; المعاهدات الروسية العربية | مجلة المجتمع

العنوان المعاهدات الروسية العربية

الكاتب مجلة المجتمع

تاريخ النشر الثلاثاء 28-أكتوبر-1980

مشاهدات 20

نشر في العدد 502

نشر في الصفحة 33

الثلاثاء 28-أكتوبر-1980

  • نعالج في هذا الملف المعاهدة السورية الروسية الأخيرة التي عُقدت في موسكو بين الأسد وبريجنيف وقد تناولناها من زاويتين.

  1. المعاهدة نفسها وتأثيراتها على الوضع الداخلي في سوريا وعلى لبنان وليبيا. والمدى الذي ستصل إليه مستقبلًا.

  2. المصالح الروسية التي تؤمنها المعاهدات التي أقامها ومقيمها الاتحاد السوفييتي من الدول العربية خاصة.

  • نأمل أن يجد القُراء الكرام في هذا الملف الإجابات الكافية لتساؤلاتهم.

سوريا وروسيا! هل يكفي الجناس بينهما لعقد المعاهدة؟

  • معاهدات الروس مع الدول الصغيرة أشبه شيء بمعاهدة الذئب مع الحملان الوديعة؟!

  • من المؤسف حقًا أن يكون الورق أغلى من بعض المعاهدات التي وقعت عليه!!!

  • كيف يكون هؤلاء أعداء لأمريكا؟ وهم يعيشون على أموال مساعداتها.

  • وكيف تكون موسكو معادية لإسرائيل وهي الدولة الثانية التي اعترفت بقيامها ولها سفير فيها إلى هذه اللحظة؟!

  • أيها العملاء: كفاكم عمى ودجلا وتضييعًا للبلاد!!!

  • الدرس الأفغاني كان بليغًا في كشف النوايا الاستعمارية للروس!!

  • الذين لا يرون الإمبريالية إلا في أمريكا هم عملاء أغبياء للإمبريالية.

  • المعاهدة لا تُلزم الاتحاد السوفيتي بشيء لأنها مجرد معاهدة صداقة تقليدية.

  • القذافي: سيوقع معاهدة مماثلة.

  • بيغن: اتفاق سري غير المعاهدة!

المعاهدة والضجة؟!

المعاهدة الأخيرة التي وقعت في 8/10/1980م بين بريجينيف والأسد في موسكو تطرح عدة أسئلة تفرض نفسها على المراقب والمتتبع، بعضها يجيب عنه واقع الحال وبعضها يحتاج إلى استقراء جملة الظروف الموضوعية التي سبقت وتلحق بالمعاهدة، وفي الحقيقة أن الضجة المُفتعلة حول المعاهدة قد خفتت تمامًا إلى درجة أنها لم تعد تذكر في ضجيج الحرب العراقية الإيرانية، فبعد أن أريد للمعاهدة أن تخرق إعلام هذه الحرب عادت إلى مرتبة متأخرة جدًا في سلم الاهتمامات العالمية، ولكن هذا لن يلغي الاهتمام بها من وجهة نظر إسلامية ترى في كل قُطر عربي ومسلم جزءًا من الأمة الواحدة.

أسئلة واردة

ومن هذا المنطلق الإسلامي تبرز الأسئلة التالية بإلحاح:

 لماذا المعاهدة؟ وما فائدتها العملية؟ وما تأثيراتها على علاقات القُطر السوري مع غيره من الدول العربية والعالمية؟ وما قيمتها من وجهة النظر القانونية الدولية؟ 

وهل لها دور فِعلي في توازن القوى مع الصهيونية والإمبريالية الأمريكية -كما يُقال عادة!!- وما دور الشعب السوري في موافقته على هذه المعاهدة؟ وما موقف ليبيا ودورها في المعاهدة إذا كانت ستكون شريكة في دولة الوحدة مع سوريا؟! وما تأثيرها على الدور السوري في لبنان؟ وفي الحرب العراقية الإيرانية؟! 

والأهم من كل ذلك هل هناك بنود سرية ألحقت بها كما يحصل عادة في مثل هذه المعاهدات التي تُوَقَّع في مثل هذه الظروف؟!

 أما الإجابات.........

كل الأسئلة السابقة واردة على جميع الأطراف داخليًا وخارجيًا ولكن الإجابات ستختلف حسب الجهات والمصالح. 

