العنوان المرأة عند الدكتور الفنجري.. أخطاء في الفهم ومبالغات لا يقرها الإسلام
الكاتب مجلة المجتمع
تاريخ النشر الثلاثاء 13-مايو-1975
مشاهدات 11
نشر في العدد 249
نشر في الصفحة 40
الثلاثاء 13-مايو-1975
إن الفرد المسلم، سواء أكان قارئًا، أم مستمعًا لما يذاع ويقرأ، أم كان متفرجًا على مسرح عالمنا العربي المتمسلم، ليشعر بأن التيارات المتناقضة والآراء الفجة والاندفاعات اللاواعية تجتاح أمتنا من كل جانب، وتجلب إليها خليطًا من الفكر جعل كل فهم عند رجالها ونسائها مشوشًا، وصارت المعاني المركزة البينة الملمة بجميع جوانب أي موضوع غير موجودة عند الأكثرية الساحقة، واندفع إلى الكتابة في الأمور الإسلامية وأحكامها كل من وجد في نفسه مقدرة على الكتابة، وإن لم يكن عنده مقدرة على الاستيعاب وعلى الفهم الصحيح المستند إلى الأصول والموازين التي وضعها علماء الشريعة الإسلامية، وفي ذلك من الخطر على الفرد المسلم بقدر ما فيه من الخطأ والبعد عن الصواب.
والدكتور أحمد شوقي الفنجري له مقالاته وبعض كتبه الإسلامية التي إذا تدبرها القارئ أدرك منها كثرة الجهد والحرص على إبراز المعاني الإسلامية في ثوب عصري مناسب. كما يدرك أن الدكتـور الفنجري يقرأ في الإسلام ومن أجل الإسلام، ويحاول من آن لآخر أن يبدي بالكلمة المسموعة أو المقروءة من جمال الإسلام وكماله وصلاحيته لإنقاذ البشرية وإسعادها، وحل جميع مشكلاتها ما هو محمود عليه ومشكور.
ولكن الذي نأخذه على الدكتور هو جرأته على الأحكام الشرعية بشكل غير مقبول ولا يوافقه عليه أي فقيه من فقهاء الإسلام، كما أنه حاذق في خطف الأدلة خطفًا من أجل أن يرتب عليها أحكامًا لا صلة بينها وبين الأدلة، ويحاول إيهام القارئ بأن ما يقوله أمر مقرر في الشريعة الإسلامية بما لا يحتمل الشك، ولو أنصف الدكتور لأتعب نفسه قليـلًا وبحث في كلام الفقهاء وفي الأحكام التي استنبطوها والأدلة التي اعتمدوا عليها، ثم أظهر ذلك للقارئ حتى يثق في قوله ويدرك أن الدكتور باحث عن فقه وليس حاطب ليل يجمع من هنا ومن هناك، ليضع من عنده أحكامًا ومبادئ إسلامية لا يقره عليها الدين، ولا يساعده في ذلك دليل.
ولو أن إنسانًا قرأ فصولًا في الطب من أي كتاب، ثم بدأ يمارس علاج المرضى لعابه الدكتور واعتبر عمله جريمة يعاقب عليها القانون.
فكيف يرضى لنفسه إصدار الأحكام الإسلامية بهذا الشكل العفوي الخطير ومن غير ممارسة للفقه الإسلامي كما يجب؟ ومن غير نظر صحيح إلى الأدلة؟ ومن غير معرفة بالأصول التي تستنبط بها الأحكام؟!
ومن ذلك مقال كتبه الدكتور في مجلة العربي، العدد ۱۹۸ لشهر آيار «مايو» سنة ۱۹۷٥م بعنوان «المرأة المسلمة في ميادين القتال»، والمجال لا يسمح بالرد على كل أخطاء الدكتور في هذا المقال، ولذلك سأحاول الرد الموجز على غلطة وقع فيها الدكتور مع دعم ذلك بالدليل.
1- قال: «أنزلت آيات القرآن التي تأمر بالجهاد موجهة إلى المؤمنين كافة، فلم يخص القرآن في أمره ذلك الرجال دون النساء» انتهى كلامه. ولو كان الأمر كذلك وفهم الصحابة والصحابيات ما فهم الدكتور ما تخلفت امرأة عن القتال، خصوصًا حين كان يصدر الأمر للجميع كمـا حدث في غزوة أحد والخندق والفتح وتبوك، وعوقب المتخلفون وحكــم على أكثرهم بالنفاق، وكان منهم من يعتذر قبل الغزوة، ومنهم من يعتذر بعدها، وما سمعنا ولا قرأنا ولا علمنا أن امرأة جاءت تعتذر لأنها تخلفت أو تتخلف؛ بل كان الرسول صلى الله عليه وسلم يولي على النساء والصبيان والعجزة من يهتم بأمرهم أثناء غيابه هو وصحابته...
