; المجتمع التربوى (1212) | مجلة المجتمع

العنوان المجتمع التربوى (1212)

الكاتب د.عبدالحميد البلالي

تاريخ النشر الثلاثاء 13-أغسطس-1996

مشاهدات 17

نشر في العدد 1212

نشر في الصفحة 56

الثلاثاء 13-أغسطس-1996

وقفة تربوية: ألا يوجد شيء لله؟!

هاتفني أحد المسئولين في اللجنة الثقافية لإحدى وزارات الدولة يطلب مني المشاركة في ندوة تتحدث عن بعض القضايا الاجتماعية فوافقت على ذلك، واتفقنا على موعدها.. ثم اتصل ثانية لأخذ موافقتي على إدارة ندوة أخرى بنفس الأسبوع فاعتذرت عن ذلك بسبب انشغالاتي وإذا به يفاجئني بعبارة كانت كالصفعة لي، وربما كانت الصفعة أهون لو فعلها معي.. حيث قال: «ولكن التقديم بـ ٣٠ دينارًا كويتيًّا ، وكذلك المحاضرة» ولم أكن أتوقع مثل ذلك أبدًا .. فقلت له بانفعال: «نحن لا نعلم الناس الخير وننقل لهم العلم بمقابل مادي» وإذا كان مسؤولوك قد قالوا لك ذلك، فأرجو أن تفهمهم بأن يزيلوا من دفاترهم وذاكرتهم هذا الأمر، فإننا لا نعمل إلا لله تعالى.. وفي نفس الأسبوع اتصلت وزارة الأوقاف بي لتسألني عن تاريخ ذهابي للحج كمرشد ديني وتاريخ القدوم، فلما سألتها عن هذا السؤال، قال لي المتحدث.. «الآن الوزارة تريد صرف مكافأة للمرشدين الدينيين» فاستأت أشد الاستياء، واعتذرت عن قبول ذلك.. ماذا حدث لنا؟! ألا يوجد شيء لله تعالى؟! حتى بعض الدعاة الذين نذروا أنفسهم للدعوة إلى الله بدأوا يفكرون بالمقابل المادي عند إعطائهم للدروس والمحاضرات، وأصبح المال هو المحفز الأول، وإذا غاب المال ماتت الهمم وفترت العزائم.. كيف يحدث التأثير الإيجابي ممن ينقل كلمة الخير بدافع مادي؟ ولا يحركه الحافز الإيماني، لأنه لا يلمسه بيده، كيف ندعو الناس للإيمان بالغيب ونحن لا يحركنا هذا الاعتقاد لأن تكون مثل ذلك الأعرابي الذي أعطاه الرسول الله ﷺ بعض الغنيمة بعد إحدى المعارك، فرد عليه «ما تبعتك على هذا.. إنما تبعتك لأقتل ها هنا أو ها هنا» وأشار إلى عنقه وقلبه..

أو يحركنا مثل قول الرسول الله ﷺ في الحديث الذي رواه الترمذي بإسناد صحيح «فضل العالم على العابد كفضلي على أدناكم» ثم قال: «إن الله وملائكته وأهل السموات والأرض حتى النملة في جحرها، وحتى الحوت ليصلون على معلمي الناس الخير».

                                                                  أبو خلَّاد

الإخوة: حقوق وواجبات

بقلم: محمد الجاهوش

مثل المؤمن لأخيه مثل اليدين، تغسل إحداهما الأخرى، وكلاهما مرآة لصاحبه، تعكس صفاته وسجاياه، فيبادر إلى سد الخلل، وتلافي النقص، واستكمال أخلاق المؤمنين.

وكلما انعقدت القلوب على صفاء الود، ونقاء الإخاء كلما كانت المرآة أكثر نصاعة وأشد شفافية، وأبدت الصورة جلية واضحة، لا يشوبها غبش ولا غموض، لذلك كان من منهج الإسلام: إعداد الفرد وتربيته على سلامة الصدر وصدق المودة والنصح لكافة الناس، لا سيما من واثقوه على الحب في الله، والعمل على نصرة الإسلام، وتبليغ رسالته إن محض النصح وحسن المعاملة -في هذه الحالة- من أسس نجاح العمل ودعاماته القوية.

إن الحياة أخذ وعطاء، وتفاعل بين الناس، وحري بالمؤمن أن يكون فيها مثالًا صالحًا، وقدوة حسنة، وحسن الخلق هو السبيل للوصول إلى هذه المكانة، فصاحب الخلق الحسن يألفه الناس، ويحبونه، ويتأسون بكريم أفعاله.

وحسن الخلق -طريق مرضاة الله ومحبته- فما من شيء أثقل في ميزان العبد يوم القيامة من خلق حسن «الترمذي» فمن أحب أن يعامله الناس بأخلاق كريمة، فليرهم ذلك من نفسه.