وتطمح هذه المقالة إلى الإجابة بقدْر الإمكان عن الأسئلة المطروحة سابقًا من خلال استقراء المعاهدة نفسها نصًا وروحًا وغاية في ضوء المُعطيات الدولية ومُتغيراتها السريعة أيضًا!! وسنعرض في البداية للظروف التي أملت على الطرفين توقيع المعاهدة.

العلاقات القديمة

لقد وُصفت المعاهدة على لسان الإعلام السوري بأنها «قفزة نوعية» في العلاقات مع الاتحاد السوفييتي الصديق!! وفي الحقيقة أن العلاقات السورية مع الروس قديمة، ولهؤلاء علاقات ومصالح مُتشابكة مع الدول العربية وخاصة الدول ذات الاتجاه الاشتراكي المتمركس «إن صَحَّ التعبير!!» وسوريا من هذا النوع، وتعود العلاقات معها إلى بداية الخمسينيات، وخاصة بعد الصعود المصطنع للناصرية تحت غطاء صفقة الأسلحة التشيكية 1955م!! والإنذار الروسي لدول العدوان الثلاثي عام 1956م؟ لقد بلغ النشاط الشيوعي وقتها درجة كادت معها سوريا أن تسقط في شباك الشيوعية العالمية لولا المسارعة بقطع الطريق عليها بقيام الوحدة الثنائية عام 1958م مع مصر!! 

أردنا بهذه الإشارة السريعة التذكير بقِدم العلاقات بين روسيا وسوريا التي زادها تقارُبًا الانقلاب اليساري في حزب البعث السوري عام 1966م على القيادة القومية اليمينية السابقة، وبعد أن قام حافظ الأسد بانقلابه الأبيض البطيء منذ أوائل خريف 1970م حتى 16 تشرين الثاني منه، وبعد أن وقف الروس موقفًا مُعاديًا من الحركة عادوا وأمروا أتباعهم من حزب خالد بكداش بالوقوف وراء الحركة ودعمها تمامًا، وهكذا بدأ التقارب يزداد بين البعث والشيوعية تحت مَظلة الجبهة التقدمية المزعومة، في الوقت نفسه كانت العزلة الشعبية تزداد وضوحًا.

المنزلق الخطر

على طرف آخر كانت المقاومة الشعبية المسلحة تتنامَى على أيدي المجاهدين من الطليعة المقاتلة للإخوان المسلمين وتلم من حولها كافة القوى المقاتلة منذ ما يزيد على أربع سنوات!! حتى اتخذت الأعمال الفردية شكل المجابهة المسلحة، وحين بلغ الذعر مبلغه عند أركان النظام، وزادت العزلة العربية القاتلة وانكشفت أوراقه أمام الجماهير تمامًا؛ لم يبق له إلا أن يلوذ بسيده في موسكو، أضف إلى هذا السبب الداخلي الأسباب العربية المتمثلة بمحاولة التعويض عن خروج مصر من المعركة مع إسرائيل، وظروف الحرب العراقية الإيرانية وتورط النظام في لبنان والعلاقات المتردية مع الدول العربية جميعًا التي أدت إلى عزلة تامة للنظام، وهناك أخيرًا السبب الدولي المتمثل بمحاولة أمريكا تطويق سوريا وإسقاطها في سلتها تمامًا.

الوفد؟!

وهكذا طار الوفد السوري إلى موسكو بدعوة من اللجنة المركزية للحزب الشيوعي السوفياتي وهيئة رئاسة مجلس السوفييت الأعلى ومجلس الوزراء السوفييتي للقيام بزيارة رسمية وودية للاتحاد السوفياتي من 8 إلى 10 تشرين الأول 1980م حسب تعبير البيان المشترك.

وتَجدر الإشارة هنا إلى تركيبة الوفد التي كانت على الشكل التالي:

 الأسد والكسم والمشارقة والخدام والقدورة الطلاس «بعثيون» ودانيال نعمة «شيوعي» وعبد العزيز عثمان «اشتراكي» ويوسف جعيداني «وحدوي» مع ثلاثين ضابطًا؟!

والعجيب أن الأسد بمجرد وصوله وبعد ساعات قليلة جدًا وقَّع على المعاهدة، فعلى أي شيء تدل هذه العجلة؟! إنها تدل على أن المعاهدة مُعدة سلفًا «بعض المصادر يؤكد أن الاتفاق عليها جرى منذ شهرين» فماذا في هذه المعاهدة العتيدة التي طبل لها النظام كثيرًا؟

 لنبدأ باستعراض بنود المعاهدة لنحكم عليها من خلالها.

