العنوان المظلومون في تاريخنا «9» - الناصر لدين الله.. «1من ٢» - سيرته وخصاله
الكاتب أ.د. عبد الرحمن علي الحجي
تاريخ النشر السبت 07-أبريل-2007
مشاهدات 17
نشر في العدد 1746
نشر في الصفحة 66
السبت 07-أبريل-2007
مرت الأندلس «إسبانيا والبرتغال»، خلال حياتها ذات القرون الثمانية بين مد وجزر في أمور عدة خطها البياني متفاوت في التفوق والتمزق. تمتعت بكثير من الخير فيها، وأحيانًا إلى حد الامتلاء، لا سيما القرون الثلاثة الأولى من عمرها، وأولها «أغناها» آخرها «القرن 4 هـ = ١١م».
مسيرة رعاها كثيرون، رعاة عدة يقودونها، أمانة وتضحية وفداء، حراسة لهذا الهرم المجيد الرشيد منهم في ظاهره وآخرون حسب مواقعهم على رأسهم الناصر لدين الله عبد الرحمن «الثالث» بن محمد الثامن من حكامهم دامت خلافته فوق خمسين عامًا «٣٠٠-٣٥٠هـ - ٩١١-٩٦١م».
ورث جده عبد الله الذي اعتنى به وقربه. ومن عجب أنه تولى الحكم وعمره ٢٢ عامًا، رغم من كان بالحضرة أكابر أعمامه وذويه الكل بايعه، لم يخالفه أحد، بل كلهم أعانه ووقف معه.
كان شهمًا صارمًا، كثير الجهاد يقوده بنفسه «نفح ٣٥٣/١».
يحسن اختيار أهل المسؤولية، ويجيد تمامًا اصطفاءهم، يحاسب عماله برفق ويعفو عن المسيء، يفي بوعوده وعهوده للجميع، اكتسب ثقة الناس بتواضعه.
كان يقبل نصائح من حوله، بل والنقد الشديد منها، كما جرى له من قاضي الجماعة بقرطبة منذر بن سعيد البلوطي، الذي عرض به مرات في خطبه وبحضوره «المغرب ١ / ١٨٣ - ١٨٥ فرحة الأنفس، ابن غالب ٣٠٣-٣٠٤ نفح ١ / ٥٧٠-٥٧٢».
كان غاية في الذكاء والبديهة بها يقول الشعر. وله أبلغ التوقيعات، كان دؤوبًا لا تفتر له همة، ذكر أنه وجد بخط الناصر يرحمه الله، أيام السرور التي صفت له دون تكدير «خلال الخمسين سنة» يوم كذا كذا وكذا من شهر كذا من سنة كذا ويوم كذا من كذا «أيام الإجازة والراحة»، وعدت تلك الأيام فكانت أربعة عشر يومًا: «المغرب ۱۸۲/۱ نفح ۱ / ۳۷۹- أزهار ۲ / ۲۸۲ سير أعلام النبلاء ٢٦٦/٨».
كانت الأندلس قبله إمارة حاكمها أمير، أعلنها خلافة سنة ٣١٦هـ= 929م، استجابة لموقعها في العالم الإسلامي، إذ غدت أكبر قوة سياسية وحضارية فيه، بل ربما في العالم كله، ولا عجب أصبحت قرطبة قبلة أو محورًا مركزيًا عالميًا، يخطب ودها الآخرون، شرقًا وغربًا، ومن العالم غير الإسلامي، سيما من حولها، ومن القارة الأوربية.
يسعون جميعًا لطلب صداقتها والتقرب إليها، إلى حد التوسط عنده لحل خصوماتهم وطلب حاجاتهم، في كل ما يعن لهم، مثلًا، في طبهم وتعلمهم واستشارتهم، لكن كثرة منهم كان لها غير وفي.
الأخبار الموثقة تؤكد ما ذكر، بل وتزيد عليه: أن الدروب إلى قرطبة تموج بالقاصدين تستقبلهم وتلبي حاجاتهم، على نية الوفاء، وتفعل، وذاك سمتها المعروف، غير ما يفعل الآخرون، لا يلتزمون قليلًا ما يفعلون، إلا لعلة خارجة امتلأت الدروب نحو قرطبة الخلافة ميممين، حتى كبار الحكام والأمراء، والأباطرة الكبار يفعلون. أرسل إمبراطور الدولة الرومانية المقدسة «ألمانيا» أوتو الأول الكبير the Great . Otto I سفارة إلى الناصر سنة ٣٤٢هـ - ٩٥٣م، يرأسها كبير الرهبان الألمان يوحنا «يوحنى» الغرزيني: John of Gorze.
يسأله التدخل والتكفل بإنهاء الوجود الإسلامي لديهم. فكيف يمكن أن يتم ذلك؟ ولأسباب بقيت هذه السفارة في قرطبة ثلاث سنوات، حتى تمت المقابلة، في قصر مدينة الزهراء، في قاعة السفراء «المجلس المؤنس».
خير من وصف هذه الوفادات.. ابن حيان القرطبي «٤٦٩هـ»، التي ضاعت وحفظها ابن خلدون في عبره والمقري في نفحه: «ومدت إليه أمم النصرانية من وراء الدروب يد الإذعان، وأوفدوا عليه رسلهم وهداياهم من رومة والقسطنطينية في سبيل المهادنة والسلم والاعتمال فيما يعن في مرضاته ووصل إلى سدته الملوك من أهل جزيرة الأندلس المتاخمين لبلاد المسلمين بجهات قشتالة وبنبلونة وما ينسب إليها من الثغور الجوفية «الحدود الشمالية»، فقبلوا يده والتمسوا رضاه واحتقبوا جوائزه وامتطوا مراكبه»... وذلك: «أن مُلك الناصر بالأندلس كان في غاية الفخامة ورفعة الشأن، وهادته الروم وازدلفت إليه تطلب مهادنته ومتاحفته بعظيم الذخائر، ولم تبق أمة سمعت به من ملوك الروم والإفرنجة والمجوس وسائر الأمم إلا وفدت عليه خاضعة راغبة، وانصرفت عنه راضية» «نفح الطيب ٣٦٦٣٥٤٠/١».
إذن كيف ظلم، ربما هناك بعض مظالم لحقته، قلت أو كثرت، يشار إلى اثنتين منها: الأولى شائعة تردد قديمًا وحديثًا، شرقًا وغربًا. والثانية: تجدها على الأغلب لدى كتاب غربيين، ربما انتقلت إلى آخرين غيرهم.
كلتاهما وهم وافتراء، وسوف نشرحهما ونفندهما في العدد القادم بإذن الله.
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكل
المظلومون في تاريخنا (9).. الناصر لدين الله.. (2 من 2) الرد على الافتراءات
نشر في العدد 1747
13
السبت 14-أبريل-2007