; المجتمع تفتح حوارًا حول: وسائل تغيير المنكر | مجلة المجتمع

العنوان المجتمع تفتح حوارًا حول: وسائل تغيير المنكر

الكاتب محمد عبد الهادي

تاريخ النشر الثلاثاء 05-يوليو-1988

مشاهدات 16

نشر في العدد 873

نشر في الصفحة 26

الثلاثاء 05-يوليو-1988

إقرار الدولة للمنكر لا يغير من كونه منكرًا

 ضيف ركن الحوار لهذا العدد الدكتور عجيل النشمي الأستاذ المساعد بكلية الشريعة والدراسات الإسلامية في جامعة الكويت.. التقت به المجتمع وطرحت على فضيلته أسئلتها الخاصة بأساليب تغيير المنكر، وقد تفضّل بالإجابة؛ وذلك كما يلي:

المجتمع: ما واجب المسلم بالنسبة لتغيير المنكرات؟

د. عجيل: المنكر قد يكون قضية فردية لا يطلع عليه أحد غير فاعله والله رقيبه، فهذا منكر مستور، لا شأن للمسلم في تقصده والتجسس على فاعله لكشفه وفضحه بحجة إزالة المنكر، ولذلك اعتبر الفقهاء الظهور والعلانية شرطًا في المنكر المراد تغييره، فلو أن إنسانًا أغلق عليه بابه واقترف منكرًا، لا يجوز أن تقتحم داره أو يتجسس عليه ما لم يظهر ما يدل على وجود منكر دلالة قاطعة كصراخ واستغاثة أو ظهور أشخاص من مخمورين وما إلى ذلك. 

فالمنكر الذي نحن بصدده هو المنكر المعلن، أو ما يمكن أن نسميه المنكر الاجتماعي وهذا ابتداء مسؤولية تغييره داخل في أمر السلطة أو الدولة، فهي المسؤولة عن حفظ أعراض الناس وأموالهم فتأخذ على يد المتسبب فيه بالأسلوب الذي يتناسب وهذا المنكر. 

 وتغيير المنكر الاجتماعي فرضيته كفائية، فإذا لم تقم الدولة بتغييره فإن واجب القادرين على تغيير المنكر لا يسقط عنهم. فالمسئولية جماعية، وهذا ما يبينه حديث النبي -صلى الله عليه وسلم- المسمى حديث السفينة «مثل القائم على حدود الله والواقع فيها كمثل قوم استهموا على سفينة فكان بعضهم أعلاها وبعضهم أسفلها، فكان الذين في أسفلها إذا أرادوا أن يستقوا من الماء مروا على من فوقهم فقالوا: لو أننا خرقنا في نصيبنا خرقًا ولم نؤذ من فوقنا، فإن تركوهم وما أرادوا هلكوا وهلكوا جميعًا، وإن أخذوا على أيديهم نجوا ونجوا جميعًا». 

 ويفهم من هذا أنه إذا عم الفساد في دولة، وسكتت عنه أو شرعت القوانين لحفظه وإقراره، فهل هذا الإقرار ينفي أن هذا الأمر وصفه منكر؟ 

الصواب أن إقرار الدولة للمنكر لا يغير من كونه منكرًا، لأن اعتباره كذلك أو عدم اعتباره إنما هو من صلاحية الشرع لا من أعراف الناس ولا من قوانينهم، فالمنكر منكر بالشرع إلى يوم الدين، والصلاح صلاح إلى يوم الدين، فالحسن ما حسنه الشرع والقبيح ما قبحه الشرع. 

فلا تسقط والحال هذه وجوب تغييره بما يناسبه.

المجتمع: ما هو الأسلوب الأجدى في هذا الزمن لتغيير المنكرات؟ 

د. عجيل: أما عن أسلوب تغيير هذا المنكر فإن من المنكرات ما يكفي فيه التغيير الفردي فهذا واجب الفرد، ومنه ما لا يغني فيه إلا الجهد الجماعي، فهذا واجب الجماعة كما يفهم من حديث السفينة السابق الذكر، والجماعة هذه اسم عام لكل من نذر نفسه للإصلاح وكان أهلًا له واتبع أساليبه المشروعة، وعلى هذا فإن كان المنكر في دائرة الفرد فعلى الفرد أن يغيره إن استطاع بیده ثم بلسانه ثم بقلبه تبعًا لحديث النبي -صلى الله عليه وسلم- المشهور، وإن كان في دائرة المنكر الذي يغير بواسطة الجماعة وجب على الجماعة تغييره وجوبًا كفائيًا، فإذا قام به البعض سقط عن الباقين، وإن لم يقم به أحد أثم الجميع. 

 فإذا تقاعست الدولة عن تغيير المنكر، وجب على الناس أفرادًا وجماعات وجمعيات وهيئات أن تطالب بتغييره باعتبار أنه منكر شرعًا، وأن ضرره يلحق المجتمع بأسره، وتظل المطالبة بتغييره ما دام المنكر موجودًا. 