بنود المعاهدة:

بلغت بنود المعاهدة المُعلنة خمسة عشر بندًا ونحن هنا سنُلخصها كما أذاعها راديو دمشق فجر العاشر من تشرين الأول وقدم لها بالديباجة المعروفة «إن اتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفيتية والجمهورية العربية السورية رغبة منهما في تعزيز وتطوير علاقات الصداقة والتعاون الشامل... إلخ. 

فقد قررا عقد هذه المعاهدة واتفقا على ما يلي: 

1- تمتين الصداقة والتعاون وتطويرهما بين الدولتين والشعبين في المجالات السياسية والاقتصادية والعسكرية والعلمية والفنية والثقافية وغيرها على أساس المساواة في الحقوق.

2- تعزيز السلام في العالم وأمن الشعوب. 

3- إدانة الاستعمار والصهيونية والعنصرية والتصميم على مواصلة النضال ضدها.

4- يحترم الاتحاد السوفياتي عدم الانحياز عند سوريا كما تحترم هذه السياسة السلمية لذاك.

5- تطوير وتوسيع تبادل الآراء حول مسائل العلاقات الثنائية والقضايا الدولية التي تهم الطرفين. 

6- في حالة نشوء أوضاع تهدد سلام وأمن أحد الطرفين أو تشكل تهديدًا للسلام والأمن الدوليين أو خرقًا لأحدهما؛ يجري الطرفان المتعاقدان الساميان فورًا اتصالات تهدف إلى تنسيق مواقفهما والتعاون المشترك لإزالة الخطر الناشئ وإعادة إقرار السلام. «النص حرفي»

7- الحفاظ على المنجزات الاجتماعية والاقتصادية للشعبين واحترام سيادة كل منهما على موارده الطبيعية!!

8- استمرار التعاون الاقتصادي والعِلمي والفني وتبادل الخبرة على أساس المنفعة المتبادلة. 

9- تطوير التعاون في مجالات العلم والفنون والآداب والتعليم والصحة والإعلام والسينما والسياحة والرياضة وغيرها. 

10- تطوير التعاون في المجال العسكري على أساس الاتفاقيات التي تُعْقَد بينهما في هذا الشأن لصالح تعزيز قدراتهما الدفاعية. 

11- عدم الدخول في أحلاف أو تكتلات ضد الطرف الآخر.

12- تعهدات كل طرف بموجب اتفاقياته الدولية السارية لا تتناقض مع أحكام هذه المعاهدة.

13- يسوى أي اختلاف في التفسير أو التطبيق لهذه المعاهدة في إطار ثنائي وبروح الصداقة والتفاهم والاحترام المُتبادل!!!

14- مدة المعاهدة عشرون عامًا؟ وتبقى نافذة المفعول لخمس سنوات لاحقة -متكررة- إذا لم يخطر أحد الطرفين بإنهائها قبل ستة أشهر من انقضاء المدة المذكورة بكتاب خطي!!

15- تخضع هذه المعاهدة للإبرام وتُصبح نافذة المفعول اعتبارًا من يوم تبادل وثائق الإبرام الذي يجري في دمشق.

موسكو في 9/10/80

لم تأت بجديد!!

و أخيرًا انتهى الضجيج الإعلامي الذي أثاره الإعلام السوري منذ منتصف العام الحالي وركز فيه على القفزة النوعية للمعاهدة وأهميتها ودورها في مواجهة العدو الإسرائيلي والتوازن الاستراتيجي... إلخ. 

انتهى كل هذا إلى البنود الخمسة عشر التي لخصناها في الفقرة السابقة.

إنَّ علينا لنعرف قيمة هذه المعاهدة أن ندرس مختلف ردود الأفعال تجاهها:-

1- على مستوى التأييد:

أول من سارع إلى التأييد الشيوعيون وعملاؤهم؛ ولذلك سمعنا ببرقيات تأييد من نقابة المحامين بسوريا التي يسيطر عليها الشيوعيون بعد حل مجلس النقابة الشرعي السابق والاتحاد العربي لعمال النقل والجبهة التقدُّمية والحزب البكداشي والحزب الشيوعي العراقي والحزب الشيوعي المصري!! ومحمود حديد رئيس مجلس الإمعات الذين لا يمثلون شيئًا في مجلس الشعب، وأخيرًا علي ناصر محمد رئيس الحزب الاشتراكي اليمني. 