حقوق الإخوة

رتب الإسلام على الإخوان حقوقًا وواجبات تجاه بعضهم بعضًا، ومراعاتها سبب نجاحهم وسعادتهم وتوفيقهم، فمن حق الأخ على إخوانه قضاء حاجاته، والقيام بها، وأدنى ذلك تلبية ما يحتاجه عند طلبه، مع البشاشة والرضى، وأعلاها الإيثار: وبينهما درجات، فكلما قرب الأخ من درجة الإيثار كان ذلك دليل صدق الأخوة وصفاء الود، ومن حقوق الإخوة: 

 حفظ الأخ أخاه في غيبته ومشهده: 

 فلا يغتابه ولا يعرض به بل يذب عنه ويلتمس له المعاذير ما وجد إلى ذلك سبيلًا، ويحترمه ويقدره، ويثني على أفعاله ومواقفه، وإذا كانت الغيبة من الكبائر، فإنها في حق الإخوان يتعاظم جرمها، ويشتد خطرها، حتى تفسد ذات البين وتحلق أسس الإخاء. 

 بذلالنصح: ما من مسلم يعصي الله ولا يطيعه أبدًا، وما من مسلم يطيع الله ولا يعصيه أبدًا، ولكن العدل من غلبت حسناته سيئاته.

وما دام الإنسان حيًّا فلن يسلم من خطأ أو تقصير، والواجب على من عرف ذلك منه أن يسدي له النصيحة فإن «الدين النصيحة» ولا بد أن تكون النصيحة بشروطها الشرعية: 

أـــ يقدمها لأخيه سرًا، لأن ذلك أبلغ في نصحه، وأوقع في نفسه، ومن نصح أخاه سرًا فقد نصحه، ومن نصحه على مشهد من الناس فقد فضحه.

ب- أن يؤديها بأسلوب رقيق، وود عميق، فإن جفاء القول ينفر القلوب ﴿وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ ۖ ﴾ (آل عمران، آية: 159).

الأمانة:﴿إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ ۖ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا﴾ (الأحزاب، آية: 72) والأمانة هنا بمعناها الشامل، فالوديعة أمانة: والغرض المادي أمانة، والكلمة أمانة، وصون السر أمانة، وأداء النصح أمانة، وحسن العهد أمانة، وحفظ العرض أمانة، والكلمة تسمعها أو تقولها أمانة، وهكذا فإن المسلم مؤتمن على شئون الحياة، وعلى الأخص ما يتعلق بالآخرين.

الثقة وحسن الظن: ومن واجب الأخ أن يحمل أفعال وأقوال أخيه على أحسن الوجوه، ويطلب له المعاذير ولا يسيء الظن بأحد من إخوانه، فإن سوء الظن يضعف الثقة، ويضعف الود، وهو من كواذب الأخلاق «إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث».

 البعد عن الجدل والمماراة: 

 لأنها مبعث الحسد، ومنشأ الحقد والبغض فمن يماري أخاه فإنما يسفه عقله، ويستهين بإمكاناته وكل ذلك يوغر صدره، ويربي فيه العداء والبغضاء والمؤمن رحيم بنفسه رفيق بإخوانه. 

الاستقامة: ومن واجب الأخ أن يسلك سبيل الاستقامة فلا يناور ولا يراوغ ولا يخادع:

أ- يستقيم على الطاعة.

ب- يستقيم على حسن الخلق.

ج- يستقيم عن حسن المعاملة.

ولعل ذلك بعض معاني وصية الرسول لمن سأله عما يدخله الجنة فقال له: «قل آمنت بالله ثم استقم» وللاستقامة ثمرات وبركات في حياة المسلم يجنيها في دنياه، ويجدها زادًا يوم القيامة ﴿وَأَن لَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُم مَّاءً غَدَقًا﴾ (سورة الجن، آية: 16) ﴿إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ أُولَٰئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ (سورة الأحقاف، آية: 13:١٤).

الوفاء بالوعد: فإخلافه من صفات المنافقين: «فآية المنافق ثلاث: إذا حدث كذب وإذا وعد أخلف وإذا اؤتمن خان». وإخلاف الوعد، من غير عذر قاهر يغير قلوب الإخوان ولا يليق بكمال الأخوة، بل يؤدي إلى ضعف الثقة، وإضعاف الصف.

صدق الحديث: فالكاذب لا يليق أن يكون صاحبًا، فضلًا عن أن يتخذ أخًا مصافيًا، والصدق يهدي إلى البر والبر يهدي إلى الجنة، والكذب يهدي إلى الفجور والفجور يهدي إلى النار.

 ولئن كان صدق الحديث مطلبًا ضروريًّا بين الناس جميعًا، فإنه بين الإخوان أولى وأهم، ولا سيما في المعاملات الحالية والعلاقات التجارية، وتبادل المصالح، فإنه في هذه الحالة أشد لزومًا وأكثر فائدة. 

فكثيرًا ما أفسدت مثل هذه العلاقات القلوب وحولت الإخوة إلى أعداء متخاصمين. 

حسن الجوار: والمسلم مطالب بالإحسان لجيرانه مسلمين وغير مسلمين أقارب أو بعداء، فالإساءة إلى الجيران من أسباب الضلال ودخول النار، ولا يؤمن بالله ولا باليوم الآخر من لا يأمن جاره بوائقه، وما زال جبريل يوصي بالجار حتى ظن رسول الله أنه سيورثه. 

