العنوان المجتمع الأسري (1643)
الكاتب مجلة المجتمع
تاريخ النشر السبت 19-مارس-2005
مشاهدات 15
نشر في العدد 1643
نشر في الصفحة 60
السبت 19-مارس-2005
- المغتربون في السويد بين: زواج «الإقامة» والزواج الأسود
ستوكهولم: يحيى أبو زكريا
حساسية موضوع الزواج المختلط بين الشباب المسلم والغربيات تملي على الباحث أن يغوص في كافة الأسباب التي جعلته ينتهي بشكل درامي في بعض الأحيان، والنماذج التي رأيناها تؤكد ذلك. فقد أصبح الأولاد عرضة للضياع والتذبذب النفسي والحضاري أيضًا. والزواج في حد ذاته ظاهرة اجتماعية حضارية نصت عليه كل الشرائع السماوية والفلسفات الباحثة عن سعادة الفرد والمجموع، لكنه يحتاج إلى مبررات الاستدامة وشروط الاستمرارية وتحصينه من الانهيار.
ويعتبر التوافق الثقافي والتلاقي الحضاري والعقائدي من أهم عوامل ديمومته، وفي الغرب على وجه التحديد حيث أعيش وأرصد الأحداث والتطورات من موقع المراقب فإننا شاهدنا أسرًا عربية وإسلامية انهارت عن بكرة أبيها وانتهى الأولاد إلى عهدة المؤسسات الاجتماعية والآباء إلى المصحات النفسية والأمهات إلى الانتحار أحيانا ومرد ذلك إلى عدم قدرة هذه الأسر على التفاعل مع الجسم الغربي العام، فأصيبت هذه الخلايا بالتلاشي تمامًا.
من ناحية أخرى فإن أحسن مثال على صراع الحضارات وصدامها يمكن اختزاله في مؤسسة الزواج المختلط، لأنه وبعد انتهاء النزوة أو الغرض الذي من أجله تم هذا الزواج - من قبيل الحصول على الإقامة الدائمة أو الانبهار بالمظهر المادي الآخر - تبدأ المتناقضات تتجلى والشعور واللا شعور يتضاربان، وحتى العربي أو المسلم الذي لا يلتزم بأي قيم دينية أو أخلاقية تستيقظ نخوته وشرقيته عندما يبصر أن قرينته تعيش وفق الإيقاع الغربي الاجتماعي الذي تعودت عليه، وربما الزيجات التي صمدت هي زواج العربي أو المسلم من غربية مسلمة، وحتى هذا الزواج لا يخلو من مدلهمات أحيانا باعتبار أن الغربية المسلمة ورغم إيمانها بتعاليم الإسلام إلا أنها لم تتخل بالمطلق عن تركتها الفكرية والسلوكية، وأحيانا يحدث العكس... قرب مسلم يتزوج من فتاة غربية مسلمة تصبح هي التي تعظه لأنه مقصر في أداء واجباته الدينية وعلى سبيل الذكر لا الحصر أعرف عربيًا متزوجًا بفتاة سويدية تدعوه صباح مساء إلى ترك الخمر وبقية المعاصي وأن يكون مسلمًا قلبًا وقالبًا، لكن هذه الحالات نادرة.
وتفيد الإحصاءات الدقيقة في الغرب أن الزواج المختلط كثيرًا ما ينتهي إلى الفشل، وبالتالي يصبح الأطفال هم الضحية ويتأرجحون بين ثقافتين ومنهجين في الحياة، وفي الغالب - وحسب العينات والنماذج التي رأيتها - تكون الغلبة الحضارية للأم الغربية التي يكون أبناؤها وفق منظومتها الفكرية والاجتماعية يساندها في ذلك مجتمعها وأقاربها ومحيطها وحضارتها وسلطاتها.
وإشكاليات الزواج المختلط ليست مقصورة على الدائرة العربية والإسلامية فقط، فهنا إحصاءات صادرة عن المؤتمر اليهودي العالمي عام ۲۰۰۲م تشير إلى أن ۲۰۰ ألف يهودي «ارتدوا» عن ديانتهم في الغالب بسبب الزواج المختلط وفي كشفت هذه الدراسة أن اليهود أبناء الزواج المختلط لا يعتبرون أنفسهم يهودًا. ولذلك دعت الجامعة العبرية إلى عقد مؤتمر عنوانه: «الهوية والثقافة اليهوديتان في القرن والواحد والعشرين وقد انعقد هذا المؤتمر في مايو الماضي وشارك فيه علماء يهود متخصصون في علم الاجتماع والنفس واللاهوت من مختلف دول العالم. ويلجأ الكثير من العرب والمسلمين إلى الزواج من فتيات سويديات أو غربيات للحصول على الإقامة الدائمة أو الجنسية الغربية والتملك للامتيازات الاجتماعية التي توفّرها المؤسسات السويدية والغربية للمواطنين والمقيمين بطريقة شرعية، بعد أن ضيقت الدول الغربية الخناق على اللجوء السياسي واللجوء الإنساني وأصدرت - قوانين للحد الكامل من هذه الظاهرة ويبقى الحل الوحيد هو الزواج من فتاة غربية تطلب هي من السلطات المعنية الإبقاء على زوجها.