لم يخرج التأييد كما رأينا عن نطاق الشيوعية العالمية والمحلية وعملائها، وكل هؤلاء لا قيمة لهم في حساب الحقيقة الموضوعية.

2- وعلى مستوى الاعتراض والتنديد:

كان المُفترض أن تبادر «الإمبريالية الأمريكية» والصهيونية إلى استنكار هذه المعاهدة بشدة ولكن ردود الأفعال جاءت تافهة جدًا بحيث أثبتت صحة مبدأ الفعل ورد الفعل، حيث كان الفعل نفسه تافها. ففي أمريكا اعتبرت المعاهدة تقنينا لأمر واقع؟! لأن الأسد والفلسطينيين مقتنعون بأن طريق التسوية لا تتم بغير المرور في موسكو، وترى واشنطن أن المعاهدة ليست أكثر من ارتباط يمكن الرجوع عنه فائدته المحلية اجتياز وضع محرج في الداخل ويجري بعد اجتيازه تجميد أو إلغاء لهذه الاتفاقية!!

وأما في إسرائيل فقد تباينت الردود، فبينما صرح بيغن قائلًا «لدينا ما يدعو للافتراض بأن الرئيسين الأسد وبريجينيف قد وقَّعَا أمس على اتفاق سري» نسمع الجنرال ياريف رئيس المعهد الإسرائيلي للدراسات العليا الاستراتيجية الذي شَغل منصب رئيس المخابرات الحربية الإسرائيلية لأكثر من 4 سنوات يصرح قائلًا: 

«إن المعاهدة السورية- السوفيتية وانحياز الأردن إلى العراق لا يُشكلان أي خطر على إسرائيل في المرحلة القصيرة المُقبلة» 

وحين يُقارن بين موقفه وموقف الحكومة الإسرائيلية يذكر هوبان جبهة الرفض لم تشكل في أي وقت من الأوقات أي تهديد لنا!! 

أما الصين فقد رأت فيها إمكانية لتهديد السلم وسخرت من تصريح بريجينيف بأن المعاهدة من أجل السلام لأنه لم يبين كيف لا تكون هذه المعاهدة من أجل الحرب!!

تحليل المعاهدة:

زعم التضليل الإعلامي البعثي منذ البداية أن الاتفاقية:

  • عهد جديد مُتطور في جميع المجالات.

  • و إزالة لمرتكزات الوجود الإمبريالي في المنطقة.

  • وتعزيز للتعاون مع أعداء الإمبريالية في العالم وعلى رأسهم المنظومة الاشتراكية والاتحاد السوفياتي.

  • وتعبير عن الصداقة المتينة! والاحترام المتبادل!! 

  • وتعبير صادق عن ميثاق الجبهة التقدمية.

و رغم هذه الادعاءات فإن بنود المعاهدة نفسها تُكذب كل ما قيل إلا إذا كان هناك اتفاق سري وهذا ما نُرجحه. 

لأن المعاهدة من خلال استعراض شامل لبنودها ليست أكثر من معاهدة صداقة تقليدية عقدها الروس مع العرب، وإذا كان هناك خلاف وتباين في بعض التعابير والألفاظ لاحظها المراقبون فإنها في النهاية تصب في مصب واحد هو تأمين المصلحة العليا للاتحاد السوفياتي الذي يطمع بإحكام الطوق على منابع الطاقة.

1- من حيث التوازن العسكري:

إن الروس قدموا أو يقدمون لسوريا السلاح من قبل المعاهدة فهل أتت هذه بسلاح جديد؟ إن كان الجواب بنعم فمعنى ذلك أن الروس لم يكونوا جادين في صداقتهم للعرب، وقد قيل بأن مصطفى طلاس تأخر في موسكو مع ثلاثين ضابطًا من أجل استجداء سلاح جديد وخاصة الميغ 27 فهل أعطيها؟!

