العنوان المجتمع الثقافي عدد 1843
الكاتب مجلة المجتمع
تاريخ النشر السبت 14-مارس-2009
مشاهدات 20
نشر في العدد 1843
نشر في الصفحة 44
السبت 14-مارس-2009
مدن القوافل دراسة في التاريخ الحضاري والنظم العمرانية للمدن التاريخية والموريتانية
«كنبي صالح» مدينه موريتانية بناها التجار المسلمون
يحيى بن محمد بن احريمو
تقع مدينة كنبي صالح بولاية الحوض أقصى جنوب شرق موريتانيا على مسافة حوالي ١٠٠ كم شرقي العاصمة نواكشوط، وقد بناها التجار المسلمون الواردون من المغرب وتونس في القرن الثاني والثالث الهجريين إلى مملكة غانة الأفريقية، تلك الدولة الكبرى التي بسطت نفوذها على مناطق واسعة من غرب أفريقيا والتي كانت قوية محكمة النظام تستمد شرعيتها من التقاليد والمعتقدات الوثنية القائمة على تمجيد الملك وتقديسه، ووجوب خدمته.
وهكذا بنى هؤلاء التجار المسلمون هذه المدينة إلى جنب مدينة غانة التي تفصلها عنها أربعة أميال وقد أدت حاجة ملوك غانة إلى التجار المسلمين الذين بهم قوام الحياة الاقتصادية إلى حالة فريدة من السلم والتعايش والتسامح فكان أغلب وزراء المملكة وخزنة بيت مالها وتراجمه الملك من المسلمين.
وقد أجريت بحوث أثرية على أطلال «كنبي صالح»، وتم الكشف من خلالها عن كثير من المعلومات المتعلقة بواقع الحياة والنشاط العمراني في المدينة، وعن بعض معالمها مثل مسجدها الجامع وقد أثبتت البحوث الأثرية اتساع كمبي صالح وازدهار النشاط التجاري بها: حيث بلغت مساحتها اكم, وبها شوارع رئيسة تتفرع منها ممرات وأزقة فرعية يسهل عبرها نقل المتاع، وكانت مبانيها ضخمة مكونة من عدة طوابق وغرف تخصص الطوابق العليا للسكن والسفلى لتخزين المتاع وتمتد الحوانيت والمحلات التجارية مصطفة على طول الشوارع، وقد كانت أسواق «غانة» عامرة بأنواع السلع والمحاصيل حيث تجبى إليها المنتجات الزراعية من عموم المناطق الساحلية المحاذية لنهري النيجر والسنغال بالإضافة إلى كنوز الذهب الذي يستخرج من تلك المناطق، كما تحط بها قوافل الملح التي يسيرها الصنهاجيون سكان الصحراء، ويفد إليها التجار المسلمون من المغرب والقيروان حاملين معهم الثياب والمصنوعات المعدنية وغيرها، يقول الجغرافي العربي أبو عبد الله الإدريسي: إن بلدة غانة هي أكثر بلاد السودان قطرا وأكثرها خلقا وأوسعها متجراً وإليها يفد التجار والمياسير من جميع البلدان المحيطة به[2].
وقد أسلم ملوك «غانة» وعامة أهلها آخر القرن الخامس الهجري، وتأسست بها بعد ذلك دولة إسلامية عرفت بدولة «بني صالح»، وقد تحدث عنها الإدريسي في نزهة المشتاق ونوه بدورها في الجهاد ونشر الإسلام وإلى أسرة بني صالح هؤلاء تنسب مدينة كنبي صالح لدى السكان المحليين مما يدل على أن لهم تاريخا حافلا بقيت أصداؤه لقرون طويلة وارتبطت بهم المدينة في أذهان السكان وبقيت «غانة» حتى ضربها «الصوصو» سنة ١٢٠٤م، فهاجر جمهور سكانها إلى ولاته ولم تزل قائمة حتى آخر القرن التاسع حيث خربت وهجرها السكان بسبب التصحر والجفاف.