ولذلك استعاذ الرسول بالله من جار السوء في دار المقامة الذي إذا رأى حسنة دفنها، وإذا رأى سيئة أذاعها ونشرها، والإحسان إلى الجوار، فضلًّا عن كونه عبادة لله تعالى فإنه وسيلة من وسائل الدعوة إلى الإسلام وإظهار محاسن مبادئه ورقيها، ذلك أن الناس يحكمون على المبادئ من خلال أصحابها.

حفظ الوقت: والإخوة مطالبون بأن يعين بعضهم بعضًا على حفظ الوقت واستغلال جزئياته والإفادة منه من أجل صالح الدعوة وتدير أمورها، ودراسة مشاكلها وسبيل فهمها ونشرها فإن الوقت هو عمر الإنسان، وهو رأسماله الذي سيحاسبه الله تعالى على كيفية التصرف فيه: «لن تزول قدما عبد عن الصراط حتى يسأل عن أربع: عن شبابه فيما أبلاه، وعن عمره فيما أفناه، وعن ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه، وعن علمه ماذا عمل به». 

والمتأمل في هذا الحديث الشريف يدرك أن جميع ما ذكر فيه إنما هو توجيه إلى حفظ الوقت وصونه عن الضياع.

فالشباب مرحلة من العمر فيها الذكاء وفيها الطاقة وفيها الحيوية والنشاط، وهو جزء من العمر الذي إن طالت مدته أو قصرت فإنما هي ساعات تحصى وسنوات تمر وهي الوقت بعينه.

والمال والعلم كلاهما يحتاج جمعه وتحصيله إلى جهد وطاقة ووقت يساعد على الكسب والتحصيل، فبغير الوقت لا يدرك العلم ولا يجمع المال، فأين هذا من واقع يعيشه معظمنا تهدر فيه الأوقات وتقضى الأعمار في فراغ قاتل يبعث على الملل والإحباط. 

كلمة إلى الدعاة: الحنين الفاجر

على الداعية المسلم الصادق -طالب الثبات- أن يتخلى عن كل ما يربطه بالعهد الجاهلي السابق الذي كان عليه قبل الالتزام، ويبغض كل ما يذكره بذاك العهد الغابر، المتأمل قصة ذلك الرجل الذي تعوَّد على القتل حتى أنه قتل مائة نفس، يجد سعة أفق ذلك العالم الذي قال له «ومن يحول بينك وبين التوبة؟ انطلق إلى أرض كذا وكذا فإن بها أناسًا يعبدون الله فاعبد الله معهم، ولا ترجع إلى أرضك فإنها أرض سوء» «متفق عليه»، فأمره بترك أرض السوء خوفًا من أنه إذا بقي في المكان الذي اعتاد أن يعصى الله به يحن قلبه لتلك المعصية فيطفى فجور الحنين إلى تلك المعصية.

وهذه حقيقة يثبتها الأستاذ سيد قطب -رحمه الله- في كتابه معالم في الطريق وهو يعدد العوامل التي ميزت الصحابة وجعلتهم أهلًا لأن يكونوا جيلًا قرآنيًّا فريدًا لن يتكرر حيث يقول: «لقد كان الرجل حين يدخل في الإسلام يخلع على عتبته كل ماضيه في الجاهلية، كان يشعر في اللحظة التي يجيء فيها إلى الإسلام أنه يبدأ عهدًا جديدًا منفصلًا كل الانفصال عن حياته التي عاشها في الجاهلية «معالم في الطريق ص١٦».

وهذه الحقيقة تدل على صدق عزيمة الصحابة في دخولهم في الإسلام والالتزام مع الله عز وجل، لذا نجد أن الصحابة أكثر الناس جودًا بأنفسهم في سبيل تبديد ظلام الجاهلية بنور الإسلام المشرق.

وكثيرًا ما نسمع عن أناس التحقوا بركب الصالحين، ولكن سرعان ما نسمع عن انتكاستهم وتساقطهم، ولو تفحصت في الأسباب لوجدت على رأسها ذلك الحنين الفاجر إلى الشهوات ومحبوبات النفس ووجود ما يذكرهم بماضيهم وما يهيج هذا الحنين إلى أشياء كانوا يحبونها. 

ولقد كنت أستغرب من أحد الدعاة -جزاء الله خيرًا- حينما كان يوصلني إلى البيت يأخذني في طريق بعيد غير الطريق المعتاد، وعندما سألته عن سبب ذلك كان الجواب: إن أصدقاء الجاهلية الذين كنت تجلس معهم يجلسون على هذا الطريق ولكيلا يحن قلبك إلى مجالستهم ومخالطتهم غيرت الطريق، فعلى الداعية -طالب الثبات- أن يتفحص في أمره ويعيد حساباته ويطلع على خفايا قلبه من فترة إلى أخرى حتى لا تكون مصيبته في دينه فيخسر الدنيا والآخرة.

                                                        وليد السبع

الرابط المختصر :

موضوعات متعلقة

مشاهدة الكل