; المخدرات في العالم الإسلامي.. إلى أين؟ | مجلة المجتمع

العنوان المخدرات في العالم الإسلامي.. إلى أين؟

الكاتب حسين حاجي

تاريخ النشر الثلاثاء 18-فبراير-1986

مشاهدات 19

نشر في العدد 755

نشر في الصفحة 38

الثلاثاء 18-فبراير-1986

في هذا الزمن الصعب، تواجه الأمة الإسلامية تحديات شتى ومن نواح شتى، حيث الفلسفات الوافدة من هنا وهناك تنخر في عقليات شبابنا كالسوس، وقصور دعاتنا عن شرح الإسلام بصورة صحيحة للنشء والمعتمدين على الطريقة الزخرفية القديمة التي لا تستطيع الصمود أمام مستجدات العصر ومتطلباته، إضافة إلى ظاهرة الردة المنتشرة بين زعماء العالم الإسلامي الذين سيطروا على زمام الأمور في البلدان الإسلامية عن طريق الانقلابات العسكرية أو الوراثة أو الانتخابات الصورية المفضوحة، هؤلاء الذين لم يفهموا الإسلام حق فهمه، وتأثروا بالثقافة والفكر الغربيين إلى درجة أنهم نبذوا الشريعة الإسلامية وأحلوا محلها مزيجًا عجيبًا من المذاهب الأرضية الموضوعة من قبل الإنسان المعرض للخطأ والنسيان.

وهناك الكثير من الآفات التي تفتك بالبنيان الإسلامي الذي كان مرصوصًا في زمن ما، هذه الآفات التي لو كتبنا عنها في هذا المقال لاستغرق ذلك ورقًا وجهدًا كبيرين، والمشكلة المعاصرة التي نحن بصددها الآن هي مشكلة المخدرات، هذا الوباء الملعون الذي سيتجه بنا إلى الهاوية لا محالة، إذا لم ينتبه له أولو الأمر ويضعون له العلاج الناجع والحل الصحيح، ولم تكتف الدول الإسلامية بكونها سوقًا رائجة للاستهلاك الفظيع للمخدرات بل تعدت إلى كونها دولًا مصدرة إلى العالم جميعًا، وللأسف ترى بين الأسماء المطروحة بعضًا من الدول الإسلامية الكبيرة مثل إيران ومصر وباکستان وأفغانستان وتركيا، وباستثناء إيران التي قامت بحرب شاملة ضد هذا الوباء نرى أن الدول الأخرى المذكورة ما زالت مرتعًا خصبًا لإنتاج وتصدير وترويج المخدرات، ولم نسمع بإجراءات جادة لمنع زحف الوباء بل إن العكس صحيح حيث المخدرات تزداد وبشكل مخيف جدًّا، وأخذت شكل غول مرعب يهدد عقيدتنا وشبابنا ومستقبلنا، ففي باكستان وحدها وهي الدولة الإسلامية الكبيرة، ذات الثقل الملحوظ في المجتمع الدولي نرى أن المخدرات تنتشر بسرعة مذهلة وتسري في المجتمع كما تسري النار في الهشيم حتى أن أكثر من 50% من طلبة جامعة كراتشي قد أدمنوا على مختلف أنواع المخدرات، وهؤلاء الطلبة طبعًا هم عماد المستقبل لهذا البلد، وسوف يستلمون الأمانة «أمانة الحكم» عاجلًا أم آجلًا، ففي أي بحر لجي سوف يغرقون مركب البلاد، وكما جاء في التقرير المختصر، الذي نشرته جريدة جنك الباكستانية، بتاريخ 4\6\1985، عن الآفة حيث يقول التقرير إن الطلبة يبدأون بالاتجاه نحو الإدمان من سن 15 إلى 17 سنة، وفي غضون ثلاث سنوات يدخلون مرحلة الإدمان الكامل على المخدرات، والأفظع من هذا أن 55% من الشباب المدمن تعلموا تعاطي المخدرات من أقاربهم مثل الأب أو الأم أو الأخ أو الصديق المقرب.

