العنوان المسلم.. وأعداؤه الأربعة
الكاتب عبد الله محمد القاضي
تاريخ النشر السبت 28-فبراير-2004
مشاهدات 20
نشر في العدد 1590
نشر في الصفحة 55
السبت 28-فبراير-2004
قانون تسليط الأشرار على الصالحين قانون إلهي لحكم كثيرة، والمسلم سلط عليه الشيطان والهوى والنفس والدنيا من الأمام والخلف، وعن اليمين وعن الشمال تعالوا نقرأ قول الله تعالى عن مغزى تسليط الشيطان على الإنسان ليلازمه ملازمة مستمرة من الولادة إلى الموت، قال تعالي: ﴿وَمَا كَانَ لَهُ عَلَيْهِم مِّن سُلْطَانٍ إِلَّا لِنَعْلَمَ مَن يُؤْمِنُ بِالْآخِرَةِ مِمَّنْ هُوَ مِنْهَا فِي شَكٍّ ۗ وَرَبُّكَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ﴾ (سبأ: 21)
هذا بعد بلوغ سن التكليف، أما قبل ذلك فللشيطان شأن آخر مع الإنسان إذا لم يتعهده أبواه بالتربية الإسلامية الصحيحة التي تحميه من الشيطان بإذن الله.
قال رسول الله ﷺ كل مولود يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه أما من ناحية تسليط الهوى على الإنسان فيقول تعالى: ﴿فَأَمَّا مَن طَغَىٰ وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَىٰ وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَىٰ فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَىٰ﴾ (النازعات: 37-41)، ويقول سبحانه: ﴿أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَٰهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَىٰ عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَىٰ سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَىٰ بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَن يَهْدِيهِ مِن بَعْدِ اللَّهِ ۚ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ﴾ (الجاثية: 23)
إن الله -عز وجل- قد أضله لأنه اتبع هواه وكان بإمكانه اتباع الهدى الذي جعله الله ميسرًا لمن أراد من خلقه، قال تعالى: ﴿فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا﴾ (الشمس: 8)، وقال تعالى: ﴿وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا ۚ وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ﴾ (العنكبوت: 69)
فقد جمع الله النقيضين في تركيبة النفس البشرية الهدى والضلال ومن لم يجاهد للفوز بالهدى واتباع طريق الحق يبق ضالًا، فقد أضله، الله ولو اتبع الهدى لهداه الله وهذا تكريم إلهي عظيم للعبد بأن يختار الحق أو الباطل الهدى أو الضلال ويتحقق قضاء الله وقدره ومشيئته على هذا الاختيار بعد ذلك.
وهنا تتجلى الوحمة بالعباد والتكريم لهم فلا هدى بدون نقيضه إلا للملائكة الأطهار المطبوعين على ذلك فهم مهتدون طبعًا وخلقًا وتركيبًا من لدن حكيم خبير وأيضًا لا ضلال بدون نقيضه للإنسان في هذه الحياة الدنيا، لأن والله أكرم وأرحم من أن يخلق الإنسان ولا تكون الهداية في صنعه وتركيبه إذا توصل إليها بفعل طاعة الله فيما أمر واجتناب ما نهى عنه وزجر.
كما أن الضلال لا يتحقق إلا بفعل أسباب وهي معصية الله وارتكاب ما نهى عنه وزجر، وقد يعبد الإنسان ربه بغير ما شرع وسنه رسول الله ﷺ كأصحاب المذاهب الضالة المنحرفة عن الهدي النبوي، وهؤلاء ليسوا على هداية قال تعالى: ﴿وَقَدِمْنَا إِلَىٰ مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَّنثُورًا﴾ (الفرقان: 23)
أما عن سلطان الدنيا فيقول تبارك وتعالى: ﴿اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ ۖ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا ۖ وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ ۚ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ﴾ (الحديد: 20).
أما عن تسليط الأشرار على الأخيار فقد ذكر أيضًا في كثير من المواضع قوله تعالى: ﴿وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّىٰ يَرُدُّوكُمْ عَن دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا ۚ وَمَن يَرْتَدِدْ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَٰئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ۖ وَأُولَٰئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ ۖ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ﴾ (البقرة: 217)، ولكن رحمة الله بعباده واسعة، وفضله عظيم قال سبحانه: وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ﴾ (البقرة: 251).
وهنا بيت القصيد، حيث إن هذه الآية الكريمة قد لخصت جميع ما ذكرته من قانون التسليط بصفة عامة، فلولا ذلك القانون لفسدت الأرض واختل توازنها وعمت الفوضى وطفي الشر والطغيان حتى أصبح طوفانًا أشد من طوفان نوح -عليه السلام-.
وعن النفس والابتلاء بهواها نقرأ قول زوج عزيز مصر، كما حكى عنها القرآن الكريم ۞ وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي ۚ إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي ۚ إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾ (يوسف: 53)
والنفس هي العدو الرابع وهي قرينة الهوى والشيطان والدنيا.
تلك هي الجبهات الأربع التي يناضل عليها الإنسان المسلم طيلة حياته، والسعيد من ختم الله له بخير نسأل الله لنا والمؤمنين والمؤمنات حسن الخاتمة، إنه ولي ذلك والقادر عليه.