[1]ابو عبيد البكري كتاب المغرب ص 175
[2]نزهه المشتاق في اختراق الافاق لمحمد بن علي الادريسي ج ١ ص 38
مجلة الأدب الإسلامي
صدر العدد ٦١ من مجلة الأدب الإسلامي متزامنا مع الأحداث الأليمة التي تشهدها أرض الإسراء والمعراج، فجاءت الافتتاحية بعنوان «الأدب الإسلامي » وضمير الأمة لتذكرنا بالنصر الذي تحقق على الصليبيين في الماضي باعثة في نفوسنا الأمل بأن النصر مع الصبر، ومستنهضة همم الأدباء والشعراء للقيام بواجبهم في صياغة أدب إسلامي قوي يسهم في نصرة القضية الفلسطينية وقد أعلنت مجلة الأدب الإسلامي عن تخصيص عدد عن «القدس الشريف بمناسبة القدس عاصمة الثقافة العربية ٢٠٠٩م». وتضمن العدد مجموعة من المقالات والدراسات النقدية والأدبية، ومنها مقاربة النصر الشعري د. وليد قصاب، وميزان الشعر الإسلامي د. ناصر الخنين، والقصة العربية في أفريقيا لأحمد محمد عبده، ونحو منطلقات إسلامية للفن والأدب د. أحمد محمد حسن وكتب د. عماد الدين خليل الورقة الأخيرة بعنوان مشروع مقترحات المختارات من الأدب الإيماني وجاءت حديقة الإبداع في الشعر والقصة والمسرحية حافلة بعدد من الروائع في مقدمتها مسرحية «قصر في الجنة» لعلي أحمد باكثير وقصيدة «يا أطفال العالم اتحدوا»، د. سعد دعبيس، و «خاتم الأنبياء» لمحمد ياسر أمين الفتوى، وفي القصة نقرأ رائعة حميدة قطب «جنة الرعب»، وإيمان وأمومة لفاطمة شنون و «كيس من الخبز»، قصة مترجمة من الأدب الأردني وفي الأبواب الثابتة اختارت المجلة لثمرات المطابع مقالا بعنوان «أمانة الكلمة عند المبدع المسلم» د. صالح أبو عراد ، وكان لقاء العدد مع د. محيي الدين صابر وزير التعليم السوداني سابقا، وكتب محمد بسام ملص في التعقيبات نقداً لرواية ، «رحلة ابن فطومة» لنجيب محفوظ، إلى جانب طائفة من أخبار الرابطة ومكاتبها وأعضائها..
إحياء ثقافة المقاومة
ما بال الوعي الإسلامي عند بعض الشعوب العربية والإسلامية قد انصهر، وتجمد في بوتقة المكاسب المادية والمصالح النفعية «البرجماتية»؟! وصارت المنفعة هي العملة المتداولة بين أوساط هذه الشعوب، ومن ثم تجرد العربي المسلم من هويته إلى هوية أخرى - تميل إلى أيديولوجية غربية «برجماتية»، وأصبح يدافع عن تلك الهوية بأن يسير طبقاً لظروف العصر والمستجدات التي طرأت من نظام العولمة، زاعماً أن التمسك بالثوابت الدينية ما هو إلا فكر رجعي متطرف؛ لأن تلك الأصوليات - في نظره - لم تجلب سوى التخلف.
انصهار الوعي الإسلامي في بوتقة المادية والنفعية «البرجماتية» جرد العربي المسلم من هويته
الثقافة الغربية جرفت الشباب العربي الذي ابتعد عن الدين الإسلامي فغابت عنه ثقافة المقاومة
مشروع المقاومة مقدمة الإصلاح السياسي والاقتصادي والأخلاقي وتحقيق الوحدة الإسلامية
المقاومة في هذه المرحلة خيار استراتيجي وحق لكل الشعوب العربية المحتلة وغير المحتلة
نشر ثقافة المقاومة مسؤولية كل مسلم قادر
د. سيد عيسى محمد
ولأن الحداثة الفكرية محصورة في النموذج الغربي وفي المنظومة الأمريكية وما تطالب به الأيديولوجية الإسلامية في مقاومة آليات الغرب السياسية والثقافية والاقتصادية ما هو إلا ضرب من الجنون ويرى ذلك العربي أن الهوية الإسلامية لا ترتبط بإرث تاريخي أو جغرافي أو لغوي أو ديني، وإنما الهوية هي المصلحة التي تأتي من خلالها المكاسب المادية التي تحقق فائدة للبشر، وإن كانت مشروعة أو غير مشروعة بل إنه مؤمن بأيديولوجية الغرب ومعتقداته الإباحية و «البرجماتية»، على اعتبار أنها الحضارة!!
