; النائبة الأمريكية سنثيا ماكيني نموذج نادر للمساندين لقضايا المسلمين والعرب في الكونجرس | مجلة المجتمع

العنوان النائبة الأمريكية سنثيا ماكيني نموذج نادر للمساندين لقضايا المسلمين والعرب في الكونجرس

الكاتب علاء بيومي

تاريخ النشر السبت 09-مارس-2002

مشاهدات 16

نشر في العدد 1491

نشر في الصفحة 40

السبت 09-مارس-2002

■ تكاد النائبة الأمريكية أن تكون حليفًا دائمًا للعرب والمسلمين في أمريكا في معظم قضاياهم.

■ واجهت حملة تشهير ضدها وتخوض هذا العام الانتخابات التشريعية وسط منافسة شرسة، فهل يساعدها العرب والمسلمون؟

اتخذت عضوة مجلس النواب الأمريكي عن ولاية جورجيا سنثيا ماكيني - خلال سنوات عضويتها العشر بالكونجرس - العديد من المواقف الفريدة والشجاعة في مساندة قضايا المسلمين والعرب في أمريكا وخاصة في الفترة بعد الحادي عشر من سبتمبر.

وتكاد سنثيا ماكيني تعتلي قمة قائمة أعضاء الكونجرس الأمريكي في هذا المجال الأمر الذي أهلها بدون شروط لاعتلاء قمم القوائم السوداء الخاصة ببعض جماعات الضغط السياسي واللوبي المعادية لقضايا المسلمين والعرب في أمريكا.

وخاصة لكون سنثيا ماكيني عضو بلجنة العلاقات الدولية بالكونجرس وعضو لجنة أخرى خاصة بالقوات المسلحة والتسليح، ومن يعرف الكونجرس الأمريكي يعرف أهمية هاتين اللجنتين؛ لأنهما تمثلان محور اهتمام مؤسسات التجارة الخارجية الأمريكية العملاقة وعلى رأسها شركات تصنيع وتجارة الأسلحة بأموالها الطائلة، وبجماعات الضغط والمصالح التابعة لها، كما أن هذه اللجان تمثل محور اهتمام أحد أكثر جماعات المصالح واللوبي تنظيما في أمريكا، وهو اللوبي الموالي للكيان الصهيوني، والذي يتميز بتركيزه الكبير على قضايا العلاقات الدولية الكبيرة والصغيرة منها، سعيًا لتأمين علاقة أمريكا بالكيان الصهيوني.

ومن يحضر اجتماعات هذه اللجان، ومن يقرأ تاريخ أعضائها يدرك حجم الضغوط الكبيرة التي يمارسها ذلك اللوبي على كل من يتولى عضوية هذه اللجان، وحجم الضغوط الهائلة التي يتعرض لها كل من يحاول مخالفته أو حتى التفكير المستقل عن إرادته، الأمر الذي حول جلسات هذه اللجان المتعلقة بالشرق الأوسط إلى مظاهرات حب في تأييد الكيان الصهيوني.

والعجيب أيضًا أن سنثيا ماكيني اعتلت قمة قوائم أعضاء الكونجرس المطلوب إسقاطهم لفترة طويلة بدأت على الأقل منذ انتخابات عام ١٩٩٦م، لكنها استطاعت بنجاح غير مسبوق الانتصار على منافسيها، والحفاظ على مقعدها بالكونجرس، بل إنها زادت من مواقفها الشجاعة والمزعجة لهذه الجماعات خلال الأعوام الماضية، الأمر الذي جعلها واحدة من أكثر أعضاء الكونجرس الحالي إثارة للجدل؛ بسبب مواقفها والجريئة جدًّا.

 ومن أحدث هذه المواقف الشجاعة خطاب أرسلته سنثيا ماكيني إلى الأمير الوليد بن طلال في شهر أكتوبر الماضي تعتذر فيه عن رفض عمدة نيويورك السابق رودلف جولياني تبرع الوليد بمبلغ ١٠ملايين دولار لضحايا أحداث الحادي عشر من سبتمبر في نيويورك؛ بسبب انتقاده لسياسة أمريكا تجاه الكيان الصهيوني.

ولم تكتف سنثيا في خطابها بالاعتذار فحسب، وإنما شجعته على التبرع بالملايين العشرة لفقراء الأفارقة الأمريكيين، الذين تمتلئ بهم العاصمة واشنطن، وقد جاء خطاب ماكيني في توقيت لم يكن يجرؤ فيه أحد على اتخاذ موقف مثل موقفها، الأمر الذي عرضها لكثير من الانتقادات ليس فقط داخل واشنطن، وإنما في العالم وعلى صفحات الجرائد المحلية في ولاية جورجيا.

