; المحكمة الجنائية الدولية.. ولدت جائرة! | مجلة المجتمع

العنوان المحكمة الجنائية الدولية.. ولدت جائرة!

الكاتب محمد جمال عرفة

تاريخ النشر السبت 14-مارس-2009

مشاهدات 23

نشر في العدد 1843

نشر في الصفحة 14

السبت 14-مارس-2009

قراراتها مثال حي على ازدواجية وفساد المعايير.. بامتياز

عندما نشأت المحكمة الجنائية الدولية بموجب اتفاقية روما «۱۷يوليو ۱۹۹۸م» وبدأت عملها في أول يوليو ۲۰۰۲م كأول محكمة جزاء دولية دائمة بدلا من قيام مجلس الأمن بتشكيل محاكم خاصة المحاكمة مجرمي الحرب في العالم، استبشرت بها الدول الضعيفة خيرا وظنت أنها ستنصفها من ظلم الدول الكبرى، وتعيد التوازن إلى العالم.. وبمرور الوقت اتضح أن هذه المحكمة مسيسة» من الغرب، وأنها تحولت إلى أداة في يد السياسة الخارجية الأمريكية والأوروبية لتركيع الدول الضعيفة، وليس العكس كما كان مأمولا!

المحكمة الجنائية الدولية.. ولدت جائرة!

قرارات المحكمة أصبحت عصا للسياسة الأمريكية والأوروبية لإخضاع الدول الضعيفة وليس العكس كما كان مأمولا

جرائم إبادة المدنيين الصوماليين جرى التعتيم عليها لأن القوات الإثيوبية تحركت بطلب أمريكي!

«أوكامبو» رفض طلبات خاصة للتحقيق في جرائم الحرب في فلسطين بذريعة أن «إسرائيل» لم تنضم إلى معاهدة روما المنشئة للمحكمة.. وقبل قضية السودان رغم أنه لم ينضم أيضا إلى المعاهدة ذاتها!

المدعي العام للمحكمة رفض أكثر من ٤٠ طلبا تقدمت بها منظمات حقوقية عربية ودولية تتعلق بجرائم الحرب في العراق

القاهرة: محمد جمال عرفة

وقد كان المستضعفون في العالم يرون في المحكمة الجنائية الدولية مزايا كثيرة، مثل: 

- أنه سيكون في مقدور هذه المحكمة أن تقبل دعاوى أفراد ودول وجماعات ضد دول أو أشخاص متهمين بارتكاب جرائم حرب أو إبادة جماعية.

- أن عدم توقيع أي دولة على المعاهدة لا يعفي مسؤوليها من المحاكمة؛ إذ يمكن محاكمة أشخاص من أمريكا أو الكيان الصهيوني أو دول أخرى رفضت التوقيع على المعاهدة في أي قضية إذا كانت الدولة التي وقعت فيها الجرائم صدقت على المعاهدة. 

- أن وجود المحكمة - بعد تعطيل إنشائها منذ معاهدة فرساي عام ١٩١٩م - سوف يردع على الأقل العديد من الأشخاص والدول التي تمارس الإحرام والقتل الجماعي خوفا من محاكمة قادتها أو مسؤوليها، مما يتوقع معه تقلص عدد هذه الجرائم نسبياً.

- أن الفرق بين هذه المحكمة الجنائية الدولية الجديدة ومحكمة جرائم الحرب في لاهاي بهولندا أن الثانية تحاكم دولا في حين أن الأولى سوف تحاكم الأفراد المتهمين بارتكاب جرائم ضد الإنسانية، وترفض حكوماتهم أو تتغاضى عن محاكمتهم عن هذه الجرائم التي قد تكون في حق أفراد من دول أخرى.