الانبهار بالغرب
الغريب أن معظم الشباب العربي - ثقافة والمسلم انخرط في تلك الثقافة الانبهار بأفكار الغرب النفعية وثقافته الانحطاطية - وناهيك عن ذلك كله إذ إن بعض الشباب العربي خلع هويته الإسلامية وطالب بالهوية الحضارية الأمريكية الغربية المتطورة، وتجديد الخطاب الديني والتطبيع مع العدو الصهيوني، والارتماء في آليات الإدارة الأمريكية، ومن ثم جرفت الثقافة الغربية هؤلاء الشباب؛ لأنهم ابتعدوا عن الدين الإسلامي الذي أصبح غريبا في بلاده نتيجة سياسة حكم الأنظمة العربية والإسلامية والعامل الأسرى «الأسرة », بالإضافة إلى التيارات التنصيرية الغربية والثقافية بكل آلياتها نحو تدمير المجتمع العربي والإسلامي لكي يفقد هويته وثقافته، ويصبح صورة مكررة من أدوات الغرب. ومن هنا تحول المجاهد الذي يدافع عن عقيدته وأيديولوجيته وهويته العربية الإسلامية إلى متخلف ومتطرف الفكر لأنه يعيش على أطلال الماضي وعصور الهجرة الأولى !! وبالتالي تحول مفهوم المقاوم أمام المحتل والدخيل إلى إرهابي بل إن الأنظمة العربية الإسلامية ساهمت في ذلك من أجل الحفاظ على سلطتها بأطول فترة ممكنة مع أن السلطة يجب أن تتداول من شخص إلى شخص، ونية الجهاد والاستشهاد بالمال وبالنفس، وبالكلمة، وبكل ما أوتي من قوة هي المكسب الحقيقي في الدنيا والآخرة.
إن ثقافة المقاومة انطمست في تلك الفترة جراء آليات الثقافة الغربية التي تستهدف هوية الشباب العربي المسلم نحو التسطيح والتهميش، وعلى كل شخص مسلم لديه القدرة على نشر ثقافة المقاومة أن ينهض بها، سواء بالمال أو بالكلمة أو بالحكمة لأن أمتنا الإسلامية بخير طالما استمسكت بالقرآن الكريم، وبسنة نبينا صلى الله عليه وسلم ، كما أن العرف يقضي بحق الفرد في المقاومة ضد أي محتل مستخرب لأنه يدافع عن عرضه وماله وأهله، وهذا حق مطلق، طبقا للأعراف الدولية ولكن السؤال الذي يطرح نفسه: كيف نعيد غرس ثقافة المقاومة في نفوس شباب الأمة الإسلامية من جديد؟ خاصة بعد استطلاع الرأي الذي أجراه مركز الرابطة الإسلامية في باكستان مع بعض الشبان المسلمين في الدول العربية والإسلامية والذي أظهر أن نسبة كبيرة منهم رافضون فكرة مقاومة المحتل الأمريكي في «العراق» والصهيوني في فلسطين !! كأنهم استسلموا للأمر الواقع، وأن الإدارة الأمريكية تجلب الحضارة الإنسانية للعرب وأن إسرائيل الصهيونية أمر واقعي وعلينا أن نتقبله وخاصة أن الحروب لم تأت بأي شيء سوى الدمار والتجويع للشعوب العربية، وأن تلك الشعوب عاجزة عن مقاومة الولايات المتحدة، والكيان الصهيوني، وهذا يدل على أن الشباب العربي في حالة من فقدان الوعي والهوية، والانهزامية، وبالتالي ستزول المقاومة، ولا تجد من يقوم بها ضد أي محتل.
تحديات كبيرة
فالمقاومة في وقتنا الراهن مطلوبة بشدة بسبب ما تمر به الأمة الإسلامية من تحديات اقتصادية وسياسية وثقافية من خلال مشروع الشرق الأوسط الكبير التي تطالب به أمريكا»، وبعض الدول العربية من أجل ترسيخ الكيان الصهيوني في قلب المنطقة، وتهميش المنطقة العربية من كل مقوماتها، وبالتالي تختفي الروح العربية الإسلامية، وشيئا فشيئا تنصهر الأمة الإسلامية في بوتقة الثقافة الغربية!!