وأسلوبها في ذلك الوعظ والإرشاد وبيان أضرار هذا المنكر وآثاره السيئة على الفرد والجماعة.

والدول الحكيمة تحرص على إرضاء الجموع، لأن الشرعية إنما اكتسبتها الدولة منهم وبواسطتهم.

 وأما الدول التي لا تجعل لكلمة الجمهور وزنًا، فإن ذلك يورث هذه السُلطة ضعفًا ونقمة، وعليها أن تتوقع أن يجيد بعض المعارضين لإقرار المنكر عن طريق الحكمة إلى خلاف الحكمة من الموعظة الحسنة.

● هناك بعض الجماعات الإسلامية تدعو إلى تغيير المنكر باليد والإصلاح بالقوة.. ما رأيك بهذا الأسلوب؟

د. عجيل: تأسيسًا على ما سبق أقول إن الجماعات التي تنهج التغيير باليد إنما تتحمل دولهم نصيبًا كبيرًا في حملهم على هذا الأسلوب، إذ كان واجبها أن تسد هذه الثغرة. 

 وهذا لا يعني أن أسلوب هذه الجماعات هو الأسلوب الأمثل الصحيح، فإن اعتبار هذا الأسلوب هو الأصل على إطلاقه خطأ فاحش، فإن قاعدة تغيير المنكر التي ينبغي أن يكون التحرك والفهم في إطارها هي أن تغيير المنكر المقصود منه جلب مصلحة أو دفع مفسدة، فإذا ترتب على إزالة المنكر أو محاولة إزالته فوات معروف أكبر أو مصلحة أكبر أو حصل منه منكر أكبر، أو فتنة أعظم، فلا يجوز الإقدام عليه ولا يعتبر حينئذ عملًا جائزًا، لأنه ناقض قصد تشريع إزالة المنكر.

 وهذا كله تبعًا لنوع هذا المنكر، ولو أن كل فرد أو جماعة اتبعت أسلوب التغيير باليد وحده، فإن ذلك بلا شك يؤدي إلى إضطراب وفوضى لا يمكن إقرارها.

وليس معنى هذا أن يقر القائمون على أمر تغيير المنكر هذا الواقع، وإنما الواجب عليهم أن ينظروا في جدوى وسيلتهم وأسلوبهم ومدى تناسبه مع نوع المنكر، والوسيلة الأنسب له، فإذا لم يسعه التغيير باليد يسعه التغيير باللسان، والكلمة والكتاب والصحيفة، فإن لم يسعه أو لم يمكن ذلك فيكره في قلبه ويستعين بالله. 

المجتمع: بعض الحكومات تستغل محاولات بعض الجماعات الإسلامية للتغيير باليد.. فتضرب الحركة الإسلامية كلها.. فما رأيك في هذه الحالة؟

د. عجيل: لا يؤخذ الناس بجريرة غيرهم، وهذا الأسلوب الذي تتبعه بعض الدول أسلوب خاطئ، لأنه يجعل من المسالم لها المعين على الخير خصمًا أو عدوًا، فتزيد رقعة الخصوم على نفسها وهذا ليس من الحكمة في شيء، وقد يسعها أن تكون هذه الجماعة أو غيرها عونًا لها على تصحيح المسار بالحوار والحكمة والكلمة الرائدة. 

وواجب الدعاة في مثل هذه الأحوال أن يبينوا ويعلنوا بوضوح منهجهم وأسلوبهم وأهدافهم وأن يلتزموا بها في كل حال.

المجتمع: أخيرًا.. كيف يتعامل المسلم مع حالات التغيير وفق هذه الملابسات والظروف؟

د. عجيل: إنما يجب على المسلم تغيير المنكر فردًا كان أو جماعة بالقدر المستطاع، ولا يطالب أبعد من ذلك.

فإن استطاع تغيير المنكر وفق الضوابط السابقة فقد أدى ما عليه، وإن لم يستطع إلا في حدود أقل فقد أدى ما عليه ما دام القدر المستطاع، ويستعين في كل الأحوال بالصلة في الجهة التي تملك التغيير الكامل، فقد تغيب عن المتصدرين بعض السلبيات ولو بين لهم بالحكمة لتغيرت كثير من الأحوال الخاطئة، ويستعين لها أو عليها بالدعاء حسب الأحوال والله المستعان.

المجتمع: جزاكم الله خيرًا.. وإلى اللقاء في مرة أخرى.. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الرابط المختصر :

موضوعات متعلقة

مشاهدة الكل

لم كل هذه الحرب؟

نشر في العدد 2

38

الثلاثاء 24-مارس-1970

شكر وتقدير

نشر في العدد 3

31

الثلاثاء 31-مارس-1970