; النقيب محمد سعيد باعباد: الصاروخ طريقي إلى الجنة | مجلة المجتمع

العنوان النقيب محمد سعيد باعباد: الصاروخ طريقي إلى الجنة

الكاتب مجلة المجتمع

تاريخ النشر الثلاثاء 05-مايو-1970

مشاهدات 58

نشر في العدد 8

نشر في الصفحة 8

الثلاثاء 05-مايو-1970

الصاروخ طريقي إلى الجنة

في سبيل الله قدّمت حياتك فداءً لدينك وأرضك. في سبيل الله خرجت من بيتك وأرضك وديارك

 أَمَلُكَ في بيت بالجنة، وفي عيش أهنأ عند ربك، في سبيل الله تركت مالك وأهلك وآثرت ما عند الله.

في سبيل الله يا محمد.

في الأسبوع الماضي استشهد النقيب محمد سعيد باعباد، ولعل كثيرين لا يعرفون أن الشهيد من طلائع العاملين في حقل العمل الإسلامي الذين يؤمنون أن المقاتل الذي لا يصدر عن إيمان وعقيدة لن يثمر سلاحه في المعركة مهما كانت حدة هذا السلاح.

 

من عَدن إلى جنّات عَدنٍ

  لا يهمني في أي لحظة يختارني فيها القدر، ولكن كل ما يهمني أن أكون في ساحة الجهاد المقدس، لكي يكون موتي بداية لطريق الجنة التي وعد الله بها المجاهدين في سبيله، وسأصدق الله إلى أن تتحقق الآية الكريمة ﴿مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ ۖ فَمِنْهُم مَّن قَضَىٰ نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ ۖ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا﴾ (الأحزاب الآية:23)، إن أقصى ما أبتغيه وما أرجوه أن أسافر إلى الجنة بطلقة مدفع أو بصاروخ موجه. «لي أملان، أولهما الجهاد في سبيل الله وقد تحقق، والثاني أن أستشهد في سبيله، وقد يتحقق إن شاء الله«.

  هذه هي الكلمات التي رددها الشهيد المناضل البطل النقيب/ محمد سعيد باعباد مع أفراد وحدته في آخر عملية يقوم بها على أرض فلسطين المحتلة، ليسجل اسمه في سجل الخالدين، العملية التي قام بها أفراد مجموعة من إحدى وحدات العاصفة، وهي تحمل رقم مجموعته 29، عادت وبقي الشهيد الذي وقف وقفة المؤمن الصادق، ليسهل الانسحاب إلى مجموعته التي واجهت كميناً يهودياً، وقد استمر إطلاق النار حوالي ساعة كاملة، اضطر العدو إلى جلب نجدات أكثر إلى المعركة، وفيها كان لا بد من الانسحاب، فتحمّل الشهيد البطل الدفاع عن المجموعة الفدائية، والقصة من بدايتها أنقلها من إحدى خلايا فتح التي زعزعت کیان إسرائیل، وزرعت الرعب والذعر في صفوفه.

قال الأخ عمار: قبل أن أحدثك عن العملية الأخيرة، أود أن أخفي ملاحظة لعملية سبقتها؛ لأنها ترتبط بها ارتباطاً جذرياً. في العملية الأولى كنت والشهيد وأفراد الوحدة نسير متجهين إلى هدفنا في الأرض المحتلة، وكان من بين أفراد المجموعة أخ لنا جميعًا - رحمه الله - وهو الأخ أبو الحسن، وقد كان مخلصاً إخلاصاً لا يوصف لشهيد اليوم، وكان الاثنان مثالاً لنا جميعاً، مثالاً للنزاهة، ومثالاً لكل فدائي عاهد الله على الجهاد، وفجأة اشتبكنا مع کمین إسرائيلي، واستمر الاشتباك حوالي ساعتين، استشهد على إثرها الشهيد أبو الحسن، واضطررنا بعدها للعودة إلى قواعدنا، وعلى الرغم من روابط الإخاء بين باعباد والشهيد، فإن باعباد استطاع كتمان ما في نفسه، ولنعُد إلى قصة استشهاد باعباد برواية زميلهم الفدائي.

