المزعومة التي ظلمت المرأة ظلمًا كبيرًا، ولهذا يجب أن نعود لننظر إلى المرأة بالمقاييس الإسلامية التي كرمتها واعتبرتها شقيقة الرجل.

لا نريده إسلامًا تقليديًّا

 هذه المقاييس كما يوضح الأستاذ أبو بكر القادري «عضو الأكاديمية المغربية» لا تكبت المرأة أو تقهرها، وإنما تعطي لها شخصيتها الكاملة وتجعلها عنصرًا نشيطًا مؤثرًا في المجتمع، ناهضًا به وعاملًا على ترقيته مثل الرجل سواء بسواء. ويضيف: بل إن توسيع آفاق الفتاة المغربية المسلمة بمفاهيم إسلامية تكسبها نضجًا ذهنيًّا وشعورًا قويًّا بدورها في الحياة وبضرورة مساهمتها في إصلاح المجتمع، فنحن ضد التخلف والجهل والخضوع للتقاليد البالية، ولكننا مع الأخلاق والتعاليم الربانية التي صانت المرأة من الانحراف ومن كل ضلال أو ظلم، فللمرأة أن تباشر من الأعمال ماتشاء بشرط أن تتواءم مع طاقاتها وإمكاناتها وتخضع للتوجيهات التي دعا إليها ديننا الحنيف، كما أن عملها هذا لا يجب أن يمنعها من القيام بواجباتها الأسرية وأن لا يؤدي إلى أضرار أخلاقية أو اجتماعية. ويتدخل الأستاذ مصطفى العلوي رئيس رابطة علماء المغرب والسنغال في الحديث موضحًا أن المرأة جزء من المجتمع ولا ينبغي أن نقول لهذا الجزء الهام لا تعمل، وإنما نقول إن نوعية عمل المرأة يختلف عن عمل الرجل، ومن أهم أعمالها تربية الأطفال وإعداد جيل المستقبل والعناية بالزوج والبيت، ثم تأتي بعد ذلك الأعمال التي يمكن أن تقوم بها وفقًا لطبيعتها بشرط ضمان كرامتها. ومن ناحية أخرى يطالب العلوي المسؤولين بأن يوفروا للمرأة المضطرة للعمل الوقت الكافي لرعاية بيتها حتى لا تترك هذه المهمة العظيمة للخادمات الجاهلات، الشيء الذي يؤدي إلى مفاسد أسرية واجتماعية جد خطيرة.

ظلم آخر

ويعود عبد الإله بنكران ليبين ظلمًا آخر يقع على المرأة باسم التحرر والمساواة، وهو خروجها إلى الشارع متبرجة واختلاطها بالذكور وغير ذلك من المفاسد الاجتماعية والأخلاقية، بحيث أنها تستدرج إلى الوقوع في مشكلات غالبًا ما تتحمل مسؤوليتها وحدها. ويضيف: إذًا فنحن ندعو إلى رفع الظلم عن المرأة بإعادة الأمور إلى نصابها، فالحديث عن الإسلام ومنهجه في الحياة ليس حديثًا سياسيًّا يقال ليرضي الجماهير، وإنما يقال لإرضاء الله تعالى. فقد ترضى الجماهير وقد لا ترضى وقد تستجيب هذه المبادئ السامية لأهوائهم وقد لا تستجيب، إلا أنه لا بد من تبيان معالمه، كما أنه لا بد للمجتمع المغربي أن يعود للتفكير المنطقي والموضوعي لأن أبناء الزنا يتكاثرون! عمليات الإجهاض في الأماكن العامة رغم أنها أصلًا ممنوعة قانونًا، ولكن الدولة تتساهل وتتستر عليها، حالات العنوسة بسبب عزوف الرجال عن الزواج لارتفاع التكاليف من جهة ووجود متنفس آخر للعلاقات غير المشروعة. الأمراض الجنسية تتفاقم ومن بينها مرض السيدا، كما تتفاقم يومًا بعد يوم الخيانات الزوجية والخداع والنفاق وكثير من الأمراض الاجتماعية.. فإلى أین؟ ولهذا يجب إعادة النظر في وضعية المرأة المغربية المسلمة حتى لا تظلم أكثر مما ظلمت. ونقول بكل موضوعية أنه لا بد من تحقيق حقوق المرأة الإسلامية والإنسانية سواء عملت أو لم تعمل. ويأخذ الأستاذ محمد بلبشير- جامعة محمد الخامس بالرباط، بخيط الحديث موضحًا أنه إذا كان القصد من إشراك المرأة في العملية التنموية دفعها إلى القيام بنفس الوظائف التي يقوم بها الرجل باسم المساواة فهذا الأمر يعد منافيًا لطبيعة المرأة المختلفة عن طبيعة الرجل، ويؤكد على أننا نستطيع تدريجيًّا أن نصل إلى بناء مجتمع الفضيلة والإنصاف باقتناع المرأة أن عملها الأساسي في البيت، وأن على النظام الاقتصادي والاجتماعي أن يأخذ ذلك في الاعتبار؛ فلا توجه المرأة إلى مهنة ما إلا إذا كانت هذه الأخيرة تسمح لها بالقيام بعملها الرئيسي داخل مملكتها لنضمن تربية أفضل للأبناء واستقرارًا للعلاقات الزوجية والأسرية.