ومع ذلك لا يمنح الإقامة الدائمة فورًا بل يمنح إقامة تجدد كل ستة أشهر، وإذا اختلف مع زوجته فلها الحق في طرده وقتما تشاء، وما عليها إلا أن تتصل بالجهات المعنية لتقول لم أعد أريد هذا الشخص في بيتي ليكون مصيره الطرد من البلد، ولذلك تجد الشاب العربي والمسلم يبدي كل أنواع الطاعة لزوجته ويقوم بتغيير شخصيته كلية. وهذا الزواج ينتهي غالبًا بمجرد حصـول الشاب العربي والمسلم على الإقامة الدائمة، وقد أدركت بعض الغربيات حاجة الشباب العربي والمسلم إلى الإقامة فأصبحن يعرضن على من يرغب زواجًا وهميًا - يسجل على الورق مقابل ۱۰۰۰۰ دولار أو أقل من ذلك بقليل ويسمى بالزواج الأسود، وقد لجأت الفتيات المسلمات المتجنسات أيضًا إلى هذا الأسلوب، ويتم الطلاق فور حصول الشخص على الإقامة وهو نوع آخر من أنواع تهريب البشر إلى أوروبا. وكثيرًا ما يرتبط بعض الشباب بفتيات غربيات عن طريق المراسلة أو الإنترنت وتنشأ علاقة حب بين الطرفين ويحدث أن تطلب هذه الفتاة الغربية هذا الشاب وتسكنه في بيتها وتنفق عليه بدون عقد شرعي بينهما كما هو سائد في الغرب.
تناقض وتصادم:
وفي بعض الأحيان يطلق المسلمون العرب زوجاتهم ويرتبطون بغربيات بعد أن يغريهم الجمال السويدي أو الغربي، وكانت النتائج فظيعة فيما بعد فتبدأ التناقضات في التصادم والخلفيات الثقافية والاجتماعية في التضارب وقد تفضي في أغلب الأحيان إلى الطلاق وعندها قد تطلب المرأة السويدية أو الغربية من دوائر الهجرة طرد هذا الأجنبي الذي اتخذ من الزواج مطية للحصول على الإقامة.
وهذا لا يعني أنه لا يوجد غربيات التزمن بالإسلام عقيدة وسلوكًا وأصبحن قدوة حتى بالنسبة للمرأة المسلمة التي تعيش في الغرب والمسلمة الغربية التي اعتنقت الإسلام عن قناعة وقرأت الكثير عن الإسلام أمكنها أن تسعد زوجها وتنشئ له ذرية مسلمة، وهناك مئات الزيجات المختلطة التي تواصلت واستمرت بين شباب من العالم العربي والإسلامي وغربيات، وفى بعض الأحيان تصدم المرأة الغربية المسلمة من تصرفات زوجها المسلم إذا لم يكن ملتزمًا قولًا وعملًا بالإسلام كما قرأت عنه فتتأثر بمثل هذه التصرفات. وبعض الزيجات التي استمرت كانت من سويديات أو غربيات اعتنقن الإسلام، ومع ذلك تنشب بعض الخلافات لأن الزوجة تحتفظ في «لا شعورها» بثقافتها الخاصة، والعربي أو المسلم قد تصدر منه بعض التصرفات التي لا تنسجم مع روح الحضارة العربية والإسلامية. وفي المشهد العام فإن الزواج المختلط في حال استمراره وتواصله فإن الإحصاءات أكدت أن معظم أولاد المرأة الغربية ينشؤون وهم لا يتقنون اللغة العربية أو اللغة الفارسية أو التركية - لغات الآباء -، كما أن سلوكهم الأخلاقي والثقافي يكون غربيًا، وهناك فتيات من أب عربي وأم سويدية تعيش كما تعيش أي فتاة سويدية ترتبط بأي عشيق وتتصرف بحرية مطلقة بدون قيود ولا يملك الأب أي سلطة على ابنته ويكفي اتصال هاتفي واحد بالدوائر الاجتماعية ليصبح الأب مطرودًا من البيت.
