; الملتقى التربوي- استعلاء المسلم على زخارف الحياة | مجلة المجتمع

العنوان الملتقى التربوي- استعلاء المسلم على زخارف الحياة

الكاتب جاسم المسلم

تاريخ النشر الثلاثاء 07-أكتوبر-1980

مشاهدات 10

نشر في العدد 500

نشر في الصفحة 40

الثلاثاء 07-أكتوبر-1980

لكل أمة حضارة تدعو لها وتدافع عنها وتفاخر الأمم الأخرى بها، ولكن شتان بين حضارة الترف والزينة والقوة المادية، وبين حضارة المبادىء والعقيدة والعبودية لله . فأولهما تتأثر بعواصف الأيام، والثانية مهما تهب عليها العواصف والأحداث لن تتأثر لأن أصلها ثابت وفرعها في السماء، أما حضارة الزخارف فإنها تجتث من الأرض اجتثاثًا ولا يبقى لها أصل في الأرض.

وإن المسلم ليستعلي على كل هذه الزخارف والمغريات فهو لا يلتفت إليها ولا يكترث بها.

 ولنا في موقف ربعي بن عامر جندي من جنود القادسية مع رستم قائد جيوش الفرس عبرة تبين استعلاء المسلم دائمًا في أي موقف من المواقف. أراد الفرس أن يظهروا للمسلمين حضارة كسرى وهي حضارة الترف والنعيم والمادة لعلهم ينتبهوا إلى أنفسهم ويرجعوا عن حربهم لهم وأن يدركوا أن مدنية الذهب والديباج لا تحارب عمارة الصحراء وخيامها. ولكن أنى لهم ذلك. فلقد انتصرت حضارة الإيمان والمبادىء على حضارة المادة والانحطاط الخلقي فقبيل معركة القادسية أرسل رستم رسولًا إلى قائد المسلمين سعد بن أبي وقاص بأن يبعث إليه رجلًا ليتباحث معه في أمر هذه الحرب وما جاء المسلمون من أجله وكان قصده من ذلك أن يطلع المسلمين على ما يبهر أعينهم من عظمة الفرس في ثرائها ومدنيتها وقوتها، وسيكون هذا القدر وحده من حربهم كافيًا لأن تمتلىء قلوبهم بالرعب ويرتدوا عن بلادهم خائبين.

ولقد كان هذا الرجل ربعي بن عامر جنديًا عاديًا في جيش سعد، ومضى كل من الجندي والرسول الفارس إلى معسكر الفرس، وصلا إلى مقر رستم وكان سرادقًا ضخمًا فيه الأعمدة مزينة بلفائف الديباج الرقيق، وفرشت أرضه ببساط فاخرعظيم، يحسب الناظر إليه أنه أمام روضة من الزهر والورود لا أمام بساط منقوش فرشت به الأرض وينتهي طول هذا البساط إلى صدر السرادق حيث يملؤه عرش مرتفع ضخم يتربع فوقه قائد جيوش الفرس رستم.

 وما أن أبصر ربعي بن عامر هذا كله حتى أدرك أنه إنما دعي إلى مقابلة مع هذه الزينة والرياش لا إلى لقاء مع قائد الفرس، ولذلك رأى أنه لا بد من الإجابة على حديث هذه الزخارف قبل كل شيء. وما كان شأنه كشأن الذين لا يفهمون قيمة الحضارة إلا في بريق زينتها ولمعان زخرفتها وانطلاق شهواتها، بل وقف الجندي العظيم يجيب على حضارة «التلميع» ومدنية الزخرف والمال.

نزل عن فرسه في وقار وهدوء وربطه في سارية من السواري واتجه يمشي نحو صدر السرادق متكئًا برمحه المسنون على فرش الحرير والذهب والاستبرق متعاميًا عن بريقها متجاهلًا أنها شيء غير حقارة الأرض وترابها حتى أفسد جميع ما مر عليه وكان التاريخ يسجل في وقع أقدام الجندي العظيم هذا الرد أن حضارتنا الإلهية شيء فوق بريق الذهب والإستبرق وكل عزة في الدنيا ليست إلا سرابًا آيلًا إلى زوال ما لم تكن قائمة على أساس العبودية لله ولا تتم العبودية لله إلا بعد التحرر من العبودية لجميع الأشياء.

ولما وصل إلى عرش رستم عمد فجلس معه على السرير فهب إليه الأعوان يجذبونه فاستوى قائمًا وقال لهم: لم آتكم بنفسي ولكنكم دعوتموني فأتيت ولا بد من جلوسي في المكان الذي أريد وأخذ ربعي يقلب النظر في صفوف الراكعين عن يمينه ويساره قائلًا: لقد كانت تبلغنا عنكم الأحلام رأى العقول الراجحة ولكني لا أرى قومًا أسفه منكم إننا معشر المسلمين لا يستعبد بعضنا بعضًا ولقد ظننت أنكم تواسون قومكم كما نتواسى وكان أحسن من الذي صنعتم أن تخبروني أن بعضكم أرباب لبعض.. وأن هذا الأمر لا يستقيم فيكم واليوم علمت أنكم مغلوبون «وأن ملكًا لا يقوم على هذه السيرة ولا على هذه العقول»

لقد كانت كلماته صواعق أصابت كيانهم فحطمته فالتفت إليه رستم فقال له: ماجاء بكم إلينا؟

قال: الله جاء بنا وهو الذي بعثنا لنخرج من شاء من العباد إلى عبادة الله ومن ضيق الدنيا إلى سعتها ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام.

 وعاد ربعي بن عامر إلى معسكره وعاد التاريخ مرة أخرى يسجل وكان يسجل في هذه المرة انهيار حضارة الترف والزينة والقوة المادية أمام حضارة المبادىء والعقيدة والعبودية الحقيقية لله.

 ولقد قضى الإسلام بتأييد من الله على إمبراطورية الفرس وحضارتها اللماعة التيطالما تعاظمت بالقوة وتباهت بالترف.

 وكذلك الدعاة إلى الله- تبارك وتعالى- لابد لهم أن يستعلوا بإسلامهم وإيمانهم في كل عصر على هذه الحضارات الزائفة بأن لا ينخدعوا ببريقها وأنتفاشها وباطلها وأن زوالها لآت وأن الله يفعل ما يشاء.

الرابط المختصر :

موضوعات متعلقة

مشاهدة الكل

مع الشباب (36)

نشر في العدد 36

13

الثلاثاء 17-نوفمبر-1970

الشباب (99)

نشر في العدد 99

18

الثلاثاء 09-مايو-1972