 إن المعروف عن الروس أنهم لا يعطون إلا سلاحًا دفاعيًا ويحتفظون لأنفسهم بسلاحهم الهجومي ولذلك فإننا نشك كثيرًا في أن يقوم توازن عسكري حقيقي بين سوريا وإسرائيل، ومن المضحك أن إسرائيل بعد توقيع مجلس الوزراء السوفياتي على المعاهدة بيوم واحد قامت بعدوان جوي على لبنان وقصفت مواقع للفدائيين ولم تكن طلعات طيرانها تبعد بأكثر من كيلومتر واحد عن خط القوات السورية، مما اعتبره المراقبون تحديًا مباشرًا لنصوص المعاهدة فماذا فعل «الطرفان الساميان المتعاقدان» لرد العدوان؟

2- العدوان الخارجي:

لم تُشر المعاهدة صراحة إلى الوقوف مع سوريا في حال تعرضها للعدوان الخارجي وكل ما في الأمر أنهما اتفقا على «إجراء اتصالات تهدف إلى تنسيق مواقفهما والتعاون المشترك لإزالة الخطر الناشئ إلخ» ومعنى هذا بلا مواربة أن الاتحاد السوفييتي لا يرغب في أن يدخل طرفًا في نزاعنا مع إسرائيل خاصة وأن دوره سوف يقتصر على الدعم السياسي؟!

3- الموقف من إسرائيل:

في البيان المشترك عن الزيارة ذكر ما يلي:

 «أدان الجانبان اتفاقيتَيّ كامب دافيد والمعاهدة المصرية الإسرائيلية المُنفردة التي تعرقل الوصول إلى سلام عادل ووطيد في الشرق الأوسط!!» وبعدها بقليل «يؤكدان تصميمهما على متابعة جهودهما المشتركة في سبيل تحقيق الحل الشامل والعادل في الشرق الأوسط على أساس انسحاب إسرائيل الكامل وغير المشروط من جميع الأراضي العربية المحتلة عام 1967م بما فيها القدس العربية وإحقاق الحقوق الوطنية الثابتة للشعب العربي الفلسطيني... إلخ»

إن موقف الشيوعية العالمية من قضية إسرائيل معروف تمامًا فلماذا التجاهل لحقيقته من قِبَل بعض الأنظمة العميلة؟! إن الروس ببساطة لن يسمحوا بتدمير إسرائيل لأنهم يعتبرونها بؤرة اشتراكية في قلب الوطن العربي وكيف يصدق هؤلاء ولهم سفير فيها وهم ثاني دولة اعترفت بها عالميًا؟!

ثم أن قصة توريطهم لعبد الناصر في حرب 67 معها معروفة.

4- المعاهدة ولبنان:

هل ستظهر أثار للمعاهدة على لبنان؟ هذا ما ستجيب عنه الأيام المقبلة،

 وبسبب أن لبنان قريب إلى سوريا ويُعتبر المجال الأكثر حرية للتعبير عن حقائق الصراع بين العرب والإسرائيليين، ولأن سوريا تحتفظ فيه بقوات تبلغ الأربعين ألفًا من الجنود ضمن قوات الردع العربية، ولأن هؤلاء يحتاجون إلى الحماية، ولأن هناك تحالفًا قائمًا بين السوريين والمقاومة الفلسطينية وبعض أحزاب الحركة الوطنية؛ لكل ذلك فإنه لا بد من أن يظهر للمعاهدة أثر على الساحة اللبنانية، هذا إذا أخذت المعاهدة بصورة جدية من قِبَل الطرفين؟! وعلى جميع الافتراضات فإن هذا التأثير لن يعدو تجميد الأوضاع السياسية الراهنة في لبنان إلى أن تفرض السلطة الشرعية قوتها، ولقد بدأت بوادر جديدة نحو هذا الاتجاه، وربما كان تكليف السيد شفيق الوزان برئاسة حكومة جديدة يصب في هذا المصب، ويبقى الجنوب المشكلة النازفة بشكل دائم، ويتوقع المراقبون أن توقف إسرائيل عملياتها العدوانية ضده لأن قضيته صارت دولية تقريبًا بدخول الاتحاد السوفييتي طرفًا مباشرًا في الصراع من خلال المعاهدة.

ويتوقعون فترة سلام يُخيم على الجنوب بعد سنوات القتال الرهيبة، ولكن بعضهم يتوقع على العكس عدوانًا أكثر تستغل إسرائيل من خلاله فترة الانتخابات الأمريكية لتضرب ضربتها وتكسب مواقع جديدة!! 

وعمومًا فإن الاتحاد السوفييتي أبعد من أن يتورط في مُستنقع جديد، والأغلب أن المعاهدة إن أثرت فسيكون تأثيرها محدودًا في حماية القوات السورية هناك لا أكثر.

5- وليبيا أيضًا

ترى بعض الدوائر السياسية أن ما ينطبق على سوريا من جراء المعاهدة سينطبق على ليبيا ضمنًا لكونها ستدخل معها في وحدة اندماجية، وما يُصيب الجزء سيُصيب الكل ولكن بعض المتشائمين رأى في سفر الوفد السوري إلى موسكو تعويضًا عن إخفاق مُتوَقَّع لهذه الوحدة، حيث مَرَّ الشهر المُسمى ولم تعلن الوحدة الفورية التي ما عادت فورية بعد انقضاء مدتها المعينة ورأوا في الدعم السوفييتي من خلال المعاهدة ما يغني عن الوحدة الليبية التي تحمل عوامل انهيارها في أحشائها لوجود أكثر من تناقض عميق بين الطرفين، ولكن الأنباء أشارت إلى أن القذافي سيعمل على زيارة موسكو وتوقيع معاهدة شبيهة بمعاهدة شركائه السوريين في وحدته الاندماجية!! لسبب بسيط هو أن الظروف بين البلدين متشابهة ومتطابقة إلى درجة بعيدة وخاصة من ناحية اهتزاز الوضع الداخلي نتيجة المقاومة والمعارضة الشعبية العنيفة.

والقانون الدولي؟!

وأخيرًا ماذا يقول القانون الدولي في المعاهدة من حيث الظاهر إنها توافق المواثيق الدولية؛ لأنه حسب مبدأ المساواة في السيادة فإنه يجوز لأية دولة ذات سيادة أن تدخل في معاهدة مع دولة أخرى بشرط عدم تعارضها مع مبادئ ميثاق الأمم المتحدة، هذا من حيث الظاهر، ولكن هل صحيح أن سوريا بوضعها الحالي دولة ذات سيادة؟!.

إن الشعب السوري الذي ابتلي منذ سبعة عشر عامًا بحكم الحزب الواحد وتسلط الحاكم العسكري الفرد غير مخير فيما يعقد باسمه وكل ما نتج عن باطل فهو باطل وهذه هي الحقيقة لأنه لم يُخير في نظام الحكم الذي يوافقه وليس له أي حرية في اختيار مُمثليه، وما هؤلاء المختارون لمجلس الشعب إلا إزلام الحاكم ومنتفعو نظامه.

ولذلك فإنه لا قيمة حقيقية لهذه المعاهدة وما تعنيه، ثم ما هذه الفائدة التي تجنيها سوريا من معاهدة خالية من التكافؤ الصحيح بين الطرفين، ثم لماذا تكون المدة عشرين عاما؟؟ مع إنها تلغي حكمًا إذا أخلَّ أحد الطرفين بالتزامه؟!

إن ظلال الشك والريبة والاتهام تلقى على هذه المعاهدة لأنها ليست في حقيقتها وفي الحساب الأخير إلا تبعية ونيلية لأحد الأطراف الدولية الكبرى مما يلغي مقولة الحياد الإيجابي وأكذوبة عدم الانحياز ولن تخرج في مُجملها على المسيرة الطويلة في الهجوم على الإسلام والكيد لأهله. 

إنها لا تعدو أن تكون عهدًا بين كافرين والكافر لا عهد له ولهذا السبب الواضح البسيط فإنها لن تدوم طويلا..

وماذا يبقى؟؟

ما هي المُسوغات الحقيقية إذن لهذه المعاهدة التي وقعت في موسكو والتي كان الأسد نفسه يمتنع عن توقيع الأقل منها؟! ماذا جد في الساحة غير هذا الخطر الرهيب الذي يقتلع الكراسي النخرة للنظام المُستبد الكافر؟ إنها بكل بساطة تتجه إلى الداخل إلى هناك حيث تربض المعارضة المؤمنة الواعية التي عرفت طريقها واختارته بحرية ومسؤولية، وستلقي بهذه المعاهدة مع أصحابها- بحول الله- إلى مكانها الطبيعي في مسار الأحداث التاريخية..

الرابط المختصر :

موضوعات متعلقة

مشاهدة الكل

نشر في العدد 68

48

الثلاثاء 13-يوليو-1971

نشر في العدد 69

65

الثلاثاء 20-يوليو-1971

نشر في العدد 72

47

الثلاثاء 10-أغسطس-1971