ثم كيف لم يفهم النبي ما فهمه الدكتور؟! وكيف لم ينفذه؟! ولو كان الأمر للجميع من الرجال والنساء ما تأخرت امرأة من المؤمنات، وكيف لم ينفذ النبي ذلك في أزواجه وما كان يخرج معه إلا واحدة من أجل رعاية مصالحه الخاصة، وليس من أجل الحرب؟! أظن الخطأ واضح جدًّا. وما قال بما قال به الدكتور مفسر، ولا فقيه، ولا محدث.. ما قال به إلا الدكتور الفنجري.
2- قال الدكتور: وكانت نساء الصحابة يشتركن مع الرجال في مبايعة الرسول... وكانت البيعة تنص على الجهاد وعدم الفرار في القتال.. انتهى.
وهذا خطأ فاحش؛ فإنه لم يثبت أي بيعة من بيعات القتال أن امرأة بایعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما كان النبي ليفعل ذلك أبدًا، وهو الذي كان يحرص على صيانة المرأة والدفاع عنها، وكان يقيم الدنيا من أجل الاعتداء على امرأة مسلمة، كما حدث مع بني قينقاع. ولم يكن الخلق العربي بله الإسلامي ليرضى أن يجبر المرأة على القتال ويلزمها به عن طريق هذه البيعة.
كما أخطأ الدكتور في قوله: إن النساء كن يشتركن مع الرجال في مبايعة الرسول. إن قصد من هذه المبايعة أن الرسول كان يبايع الرجال والنساء في وقت واحد، ثم ينتقل إلى النساء فيبايعهن، أو يرسل إليهن من يبايعهن نائبًا عن الرسول، كما أرسل عمر إلى نساء الأنصار، أو يدخل النساء عليه جماعات فيبايعهن كما حدث في فتح مكة.
3- قال الدكتور: «الحرب نوعان: هجومية ودفاعية:
- الحرب الهجومية: يكون الجهاد فيها غير ملزم للمرأة، ولكن المشاركة فيها رخصة لها بعد إذن من ولي أمرها، سواء كان هو الزوج أو الأب». وهذا كلام صحيح، وهو يدل على تناقض الدكتور في الفهم؛ لأنه سبق أن ذكر أن الآيات في القتال تعم الرجال والنساء، وإذا كان كذلك كانت المرأة مثل الرجل في العزيمة، فلماذا كانت الحرب هنا رخصة لها، وبإذن من ولي أمرها؟
4- وقال تحت عنوان «المشاركة في المشورة والرأي في الحرب»: كان نساء الصحابة يشاركن الرجال في كل شأن من شئون الجهاد... فكان لهن رأي في قرار الحرب أو السلم، وفي خطة المعركة وسير القتال، ولهن حق الإجارة والعفو عن الأسير ورد أمواله إليه». انتهى كلامه.. ولم يذكر كلمة واحدة تدل على شيء مما ذكر بالنسبة للحرب والسلم وخطة المعركة وسير القتال.. وليس في التاريخ الإسلامي الثابت موقف واحد يدل على ذلك، وكان الأجدر به أن يقول: لا يمنع الإسلام المرأة من أن يكون لها رأي في شيء من ذلك كله، سواء أخذ برأيها أم لم يؤخذ، واستدلاله بحضور نساء الصحابة مع الصحابة والرسول يشاور الصحابة في أمور القتال يفهم منه أن الصحابيات كن يختلطن بالرجال ويجلسن معهم عند التشاور، وهذا ما تأباه النصوص الكثيرة الدالة على أن النساء كانت لهن خيامهنومنازلهن الخاصة بحيث يكن دائمًا منعزلات عن الرجال إلا في حالات الضرورة كحالة المعركة، واستدلاله بخروج عائشة أم المؤمنين في معركة ضد علي ومن معه، وأنها هي التي قادت الجيش وقامت بالتنظيم والتعبئة، وغير ذلك مما هو شأن القيادة، كلام مردود وساقط لا يقول به إنسان عرف الظروف والملابسات والأوضاع على حقيقتها.