والمصيبة بأننا كنا نعرف المخدرات على أنها الحشيش فقط، ولكننا في هذه الأيام أصبحنا نسمع بأسماء غريبة عجيبة أضيفت إلى الحشيش ولكنها أكثر خطرًا وأعظم تأثيرًا منها، من هذه الأسماء «المندركس والماريجوانا والمورفين والأفيون والكوكائين والهروئين بالإضافة إلى المشروبات الروحية واستنشاق البنزين والصمغ والقات» وغيرها من الأسماء التي لا تحضرنا في هذه العجالة، وفي إحصائية مقتضبة وردت في التقرير المذكور نقرأ أن 36,66% من الشباب اعتادوا على الحشيش، و18,33% يستعملون المندركس، و11,66% دایرابام، و8,33% ترینکو یلایزر، و5% مورفين، و8,33% هیروئین، و5% أفيون، ماذا تعني هذه الأرقام الرهيبة غير أنها مؤشر أولي إلى الانحطاط التام والضياع الكامل؟

ومن سلبياتنا في العالم الإسلامي نلاحظ اتهام الدول الغربية بالتحلل والضياع عن طريق الإدمان على المخدرات ولكننا ننسى ما نحن فيه من بلاء ولا نجرؤ على اتهام أنفسنا ومن ثم الانتباه من الغفلة الطويلة التي ننعم بها لوضع حد فاصل وجريء لهذا الوباء الفتاك، وقد اطلعنا على بعض التقارير المنشورة وغير المنشورة عن انتشار المخدرات في دول الخليج، حيث يتزايد أعداد الشباب المدمن بشكل مذهل يدعو للاستغراب، فالرفاهية الموجودة في دول الخليج جرت أقدام الشباب إلى هذه الهاوية والفقر المدقع الموجود في باكستان ومصر قد جرت هي الأخرى الشباب إلى هذا المستنقع، فما الحل إذن؟

لقد تناول الكثير من المنظرين والمفكرين والمصلحين ورجال الدين هذه المشكلة من مختلف جوانبها وشرحوا أسبابها ووضعوا بعض الحلول لها، ولكن هذه الحلول تحتاج إلى من يطبقها ويأتي بها إلى حيز التنفيذ، وقد اتفق الجميع على أن ضعف الوازع الديني لدى هؤلاء هو السبب في انتشار المخدرات، فلماذا إذن لا تركز على التربية الدينية؟

لماذا لا نصحو ونترك سياسة اللادين واللادنيا التي جرتنا إلى هذه المصيبة؟

لماذا لا نعود إلى الفطرة وإلى الإسلام الذي يخلق التوازن المطلوب في حياتنا، ويضمن لنا الدنيا والآخرة؟ والسؤال الذي يطرح نفسه بعد كل ما ذكرنا هو:

  • من هو المسؤول الحقيقي؟

أنا أرى أنه من الخطأ إلقاء اللوم على جهة معينة فالمسؤول هو أنا وأنت وهو وهم ونحن.

كلنا مسؤولون وجميع الدول الإسلامية متهمة بشكل أو بآخر، لذا أدعو من هذا المنبر جميع الزعماء في الدول الإسلامية إلى عقد اجتماع جدي لبحث هذه المشكلة، وتكليف العلماء والمهتمين بأمور الشباب بوضع خطة مناسبة وسليمة من أجل القضاء التام على مشكلة المخدرات والمشروبات الروحية، وبذلك نضمن مجتمعًا محمديًّا سليمًا خاليًا من الأمراض الجسدية والنفسية والعقائدية، وبما أنني أشك في إخلاص الأكثرية ومتأكد من عدم تجاوبهم مع هذه الدعوة المخلصة لذا أتوجه بالدعوة فقط إلى من يحس بخطورة الوضع لكي يبدأ وبتنظيم حملة مكثفة ومدروسة لتبني هذا الأمر.

ومن المؤسف حقًّا بأن هناك فئة من المسؤولين يقولون بفصل المخدرات عن المشروبات الروحية ولكننا استنادًا إلى هدي قرآننا المجيد لا نقول بذلك ونعتبر المخدرات والخمور فرعين لأصل خبيث واحد.

والله نسأل أن يوفق الجميع لما فيه خير هذه الأمة وصلاحها.

الرابط المختصر :