العنوان المسلمون وآفاق العلم «1»
الكاتب محمود زايد المصري
تاريخ النشر الثلاثاء 02-ديسمبر-1997
مشاهدات 11
نشر في العدد 1278
نشر في الصفحة 48
الثلاثاء 02-ديسمبر-1997
لم يشر القرآن إلى ظاهرة في السموات والأرض أو خلق من خلق الله ثم أتبع ذلك بزجر عن البحث فيها وعلمها وكشف أسرارها بل على النقيض من ذلك كان الأمر بالنظر والتدبر والتفكر في هذا كله من متواتر القرآن يستثنى من ذلك ما ورد في الروح
خطر ببالي أن أكتب هذا المقال فور فراغي من قراءة مقال جيد للأخت الفاضلة نوال السباعي بعنوان: «بوللي بعد دوللي.. مشروع الاستنساخ إلى أين؟!» نشر في مجلة المجتمع الغراء العدد ١٢٦١- غرة ربيع الآخر ١٤١٨هـ - 5 / 8 / 1997م، لقد وجدت في مقال الأخت نوال المعلومات الموضوعية الجيدة، إلا أنني وللأسف وجدت فيه أيضًا ما هو شائع في معالجتنا لقضايا البحث العلمي، التي نظن أنها على حافة المقبول، أو نراها تخطت أو كانت حدود الخط الأحمر، حلالًا وحرامًا.
إننا نَصم تلك الأبحاث بالتلاعب، والعبث بالطبيعة، والفطرة، وخلق الله، وعادة ما تنضح كتاباتنا نحن الإسلاميين بالذات بالتبرم والتشاؤم من هذه الأبحاث- وخاصة ما يتعرض لأسرار الحياة في الكائنات- ووصفها بالخطرة، والصعبة، والمكلفة، والمسرفة، وعديمة الجدوى وحتى المشبوهة والعبثية، فهل حقيقة أن هناك مساحة من الوجود حظر الإسلام على الناس البحث فيها؟ وهل حقًا أن هذه الأبحاث عبثية، وعديمة الجدوى بالضرورة؟ في هذا المقال حوار مع هذه التساؤلات وغيرها.
الإسلام والعلم
لا يخفى على منصف- يتدبر نصوص الوحي من قرآن وسنة- حقيقة أن الإسلام دين علم، يدعو للعلم وطلبه، ويوجبه على الناس كل قدر طاقته، تجد هذا متواترًا في آيات الذكر الحكيم، وفي سنة الرسول الكريم ﷺ ولسنا هنا بحاجة إلى حشد النصوص «1»، وكأننا نذود عن مشكوك فيه، فالعلم قلب الإسلام، وأبجديته الأولى إذ هو دين جاء مخاطبًا العقل البشري أولًا وأخيرًا، وحاثًا له على التدبر والتعقل والتفكر في نصوص الوحي وبراهينه، وكذا في مخلوقات الله، وسننه في الكون والحياة، ولن تجد في كتاب الله قضية عقدية واحدة إلا وكانت الحجة العقلية والمادة العلمية التاريخية والطبيعية هي سدى برهانها ولحمته، وحتى فيما قد يخفى على الناس ويظنونه لزمن من «الطلاسم»، ففي قصة العبد الصالح وموسى عليهما السلام في سورة الكهف- على سبيل المثال- بين القرآن أن وراء ما حدث أسبابًا عقلية علمية بنيت على تعظيم الخير وكبت الشر.
ونحن المسلمين نقول- استنادًا إلى ما تقدم- إن «معجزة» الإسلام حجة قائمة على الناس ما بقيت السموات والأرض، لا يحدها الزمان ولا المكان وشاهدنا على ذلك أن ما يحتاجه أي فرد من البشر، من أي جيل وفي أي مكان، لكي يعيش معجزة الإسلام- أي خطابه وهديه إلى العقل البشري- هو عقل منصف، والقدرة على القراءة أو السمع ليقرأ الوحي أو يسمعه، والعقل المنصف يخلق به الناس جميعًا على الفطرة الأولى والعبرة أن لا يشوه بالعناد والجهل لاحقًا. والسمع كذلك، والقراءة علم وسيلة وهو أول ما أمر الله الناس به إذ كانت أول آيات الكتاب نزولًا الأمر بالقراءة، قال تعالى : ﴿اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ﴾ (سورة العلق: 1) واسم الكتاب الخاتم مشتق من مادة «قرأ».