إن الدكتور يصطاد ويبهم الحقائق ليروج للمرأة ويضعها في موضع لا ترضاه هي لنفسها، فلماذا التزلف على حساب الدين؟
وكتاب الواقدي الذي أخذ منه الدكتور كثيرًا من معلوماته مشكوك في نسبته إلى الواقدي أولًا، ومشكوك في كثير من مروياته ثانيًا، وقد انفرد الواقدي في كتابه بأشياء لا يصدقها عقل ولا يطمئن إليها باحث.. واستدلال الدكتور على أن المرأة كان لها رأي في مفاوضات الحرب والسلم بخبر أم سلمة استدلال ساقط؛ لأن أم سلمة لم يكن لها أي رأي في المفاوضات في أي وقت من الأوقات، وإنما كان لها رأي أخذ به النبي صلى الله عليه وسلم في تهدئة النفوس بعد توقيع هدنة الحديبية وامتناع بعض المسلمين من الحلق، وإنهاء حالة التوتر بينهم وبين المشركين، فلما دخل الرسول على أم سلمة مغضبًا وذكر لها أن المسلمين لم يحلقوا كما أمرهم وأنه يخشى عليهم عقاب الله، أشارت عليه أن يبدأ هو بالحلق، فإنهم إذا رأوه حلق تبعوه وأنهوا حالة التوتر، وكذلك كان. فهل هذا تدخل في المفاوضات؟ وكيف فهم الدكتور ذلك؟
على أن الشرع لا يمنع من أن يكون للمرأة رأي يؤخذ به أو لا يؤخذ، ولكن هذا شيء وما يذكره الدكتور شيء آخر: هو المغالطة والتجني على الحقائق؛ فقد ذكر أن أم سلمة كان لها رأي في الشروط نفسها، وهذا ما لم يحدث، ولم يحدث أن كان لها أو لغيرها أي تدخل في قبول شروط الكفار في الحديبية؛ لأن النبي أخبرهم أنه يعمل بأمر الله، وأن الأمر فوق رأيه ورأي غيره من الصحابة...
وقوله: إن للمرأة الحق في أن تجير وتعفو عن الأسير وترد إليه أمواله، هو قول ينقصه التروي والدقة، فإن أحداث التاريخ التي ذكر بعضها وأقوال الفقهاء ترد الأمر في النهاية إلى القائد العام أو إلى الإمام، فإن شاء وافق، وإن شاء لم يوافق.. مع العلم بأن إجارة زينب بنت الرسول لزوجها أبي العاص لم تكن في غزوة بدر، إنما كانت بعدها بكثير؛ حيث كان خارجًا على رأس قافلة إلى الشام، فأحاط بها المسلمون وأسروا من فيها إلا أبا العاص، فإنه أفلت وذهب إلى زينب واستجار بها، فأجارته، ووافق الرسول والصحابة على إجارتها والعفو عن الأسرى ورد المال، وكان ذلك سبب إسلام زوجها وعودته إليها بعد ذلك، فهي سياسة الرسول وعفوه وموافقة المسلمين الذين أسروا القافلة؛ لأن المال صار أربعة أخماسه ملكًا لهم بنص القرآن، وكذلك الأسرى، فيا ليت الدكتور أوقف من شطحاته ورد الأمور إلى أهلها، أو بحث كما يجب أن يبحث المسلم المدقق.
5- زاد الدكتور في شطحاته كثيرًا حين ادعى أن المرأة كانت تقوم بأشياء ذكرها وأكثر من أنواعها -وإن كان ذلك المذكور لا يمنع الشرع المرأة من القيام به- ولكن الحقيقة التاريخية يجب أن تذكر كما هي، وأن يؤخذ منها ما تعطيه فقط بدون تزيد.
قال الدكتور: كان من عمل النسوة على عهد الرسول الإشراف على المؤن وطهو الطعام للجنود، وكن أيضًا يشرفن على خيول الحرب فيطعمنها ويمرضنها ويداوين جراحها. وكانت عليهن أيضًا مهمة إصلاح السلاح وإعداده، وإمداد المتحاربين به في أثناء القتال، وهكذا اتسع خيال الدكتور حتى ألقى على المرأة عبء الأعمال الشاقة التي ينوء بها الرجال أثناء المعارك الحربية.. وحين أراد الاستدلال على ذلك كله لم يذكر إلا امرأة خالد بن الوليد وأنها كانت تمد زوجها بالسيوف أثناء المعركة بالشام، وكذلك كانت تفعل أسماء بنت أبي بكر مع زوجها الزبير بن العوام... أهكذا تجمع الحوادث ويكون الاستنباط؟!
