; المجتمع الثقافي (1346) | مجلة المجتمع

العنوان المجتمع الثقافي (1346)

الكاتب مجلة المجتمع

تاريخ النشر الثلاثاء 20-أبريل-1999

مشاهدات 41

نشر في العدد 1346

نشر في الصفحة 52

الثلاثاء 20-أبريل-1999

إعداد: مبارك عبد الله

الشاعر عبد العليم عيسي:

إنني أحيا لأعطي دمي للمستجير

القاهرة: محمود خليل

عبد العليم عيسى، شاعر أصيل ينتمي إلى هذه الأمة لحمًا وعظمًا، ويذوب في قضاياها همًا والمًا، ويتمنى لو تحولت كلماته إلى قبضات قادرة ينتهي معها أنين المظلومين وترعوي عندها جحافل الظالمين عاش عمره يحلم بغد يفتح علينا فيه ربنا عز وجل لنطرق أبواب «القدس» بعد ليل الرقاد الطويل، لكنه فارقنا العام الماضي قبل أن يتحقق أمله.

ولد عبد العليم عيسى في قرية كفر المياسرة التابعة لمحافظة دمياط شمال مصر، في ٢٠ من مارس سنة ١٩٢٠م، حفظ القرآن الكريم في كتاب القرية، ثم: في تعليمه الأزهري إلى أن حصل - تدرج في: على ليسانس اللغة العربية ودبلوم معهد التربية العالي.

ومنذ بدأت رحلته الإبداعية في النصف الثاني - من ثلاثينيات هذا القرن وإلى أن رحل عنا في ٢٨ أغسطس الماضي.. وهو الشاعر المتفرد صاحب «الألحان الملتهبة» حتى عندما غنى لقريته وذكرياته، وعندما داعب أحلامه وطموحاته، أو رثى. أصدقاء وأصفياء. كانت الحانه ملتهبة تعانق أشواق المكدودين، وتمس دموع البائسين والمكروبين.

وكانت الحانه ملتهبة عندما تأمل الحياة - والممات.. والكون والوجود والإنسان فحواها بحثه الثاقب عن اليقين في كل شيء، وولوعه الملتاع بقرارة الموجة الَّتي يتتابع تذبذبها على وجه الماء الطهور.. ولهذا يقول عن نفسه من أول يوم... وفي.

أول ديوان:

إنني أحيا لأعطي من دمي للمستجير 

وأزيح الشحب الدامي عن القلب الكسير 

وأشيع الفرحة الكبرى بأعماق الصدور 

أنا للناس وهم لي، وبهم يحيا سروري

صدرت له خمسة دواوين هي: «ألحان ملتهبة» و«الحياة أغني»، و«بعض نفسي»، و«لهذا أنا أحياء»- و«مسافر بلا زاد».

كما فقد مجموعة أخرى من أشعاره غير المنشورة تكفي لإصدار دواوين عدة، وترك مجموعة ثالثة تزيد على ما سبق كله.. وقبيل رحيله وفي العام ۱۹۹٧ صدرت المجموعة الأولى من أعماله الشعرية الكاملة بالقاهرة.

مع الألحان الملتهبة

كان المجهول يروقه ويشوفه دائمًا، يحيا له متحفزًا كالمجاهد الَّذي يضع أصبعه على الزناد أبدًا.. يقول: 

أحيا على الدنيا بقلب ثائر 

لا يستريح ولا يريح كياني

النار في قلبي وبين جوانحي

تمتص أفراحي بألف لسان

 وأذيب روحي في غنائي والهًا

كالطائر المتفجر الولهان

أنا ذلك الوتر المجرح شدوه 

طالت عليه مرارة الأحزان

 وما ثورته تلك إلا نصرة لقضايا الوطن والإنسان، فقد كان رجلاً من أصحاب القيم الخاصة، كان شخصية حصينة تحيا من مبادئها ومقوماتها في سموق لا تملك حياله إلا الاحترام والتقدير، ولهذا فمهما اختلفت معه في الرأي أو تباينت بينكم الرؤى لا بُدَّ من أن تنتهي المسامرة أو المناظرة معه إلى احترام متبادل.