عيوب بارزة

ولكن شيئا فشيئاً ظهرت عيوب هذه المحكمة الجديدة التي لم تنظر منذ نشأتها سوى أربع قضايا في دول أفريقية فقط هي أوغندا، وأفريقيا الوسطى، والكونغو الديمقراطية «زائي » سابقا، وإقليم دارفور بالسودان، وكان من أبرز عيوبها:

- أنه لن يكون بإمكانها مقاضاة أحد عن جرائم سبقت تاريخ تشكيل المحكمة، وهو شرط وضعته دول كبرى حتى تضمن عدم ملاحقة قادتها أمام هذه المحاكم عن جرائم سابقة، بمعنى أنه لا يمكن محاكمة مجرم مثل أربيل شارون و غيره من القادة الصهاينة مثلاً عن جرائم ارتكبوها حتى منتصف ليل ٣٠ يونيو عام ٢٠٠٢م.

- ستكون ولاية المحكمة قاصرة على مواطني الدول التي وقعت وصدقت على اتفاقية إنشائها فقط حيث وقعت عليها ۱۸۰ دولة، ولم تصدق عليها سوى ۱۰۸ دول.

- تقليص السيادة الوطنية لصالح العدالة الدولية لأنه سيكون من حق هذه العدالة الدولية أن تتدخل في سيادة الدول لتحاكم رئيس دولة مثلا، أو أحد المسؤولين فيها. كان تطلب أفغانستان مثلا محاكمة وزير الدفاع الأمريكي لارتكابه جرائم قتل جماعي الأفغان أبرياء كانوا يحتفلون بأعياد زواج أو تطالب العراق بمحاكمة قادة في الجيش الأمريكي للقتل الجماعي للعراقيين في مدينة الفلوجة مثلا، أو قتل الصهاينة للفلسطينيين والخطورة التي كانت متوقعة هنا بالنسبة للدول النامية والفقيرة - ومنها الدول العربية – أن هذه الدول لن تستطيع رفض طلبات المحكمة بعكس الدول الكبرى.

- أنه ليس هناك ضمانات لإجبار دولة ما - مثل الولايات المتحدة أو الكيان الصهيوني على التعاون أو تنفيذ أحكام هذه المحكمة لأنه ليس للمحكمة جهاز شرطة تنفيذي ينفذ أحكامها، وقد طلبت دولة مثل أمريكا إعفاء جنودها ومسؤوليها من أحكام هذه المحكمة بدعوى أن أعداءها سوف يسعون لاستهدافهم!

وقد صدقت بالفعل المخاوف مع مرور الوقت، وتوارت المزايا وتبين أن هذه المحكمة مسيسة من الغرب، وأنها تحولت إلى مجرد أداة في يد السياسة الخارجية الأمريكية والأوروبية لتركيع الدول الضعيفة، وليس العكس كما كان مأمولا ففي حالات مثل الغزو الأمريكي للعراق وجرائم الحرب ضد العراقيين الأبرياء رفض المدعي العام للمحكمة «لويس مورينو أو كامبو» أكثر من ٤٠ طلبا تقدمت بها منظمات حقوقية عربية ودولية تتعلق بالحالة في العراق والخسائر البشرية.

وقال «أوكامبو» في تبريره لرفض التحقيق في جرائم الحرب بالعراق: «إن المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية لديه دور محدد وتفويض كما نص عليه ميثاق روما. وإن مسؤوليتي هي إجراء المرحلة الأولى من جمع المعلومات والنتائج الأولية، وتبني المبادرة للدعوة للتحقيق فقط لو توافرت المعلومات التي تستوفي المعايير الأساسية حسبما جاء بالميثاق»، وزعم أنه ليس لديه أدلة متوافرة!!

ثم تكرر الأمر عند العدوان الصهيوني الأخير على غزة، ورصد أدلة على جرائم حرب محددة واستخدام أسلحة كيماوية وأسلحة دمار شامل وفوسفور أبيض ضد المدنيين الأبرياء، وهي جرائم موثقة بالصوت والصورة ولكن «أوكامبو» رفض أيضاً طلبات قدمت له. متعللا بالحجة نفسها، وهي عدم توافر أدلة... 