إنه نوع من المجاملة لا تريده المرأة ولا ترتضيه، ولا ترضى أية أمة إهانة نسائها بمثل هذه الأعمال الشاقة من غير ما داع أو مبرر. ونسبة ذلك إلى المسلمين الأولين ظلم.. كيف ولم يحصل إلى الآن أن أمة من أمم الغرب فعلت ذلك معتمدة على نسائها.
6- وقال الدكتور: وكان من مهام النساء أيضًا منع الهزيمة ومنع المترددين والمنهزمين من التراجع إذا اشتد القتال.
والرد على ذلك سهل: فإن المسلمين حاربوا في مئات المعارك وما عرفوا الهزيمة ولا التراجع. وكلمة «كان» التي يذكرها الدكتور كثيرًا تفهم أن الشيء الذي دخلت عليه تكرر وصار طابعًا وعادة وصفة لازمة، فهل كان النساء كذلك وكان المسلمون دائمًا منهزمين أو كانوا في الأكثر كذلك؟ وهل لو فرض وأن امرأة قالت كلمة في إحدى الغزوات كغزوة أحد، هل تعتبر هذه الكلمة دليلًا على أن ذلك كان دأب النساء مع الرجال؟
يا له من خيال!!
7- ثم ذكر الدكتور أن النساء كن يقمن في عهد الصحابة بالترفيه عن الجنود، ولم يذكر دليلًا واحدًا على ذلك، ولا أدري كيف رضي لنفسه هذا التهافت والسقوط ولمصلحة من كان ذلك؟ وأما المرأة التي نذرت أن تضرب بالدف وتغني إذا رجع الرسول سالمًا من غزوة تبوك فإن شأنها خاص بحالة معينة لا صلة لها بالترفيه ولا بغيره، ولم تتكرر الحادثة ولم يقلدها في ذلك غيرها. إنها حالة عرضت ثم انتهت، ولا صلة لها بالموضوع بتاتًا.
والمرأة التي تمسح وجه زوجها أثناء المعركة وتشجعه على الحرب وعلى الثبات، إنما كان الأمر خاصًّا بها وبزوجها لا يتعداهما، وهذا لا يسمى ترفيهًا.
وهكذا وقع الدكتور في أخطاء فقهية وتاريخية وفكرية كثيرة وعظيمة، ولو أراد وجه الله ووجه الحق فيما يكتب وفيما يقول، ما تورط مثل هذا التورط.. ولنسأل أنفسنا: ماذا يريد الدكتور الفنجري؟
إنه إن كان يريد بذلك إرضـاء المرأة فقط وإشعارها بأن التاريخ ساواها بالرجل في كل شيء وحتى في المعارك والمشاق، فليعلم أن المرأة التي يخاطبها لا تريد ذلك. إنها تريد المساواة التي تلصقها بالرجل الأجنبي في كل مكان، وفي كل عمل، وفي كل میدان من ميادين الحياة... إنها لا تكتفي برجلها وبأبنائها وبأهلها وأرحامها، بل تريد أكثر وأكثر.. إلا الصالحات منهن.
ولو أن الدكتور ذكر للمرأة ما يجب عليها نحو زوجها وأولادهــــا وأهلها وأمتها، وبين ما تورطت فيه المرأة من أخطاء أضرت بالأمة وحطمت من معنويات شبابها وأغضبت عليها ربها، وملائكته، وكل مؤمن ومؤمنة، لكان ذلك خيرًا له، وكنا نعذره إذا أخطأ فيما كتب بعد ذلك.
ولكن حين لا يتكلم المتكلم أو يكتب الكاتب إلا فيما يرضي الرغبة الجامحة للمرأة، فذلك شطط وخلط إن كان باسم الفكر والرأي، أما إن كان باسم الدين فهو جريمة يعاقب عليها أمام الله عقابًا شديدًا.
هدى الله الدكتور الفنجري وأعاد إليه رشده، ورده إلى ساحة الحق من أجل الحق وحده.
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكلآیات الجهاد في القرآن الكريم دراسة موضوعية وتاريخية وبيانية
نشر في العدد 141
13
الثلاثاء 13-مارس-1973