أرى وجه الشهيد أمامي

صدرت إلينا الأوامر بالتحرك إلى منطقة تبعد حوالي مائة كم عن إحدى قواعدنا، وتقتضي تصوير بعض المناطق والمستعمرات اليهودية، وأن نحصل على استطلاعات كاملة للمنطقة المذكورة، وتحركنا كالعادة سيراً على الأقدام تارة، وأخرى على متن إحدى سيارات قواعدنا في الأرض المحتلة، وكنا نتحدث في همس، وكان يظهر على الشهيد علامات الاستبشار والفرح، وقد حاولنا أن نتبيّن حقيقة ما تحمله نفسه في تلك اللحظة، وهو الذي عرفنا عنه الصبر والصمت والهدوء، فقد عاش بيننا كأي فدائي آخر لا يغرّه منصبه، ولا تعلية رتبته، حتى لم نكن نعرف عنه سابقاً بأنه يحمل ماجستير في التربية الإسلامية، إلا بعد أن عرفنا ذلك من أخبار المنظمة، وحاولت أن أسأله: أرى أنك مستبشر خيراً هذه المرة، فيرد الأخ: إنني أرى أنني أقرب الآن إلى الجنة من الأرض. بل إنني أرى يا أخي وجهي في الشهيد أبي الحسن يدعونني، وقد صدق بإخلاصه ووفائه، ولحق بأبي الحسن فهنيئاً له، في صحبة أبي الحسن وإخوانه الشهداء.

أريد أن أرى نهر اليرموك

وانتهى عمار من حديثه ليبدأ الأخ ابن ياسر حديثه إلينا قائلاً:

  في أول عملية قام بها الشهيد البطل كنا معاً، وقد طلب مني أن أريه نهر اليرموك، وقد كانت مهمة شاقة بالفعل قال بعدها: لو لم نكن قد مارسنا العسكرية لما استطعنا أن نسير هذه المسافة، ولم أكن أعلم أنه خريج للكلية الحربية في القاهرة، ولكنه اكتفى بقوله هذا ثم قال الشهيد باعباد: هذا كل ما أتمناه أن أموت هنا. ثم استطرد الأخ ابن ياسر مردداً عبارة الشهيد الخالدة «من منا لا يريد أن يسافر إلى الجنة بصاروخ»، إن أقصى أملي أن أرى الجنة وأحمد الله بأنني على الطريق، ثم همس قائلاً: اسمع.. كان من بين المجموعة أخ فدائي «أبو مصعب»، وكان قد جرح في رأسه وجنبه، ثم عولج وشفي، وذهب لزيارة الكويت، وعاد مرة أخرى ليلتحق بوحدته، وشاءت إرادة الله أن يُصاب بنفس الإصابة التي حدثت في المرة السابقة، وأن يصاب بنفس المكان.

وعندما جرح قال: لا فرق هنا أو في الجنة طريقنا هكذا، وعندما سأله الدكتور: هل تحسّ بخوف لأنك أصبت بنفس المكان؟ أجابه: سامحك الله هل المؤمن يخاف. وهنا سمعت صوت ابن عمار يردد: لا، لا، أستغفر الله، إن المؤمن لا يخاف ثم التفت إليّ قائلاً:

 قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "للشهيد عند الله ست خصال :يغفر له في أول دفعة، يرى مقعده في الجنة، يجار من عذاب القبر، يأمن من الفزع الأكبر، يوضع على رأسه تاج الوقار الياقوتة منه خير من الدنيا وما فيها، يزوج اثنتين وسبعين زوجة من الحور العين،  يشفع في سبعين من أقربائه".

  وقبل أن أنتهي قال الأخ عمار: إن المجتمع هي المجلة شبه الوحيدة التي تُوزع على المقاتلين الشرفاء، لأنها لا تحمل في صفحاتها عروض الشيطان ومبادئه. وشكرت الأخوة الفدائيين على هذه الروح، آملاً أن يكون طريق الجهاد في سبيل الله طريقنا كلنا من أجل إحقاق الحق، واسترجاع الوطن  السليب.

    حسین عبدالله

 

فقرات من بيان فتح عن الشهيد

البطل الشهيد المناضل النقيب محمد سعيد علي باعباد

»أبو السعيد«

من أبناء جمهورية اليمن الجنوبية الشعبية.

 وُلد ابن «فتح» وبطل الثورة الفلسطينية في بلدة قصيعر في - حضرموت عام 1941. فتح عينيه ليجد الأرض العربية من حوله وقد أذلها المستعمرون. منذ سنواته الأولى كان محمد ثائراً. حيث تطلع إلى التغيير. كان يريد أن يرى الأرض العربية وقد تخلصت من عار الجهل والتبعية والتخلف.

 وكأن به يشعر أن الإنسان العربي يجب أن ينتصر على نفسه أولاً، فيقضي على مظاهر الجهل والتخلف فيها. فانكبّ على العلم ينهل من ينابيعه كثيراً. كان مبرزاً في دراسته، يدرس تاريخ أمتنا ومُثلها وتقاليدها وأخلاقها. وكان في سلوكه مثلاً للتمسك بأهداب الأخلاق والدين.