وحين أطلق لوعاته مع المقهورين من مواطنيه الَّذين تدهسم الأقدام الغليظة، وتشرخ جلودهم سياط العتاة قال:

إنا وأنتم مرهقون مفزَّعون على الحياة

 تمتصنا البلوى ويلهب ظهرنا سوط الطغاة

 متهالكون كأننا نمشي جياعًا في فلاة

 الكل يطفح بالتفجع والتوجع والشكاة 

ومعي الملايين الأبية تشقى وتقدمها البلية

ثم يبحث مع الملايين عن طريق الخلاص ويسبح معهم إلى شاطئ النجاة فيقول:

يا صاحبي تلك الحياة لنا فهيا قم معي

 ودع الشكاة.. فلن يفيد الشكو قلب الموجع

 سنظل نشكو إن رضخنا للأسى والأدمع 

إنا بأيدينا الخلاص، فقم نقاتل أسرع

 حتى نغني للحياة نغمًا يباركه الإله 

حتى الحب، كمحور أساسي من محاور الإبداع عند الشاعر لم يكن قضية إبداعية قوامها الظلال والشجون والجمال القريب أو البعيد، مما يستبي معظم الشعراء كقضية خشية تستنزف التجارب، وتستثير الصور والأخيلة.. كلا.. لقد كان الحب عند عبد العليم عيسى غرضًا إبداعيًا فسيحًا، يستوعب الشجون الإنسانية وهموم المصير، ويفتح ذراعيه للحياة الواسعة.. فكما أن الألحان الملتهبة عند عبد العليم عيسى، لم تكن تمردًا على الحياة وخروجًا على أطرها، وخرقًا لمصائرها ومجرياتها، كذا لم يكن الحب عنده انغماساً مغلقًا أو انكبابًا ضيقًا على تجارب تضج باللذة، أو تنوء بالحس القريب.

إنما شكلت هذه الثنائية «الثورة - الحب» عند شاعرنا خصوصية عذبة، كاتحاد الهيدروجين والأوكسجين لتكوين الماء.

يخوض التجارب جميعًا بهذا الوقود الحي. ويتحدر على الدنيا جميعًا من غمام واحد: 

كنت للمقهورين قلبًا وفيًا

كنت كاشفًا عنهمو الغواشي الثقيلة

كنت للنازح الغريب دليلًا 

كنت للجائع الهزيم خليله

كنت حربًا على الطغاة 

على القيد على كل خائن موصوله

وحوالينا كل شيء ينادينا 

لنذكي في الشعب روحًا أصيلة

يتحدى بها السقوط ويعدو

نحو نور الحرية المأمولة

وهكذا ينصهر الشاعر الإنسان في مفردات الكون، ويتكون في عوالمه لغة جديدة، تتساوق حروفها في أبجدية متكاملة، وتنشيأ كلماته على ألسنة المخلوقات يتنفس من خلالها نجواه وشكواه:

في الصبح استجلي بشائره

فتهزني الأنغام والأمل

في الحقل وهو يموج منتشيًا

وعليه سرب الطير محتفل

في رقصة الأمواج يدفعها

للشاطئين الحب والجذل

 في غضبة الأحرار قد هتكوا 

حجب الظلام فأهوت السُّدل

حيٌّ انا... يا فرحتي بدمي

يسري بأوصالي وينهمل

وبأنني روح مجنحة

بطيوب زهر الروض تغتسل

كان الحزن سمة عامة تغلف أشعار عبد العليم عيسى، وكان تأمله شجوًا لمآسي المعوزين، وأنين المظلومين، وربما لانكسار أحلامه وطموحاته في غدٍ تنهضُ فيه الشعوب من كبواتها.

وربما لأن قيود «القدس» الأسير كانت مادة ساخنة لإبكاء شاعرنا، واستثارة أحزانه الَّتي لا تجف، لهذا فهو لا يلام على حزنه وأنينه ولا يعاتب على فلسفته الموجعة للأشياء. 

