العنوان المطلوب.. رأس الانتفاضة
الكاتب مجلة المجتمع
تاريخ النشر السبت 05-مايو-2001
مشاهدات 13
نشر في العدد 1449
نشر في الصفحة 22
السبت 05-مايو-2001
ضغوط أمريكية.. وتحركات عربية.. والسلطة تتجاوب وتبدأ حملة لوقف الانتفاضة
بواد انقسام في صفوف فتح وتقارب بين حماس والفتحاويين المؤيدين للمقاومة
المؤامرة لوقف الانتفاضة ووأدها لم تتوقف منذ انطلاقتها، قبل أكثر من ستة أشهر، ولكنها تدخل هذه الأيام مرحلة خطيرة جعلت المخلصين الحريصين على استمرارها يضعون أيديهم على قلوبهم خشية نجاح المخططات والمؤامرات، في إجهاض الانتفاضة الثانية، كما حصل مع سابقتها التي استمرت سنوات، وأجهضت عام ۱۹٩٣م على يد القيادة المتنفذة لمنظمة التحرير الفلسطينية التي قايضت وأد الانتفاضة باتفاق أوسلو الهزيل.
بدأت التحركات الإقليمية التي قادتها أطراف رسمية عربية لوقف الانتفاضة، بعد تزايد الضغوط الأمريكية على تلك الأطراف، للقيام بدور فاعل لوقف ما تسميه واشنطن، «أعمال عنف» وجرى الحديث علنًا عن تهديدات أمريكية بوقف المساعدات عن مصر والأردن في حال عدم تحركهما في هذا الاتجاه. ولوحظ بالفعل تحرك نشط قامت به الدولتان بعد هذه الضغوط وبعد الزيارتين اللتين قام بهما مسؤولا الدولتين إلى واشنطن، وتبلور هذا الجهد في طرح ما سُمي بالمبادرة المصرية- الأردنية، تحت شعار تهدئة المواجهات ووقف العنف والتوتر في المنطقة، وبدلًا من دعم الانتفاضة التي أرهقت العدو في جميع المجالات، وجعلته يقدم أثمانًا فادحة من أمنه واقتصاده، الذي انهارت قطاعات منه كالسياحة والزراعة، نجد أن مصر تقود عملية إجهاض الانتفاضة.
ورغم عدم الحماس الذي لقيته المبادرة في بداية إطلاقها من السلطة الفلسطينية ورفض الشعب الفلسطيني وقواه السياسية لها، بل والرفض الصهيوني لها، فإن مصر والأردن واصلتا جهودًا مكثفة لحشد التأييد لهذا التحرك بدأ بزيارة وزير الخارجية الأردني عبد الإله الخطيب للقدس المحتلة، كاسرًا بذلك العزلة السياسية المفروضة على حكومة المجرم شارون، تلتها زيارة الرئيس المصري لروسيا التي أعلن أن هدفها كسب تأييد موسكو للمبادرة، وعلى مدار الأيام الماضية، شنت الدول الأوروبية حملة دبلوماسية نشطة في المنطقة لدفع جهود وقف الانتفاضة.
وقد نجحت هذه الجهود والتحركات المتسارعة في تحقيق بعض الاختراقات تمثلت في سلسلة الخطوات التراجعية الخطيرة التي اتخذتها السلطة الفلسطينية، حيث وافقت على استئناف التنسيق الأمني مع سلطات الاحتلال، وعقدت جلسات مكثفة على مدار الأيام التي سبقت لقاء مبارك- بيريز في القاهرة، كما اتخذت السلطة قرارًا بمنع إطلاق قذائف الهاون على المستوطنات، واعتقلت عددًا من خلايا حركة حماس التي نفذت سلسلة من الهجمات على المستوطنات، وفي وقت لاحق، أعلنت السلطة حل اللجان الشعبية التي تشرف على إدارة شؤون الانتفاضة وأعقبت ذلك باعتقال الدكتور عبد العزيز الرنتيسي أحد أبرز قادة حماس في قطاع غزة على خلفية تصريحاته التي أعلن فيها إصرار الحركة على مواصلة مقاومة الاحتلال ورفضها ورفض الشعب الفلسطيني للقاءات التنسيق مع أجهزة أمن الاحتلال.