الزواج المختلط:
وغالبًا ما ينتهي الزواج المختلط بالطلاق وهنا يتعلق الأبناء بوطن أمهم لأنهم لا يعرفون شيئًا عن وطن أبيهم، لأن هذا الأب العربي والمسلم حدث بنيه عن وطن دكتاتور وفوضوي وبوليسي، باعتبار أن العديد هاجروا إلى الغرب الدوافع سياسية أو اقتصادية، وكل ناقم على وضعه، وفي الوقت الذي يتحدث فيه الأب عن وطن مرعب، فإنهم يرون بأم أعينهم وطنًا يوفر لهم الأمن والطمأنينة والسلام، ويوفر لهم راتبًا من الصغر يتيح لهم شراء حاجياتهم، فيصبح الوطن الحقيقي لهؤلاء الأبناء هو السويد وبقية العواصم الغربية، فيما يعيش الأب على أمل الرجوع إلى وطنه لصقل شخصية أولاده، لكن الزمن يغالبه فيجد أمامه أبناء من صلبه بيولوجيًا، أما ثقافتهم فهي غربية وحتى إذا حاول هذا الأب أن يهرب بأبنائه إلى العالم العربي والإسلامي فإن العواصم الغربية وضعت من القوانين ما به تسترجعهم خصوصًا في ظل الضعف الرسمي العربي وغياب مؤسسات عربية وإسلامية جادة تحصن الأسرة العربية والإسلامية في الغرب من ناحية أخرى يجب ألا ننكر الدور الذي لعبه بعض العرب والمسلمين في تعريف بعض الفتيات الغربيات بالإسلام، حيث أصبح الزواج المختلط الهادف والمدروس وسيلة من وسائل الدعوة إلى الله. وقد حدث أن أسلمت مئات الغربيات جراء اقترانهن بشباب واعين والمرأة الغربية المسلمة إذا حسن إسلامها فسينعكس ذلك على أبنائها، حيث تحاول أن تنشئهم على مفاهيم الحضارة الإسلامية.
- تدريس اللغة العربية للمسلمين والعرب بمدارس السويد:
أصبحت الجالية العربية جزءًا لا يتجزأ من المجتمع السويدي الذي تقر قوانينه بأحقية كل الجاليات في الحفاظ على معتقداتها وحتى لغتها. وفي هذا السياق أقرت وزارة التربية السويدية بأحقية التلميذ العربي في تلقي مواد اللغة العربية داخل المدرسة السويدية، وقد وظفت البلديات السويدية لهذا الغرض.. المئات من معلمي اللغة العربية في المدارس السويدية ومعظمهم من فلسطين والعراق ولبنان والمغرب العربي، ويعتمد هؤلاء المدرسون على مناهج تعليمية أخذت من البلاد العربية. وبات تدريس اللغة العربية في المدارس السويدية شبه عام وخصوصًا بعد إلحاح أهالي التلاميذ العرب على الدوائر المسؤولة بحق أبنائهم في الحفاظ على لغتهم الأصلية.
ويعتقد الاستراتيجيون التربويون في السويد أن إتقان المهاجر العربي لغته الأصلية سيسهل إلى أبعد الحدود إتقان هذا التلميذ للغة السويدية. غير أن عارفين بالاستراتيجيات السويدية يرون أن السويد تحرص على أن يكون النشء السويدي - الذين هم من أصول مهاجرة - على دراية بكل لغات العالم لأن هذا من شأنه أن يعزز مكانة السويد في العالم. ومثلما يتلقى التلميذ العربي دروسًا في اللغة العربية كذلك يتلقى الإيراني دروسًا في اللغة الفارسية والبوسني دروسا في اللغة البوسنية، ويكلف كل ذلك وزارة التعليم السويدية ملايين الكرونات - الكرون هو العملة السويدية الرسمية لأن السويديين لم يوافقوا على الانضمام إلى عملة اليورو الموحدة... وعادة ما يتم جمع التلاميذ العرب في صف واحد تقريبًا إذا كانوا في صفوف متقاربة، ويتلقون دروس اللغة العربية على يد معلمهم. ويعرف هذا المدرس باسم معلم اللغة الأم. وقد راحت هذه المهنة كثيرًا وسط الجالية العربية باعتبارها لا تتطلب معرفة تامة باللغة السويدية، لأن المعلم سيقابل تلاميذ عربًا وسوف يخاطبهم بلغتهم الأصلية، والإشكال الذي اشتكى منه بعض الأهالي، أن هؤلاء الأساتذة يفتقدون إلى الخبرة وهم يعلمون اللغة العربية باللهجات العربية المحلية وهو ما يؤثر على الأداء اللغوي للتلاميذ العرب، غير أن البعض الآخر يرى أن هذا الغيض خير من لا شيء.
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكل