العنوان المعارضة الباكستانية هل تنجح في إسقاط حكومة نواز شريف؟
الكاتب عبدالله بركات
تاريخ النشر الثلاثاء 08-ديسمبر-1992
مشاهدات 16
نشر في العدد 1028
نشر في الصفحة 30
الثلاثاء 08-ديسمبر-1992
أظهرت حكومة نواز شريف صلابة تجاه الضغوط الأميركية لإلغاء البرنامج النووي الباكستاني
نواز شريف أهمل حلفاءه وانفرد باتخاذ القرار مما جعل حلفاءه يصبحوا في جانب المعارضة لسياسته
قبل الخوض في الحديث عما يجري من مسيرات وتحديات لحكومة السيد نواز شريف رئيس وزراء باكستان بهدف إسقاطها وإجراء انتخابات جديدة من قبل بعض أحزاب المعارضة الباكستانية بقيادة السيدة بناظير بوتو لا بد من الحديث عن الخلفية التاريخية لحكومة نواز شريف وعلاقتها مع المعارضة وكذلك لا بد من الإشارة إلى أهم إنجازات حكومة نواز شريف والتي أثارت حفيظة المعارضة فقامت بما قامت به من أجل صرف النظر عن هذه الإنجازات ووقف التأييد الشعبي المتزايد لهذه الحكومة بعد استشهاد الرئيس ضياء الحق في السابع عشر من أغسطس ۱۹۸۸ في حادث تحطم طائرته ثم إجراء انتخابات عامة في البلاد وصلت من خلالها السيدة بناظير بوتو إلى رئاسة الوزراء کأول امرأة تصل إلى هذا المنصب في باكستان واستمرت في الحكم قرابة عشرين شهرًا حتى عزلها الرئيس الباكستاني غلام إسحق خان في الثامن من أغسطس من عام ۱۹۹۰ وذلك لعدة أسباب كان من أهمها فشلها في معالجة الأزمة الاقتصادية في البلاد وتزايد حدة المشاكل وأعمال العنف العرقية والطائفية إضافة لانتشار الفساد والرشوة في مؤسسات الدولة وأخيرًا تفجر أزمة الخليج والحاجة لرجل قوي لاحتواء آثارها فتم بعد إقالتها مباشرة تشكيل حكومة مؤقتة برئاسة السيد غلام مصطفى جنوي حيث قامت هذه الحكومة بنظيم عملية إجراء انتخابات حرة في البلاد في بداية نوفمبر ۱۹۹۰ حيث فاز الاتحاد الإسلامي الديمقراطي الذي شكل كتحالف من عدة أحزاب ضمت حزب الرابطة الذي ينتمي إليه السيد نواز شريف والجماعة الإسلامية الباكستانية وبعض الجماعات الإسلامية الصغيرة الأخرى وتم تشكيل الحكومة برئاسة السيد نواز شريف في السادس من نوفمبر ۱۹۹۰م.
حكومة شريف
منذ وصول السيد نواز شريف إلى رئاسة الوزراء بدأ الشعب ينظر إليه وللائتلاف الإسلامي الذي شاركه الحكم كمنقذ لباكستان من محنها الكثيرة وبدأ السيد شريف حياته السياسية كرجل قوي وفي نفس الوقت لا يحب الظهور أمام التجمعات العامة ويحرج من التحدث للصحفيين بشكل جماعي ولكن وبعد مرور عامين ثبت أنه على عكس ما توهم البعض من بساطته وظهر في الحقيقة بمظهر الرجل الجريء القادر على اتخاذ القرارات الحاسمة دون تردد وباستعراض بسيط لمنجزات حكومة نواز شريف ندرك أنه قد حقق لباكستان الكثير من الإنجازات على المستوى الداخلي والخارجي عجزت عن تحقيقها الحكومات السابقة وعندما نتحدث عن إنجازاته فإننا لا نلغي وننفي أن هناك سلبيات كثيرة ولكن الحديث عن الإيجابيات والإنجازات هو مدار البحث هنا ويمكن تلخيص أهم منجزات حكومة السيد نواز شريف فيما يلي:
أولًا: في المجال الاقتصادي: انتهجت حكومة السيد نواز شريف سياسة الانفتاح الاقتصادي والتي تمثلت بشكل رئيسي في تشجيع التصدير ورفع القيود للاستيراد وتشجيع الاستثمارات الخارجية ورفع القيود من عملية إدخال وإخراج العملات الأجنبية وتشجيع القطاع الصناعي ودعمه وإشراك القطاع الخاص في جميع ما تملكه الدولة حيث تم بيع الكثير من مؤسسات الدولة الإنتاجية إلى القطاع الخاص وصرف العائد من البيع على المشاريع الجديدة التي تحتاج لها الدولة في إعمار البلاد وتقديم الخدمات المختلفة للشعب ورغم ظهور بعض السلبيات التي من أهمها الارتفاع الحاد في الأسعار وفقدان بعض السلع المهمة من الأسواق إلا أن الحكومة حققت إنجازات في الجانب الاقتصادي فقد ارتفعت استثمارات باكستان الخارجية من ۲۱۱٫٥ مليون دولار في السنة المالية 89/ 90 إلى ٥٥٣,٦ مليون دولار للسنة المالية 91/ 92 وارتفعت مدخرات باكستان من العملات الصعبة من ۱۰۰ مليون دولار في السنة المالية 89/ 90 إلى . 746.6مليون دولار المالية 91/ 92 بينما ارتفعت ميزانية استيراد آلات وماكينات صناعية من 1.38 بليون دولار للسنة 89/ 90 إلى 2.5 بليون دولار في العام 91/ 92 كما تمكنت حكومة نواز شريف خلال العامين الماضيين من إيجاد فرص عمل في الخارج لما يزيد على ثمانمائة ألف باكستاني في الخارج وهذا عائد للسياسة الخارجية النشطة والمتوازنة التي انتهجتها حكومته كذلك تم تشغيل أكثر من ۱۲۰ ألف باكستاني عاطل عن العمل فيما يعرف بمشروع رئيس الوزراء.. حيث أصبح من حق أي باكستاني عاطل عن العمل أن يمتلك سيارة تاكسي أجرة بسعر مخفض جدًا وبأقساط مريحة كما وتمكنت حكومة نواز من جذب رؤوس الأموال الخارجية وافتتاح فروع لعدد كبير من البنوك الأجنبية في باكستان. من جهة أخرى شهدت باكستان في العامين الأخيرين ثورة في مجال الاتصالات إلى جانب البدء في تنفيذ شبكة واسعة من الخطوط السريعة التي تربط المدن الباكستانية بعضها ببعض إضافة إلى ربط باكستان بجمهوريات آسيا الوسطى عبر أفغانستان لتصبح تلك الجمهوريات سوقًا رائجة للبضائع الباكستانية..
ثانيًا: في مجال السياسة الخارجية: حققت حكومة نواز شريف إنجازات مهمة على المستوى الخارجي تمثل بشكل رئيسي فيما يلي:
أ- تجاوز آثار أزمة الخليج حيث أظهر التأييد للتحالف الذي حرر الكويت وفي نفس الوقت حرص على القيام بجولات في العديد من العواصم العربية والأجنبية أظهرته أمام الشعب الباكستاني بمظهر السياسي الحريص على حقن الدماء وتمنع نشوب حرب مدمرة في المنطقة وفي نفس الوقت أكسبت باكستان حب وتقدير دول الخليج العربي.
ب- إيجاد نوع من الهيبة والاحترام في علاقة باكستان مع أمريكا فرغم أنه لم يخلع الطوق الأمريكي من عنقه إلا أنه استطاع أن يجعل هناك نوعًا من التوازن في العلاقة حيث كانت السفارة الأمريكية في إسلام آباد الآمر الناهي وتتدخل في كافة الشؤون الداخلية لباكستان ولكن بعد استلام نواز شريف للسلطة أظهرت حكومته عدم اكتراثها لوقف المساعدات الاقتصادية والعسكرية عن باكستان وحث نواز شريف في عدة مناسبات الشعب الباكستاني الاعتماد على نفسه وعدم تعليق الآمال على المساعدات الخارجية وكذلك أظهرت حكومته صلابة ومقاومة للضغط الأمريكي فيما يتعلق بالبرنامج النووي الباكستاني حيث صرح رئيس الأركان الجنرال عاصفا نواز بوضوح تام أثناء زيارته لواشنطن في يناير من هذا العام قائلًا «إنه لا يمكن لأي حكومة في باكستان أن تساوم على البرنامج النووي وتستمر في الحكم وأنني لو حاولت وقف البرنامج النووي فإن القوات المسلحة لن تطيعني».
د- المساهمة في معالجة الأزمة الأفغانية من خلال إقناع الأطراف المختلفة بتوقيع اتفاق بيشاور وتحت إشراف نواز شريف شخصيًا، وكذلك تمكنت باكستان من بناء علاقاتها بسرعة مع جمهوريات آسيا الوسطى حيث أصبح لها تمثيل دبلوماسيًا في خمس جمهوريات من أصل الجمهوريات الإسلامية الستة واستطاعت أن تتخذ مواقف متوازنة في العديد من القضايا الحساسة وعلى رأسها قضية الصراع مع الهند حول كشمير حيث تمت ستة لقاءات بين نواز شريف والمسؤولين الهنود خففت من حدة التوتر بين الجانبين.