وقد واجهت سنثيا ماكيني هذه الحملة كعهدها بقوة وصمود وبنشاطات أخرى - سنتناولها فيما بعد - مساندة لقضايا المسلمين والعرب في أمريكا خلال فترة ما بعد الحادي عشر من سبتمبر الحرجة والمهمة في التاريخ الأمريكي، وفي تاريخ علاقة المسلمين والعرب في أمريكا بغيرهم من الجماعات المكونة للمجتمع الأمريكي، الأمر الذي احتفظ لسنثيا ماكيني بدورها كنائبة كونجرس قوية مصممة على أهدافها ومواقفها. 

ويمكن تحليل مظاهر مساندة سنثيا ماكيني لقضايا المسلمين والعرب على مستويين: مستوى السياسية الداخلية، ومستوى سياسة أمريكا الخارجية، وسنبدأ أولًا بالحديث عن مساندتها لقضايا المسلمين والعرب الخارجية.

بالنسبة للقضية الفلسطينية يمكننا الإشارة إلى العديد من المواقف التي كان آخرها امتناعها عن تأييد القرار، الذي أصدره مجلس النواب الأمريكي في الخامس من ديسمبر الماضي؛ للتعبير عن تأييده لإسرائيل في حربها ضد الإرهاب، كما قدمت بالمشاركة مع ۲۹عضوًا من مجلس النواب مشروع قرار في الخامس والعشرين من أكتوبر الماضي يدعو إلى تأييد تقرير ميتشل، وإلى تطبيق سلام عادل بالشرق الأوسط يعترف بحقوق الشعب الفلسطيني، وفي الثاني عشر من أكتوبر أرسلت خطاب مساندة إلى الأمير الوليد بن طلال بعد أن رفض عمدة نيويورك السابق تبرعه بعشرة ملايين دولار أمريكي لضحايا انفجارات سبتمبر بنيويورك، وذلك بعد أن انتقد الوليد الكيان الصهيوني وسياسة أمريكا المنحازة له، وقد رأى اللوبي الموالي للكيان الصهيوني في خطاب سنثيا ماكيني تحديًا كبيرًا له.

كما قامت سنثيا ماكيني في الفترة التالية للحادي عشر من سبتمبر باستضافة بعض جماعات السلام الفلسطينية واليهودية في مكتبها بالكونجرس؛ للتعبير عن مساندتها لجهود السلام العادل بالشرق الأوسط، وقد برهنت هذه الاجتماعات بقوة على شجاعتها السياسية، فالاجتماعات جاءت في فترة ما بعد الحادي عشر من سبتمبر، وهي فترة زادت فيها حدة موجة العداء للمسلمين والعرب بشكل غير مسبوق، وقلت فيها مساندة أعضاء الكونجرس لقضايا المسلمين والعرب، ومنها أيضًا طبيعة الاجتماعات التي حضرتها جماعات سلام أمريكية مختلفة الأعراق والأديان مما مثل فرصة كبيرة لجماعات السلام الفلسطينية لتقوية علاقاتها بها.

 وإضافة إلى القضية الفلسطينية نشطت سنثيا ماكيني في أواخر التسعينيات في مجال نقد وتوجيه السياسة الأمريكية تجاه العراق، وكانت أحد المشاركين الأساسيين فيما يسمى بـ«مناظرة العراق»، التي سادت في الأوساط الإعلامية والسياسية الأمريكية في أواخر التسعينيات، وبخصوص ذلك اعتبرت سياسة أمريكا تجاه العراق سياسة غير مرنة ومحاولة للانفراد بالرأي، وحذرت أكثر من مرة من مغبة مصرع أبناء الشعب العراقي؛ بسبب الضربات الأمريكية أو بسبب الحظر المفروض على العراق، وحذرت من أن موت المواطنين الأبرياء سوف يسيء لصورة أمريكا لدي الشعب العراقي ولدى الشعوب العربية والمسلمة بصفة عامة.

وركزت سنثيا ماكيني على ضرورة أن تستشير أمريكا حلفائها في المنطقة العربية في تصرفاتها وسياساتها، ورفضت فكرة التصرفات والسياسات الأحادية؛ لأن من شأنها إضعاف علاقة الولايات المتحدة بحلفائها العرب.

 ومن أهم خصائص سنثيا ماكيني كنائبة مساندة لقضايا المسلمين والعرب حساسيتها المشاعر الرأي العام المسلم والعربي، فقد أعربت في أكثر مناسبة عن خشيتها من وقوع ضحايا مدنيين؛ لأن في ذلك تأليبًا لمشاعر الشعوب المسلمة والعربية، وقد اتضحت هذه الخاصية مجددًا خلال الحملة الأمريكية ضد طالبان؛ إذ طالبت سنثيا ماكيني في خطاب لها بمجلس النواب في الحادي والثلاثين من أكتوبر الماضي بضرورة الإسراع بتقديم المساعدات الإنسانية لأبناء الشعب الأفغاني، موضحة ما قادت إليه الحملة العسكرية من تهجير الملايين الأفغان الفقراء، ومؤكدة على خشيتها من تعرض هؤلاء المهجرين للمجاعة وخشيتها من ردة فعل الرأي العام العربي والإسلامي تجاه معاناة المدنيين الأفغان.