  وإلى جانب هذا كان يبحث عن طريق يخدم فيها وطنه وأرضه. التحق بالكلية الحربية بالقاهرة، وتخرج فيها عام 1965، ليعمل ضابطاً في جيش جمهورية اليمن الجنوبية الشعبية. 

  ولم يكتفِ بطلنا الشهيد بما حصل عليه من علم عسکري. راح يدرس في القاهرة من جديد ليحصل على ماجستير في الدراسات الإسلامية.

  بعد أن فرغ من ذلك بدأ يعد للتعمق في دراسة القضية الفلسطينية، وعندما استشهد كان قد قطع شوطاً بعيداً في الإعداد لماجستير في الدراسات الفلسطينية.

من الكلمات التي ينقلها عنه رفاقه:

كنت أدرس.. كنت لا أترك كتاباً إلا وأبحث عنه، لكنني كنت أشعر أن هذا لا يكفي.

لا يكفي أن أعرف تاريخ أمتي.

                                     دمعة على الشهيد

                                  محمد سعيد باعباد

                                                                                محمد صيام      

خلّ عنك البكاء فليس التمادي           فيه يشفي إلا صدورَ الأعادي

خَلِّه فهو لن يردَّ حقوقاً               أو يعيد العـرينَ للآسادِ

خَلِّه إنه كما قيل فيه              «غير مُجٍد في ملتي واعتقادي«

خله واسعَ إن أردت إلى الثأر      وبلّ الصدى من الأوغاد

فلكم سحت العيون دموعا       دون جدوى من أجل نيل المراد

والشهيد الذي نشيعه اليوم           بجمع مفتت الأكباد

لا يريد الدموع بل ينشد السير      حثيثاً على طريق الجهاد

لا يريد الدموع، إذاً ما جنينا      من وراء الدموع غير القتاد

لا يريد الدموع تنساب حراً      بل بريد الدماء في كل وادِ

فهو يدري أن الدموع تلاشي       وتعود الحياة كالمعتاد

بيد أن الدماء توقظ شعباً       قد تمادى في غفلة ورقاد

أيها الراحل المخلف فينـا       جمرات تشعّ تحت الرماد

نم قريراً فليس في الأرض خـير     إي وربي من نيل الاستشهاد

نم قريراً «أبا سعيد» وها هم     إخوة الروح من جميع البلاد

نفروا للقتال يرعاهم الله            بعزم وقوة وعناد

نم قريراً وسوف نبقى جميعاً      لجميع الطغاة بالمرصاد

نم قريراً وسوف نكمل شوطاً     كنت فيه من خيرة الرواد

نم قريراً وسوف نمضي على الدرب      ففينا آلاف «باعباد«

يا شباب الإسلام أحفاد سعد      وصلاح وطارق بن زياد

أين أنتم من هؤلاء جميعاً       أين أنتم من سيرة الأجداد

يوم داسوا على جباه السلاطين      برغم الإرغاء والأزياد

فاستعيدوا أمجادهم وأعدوا     ما استطعتم من قوة وعتاد

فالعدو المشؤوم لم يبلغ القصد      بغير «التكتيك» والإعداد

واستعينوا بالله ينصركم الله      ويسلمكمو قياد العباد

ويشتت «يهود» شرقاً وغرباً      رغم تلك الحصون والأجناد

 

تحية الشهيد

يا شهيد القدس يا فادي البلاد     نُلت ما كنت تمنى من مراد

يا سعيد الاسم والحظ معـاً      قد بذلت النفس في ساح الجهاد

هكذا شأن الإلى من يعرب     يوم ساروا للعلى من غير زاد

غير زاد المصطفى في مكة     فأفيقوا يا دعاة الانقياد

واغسلوا العار عن الأقصى فقد    طفح الكيل فأين الاتحاد؟

اتحاد الجسم لا يكفي بلا     قلب إيمان يدق الاضطهاد

واحفظوا العهد لأبطال الفدا     ليس في الإسلام من يرضى الرقاد

حين يرضى الظلم من قد أسلموا       فقدوا الإسلام وارتد العباد

منذ أن ثارت أسود في الحمى     أدرك الغازون أن الفتح عاد

وجلاء سوف يلقون غدا     شأن قوم قد تردوا بالفساد

حضر موت قدمت ما أنجبت     فهلموا يا رؤوس الارتداد

وأعدوا للأعادي فتية     ترفع الرأس بتطهير البلاد

وأعيدوا للدنى ما جهلت   غضبة الثوار طلاب المعاد

  عبد الرحمن البرغوثي

الرابط المختصر :

موضوعات متعلقة

مشاهدة الكل