هروبًا من العنوسة وقعن في المحذور!

 مسلمات يتزوجن من مسيحيين!

جاء في نشرة دراسات ديموغرافية التي تصدرها مديرية الإحصاء أن متوسط سن زواج الفتيات في المغرب قد ارتفع من ١٧ سنة خلال أوائل الستينيات إلى ٢٧ سنة خلال الثمانينيات، وأوضحت الدراسة أن زواج المرأة في سن متقدمة نسبيًّا مرتبط بمستوى تعليمها ووعيها ودرجة نشاطها في الحياة الاقتصادية، كما أن الزواج المبكر يمثل بالنسبة للمرأة عائقًا يحول بينها وبين الحياة العملية لصعوبة الجمع بين العمل والأنشطة الاجتماعية وتربية الأطفال، ومن جهة أخرى أشارت الدراسة إلى ارتفاع نسبة النساء غير المتزوجات مشيرة إلى أن هذه المسألة أصبحت ظاهرة اجتماعية - مقبولة! وخاصة في الوسط الحضري بعد أن كانت مرفوضة في المجتمع الغربي. هذا ما أوضحته النشرة. 

لقد أدى انتشار العنوسة في المغرب إلى ظاهرة اجتماعية خطيرة وهي زواج المسلمة بالمسيحي، هذه الإشكالية تشغل بال المسلمين بالمغرب وعلمائهم الذين طالبوا بزيادة رقابة الأسرة وبث الوعي الديني عبر جميع الأجهزة، وبمنع سفر النساء إلى الخارج دون محرم، وكذا بإعادة النظر في تكاليف الزواج الباهظة التي أحجم بسببها الشباب عن مجرد التفكير فيه. فهناك أسر لا تتردد في تزويج بناتها بمسيحيين بسبب الجهل والفقر وغياب الدور الفعال للأب المسلم في توجيه وتربية أسرته، وهناك من تسافر إلى فرنسا أو غيرها من الدول الأوروبية لمتابعة دراستها فتعود بزوج فرنسي إلى جانب الدبلوم. يصف الأستاذ أبو بكر القادري عضو الأكاديمية المغربية هذه الظاهرة بأنها تحدٍّ لأمر الله وخطر عظيم على مجتمعنا المغربي وعقيدتنا الإسلامية، كما أرجع سبب ظهورها وتزايدها إلى النقص الواضح في التربية والتعليم والتوجيه الديني، إضافة إلى غفلة الآباء والأمهات عن القيام بواجباتهم الأسرية. ويؤكد الأستاذ مصطفى العلوي رئيس رابطة علماء المغرب والسنغال أن هذا الانحراف الخطير سببه الاختلاط في المدارس والجامعات داخل المغرب وخارجه. وأيضًا سفر المرأة إلى الخارج دون محرم وعدم وجود رقابة أسرية على فتياتنا اللاتي يدرسن في أوروبا، كما أن هجرة المرأة إلى الخارج لمزاولة عمل تساعد به أسرتها الفقيرة غالبًا ما تؤدي إلى مفاسد اجتماعية، فقد تنتهي مثلًا الفترة الزمنية الممنوحة لها، ولتضمن البقاء في ذلك البلد تجد نفسها أمام خيار واحد لا بديل عنه، وهو أن تتزوج شابًّا مسيحيًّا للحصول على الإقامة والجنسية. الأستاذ عبد الإله بنكران رئيس حركة الإصلاح والتجديد يرى أن إحجام الشباب عن الزواج لارتفاع تكاليفه المادية وأيضًا لوجود متنفس آخر يتمثل في العلاقات غير الشرعية يؤثر تأثيرًا مباشرًا على تزايد ظاهرة العنوسة التي تساعد بشكل أو بآخر على تزايد ظاهرة الزواج بمن لا يدين بالإسلام. 

