العنوان الواقع الإسلامي المعاصر والبَحث عَن حَل
الكاتب د عبد الحميد أحمد أبو سليمان
تاريخ النشر الثلاثاء 11-يناير-1977
مشاهدات 16
نشر في العدد 332
نشر في الصفحة 33
الثلاثاء 11-يناير-1977
- الجزء الثاني من الحلقة الأخيرة
والسؤال الذي سأحاول أن أجيب عليه الآن جوهريًا هو ما الذي حال بيننا معشر المسلمين وبين وضوح الرؤية العقائدية وبلوغ الحل الإسلامي، استجابة لواقعنا وقضايانا الحضارية في العالم المعاصر، الذي تميز من جانب بتغير الإمكانات، ومصادر الثروات، ووسائل الإنتاج وتنظيم البناء الاجتماعي، وأنماط الحياة، من عالم زراعي رتيب بسيط إلى عالم صناعي معقد سريع، ومن جانب آخر تميز بقيام الغرب والعالم غير الإسلامي كقوى عالمية مناوئة متفوقة ومسيطرة.
*أسباب عدم وضوح الرؤية العقائدية:
والسبب الرئيسي في اعتقادي- كما سبق أن أشرت في صدر البحث يعود إلى غفلة الكثير من المفكرين المسلمين في العصر الحديث عن معنى التغير والتحدي الحضاري، الذي فرض عليهم من جانب العدو الغربي، وسوء فهمهم لدور فقهاء اقتصر ودون تقصير على تفصيل نظام صدر الإسلام في واقعه المادي، والحفاظ عليه وصيانته، والوقوف عند حد مهمة السلف، وبعد كل هذا التغيير في العالم المعاصر كان لا بد أن ينتهي إلى العجز عن النظر المفيد في أصول الشريعة الإسلامية من القرآن والسنة، وفي التراث الإسلامي، في الفقه وعلوم الشريعة مجددا وباجتهاد أصيل كلي شامل.
حاولنا في حلنا التقليدي العودة إلى بطون التاريخ، والعيش في طوياها، فأسأنا فهم السنة النبوية ومؤسسات العهد النبوي ومجتمعه، وما استطعنا أن نخلص من ربقة الزمان والمكان اللذين لابسا تلك الفترة التاريخية في جوهرها.
إن السنة النبوية في المعاملات هي تعبير عن دور الرسالة المحمدية في تجسيد معاني القرآن النظرية، وتوضيح أبعادها، وإثبات أنها بإشراقها ومثاليتها تنبع من علم الله المطلق؛ لتكون واقعًا ساميًا لحياة البشر ورسالتهم في خلافة الأرض، وفق مبدأ الحق الذي تقوم عليه السماوات والأرض وهو التوحيد، مما يجعل المثالية الإسلامية فريدة في التاريخ الإنساني، في أنها مثالية واقعية، يحقق منها البشر مقادير تتفاوت بتفاوت عزائمهم وصدق نواياهم، لا يحول بينها وبينهم حائل في تحقيق معنى وجودهم.
ولولا حياة الرسول -عليه السلام- التي جسدت الرسالة السماوية لما أمكن للمسلم فهم أبعاد قيم القرآن ومداها، فيصبح معنى الإسراف مثلًا عرضة لأن يحدد في موضع دون موضع، أما من خلال حياة الرسول وسياساته ومعاملاته ومجتمعه، فقد كان مثل هذا المبدأ حياة تدب في تاريخ البشرية، وتحدد معالمها، وقس على ذلك قيم العدل والمسئولية والرحمة وكافة مبادئ الإسلام وقيمه وتعاليمه، إنه بدون السنة النبوية، وبدون المثال النبوي الحي ما كان يخطر على قلب بشر أن الإنسانية يمكنها أن تبلغ من واقعها تلك المشارف من السمو والصفاء.
﴿بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ ۗ وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ﴾
(سورة النحل:44)
﴿فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ۚ ذَٰلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا﴾ (سورة النساء:59)
هذا هو جوهر دور الرسول عليه أفضل الصلاة والسلام، ودور السنة النبوية في تبليغ رسالة الوحي وتوضيحها، لا أن يظن أن دورها هو تجميد البشرية في واقع مادي ينتسب لفترة معينة من تاريخ البشرية.
وفي البحث الذي تقدمت به لنيل درجة الدكتوراه- الفصل الثالث- بینت دور السنة النبوية البناء في الوضوح العقائدي المسلم، وفي تحقيق الحل الإسلامي في واقع العالم المعاصر.
والسؤال الأخير الذي أطرحه للإجابة عليه هو كيف لنا ببلوغ الحل الإسلامي في العالم المعاصر؟
والجواب هو توفير المناخ الفكري والمادي في نظام التعليم، وخاصة المرحلة العليا الجامعية بما يعيد وحدة عناصر التعليم الإسلامي، من إلمام بأصول الشريعة ومعرفة بقضايا وتحديات العالم المعاصر، ومن خلال رجال ملتزمين بعقيدة الإسلام وفكره وسلوكه، وعندئذ فإن القيادة السياسية ستجد قيادة فكرية تعينها على حمل أعباء رسالتها كاملة غير منقوصة في عالم الحقيقة والواقع والوجود الحضاري الرائد.
وعلى الله قصد السبيل، والحمد لله رب العالمين.
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكل
د. حمد المطر رئيس «اللجنة التعليمية» بمجلس الأمة الكويتي لـ«المجتمع»: انتقلنا إلى مرحلة الإصلاح التعليمي
نشر في العدد 2183
43
الجمعة 01-سبتمبر-2023