إن ما أعز الله به آدم «وذريته» الخليفة الجديد في الأرض- وأسجد به الملائكة الكرام له، ليس إلا علمًا أتاه إياه في أصل خلقه «علمه الأسماء كلها» ولعله ما فطر عليه وذريته من قدرة على التعلم وتوارث العلم، إذ لم نلحظ نحن البشر- بعلمنا القليل، وحتى الآن- في المولود الجديد غير هذه القدرة الكامنة، ويسند هذا القول ما بينه القرآن من انتفاء العلم المعرفي بالفعل «غير القدرة الكامنة» عن كل مولود عند ولادته.
قال تعالى: ﴿وَاللَّهُ أَخْرَجَكُم مِّن بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ ۙ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾ (سورة النحل: 78)
وجدير بالملاحظة أن الآية الكريمة تذكرنا بنعم السمع والبصر والفؤاد «العقل» وهي أدوات حيازة العلم وتوارثه وكأنها تذكرنا بامتداد النعمة الأولى فينا، تلك التي أنعمها الله على أبينا آدم حيث علمه الأسماء كلها.
كما يجدر بنا الوقوف عند كلمات في الآية ﴿وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا﴾ (سورة البقرة: 31) ولنتأمل كلمة «كلها» في الآية ونستحضر قدر القائل وهو الخالق رب كل شيء لا بد أن يكون لهذه المساحة من العلم والتي قدر الله وأراد أن يحوزها آدم وبنوه وقد ميزها الله بكلمة «كلها» شأن عظيم في مستقبل الأيام رغم ضآلة حجمها نسبة لعلم الله عز وجل ومصداقًا لقوله ﴿وَمَا أُوتِيتُم مِّنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا﴾ (سورة الإسراء: 85).
الخلافة والتسخير وطلب العلم
كما تبين الآيات وكذا في مواضع أخرى من القرآن الكريم أن الله خص آدم وذريته بخلافته في الأرض واستعمرهم فيها ومن ثم خصهم في خلقهم الأول والمحيط بهم من مخلوقات، وكذا تفاعل هذا مع ذاك بما يجعل الخلافة ممكنة بل ميسرة، ومن ثم سخر لبني آدم ما خلق في السموات والأرض من جماد ونبات وحيوان وأمره بإنفاذ هذا التسخير وامتطائه لتحقيق الخلافة- العبادة الشاملة لله- في الأرض والتي هي مراد الخالق الأساس من خلق الناس، قال تعالى: ﴿وَسَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِّنْهُ﴾ (سورة الجاثية: 13).
وقال تعالى: ﴿قُلِ انظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۚ وَمَا تُغْنِي الْآيَاتُ وَالنُّذُرُ عَن قَوْمٍ لَّا يُؤْمِنُونَ﴾ (سورة يونس: 101).
وقال تعالى: ﴿قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ﴾ (سورة العنكبوت: 20).
وقال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الْإِنسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَىٰ رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلَاقِيهِ﴾ (سورة الانشقاق: 6).
والآيات تأمر مباشرة بالعلم بما سخر لنا إذ إن إنفاذ التسخير شرطه العلم بالمسخر اتساعًا وعمقًا، وليس لبشر خيار في هذا ، فإما أن يتبع أمر الخالق وإرادته في تسخير موجودات الكون له، أي يعمل جاهدًا لكشف أسرارها علمًا، وارتفاق خيراتها عملًا لإعمار الأرض وتزيينها قربى إلى الله، وإما أن ينكص عن هذا فيستكين للجهل أو يقعد عن العمل ومن ثم تقع الحجة عليه ويقع تحت طائلة سنة الاستبدال، قال تعالى: ﴿تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُم﴾ (سورة محمد: 38).
هل من محظور على البحث العلمي؟
لم يشر القرآن إلى ظاهرة في السموات والأرض أو خلق من خلقه فيهما، ثم أتبع ذلك بزجر عن البحث فيها وعلمها وكشف أسرارها بل على النقيض من ذلك كان الأمر بالنظر والتدبر والتفكر في هذا كله من متواتر القرآن يستثنى من ذلك ما ورد في الروح.