الإسلاميون والعنوسة

الدكتورة زبيدة أم ياسر لها وجهة نظر حول هذه الإشكالية نستخلصها مما ذكرته لمجلة الفرقان المغربية، حيث أكدت أنه لا يوجد لدى الإسلاميين برامج ولا تخطيطات ولا دراسات حاضرة ولا مستقبلية لهذا الشبح الرهيب، ولن أكون منصفة إذا ادعيت بأنهم هم المسؤولون عنها كلية، إلا أننا نلاحظ أن هناك بعض الإسلاميين من أبناء آخر الخمسينيات يصرون على الزواج من بنات أوائل السبعينيات «وهذا موضوع آخر قائم بذاته»، إلا أن الأمر المشترك هو أن التزام وتمسك الأخت بدينها حتى سن متأخرة لا يلقى تشجيع ولا اهتمام المسلم بأخيه على أية حال، فنحن نعترف أن هذا التشجيع الرسمي الذي تلقاه المرأة في وطننا -للأسف- لاحتضان الرذيلة أكبر من أن يحتويه الإسلاميون، خصوصًا وهم على ضعفهم في هذا الجانب بالذات في هذا الوطن الذي لا تجد فيه مدينة كبيرة أو صغيرة إلا وبها دور للدعارة علنًا وتنافسها الفتيات الهاويات، بل يرخص لهذا الخلق المشين والعياذ بالله!! وقد كنت دائمًا أتساءل: كيف تكتب هذه الرخصة في بلد دستوره الإسلام؟ إلا أنني علمت أن العاهرة المرخص لها تٌعد منشطة اجتماعية! وإنني لأتمنى ألا يكون هذا صحيحًا في وطن هذا حاله، ألا تقدر فعلًا هذه الأخت التي التزمت بدينها حتى سن متأخرة قد تصل إلى الأربعين أحيانًا، هل فكر الإسلاميون في الالتفات إليها ودفعها إلى الانشغال بالدعوة إلى الله والسمو بآلامها وآمالها ليلًا ونهارًا انتظارًا لزوج قد لا يأتي. وأنا أتوقع -والله أعلم - أن هذا المشكل سيتفاقم أكثر بسبب مخططات تذويب الأخلاق واستغلال الإعلام في أبشع صوره وازدياد الغلاء واستفحاله، ولكنك لا تجد في كتب الإسلاميين ولا أحاديثهم عن المرأة إلا حديث أم زرع والحث على حسن التبعل، وكأن كل الفتيات قد تزوجن أو هن مقبلات بالتأكيد، وأنا أتحدى من يقرأ معظم كتب المرأة أن يجد برنامجًا فعليًّا للسيدة العانس، أو على الأقل المطلقة أو الأرملة، ولذا فإن هذا الخطاب -حسب ظني صار في هذه الظروف بحاجة ماسة إلى إصلاحه وتجديده مع البقاء على الأصل بطبيعة الحال. 

الرابط المختصر :