ثالثًا: منجزات حكومة نواز شريف داخليًا:
أ- أظهرت حكومة نواز شریف نشاطًا بارزًا ومميزًا في حلولها لآثار الفيضانات التي اجتاحت باكستان مؤخرًا والتي تجاوزت خسائرها ٣٥ مليار روبية وظهرت رغبة السيد نواز شريف جلية بالاعتماد على النفس وعدم اللجوء إلى طلب المساعدات الخارجية حيث لم يتقدم بأي طلب رسمي للمساعدة من الآخرين وإنما طلب من الشعب الباكستاني الاعتماد على النفس وأظهر اهتماما بالغًا بضحايا ومتضرري الفيضانات حيث قام بزيارات تفقدية شملت معظم المدن والقرى الباكستانية وعمل بشكل جاد وحثيث على التخفيف من معاناة المنكوبين ورفع معنوياتهم وهذا من أهم العوامل التي رفعت شعبية حكومته وحركت المعارضة لوقف التأييد الشعبي له.
ب- اتخاذ قرارات حاسمة فيما يتعلق بالأوضاع الأمنية الداخلية وخاصة في إقليم السند الذي كان يعاني منذ سنوات طويلة من الاضطرابات وأعمال العصابات فاتخذ قراره الخطير قبل بضعة أشهر بإدخال الجيش فيما عرف بعملية «تطهير السند» حيث تمكن الجيش من قتل واعتقال المئات من رجال العصابات الخطرين واستطاع الكشف عن مئات من الخلايا السرية وزنازين التعذيب والمحاكم السرية ومخابئ الأسلحة وخاصة في مدينتي كراتشي وحيدر أباد، وأخذ الأمن والاستقرار يعود للإقليم ومما تجدر الإشارة إليه أن بعض هذه العصابات مدعوم مباشرة من شقيق بناظير بوتو السيد مرتضى بوتو الذي يقيم حاليًا في سوريا واعترف مؤخرًا في مقابلة مسجلة أن تنظيمه قد ارتكب عدة مئات من الجرائم ذهب ضحيتها أكثر من ألف شخص، كما كان رجال العصابات يفرضون ضرائب على المحال التجارية لا يستطيع أحد رفضها لأنه سيواجه مصيره المحتوم في حال رفضها أو حرق محله التجاري في أحسن الظروف، وإذا ما استمر الهدوء الحالي في إقليم السند فيمكن القول بأن حكومة نواز شريف عندما حققت ما عجزت عن تحقيقه حكومات ضياء الحق وبناظير وجونيجو في هذا المجال.
حكومة شريف والحلفاء والمعارضين
هذا عن الإنجازات بغض النظر عن السلبيات فماذا عن علاقة حكومة نواز مع حلفائه ومعارضيه؟ قبل إجراء الانتخابات كما أسلفنا تحالف نواز شريف مع الجماعة الإسلامية وغيرها من الأحزاب في سبيل منع فوز بناظير بوتو واتفقوا فيما بينهم على عدة أمور أساسية ولكن بعد فوز التحالف الإسلامي الديمقراطي انفرد نواز شريف بالقيادة وترك حلفاء خلفه وانطلق بالحكومة يسيرها كيفما يشاء دونما رقيب فيما يتخذ جميع قراراته الرئيسة بنفسه ودون الرجوع إلى شركاته في التحالف مما أدى إلى تفكك الاتحاد ولم يبق فيه إلا حزب نواز شریف حزب الرابطة الإسلامية.. فإذا كان هذا حاله مع شركائه وحلفائه فماذا عسى يكون تعامله مع معارضيه؟ فلم يأبه ولم يهتم لأي رأي أو مشورة تسدي له من المعارضة وخاصة من حزب الشعب ومن تحالف معه بقيادة بناظير بوتو التي تعتبر عدوه اللدود والتي لا يطيق التحدث إليها في البرلمان وهي تجلس على بضعة أمتار منه، هذا من جانب نواز شریف أما من جانب المعارضة فالذين بالأمس كانوا معه وشكلوا الاتحاد الإسلامي عندما أصيبوا بانفراد نواز شريف بالسلطة اتجه بعضهم نحو بناظير لتنظيم المعارضة والعمل سويًا على إسقاط حكومة نواز شريف بينما إخطار البعض الآخر الخروج من التحالف وعدم الانضمام للمعارضة بل ومعارضة السعي لإسقاط حكومة نواز كما فعلت الجماعة الإسلامية التي ترى في حكومة نواز شريف أخف الضررين..