 وداخل أمريكا

وفيما يتعلق بمواقف سنثيا ماكيني المساندة للمسلمين والعرب داخل الولايات المتحدة، فهي تكاد تكون حليفًا دائمًا لهم في معظم قضاياهم، وسنكتفي هنا بالإشارة إلى مساندتها للمنظمات المسلمة والعربية الأمريكية بعد الحادي عشر من سبتمبر إذا تعرضت علاقة هذه المنظمات بغيرهم من الجماعات الأمريكية لامتحان عسير خلال فترة العداء الشعبي التي استهدفتهم.

وفي ذلك الوقت أحجم العديد من السياسيين الأمريكيين عن مساندة المنظمات المسلمة والعربية علانية، ولكن سنثيا ماكيني لم تنحني للعاصفة، وإنما قررت الصمود أمامها، وقررت حضور مجموعة من المؤتمرات والندوات السياسية المهمة التي نظمتها المنظمات المسلمة الأمريكية في أعقاب أحداث سبتمبر، وهو ما عرضها لهجوم عنيف خاصة من اللوبي المعادي للمسلمين والعرب في أمريكا، والذي نعتها بأسوأ النعوت واعتبرها عدوته الأولى.

والواضح أن من عادة سنثيا ماكيني الصمود في وجه العاصفة، وقد صمدت أمامها منذ مجيئها للكونجرس في عام ١٩٩٢م، فقي عام ١٩٩٦م، أم شن اللوبي الموالي لإسرائيل هجومًا عاتيًا عليها؛ بسبب رفضها إدانة بعض مواقف زعيم أمة الإسلام لويس فرقان بالشكل الذي يرضي هذا اللوبي، وحاول منافسها في الانتخابات السياسي الجمهوري جون ميتنك تصويرها مؤيدة للعنصرية ومعادية للسامية، ولكنها استطاعت هزيمته، والاحتفاظ بمقعدها في مجلس النواب.

 وفي انتخابات عام 2000م صمدت أمام عاصفة عاتية لم تستطيع هيلاري كلينتون نفسها الصمود أمامها، فقد اتهم اللوبي الموالي لإسرائيل خلال هذا العام هيلاري كلينتون بقبول تبرعات من مسلمين أمريكيين يساندون حماس وجماعات أخرى، ووصف اللوبي الموالي لإسرائيل هذه التبرعات بأنها ملوثة بالدماء، وأنها أموال تؤيد الإرهاب.

 ولم تستطع هيلاري الصمود في وجه الاتهامات، وقررت إعادة التبرعات لأصحابها، أما سنثيا ماكيني - التي وجه إليها نفس الاتهام - فقد صمدت ورفضت إعادة التبرعات بل شنت هجومًا مضادًا ضد منافسها مرشح الحزب الجمهوري صني وارن، واتهمته بالعنصرية، ونشر الكراهية، وانتهت المنافسة الانتخابية بفوز سنثيا ماكيني بفارق يتعدى العشرين في المائة من الأصوات بدائرتها الانتخابية.

وقد احتفل بول فيندلي - النائب الأمريكي الأسبق الذي يعتبر عميد أعضاء الكونجرس المساندين لقضايا المسلمين والعرب في أمريكا - بفوز سنثيا ماكيني في انتخابات عام ٢٠٠٠م في كتابه الجديد عن المسلمين في أمريكا، والذي صدر في أوائل عام ٢٠٠١م بعنوان: «لا صمت بعد اليوم» كمحاولة منه لتوثيق معالم قوة المسلمين والعرب المتزايدة داخل الولايات المتحدة.

وما زالت سنثيا ماكيني صامدة حتى اليوم أمام العواصف العديدة التي تحاول النيل منها، والتي يتوقع أن تزداد وخاصة في أعوام الانتخابات التشريعية مثل العام الحالي؛ إذ ستخوض سنثيا ماكيني في نوفمبر القادم معركة جديدة؛ للحفاظ على مقعدها بمجلس النواب، فهل ستظل صامدة أمام العاصفة كما صمدت بنجاح في الماضي؟، وهل سيتنبه العرب والمسلمون في أمريكا وخارجها إلى ما قدمته هذه النائبة لهم ويهبون لمساعدتها قبل أن يفوت الأوان؟.

الرابط المختصر :