وأضاف: «إن العراق وإسرائيل لم تنضما إلى معاهدة روما المنشئة للمحكمة», ومع ذلك قبل قضية السودان رغم أنه أيضا ليس عضوا في المحكمة وغير ملزم بها بموجب مواد المحكمة بل وأصدر مذكرة اعتقال للرئيس عمر البشير تبنتها المحكمة يوم 4 من مارس الجاري. والغريب أن القرار في حق الرئيس السوداني صدر مؤكدا النية الإجرامية للرئيس البشير، دون تحقيق وتدبر حقيقي ودون أن تزور المحكمة السودان أصلا وبالاعتماد على شهادات منظمات غربية ترفع اللافتة الإنسانية، في حين أنها واجهات الأجهزة استخبارات غربية.

لقد أصبح الضرر الأكبر من جراء الحكم الأخير على الرئيس السوداني عمر البشير من نصيب محاكم الجزاء والعدل والجنائية الدولية، التي بدأت تفقد بريقها لدى الدول الصغيرة والفقيرة والضعيفة رغم الأمل فيها لتحقيق العدالة في العالم، بعدما اتضح أن المحاكمات لا تعقد سوى للدول الصغيرة كسلاح في يد الدول الكبرى ضدها وحتى القرارات أو الأحكام التي قد تصدر - في حالات نادرة - بحق الدول المستكبرة أو الغاشمة التي تستند إلى القوة والنفوذ الغربي فإنها لا تنفذ، كما هو الحال مع الكيان الصهيوني والولايات المتحدة، في حين أن الدول المهددة بسيف هذه المحاكم هي الدول الأفريقية أو الدول التي تعارض الهيمنة الغربية.

بعبارة أخرى، لم تعد هذه المحاكم الدولية ملاذا للضعفاء بقدر ما تحولت إلى عصا غليظة في يد القوى الكبرى تستخدمها كأداة لمعاقبة ما تطلق عليها الدول المارقة الرافضة للسير في ركابها ووسيلة قانونية بديلة عن نهج التدخل العسكري في شؤون الدول الأخرى.

فمن يوغسلافيا.. إلى رواندا، وأوغندا... مرورا بلبنان وليبيا والسودان، كانت هذه المحاكم الدولية متفاوتة وفق المزاج الغربي في معاقبة هذه الدولة أو تلك ومعها المزاج العام للدول الصغرى التابعة.

ففي حالة محكمة الحريري في لبنان مثلاً جرت مساندة غربية قوية، أملا في أن تدين المحكمة أطرافاً متهمة، مثل: إيران أو سورية وفي حالة فلسطين والعراق هددت أمريكا وتوعدت ورفضت وسعت للحصول على قرارات من مجلس الأمن خلال الأعوام ۲۰۰۲ و ۲۰۰۳ و ۲۰۰٤م، لحماية جنودها من قصاص المحكمة الجنائية الدولية، وإعفائهم من صدور أحكام ضدهم أمامها .. ولم يجدوا أمامهم سوى الدول الأفريقية الضعيفة لمحاكمتها أمام المحكمة الجنائية، في حين تغافلوا عن محاكمة أمريكا والصهاينة عن جرائمهم، وفي كل مرة كان يجري صراع قانوني ومحاولات للي عنق مواد إنشاء المحكمة، بما يعفي الكبار والمستكبرين ويقتص من المستضعفين.

وحتى جريمة الإبادة التي ارتكبت بحق المدنيين الصوماليين بشهادة مندوب الاتحاد الأوروبي في كينيا، وقام بها المسؤولون الإثيوبيون المدعومون من الولايات المتحدة جرى التعتيم عليها ؛ لأن إثيوبيا تحركت بطلب أمريكي.

الرابط المختصر :