العنوان المظلومون في تاريخنا (6) ابن النفيس.. واكتشاف الدورة الدموية الصغرى (3من3)
الكاتب أ.د. عبدالرحمن علي الحجي
تاريخ النشر السبت 24-مارس-2007
مشاهدات 34
نشر في العدد 1744
نشر في الصفحة 66

السبت 24-مارس-2007
اكتشف ابن النفيس الدورة الدموية الصغرى، وهي دورة الدم في الرئتين، حيث يخرج الدم من البطين الأيمن من القلب، في الشريان الرئوي إلى الرئتين ليُنَقّى (يأخذ الأُكسجين من الهواء فيها ويُطْلِق ما عداه) ثم يعود إلى البطين الأيسر من القلب، ليتغذى به الجسم.
Blood`s Circulatory System = Blood Pulmonary
Circulation
Lesser circulation (Sp. La Circulacion Pulmonar)
لكن المعروف الشائع، الذي يدرس في كليات الطب عموماً حتى الآن، أن علماء وأطباء الغرب هم مَن اكتشفها، شأنها شأن المنجزات الأُخرى العديدة والكشوف الرائدة للعلماء المسلمين ، الذين ملأوا الميادين بعلومهم وإبداعاتهم.
لكن شيئاً فشيئاً تتكشف الحقائق ويعود المفقود لأهله، ويُنْقَذ من الظلم والإنكار والتجهيل، الذي يوجب بديلاً أن يكرم ويُجاز ويُقدم.
تنازع هذا الاكتشاف الذي نسبوه لأنفسهم، عدد من أهل الغرب، فيدعي الإنجليز أنــه لطبيبهم وليــم هارفــي . William Harvey (1578-1657 A.D.)
ومثل ذلك فعل الإسبان، فنسبوها إلى أحدهم، ميخائيل سيرفيتوس (29/9/1511 ــ 27/10/1553م)، إسباني من شمالها، لعله من مدينة تُطَيَلة (أرغون). الذي لم يكمل دراسته طبيباً، وإنما دَرَسَ الطب في جامعة السوربون في باريس، ولم يكملها، لاتهامه بأمور دينية، لكنه اشتغل بالطب فيما بعد. كان مهتماً ــ أكثر من ذلك ــ بالأمور الدينية المسيحية وعقيدتها، مما جعله يؤلف باللاتينية العديد من الكتب في هذه الموضوعات. ثم كتب مؤلفاً في إحدى موضوعاتها، ضمنه أجزاء من كلام ابن النفيس، كان مُتَرْجَماً إلى اللاتينية لم يُشِرْ إليه.
كتابه الجديد والأخير طبع باللاتينية أوائل سنة 1065هـ = 1553م، يتحدث عن العقيدة المسيحية، وجعل عنوانه: عودة المسيحية:
تعرض في هذا الكتاب إلى أمور في الطب، عارض فيها آراء جالينوس الطبيب اليوناني في موضوع الدورة الدموية، لكن جُلَّه متعلق بأمور في العقيدة الدينية مخالِفاً للكنيسة، وحتى لآراء المصلح الديني واللاهوتي الفــرنسي البروتستانتي الشهير «كالفن» (,John Calven)
1509 - 1564 A.D.) ( الذي حمل راية الإصلاح الديني في فرنسا وسويسرا. كان سيرفيتوس قد نقل بعض كلام ابن النفيس عن الدورة الدموية، دون إشارة، كأنها من كلامه.
وألقت الكنيسة القبض عليه في فيين بفرنسا، إلا أنه هرب من سجنه فاراً متنكراً حتى جنيف ــ عَبْرَ أيطاليا ــ ثم عُرِفَ فأُلقي القبض عليه وحوكم من قبل الكنيسة والبروتستانت الكالفنيين، وحكم عليه بالموت حرقاً. لكن «كالفن» اقترح أن يُقْتَل إعداماً. بينما أصرت الكنيسة على إعدامه حرقاُ، حيث يُشَدّ إلى عمود (خازوق) وتُشْعَل فيه النار، وقد تم.