السلطة عاودت الاستسلام
الخطوات التي اتخذتها السلطة على الأرض، والهادفة إلى تهيئة الأجواء لقرارات أخرى مرتقبة تعني أن قيادة السلطة عاودت الاستسلام، واتخذت قرارًا بالمشاركة في وأد الانتفاضة.
إن عرفات وأركان سلطته يدركون الآثار السلبية التي ستلحق بالسلطة بسبب قيامها بإجهاض الانتفاضة، دون ثمن، ولكنهم يدركون بصورة أكبر أن استمرار وجودهم في السلطة مرتبط بتقديم هذا الاستحقاق الصهيوني الأمريكي.
ولا تقتصر خسائر السلطة جراء موقفها الأخير، على صورتها الشعبية التي اهتزت كثيرًا. بل تتعداها إلى احتمالات حصول انقسام وشرخ داخلي في صفوف حركة فتح التي تعتبر حزب السلطة، وتشكل عمودها الفقري، وقد بدأت بوادر هذا الانقسام في النقد الذي وجهته حركة فتح لخطوة السلطة باعتقال الرنتيسي، ولكن ذروة الخلاف بين الجانبين تمثلت في إعلان لجان المقاومة الشعبية التي تشكل «فتح» جزءًا مهمًا فيها عن رفضها لقرار رئيس السلطة ولقرار المجلس العسكري الأعلى بحل اللجان.
وقد أكد متابعون لمجريات الأوضاع داخل حركة فتح، وجود خلاف حقيقي في صفوفها، تجاه التعامل مع الانتفاضة، بين فريق المتمسكين بخط التفاوض مع الكيان الصهيوني والذين يدعون إلى تهدئة الأوضاع، ووقف الانتفاضة خوفًا على مواقعهم ومصالحهم، وبين فريق آخر يتشكل في غالبيته من كوادر «الداخل» يدعو إلى استمرار الانتفاضة والمواجهة مع سلطات الاحتلال بأشكالها كافة الشعبية والعسكرية.
وقد تزايد نفوذ الفريق الفتحاوي المؤيد لاستمرار الانتفاضة خلال الشهور الماضية بصورة ملحوظة، على حساب أجهزة أمن السلطة ومؤيدي معسكر التفاوض الذين باتوا يشعرون بقلق شديد إزاء تصاعد المقاومة، إلى الدرجة التي دفعت كثيرًا من رموزهم وقياداتهم إلى ترحيل عائلاتهم خارج مناطق السلطة للإقامة في العاصمة الأردنية عمان.
تقارب مع حماس
التباعد بين مؤيدي التفاوض ومؤيدي استمرار الانتفاضة داخل صفوف «فتح» دفع للمرة الأولى منذ سنوات إلى تقارب واضح للعيان بين التيار الثاني وحركة حماس التي رحبت بالتغيرات الحاصلة على مواقف قطاع مهم من حركة فتح أملًا في تحقيق تقارب أفضل في وجهات النظر بين الحركتين الأوسع نفوذًا في الساحة الفلسطينية وبنسبة تصل إلى نحو ۸۰- ۸۵% من مجمل الفعل السياسي الشعبي.
وقد عبر التقارب بين حماس وقطاع من فتح عن نفسه في مناسبات عدة، فإضافة إلى مشاركة الجانبين في اللجنة المشرفة على إدارة الانتفاضة، فإن كتائب عز الدين القسام الجناح العسكري لحماس، أعلنت وفي أكثر من بيان عسكري عن تنفيذها هجمات عسكرية انتقامًا لاغتيال سلطات الاحتلال رموزًا من عسكريي فتح، ومن ذلك بيان أصدرته الكتائب الأسبوع الماضي، تبنت فيه عملية في مستوطنة «نيتسار حزاني»، وقالت: إنها تأتي «في إطار الرد على الاحتلال وسياسة الاغتيال التي كان آخرها أربعة من إخواننا في حركة فتح في مدينة رفح الصمود..».