إن المقاومة خيار إستراتيجي، وحق لكل الشعوب العربية المحتلة وغير المحتلة لأن الأمة الإسلامية والعربية في نطاق واحد مترابط وغير قابل للتجزئة، كما أن الأديان السماوية تحث على الجهاد والفكر المقاوم، فأولويات ثقافة المقاومة في هذه الظروف هي تحرير فلسطين»، وأهل غزة من حصار دائم والصمود أمام الاعتداءات الصهيونية» و«الأمريكية المستمرة على الشعبين الفلسطيني والعراقي والتصدي النهب مقدرات وموارد الدول العربية والإسلامية ومواجهة سياسة تجويع الشعوب العربية؛ لأن هدف الغرب الأساسي هو القضاء على الدين الإسلامي، وعلى المقاومة الإسلامية وثقافتها: لأنها الوحيدة الباقية والراسخة في نفوس بعض الشعوب العربية والإسلامية.
مقومات النجاح
فضلاً عن ذلك، فإن مشروع المقاومة أثبت أنه يمتلك مقومات النجاح، وإذا اقتنعنا بأنه من المستحيل عملياً مواجهة آلة الحرب العسكرية والسياسية والاقتصادية الأمريكية والصهيونية بالجيوش أو بالتحديات السياسية والثقافية والفكرية والثقافية فهذا يعد جهلا بتجارب الأمة الإسلامية التي أكدت أن المقاومة الإسلامية استطاعت أن تبرز وتأخذ مكانها، وهذه المقاومة سوف تحقق نوعاً من التصدي والصمود يمنع وصول المنحنى الحضاري الإسلامي إلى نقطة الهبوط والعزلة الجبرية أمام أيديولوجيات وآليات الغرب.
كما أن هذه المقاومة سوف تزيد وعي الشعوب الإسلامية، وتلهب حماسها بالتحديات التي تحيط بها، وتوقظ هذه الشعوب من سباتها العميق المستغرق في بهرجة الغرب الزائفة بحضاراته المستخربة التي تحمل السموم للأمة الإسلامية، وتعالج الأعضاء المعطوبة في الجسد العربي والإسلامي، ولا شك أن ذلك سوف يزيد قدرة هذه الشعوب على انتزاع حقوقها السياسية والاقتصادية والثقافية.
مقدمة الوحدة
ومن هنا، فإن مشروع المقاومة هو المقدمة الأولى والصحيحة للإصلاح السياسي والأخلاقي وعلى نفس المنوال نحو التقدم الاقتصادي وتحقيق الوحدة الإسلامية العربية الحقيقية، وليست الشكلية، والعمل على التكافل بين أبناء الأمة الإسلامية، والنهوض بطاقة الابتكار العلمي والتكنولوجي أيضا، وهكذا فإن مشروع المقاومة وإشاعة ثقافته: هو الأسلوب الصحيح شرعاً وواقعا. أما التخلي عن الجهاد والمقاومة فإنه يعني الإبادة والتدمير والنهاية الحضارية وتحويل المسلمين إلى عبيد أو قتل الجزء الأكبر منهم، وهذا ما يحدث في معتقل «جوانتانامو»: لأنه خصص للمسلمين فقط، وكذلك في سجون شرق أوروبا وغربها التي خصصت للمسلمين المتمسكين بالجهاد وبثقافة المقاومة، وأيضا في السجون الصهيونية» في «فلسطين», وفي «العراق»، فالمقاومة نتيجتها : إما النصر وإما الشهادة، وحتى لو كانت النتيجة هي الهزيمة فإن خسائر الهزيمة لن تكون أسوأ من حالة الانبطاح والتسطيح والتهميش وعلى الأقل هناك التجربة التي يمكن أن تقوم بها الأجيال القادمة إذا غرسنا في أنفسهم حب الإيمان والتضحية والفداء من أجل الدين الإسلامي والمسلمين، وهي أغلى تضحية يظفر بها إحدى الحسنيين وفي النهاية فإن مشروع ثقافة المقاومة سيكون بداية لتحرير العالم عامة والإسلامي العربي خاصة من الهيمنة الأمريكية، ووطأة الظلم الصهيوني، وهذا سوف يرفع أسهم الدين الإسلامي عالميا ويزداد الدخول فيه أفواجا، رغم الإساءات المتكررة له، بل يمكن أن يتحول الإسلام إلى أيديولوجية لكل المستضعفين والمناهضين للرأسمالية والعولمة وبالتالي فإن الجهاد والمقاومة سيكونان طريقاً صحيحاً لتصحيح وعي الأنظمة العربية والإسلامية وكذلك شعوبها..