قال تعالى: ﴿وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ ۖ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُم مِّنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا﴾ (سورة الإسراء: 85).
وكذا ما وَرَد في علم الله وحده جل شأنه للغيب، قال تعالى في غيب السموات والأرض: ﴿وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ ۚ وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ﴾ (سورة هود: 123).
وقال تعالى في نفي علم الغيب عن كل من في السموات والأرض: ﴿قُل لَّا يَعْلَمُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ ۚ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ﴾ (سورة النمل: 65)
وقال تعالى في منعه سبحانه إطلاع المخلوقات على غيبه: ﴿عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَىٰ غَيْبِهِ أَحَدًا إِلَّا مَنِ ارْتَضَىٰ مِن رَّسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا ِّيَعْلَمَ أَن قَدْ أَبْلَغُوا رِسَالَاتِ رَبِّهِمْ وَأَحَاطَ بِمَا لَدَيْهِمْ وَأَحْصَىٰ كُلَّ شَيْءٍ عَدَدًا﴾ (سورة الجن: 26 – 28).
وقال تعالى: ﴿وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ يَجْتَبِي مِن رُّسُلِهِ مَن يَشَاءُ﴾ (سورة آل عمران: ۱۷۹).
إنها حكمة الله ورحمته بالناس وتخفيفًا عنهم أن جعل سبحانه وتعالي المجال المعرفي في السموات والأرض واحدًا يسعى في طلبه الإنسان دون حدود أو قيود، وأخبر سبحانه المخلوقات جميعًا أن ما كان من الروح والغيب المطلق لن تصلوا إلى علمه أبدًا.. ومن ثم يسر لنا سبحانه وتعالى- والفضل والمنة له جل شأنه- أمرًا جوهريًا في مجال العلم وطلبه- الذي هو مطية الخلافة وأداتها ووسيلتها ومادتها- إذ جعل لنا كل طلب للعلم قُصد به کشف مجهول في السموات والأرض أيًا كان حلالًا مندوبًا وقربى إلى الله ومن عبادته وخلافته، كما بين لنا أن كل كشف بالعلم عن مكنون لا يمكن أن يكون من أمر الروح ولا عالم الغيب ولن يكون أبدًا، إذ إن هذين منعا من المخلوقات بأمر الله وإرادته المهيمنة على حركة العباد، وليس من مهمتنا ولا من تكليفنا أن نبحث عن حدود هذين المغيبين ثم نتجنب تلك الحدود بالإرادة والصبر.
وفي ضوء هذا الفهم لا نرى مكانًا لاجتهاد يحدد مساحات محظورة- نصًا أو ضمنًا- في الكون والحياة لا يجوز البحث فيها أو العمل على كشف أسرارها بل كل المساحات والمجالات فيهما سخرت للإنسان يعمل فيها بحثًا وتنقيبًا وتدبيرًا، وما كان منها سبق فيه القول علمًا لله وحده «الروح وعلم الغيب» فالله حافظه مهما لهث البحث الإنساني.
لقد بينا أن الله أباح موجودات السموات والأرض جميعًا لبحث الإنسان وسعيه وعمله، إذ سخرها له وأمره ارتفاقها في الخلافة والإعمار «أي عبادة الله الشاملة»، كما حذر الله الإنسان من تبذير العمل والجهد في بحث الغيب والروح، إذ لا طائل من ذلك، ولم يبين سبحانه وتعالى حدًا مفصلًا للغيب أو الروح ولذا تكفل سبحانه وتعالى بحفظ أسرارها بقدرته دون تكليف البشر، إلا أنه سبحانه وتعالى العالم بعباده وما تمور به أنفسهم من فضول وتطلع ﴿أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ﴾ (سورة الملك: ١٤) ورحمة بهم وحفظًا لأعمارهم وأعمالهم أمرهم وحذرهم من الخوض في مجالات الغيب الكبرى وعلى رأسها ذاته سبحانه وتعالى وقدره والجنة والنار والبعث والحشر والحساب والصراط وغير ذلك مما أخبر عنه القرآن مما لا يقع تحت الحواس، وذلك لما يقضي إليه الخوض في هذه المغيبات من خطر فادح على قضية الإيمان فضلًا عن ضياع الوقت والجهد، وبيّن سبحانه أن ليس لنا من خبر هذه المغيبات إلا ما أوحى به إلى رسله كما أرشدنا القرآن إلى مناهج البحث العلمي المنصف القويم وبين إنا ضرورة اعتماد السمع والبصر والفؤاد- ليس إلا- في التعرف على الحقائق والكشف عن السنن مع توخي العدل والإحسان دون الركون إلى ظن أو وهم أو شهوة نفس، بل برهان عقلي علمي وتحقيق وتدقيق، قال تعالى: ﴿وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ ۚ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَٰئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا﴾ (سورة الإسراء: 36)، وقال تعالى: ﴿وَإِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا﴾ (سورة النجم: 28).