يا صاحبي إنني كسير

مكبَّل مثقل الجناح

فكيف أشدو وفي فؤادي

بلوى وفي مهجتي جراح

حبستني ثم قلت غنٍّ 

وما بقلبي سوى الجراح

وكان شاعرنا يتعلق بالتجارب الكبار، الَّتي تعتصر الشاعر، وتصفيه تمامًا.. وحينئذ... يشعر الشاعر أنه مطلق إلى المدى الَّذي لا ينتهي.. ومن قصيدته «الوجود» يقول:

هذا الوجود الَّذي نشاهده

بكل أسراره أتعرفه

مثل المحيط البعيد شاطئه 

كيف بملء اليدين تغرفه؟

وينتهي من فلسفة هذا الوجود، إلى حوار روحي ملؤه الصفاء والمكاشفة فيقول:

الحقُ دانٍ وأنت مبتعدٌ

تصده زاهدًا وتعطفه

وكل ما ترتني تجادله

تغوص في كنه تفلسفه

لا تجهد النفس بالسؤال عن الـ

مجهول ما دمت لست تكشفه

وتبلغ فلسفة شاعرنا مداها، حين ترق إنسانيته، فيطلق بها روحه في هذا الكون من بدئه إلى منتهاه، ويورق أشعارًا وأزهارًا هي في مجموعها «مشاعر الإنسان الواحد»، الَّذي شاء الله له أن يكون حين خلق الناس من ذكر وأنثى وجعلهم شعوبًا وقبائل ليتعارفوا.. فيقول:

عمر هذا الكون عمري وسأفنى حين يفنى 

فأنا منذ ابتداء الكون في الأشياء معنى

غير أني صرت في الرحلة قلبًا يتغنى

ورفاتي سوف يغدو أبدًا أرقى وأسنى 

كل من في الأرض أحبابي وصحبي

بيننا وشجت القربي وأشواق المحب 

وهمو رغم ثنائيهم هنا في كل قلبي

نحن صنوان تأخينا على بعد وقرب 

ولم تكن فلسفته فلسفة جافة أو جامدة... أبدًا.. إنما كانت إلى العمق الدافئ أقرب منها إلى التعقل البارد.. 

كتب يومًا إلى صديق هوى في وهدة من كبوات الطريق فالتمس له شاعرنا عذرًا بدافع الحب القديم بينهما وفيها نجد صورة إنسانية لشاعرنا، ومن ثناياها يلوح مذهبه الأدبي.. قال:

أنا لا الومك يا أخي 

مهما فعلت من الصغائر

بل سوف أغفر دائمًا

إن الكريم النفس غافر

كن كيف شئت فإنني

أبدًا على المكروب صابر

 - نفسي تساوى عندها

نسم الأصائل والهواجر -

جريت حتى أعتدت أني

لا أفاجأُ بالدوائر

وأخذت أيَّامي بفكر

مفلسف ويقلب شاعر

وأنا الَّذي يسقيك من 

نبع المحبة والمشاعر

ويموتُ كي تحيا ويا

سی کی تحالفك البشائر

أظننت أنك رابحٌ

لا يا أخي.. بل أنت خاسر

القدس ميدان الشرر

وكانت قضية «القدس الشريف» والجهاد على أرض فلسطين من أهم ينابيع اللهب الإبداعي عند عبد العليم عيسى، فقد خاطب الحجر الفلسطيني. وناجاه قائلًا:

أكرمتني ورددتني لكياني 

من بعد طول تغربي وهواني

وأعدت أجنحتي إلىَّ وطالما

أهويت من ضعفي ومن خذلاني

ثم يقول للشعب الفلسطيني المجاهد:

بورکت یا شعب النضال فإنني 

بك صرت مرتكزًا على إيماني

 آمنت بعد ضلالَّتي وتحيري

في التيه أني قد ملكت عناني

ثم تنبأ بالوطن الفلسطيني القادم لا محالة على أسنة الرماح ونزف الجراح فقال:

 

مطر الحجارة بعد حين مُخْصب

وطناً من الإمحال ظل يعاني

والنهر إن تحبسه عن جريانه

فمصيره حتمًا إلى الفيضان

ولذلك فإن سخريته الكبرى كانت من «العجلة» الَّتي لا تدور، وإذا دارت فليغير حسابنا.. إنها عجلة «السلام» الكاذب.