لقد تأثر بآرائه وموقفه أناس، كَوَّنوا فهماً، اتجهوا بعقيدتهم نحو مذهب جديد عُرفوا بـ«المُوّحِدون» لايزالون متواجدين متناثرين في عديد من الدول الأوروبية. ثم أُُحْرِقت كتبه بعده. الظاهر أن بعضها نجا، كان منها كتابه الأخير، الذي يحتوي نص ابن النفيس المترجم بالواسطة، والذي يتوافق معه كلمة كلمة، ولم يشر إليه، كأنه من إبداعاته.
وهذه الترجمة اللاتينية التي نجدها لدى سرفيتوس في كتابه الأخير كان قد قام بها قبله أولاً سنة 954هـ = 1547م الطبيب الإيطالي أندريا الباجو: Andrea Alpago of Bellunoالذي عاش سنوات في البلاد العربية والإسلامية، تعلم لغتها وترجم العديد من كتبها إلى اللاتينية، كان منها لابن النفيس، ومنها كتابه: شرح تشريح القانون، حيث يشرح الدورة الدموية الصغرى، وربما غيرها. وقد شَهِد بذلك مايرهوف ــ ربما على مضض، حيث عاد عنها ملتوياً ــ قائلاً: «إن مما أذهلني هو مشابهة لا بل مماثلة بعض الجمل الأساسية في كلمات سِرفيتوس لأقوال ابن النفيس التي تُرجمت ترجمة حرفية».
ويقول ألدو ميلي في كتابه بالفرنسية: «العلم العربي ودوره في التقدم العلمي العالمي La Science Arabe et son role dans, l`evolution scientifique mondiale, par Aldo Mieli .
«إن بعض فقرات عند سِرفيتوس منقولة كلمة بكلمة من مؤلَّف ابن النفيس».
لكن ابن النفيس بقي مظلوماً قروناً متتالية حتى أظهره كبش الفداء الطبيب المصري اللبيب (دكتوراه الطب) محيي الدين التطاوي، الذي ابتعثته جامعة القاهرة لدراسة الدكتوراه في ألمانيا. وبينما كان يتابع دراستة اطلع على مخطوط لابن النفيس في إحدى مكتبات برلين، فوجئ مندهشاً بنص فيه، يتحدث عن الدوة الدموية الصغرى، فأَطْلَع عليه أستاذَه الذي رغب إليه أن يجعل ذلك موضوع دراسته، ففعل. كما حثه على إرسال هذا النص إلى جورج سارتون في أمريكا ليجعله في كتابه الكبير: مقدمة لتاريخ العلوم:
Introduction to the History of Science، George Sarton.
ومنذ ذلك اليوم بدأت الكتابات ــ بلغات عدة، في دراسة ابن النفيس ــ متسعة، وباعتباره هو المكتشف الحقيقي للدورة الدموية الصغرى (والكبرى) وكشوفاته الأخرى ومتعلقاتها.
أما الدكتور الطبيب محيي الدين التطاوي فقد كان هو الضحية، حيث إنه حين عاد من ألمانيا سنة 1924م إلى جامعة القاهرة بدكتوراه الطب من جامعة ألبرت لدونج (أو فرايبورج) ألمانيا، في موضوع: «الدورة الدموية الرئوية وَفْقاً للقَرْشي (ابن النفيس)»Albert Ludwing، Germanyرفضت ــ كما ذُكِرَ ــ الاعتراف بشهادته، إلى حد أنه لم يُمنح إجازة ممارسة الطب العام بالبكالوريوس، فاضطر أن يمارسه متجولاً في القرى طبيباً شعبياً، ثم مرض نتيجة ذلك، قضى هكذا محروماً مظلوماً.<
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكلالمظلومون في تاريخنا (6) ابن النفيس.. الطبيب الرائد والمبدع الواعد(1)
نشر في العدد 1742
20
السبت 10-مارس-2007