كما بين القرآن أن المعرفة الحقة قضية تاريخية واجتماعية إنسانية شاملة، لا يطيقها الفرد منفردًا ولا جمع من الناس كل منهم يعمل في دائرته، وقد انقطعوا عن التبادل المعرفي الفعال أو التاريخ.
بل لن يكتب لنا نحن البشر في قضية المعرفة النجاح المأمول إلا باستيعاب الخبرات التاريخية عمقًا من قبلنا لنعرف فيما أصابوا وأين أخطؤوا «وجلب عبر التاريخ للبرهنة على قضايا الإيمان من متواتر القرآن»، وكذا امتدادًا بتبادل التعاون والتواصل والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والتعارف مع الناس جميعًا، قال تعالى في التواصي بالحق بين المؤمنين: ﴿وَٱلۡعَصۡرِ إِنَّ ٱلۡإِنسَٰنَ لَفِي خُسۡرٍ إِلَّا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّٰلِحَٰتِ وَتَوَاصَوۡاْ بِٱلۡحَقِّ وَتَوَاصَوۡاْ بِٱلصَّبۡر﴾ (سورة العصر: 1 – 3).
وقال تعالى: ﴿وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَىٰ ۖ وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۖ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ﴾ (سورة المائدة: 2). وقال تعالى: ﴿وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ ۚ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾ (سورة آل عمران: 104).)
وقال تعالى مبينًا سنة التبادل المعرفي بين الشعوب: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ﴾ (سورة الحجرات: 13).
ومنهج القرآن وهديه في الطريق القويم لحيازة العلم والمعرفة باب واسع وليس موضوع هذا المقال، وما تقدم محض رؤوس أقلام، كما أشار القرآن إلى أمر عجيب- وهو الكتاب الذي لا تنقضي عجائبه- هو خروج الإنسان من أقطار السموات والأرض قال تعالى: ﴿يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَن تَنفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ فَانفُذُوا ۚ لَا تَنفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطَانٍ فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ يُرْسَلُ عَلَيْكُمَا شُوَاظٌ مِّن نَّارٍ وَنُحَاسٌ فَلَا تَنتَصِرَانِ﴾ (سورة الرحمن: 33 - 35)، ولعل هذا هو حد العلم الإنساني وأنه محصور فيما سخر له بنص الكتاب لقد سخر الله سبحانه وتعالى للإنسان ما في السموات والأرض، وإنفاذ التسخير واستخراج كنوز الخير من هذه المسخرات لا يكون إلا بالعلم بها، ولذا كانت إشارات القرآن لآفاق العلم تدور حول موجودات السموات والأرض ولم يسفه النَص القرآني أي مساحة معرفية محتملة أو سعي إنساني للعلم بهذه الموجودات عدا التحفظ على الروح والغيب كما سبق البيان، وأما عند الخروج من هذا المجال- أي أقطار السموات والأرض- فهذا خروج لغير ما سخر، ومن ثم يبين الله سبحانه وتعالى أن الإنسان لن ينتصر في هذا الخروج.
الهوامش
«1» للاطلاع على كثير من نصوص الوحي، انظر مثلًا التاج، الجامع للأصول، جــ 1 ص٦٠، ص ٧٦ للشيخ منصور علي ناصف، وإحياء علوم الدين للغزالي، جــ 1، ص 4، ص 82.
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكلالوَهْن الـمُفضي إلى التلاشي الحضاري.. رَاهنُ البحث العلمي نموذجاً
نشر في العدد 2113
23
الأربعاء 01-نوفمبر-2017