 يقول في قصيدته: «استسلام أم سلام»:

لا سلم والقدس والجولان ما برحا 

يدميهما الجرح يغلي فيهما اللهب

لا سلم والشعب لم يسمع لكلمته

 فكل حكامه عن رأيه رغبوا

ضاعت فلسطين باسم السلم واندثرت

 فيا سماء اشهدي ما يصنع العرب 

والهوان العربي كان حجراً جاثماً على صدر - شاعرنا الراحل، لذا كانت مصائب أمته تلجمه حين تحل بها واسعة عميقة لا تقوى عليها تجربة الشاعر الإنسان.. عندئذ ليس بعيدًا . أن يلجم قيثارته أو يند تجربته الولود. 

لا.. لا تلمني إذا أخرست قيثاري

ماذا تفيد آلا حيني وأشعاري

في أمة عن طريق النور راغبة 

تهيم في الليل حيرى دون أوطار

تبلدت واستكنت في تبلدها

وغيرها عزمه مستوقَدْ النار

لو كان في يدها صنع الحياة لما 

كان اليهود هنا في مكمن النار

وَيْلِيِ على أمة ضلت مسالكها

فهومت كقطيع في الدجى ساري

الزاد الأخير

وكان شاعرنا الراحل برغم ثقافته العلمية وفلسفته لأغراض الحياة وسيره كنه المفاهيم والأشياء، كان على الرغم من ذلك قويًا في إيمانه وتسليمه وتفويضه الله رب العالمين.

وقَدْ أحسسنا - نحن تلاميذه في سنواته الأخيرة، أنه قد عاش قضية الموت بصورة كاملة فنعى أصدقاء الراحلين، ونعى حياته الخاصة والعامة، وتأمل رقدته الأخيرة، فبدأ يطوي جناحين يا طالما حلقا في الفضاء البعيد، وأصبح وأمسى - برغم حبه للحياة - يعب من المرارة كأسًا ثقيلة يتجرعها في دنيا المعايير المختلة، وربما زاد من مرارته تلك أنه بدأ يستشعر خطأه في عدم الزواج؛ حيث أكلت القراءة والإبداع عمره دون أن يشعر، فقال مقاله الأخير.. بل وأفرد لذلك ديوانه الحزين «مسافر بلا زاد» ومنه يقول:

قريبًا يحين الرحيل

وهل ينفع الندم الآن بعد فوات الأوان

 فلم يبقَ إلا اغتفار القدر

فرحمتُهُ وسعتْ كلَّ شيء

وعمت جميع البشر

قريبًا يحين الرحيل

ومالي ولد

إذا مت يدفنني ويهيل على التراب 

ويقرأ بعض الكتاب

وتنهل أدمعه فوق قبري

ويغرس فوقي أزاهير يروي شذاها جفاف الغياب

فينعش روحي بقرأنه

ويطلقها في فضاء الرحاب

 بل إنه يستعد لاستقبال «الزائر الأخير». الموت.. ويفلسف قضية الموت بعمق وإقبال لا يتوافر إلا لمؤمن حق الإيمان..

أيها الزائر الأخير على الرحب 

تقدم وضم صدري إليكا

لن تراني إذا أتيت جزوعًا 

أتوقى السهام في ناظريكا

فارقنا الشاعر الكبير عبد العليم عيسى.. بعد أن ترك ديوانًا ضخمًا، حلق فيه في سماء الشاعرية العالية، وجنح فيه بين الأصالة والتجديد، بلغة خاصة، وحصانة أخلاقية قل أن تتوافر الشاعر في زماننا. 