الانتفاضة مستمرة: وإزاء الوضع القائم والمتمثل في الضغوط الدولية، والتحرك الإقليمي لوقف الانتفاضة، وتجاوب السلطة مع هذه الضغوط والتحركات، وفي ظل إعلان حركة حماس الصريح عن رفضها للمبادرة الأردنية- المصرية، ولدعوات السلطة بوقف المقاومة، وتأييد هذا الموقف من قبل قطاع واسع من حركة فتح ومن كثير من القوى الفلسطينية الأخرى ومن قطاعات واسعة في الشعب الفلسطيني، فإن الشرخ يبدو واضحًا بين مواقف بعض الأنظمة المهادنة التي تمهد للتغلغل الصهيوني في المنطقة، والموقف الشعبي المقاوم الذي يرفض الاستسلام والاتفاقات الأمنية المذلة، التي بات معروفًا أن أحد بنودها السرية يتضمن أن يتقاضى موظفو السلطة ورجال أمنها رواتبهم من الخزانة اليهودية، وإن جاءت تحت أسماء أخرى، ولعل الرفض الشعبي ينجح في الأيام المقبلة في تحطيم تلك المخططات الرامية إلى واد الانتفاضة، ويقنع الدول الضالعة في تلك المخططات بالكف عن المساهمة في الإجرام، والتوجه بدلًا من ذلك إلى دعم الانتفاضة..
والدة الشهيد عماد الزبيدي: ابني هدية للأقصى أدعو الله أن يتقبلها مني
تنتشر صور الشهيد عماد الزبيدي (۱۸) عامًا على جدران المنازل ولافتات الدعاية في أنحاء مدينة نابلس، لتتيح لقسم لا يستهان به من الفلسطينيين أن يعرفوا ذلك الشاب صغير السن، الذي كان قليل الاحتكاك بالآخرين.
كان عماد طالبًا في المرحلة الثانوية الصناعية بنابلس عندما فجر نفسه يوم ۲۲ أبريل الماضي قرب حافلة صهيونية وسط مستوطنة كفر سابا في أرض فلسطين المحتلة عام ٤٨، ليوقع أكثر من ٥٠ صهيونيًا بين قتيل وجريح حسب تقديرات الاحتلال.
ولد الشهيد عام ۱۹۸۳م لأسرة متدينة، وهو الشقيق الأكبر لإخوته، درس المرحلتين الابتدائية والإعدادية في نابلس، ثم انتقل إلى المدرسة الصناعية حيث كان يدرس في قسم الخراطة كان الشهيد الزبيدي من رواد المسجد القريب من منزله، ومن المواظبين على صلاة الفجر.
ويروي عنه أصدقاؤه المقربون حرصه على قيام الليل، وتدريسه أحكام التجويد وقراءة القرآن في المسجد.
بدأ نشاطه في إطار الحركة الطلابية الإسلامية منذ نعومة أظفاره، وأصبح مسؤولًا للحركة في مدرسة الصناعة الثانوية، وقبل استشهاده بأيام قليلة خط شعارات إسلامية على جدران المدرسة تصف الحركة الطلابية الإسلامية بأنها «محبة وإخاء وبذل وعطاء وعلم وعمل».
تذكر والدته أنها في أحداث فتح نفق التلموديين تحت المسجد الأقصى في سبتمبر عام ١٩٩٦م طلبت من ابنها عماد النزول لرشق الحجارة على جيش الاحتلال عند قبر يوسف، فرد قائلًا «أتريدين أن أضرب بالحجارة؟... أنا لا أذهب إلا برشاش حتى ألقنهم درسًا لا ينسونه».
وخلال حفل تأبين الشهيد بدت والدته هادئة واثقة وهي تخاطب آلاف الطلبة قائلة: «إن ابني هدية للأقصى، وأدعو الله أن يتقبلها وأن يعينني على تقديم المزيد من الهدايا في سبيله».
وفي ساحة المدرسة الصناعية؛ حيث كان يدرس الشهيد، أبكت السامعين كلمات الرثاء التي رددها زملاؤه والمعلمون، وتحول الشهيد الصغير إلى أحاديث لآلاف الناس الذين غصت بهم قاعات العزاء.
واليوم تحكي صور الشهيد عماد الزبيدي في زوايا نابلس قصة فتى لم يكمل العقد الثاني من عمره، لكنه أبى إلا أن يؤكد استمرار قوافل الشهداء، من أجل الأقصى وفلسطين.
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكل
مفكر صهيوني: لو قتلنا عشرة مليون كمان... كم يكون العدد الباقي؟
نشر في العدد 5
34
الثلاثاء 14-أبريل-1970