وقد وجدت المعارضة نفسها غير قادرة على إزالة حكومة نواز بالطرق القانونية وذلك لقوته في البرلمان ولكون قيادة الجيش والرئاسة إلى جانبه كما أنه لا يتخذ أي قرار إلا بعد الرجوع لقيادة الجيش والرئيس الباكستاني فأضاف لقوته أيضًا تحصنه بالجيش والرئاسة، وقد رأت المعارضة أخيرًا بعد أن بذلت جهودًا كبيرة لزعزعة حكومة نواز شریف تكللت جميعها بالفشل أن تقوم بعمل مسيرة من جميع أنحاء البلاد والتجمع في إسلام آباد والاعتصام أمام البرلمان والمطالبة بإسقاط حكومة نواز شريف وإذا لم يستجب نواز شريف يتم اقتحام البرلمان ومقر رئاسة الدولة ورئاسة الوزراء والاستيلاء على الحكومة بالقوة وقد طلبت زعيمة المعارضة من أعضاء حزب الشعب إحضار العصي والحجارة والاستعداد لمواجهة الحكومة في حالة عدم استجابتها لمطالب المعارضة وكانت بناظير تطمح في تجميع أربعمائة وخمسين ألفًا ولكن الواقع كان على غير ما توقعت وباءت كلا محاولاتها بالفشل حيث لم يجتمع إليها في أضخم المسيرات أكثر من بضع مئات وحاولت الوصول بوسائل عديدة لإسلام أباد سواء بالطائرة أو بالقطار أو بالسيارات ولكن كل محاولاتها باءت بالفشل حيث اتخذت حكومة نواز شریف تدابير وقائية أمنية لحفظ الأمن ومنع المتظاهرين من القيام بأعمال العنف والشغب وإراقة الدماء حيث تلقت أجهزة الأمن معلومات أكيدة بأن المعارضة ستلجأ إلى القيام بأعمال عنف وشغب وأنها ستثير القلاقل لإجبار الحكومة على التخلي عن السلطة لذلك قامت الحكومة بمنع أي نوع من أنواع المسيرات والمظاهرات والتجمعات وقامت باعتقال العشرات من قيادات المعارضة وأغلقت الطرق المؤدية إلى العاصمة إسلام آباد.
وكانت استجابة الشعب إيجابية لإجراءات الحكومة وحدثت فقط اشتباكات محدودة بين الشرطة ومؤيدي حزب الشعب كما قامت الحكومة بإبعاد بناظير بوتو ووالدتها من إسلام آباد وحظرت عليها دخول إسلام آباد لمدة ثلاثين يومًا ولكنها قامت مؤخرًا بإلغاء هذا الإجراء وسمحت لها بالتجول في جميع أنحاء باكستان بما في ذلك العاصمة وقامت بتخفيف بعض القيود الأمنية وإطلاق سراح العديد من القيادات المعارضة هذا وما زالت بناظير بوتو وزعماء المعارضة الآخرين من أمثال غلام مصطفى جاتوي ونواب زاده نصر الله وغيرهم يحاولون جمع الشعب وإتمام المسيرة إلى إسلام أباد ولكن الوضع الحالي السياسي لا يوحي بنجاح المعارضة في تحقيق أهدافها وذلك لعدم استجابة الشعب لإدراكه لحقيقة نوايا المعارضة وأنها في حال إسقاط حكومة نواز ووصولها للسلطة فلن يكون لديها بديل أفضل مما جاء به نواز شريف يضاف إلى ذلك أن الشعب قد جرب حكم السيدة بناظير بوتو قرابة عشرين شهرًا عجزت خلالها عن تقديم أي عمل يذكر لتطوير البلاد ورفاهية الشعب.
الخلاصة
وخلاصة القول إن المعارضة بزعامة بناظير بوتو تدرك أكثر من غيرها أنها لن تتمكن بسهولة من إسقاط حكومة نواز شريف ولكنها بأعمالها هذه على الأقل ستصرف أنظار الشعب الباكستاني عن إنجازاته وخاصة فيما يتعلق بعلاج آثار الفيضانات والثورة الصناعية التي يخطط لها من خلال أشغالهم بمتابعة الأحداث السياسية الداخلية، وفي حال فشلهم التام لا يمكن استبعاد القيام بأعمال عنف وتخريب تخلق حالة من عدم الاستقرار والفوضى..
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكلتجمع إسلامي ضخم «باسم الأقصى» - يتظاهر أمام السفارة الأمريكية بلندن ويحذر نکسون.. من تحيزه المستمر لليهود
نشر في العدد 104
16
الثلاثاء 13-يونيو-1972
التهامي يقترح على السادات سبل مكافحة التيار الإسلامي في مصر
نشر في العدد 444
15
الثلاثاء 08-مايو-1979