 

 

كوسوفا

شعر: د. عدنان علي رضا النحوي

لأليُ في السُفوح وفي الجبالِ *** وَطَيْفُكَ مِنْ جَمالك والجلالِ

على ربواتك الشهداء جادوا *** فكانوا كالجواهر واللآلئ

دماؤكِ يا كسوفا! أيُّ نورٍ *** سرى منها يموجُ بكلِّ غالِ 

دماؤك با كسوفا! أيُّ عطرٍ *** نشرت على الربي عبق الليالي

وأين روائع التاريخ تجري *** محملة بأشواق المعالي

و أبن مضاجع الشهداء فيها *** تعيد جلال أيَّام خوالي

على ساحاتك الخضراء ماجتْ *** ملاحم في السهول وفي الجبال

 تمرُّ بك القرون تظلُّ تروي *** فواجع جزن آفاق الخيال

كانَّ الأمس عاد اليوم حيًّا *** تدفق بالدماء وبالغوالي 

وأكوام من الأشلاء تعلو *** وأحزان تطوف بها ثقال

وصيحات الأرامل والثكالى *** على هول العواصف والصِّيال

وكم مِنْ غادةٍ حسْنَاء عفَّتْ *** على طهر العزيمة والدَّلال

غزاها المجرمون وجردوها *** على قهر الجريمة والفعال

وأطفال تهيم بكل شعب *** وأشواق مررن بها عجال

تطاردها الفواجع؛ حيث تمضي *** وأصداءُ الملاحمِ والقتالِ

فكمْ طفلٍ تلفَّتَ أين أمي؟ *** وأين أبي وعمي ابن خالي

واين...؟ وغاب واضطربت رؤاه *** لتطوى في الدموع وفي انهمال

فكم من دمعة روتْ *** دروبا مشاها كم أسى كم من سؤال

وكم من حُرْمَةٍ في الصدر أضحتْ *** تفجر باللهيب وباشتعال 

فيأخذُ من بساطِ الأرضِ صدراً *** يحنُ عليه من وهنِ الكلالِ

ويلتحفُ السماءَ وهلْ لديهِ *** بقية عزمة عند ارتحال

وينظرُ في مدى الآفاق يحيي *** عزيمته بآمال طوالِ 

تلفَّتْ أين عهدُ اللهِ يبني  *** بدارِ المسلمينَ عُرَاَ الوصالِ

و أين كتائبُ الإسلامِ أضحت *** مقطَّعة الوشائجِ والحبالِ

أيعبثُ في محارمنا ذئابٌ *** وتنشب من مخالبها الثعالي 

عجبتُ ويشفقُ النائي عليهم *** ويقبل كلُّ محتالٍ وقاليِ 

ويغفو المسلمون على هوان *** كأنك لا ترى أحداً يُبالي

أمات هوانهم آمال عزٍّ *** ونخوة منجد وهوى النزالِ 

فكمْ رجلٍ لهُ بالموتِ عمرٌ *** وكمْ تحيي الشهادة مِنْ رجال

 ويدفنُ في الحياة أخو هوان *** يموت من الهوان بلا قتال

 ولا تهبُ الزخارف أي نصر *** ولا يدني الشعار من النوال 

فكمْ ضجَّ الشعار على فضاء *** وغاب عن المواقع والنزال 

رويدك يا كسوفا كم رأينا *** بأرض البوسن قبلك من مثال

غزاة الصرب والكفار مالوا *** بأحقادٍ تفجرُّ بالضلال

ديار البوسنة والهرسك أفيضي *** وقولي كم بلوت من التقالي

 لقد تخذوا الدِّيانة باب حقد *** بما كذبوا وحاكوا من حبال

فيخفون المطامع في صدورٍ *** ويبدون العداوة بالنصال

هي الأهواء والدنيا عُروض *** تجمع من دعي أو موال

دماؤك يا كسوفا أین تجري *** وأين تصب من صحب وآل

 تصبُّ بأبحرٍ من كلِّ صوبٍ *** دماء المسلمين بذل حال

فكم من ساحة في الأرض صبت *** دماً من مسلم غاف وسال

 إذا هانت نفوس القوم هانتْ  *** دماؤهم ومالوا للنزال... 

.. يا أخت الإباء تجلدي

شعر: زكي بن صالح الحريول (*)

عد.. يا قصيد إلى ربيع حياتي *** واسكب مداد العمر من عبراتي 

عد.. يا قصيد فمن هجرت مدائني *** هدت رباي غمامة النكبات 

عشرون عاماً كنت فيها أزاهري *** نحو الحبيب وللعدو قناتي

 سفري طويل والحياة كليلة *** وقتلت لي وسط الطريق حداتي 

عد أن كوسوفا الجريحة تصطلي *** فافتح سجل القهر في صفحاتي 

«كوسوف» ما انت الوحيدة فاصبري *** فظهورنا حفر من الطعنات 

كم لطخت أوطاننا بدمائنا *** وهوت مآذننا على الساحات 

واستنجدت صرخاتنا همم الورى *** حتى لفحنا الكون بالزفرات

 كوسوف، قولي للصغار نحيبكم *** كالخنجر المسموم في خلجاتي

وعويل ربات الحجال تركنني *** كالطفل لا يهوى سوى الدمعات 

مأساتكم ظلم العدو وجوره *** والبعد عن أوطانكم مأساتي 

كوسوف، يا أخت الإباء تجلدي *** لا تقبلي بالذل قهر عداة 

واروي أناشيد الصمود لامتي *** أو كيف نحفظها بغير رواة؟

هيا أعيدينا رجال مواقف *** تستقبل الأزمات بالعزمات 

ادري بان الخطب جرح غائر *** لكن حشود الصبر خير أساة 

قولي لأرباب السلام كفاكم *** عزَّ الصليبُ ونكست راياتي 

في الجو غارات لها إيهامها *** أخفت رماح الصرب في الفلوات. 

قوموا اقرأوا التاريخ ويح قلوبكم *** واستنطقوا أحداثه بأناة 

تالله ما نزلت بقومي نكبة *** إلا رأيت لغدرهم بصمات

كلت مواويل السلام نفوسنا *** فاليوم نلعنها بكل شفاة

«كوسوف» ها أنذا امتطيت صحائفي *** ولغزو حزنك اسرجت ابياتي 

كوسوف، ها أنذا أريق مدامعي *** فخذي من الألم الدفين وهاتي

هاتي دماءك كي اخط لامتي: *** «عاث الصليب بحرمتي وصلاتي

ما جرأ الأوغاد إلا صمتكم *** فمضوا بأرجلهم على هاماتي 

أسرت سيوف الحق في أغمادها *** فعلام يرجى النصر في الغمرات

كوسوف، عودي للإله واطفئي *** جمر الأسى بمدامع الدعوات

ولسوف نجني النصر رغم أنوفهم *** لكن بحد السيف والآيات 

.. برقية عاجلة

شعر: محمد أبو دية

كوسوفا لن ترضى الدنية *** والشعب أصحاب القضية

كوسوفا يغشاها الظلام *** فالطف بها ربَّ البرية

الصرب حقد أسود *** لم يرحموا دمع الصبية

قتلوا شيوخاً ركعاً *** والشعب صار بلا هوية

لما تسلح بعضنا *** عاشت شبيبتنا الأبية

خرجوا إلى ساح النزال *** والكل يحضن بندقية

الله أكبر زلزلت *** أركان صرب العنصرية 

وتوالت الضربات فوق *** رؤوس جيش البربرية

لكن رجولتهم هنا *** في قتل «عزة» أو «سمية»

أو ذبح أطفال صغار *** سالت دماؤهم الزكية

يا رب سدد رمينا *** واجعل عزائمنا قوية

 النصر غايتنا، نعم *** او جنة الله العلية

الرابط المختصر :