; الوديعة بين الشريعة والقانون | مجلة المجتمع

العنوان الوديعة بين الشريعة والقانون

الكاتب عمر بن عبد العزيز العثمان

تاريخ النشر الثلاثاء 16-فبراير-1971

مشاهدات 27

نشر في العدد 47

نشر في الصفحة 8

الثلاثاء 16-فبراير-1971

﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَىٰ أَهْلِهَا

قرأت في جريدة المجتمع وفي العدد الحادي عشر قرأت ما كتبه الأخ عفت عباس حول حديث مُذاع مفاده أن الوديعة يسقط حق مودعها بعد مضي كذا من السنين لمن لا يعرف مكانه، وعقب ذلك بقوله: إن القانون الكويتي قد أقرّ إسقاط الحق فيها بعد مضي خمسة عشر عامًا، وطلب الأخ عفت الكتابة في الموضوع فأقول وبالله التوفيق:

عرّف الفقهاء الوديعة فقالوا: هي العين التي يضعها ربها أو نائبه عند آخر ليحفظها.
وسُمّيت الوديعة في اللغة وديعة حيث إنها من السكون فيُقال: ودع أي سكن فكأنها ساكنة عند المودع، وقد حض القرآن على فعل الخير عامة فقال: ﴿وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَىٰ(سورة المائدة:2) ومن المعلوم أن حفظ الوديعة من أجل أفعال الخير وأسماها لمن وثق من نفسه الحفاظ عليها وإن لم يثق وجب تركها، وعدم تحمّلها قال تعالى: ﴿إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ ۖ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا (سورة الأحزاب: 72). ثم إن الدين الإسلامي يُوجب رد الأمانات لأصحابها فالله سبحانه يقول: ﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَىٰ أَهْلِهَا(سورة النساء:58)

 ومن المعلوم أن الوديعة أمانة بيد المودع. روى أبو داود والترمذي والحاكم عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صلي الله عليه وسلم- أنه قال: «أدِّ الأمانة إلى من ائتمنك ولا تخن من خانك»، وعن سمرة عن الحسن عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «على اليد ما أخذت حتى تؤديه» (رواه البخاري ومسلم)، معنى هذا أن على اليد ضمان ما أخذت أو حفظ ما أخذت أو تأدية ما أخذت فيدل الحديث على وجوب رد ما أخذته اليد من مال الغير سواء كان هذا المال وديعة أو عارية أو غير ذلك، فالمودع ضامن مهما طالت المدة إذا تعدى أو فرط بدليل هذا الحديث.
وعن أبي حميد الساعدي قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «لا يحل لامرئ أن يأخذ عصا أخيه بغير طيب نفس منه» (رواه ابن حبان والحاكم). دلّ هذا الحديث على تحریم مال المسلم إلا برضا من نفسه وإن قل هذا المال فما بالك به إذا كَثُر.
 لنتمعن سوية ما ذكره ابن كثير في تفسيره لآخر سورة الأحزاب، عن عبد الله بن مسعود عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «يؤتى بصاحب الأمانة فيُقال أدِّ أمانتك فيقول أنَّى يا رب وقد ذهبت الدنيا؟ فيقال له ذلك ثلاث مرات. فيقول تعالى: اذهبوا به إلى أمه الهاوية. فيذهب به إلى الهاوية فيهوى فيها حتى ينتهي إلى قعرها فيجدها هنالك كهيئتها فيحملها فيضعها على عاتقه فيصعد بها إلى شفير جهنم حتى إذا رأى أنه قد خرج زلّت قدمه فيهوى في أثرها أبد الآبدين».

بعد هذا عزيزي القارئ كيف لنا أن نحدث حفظ الوديعة بعشر من السنين أو أكثر أو من العمر كذا بعدها تحل الوديعة للمودع؟ ثم لو عاد فعلى من يكون الضمان ومن هو المشرع بإسقاط الحق بعد كذا من السنين؟ إن كان القانون فالقانون الوضعي ليس مصدرًا من مصادر الفقه الإسلامي. ثم كيف به وقد خالف الكتاب والسنة؟ إن الأمة الإسلامية مسئولة أمام الله عن إقامة أحكام دينه على ضوء القرآن والسنة ولن تنجو من بأسه وجبروته ولن تُحقّق أي نصر إلا بنصرة دينه أولًا.

قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ (سورة محمد: 7). ونصرة دينه بتطبيق جميع أحكامه التي جاء بها الكتاب والسنة ذلك القانون الصالح لكل زمان ومكان. إذا طبق ذلك القانون الإسلامي تمام التطبيق ضمنت أمة الإسلام لنفسها النصر والظفر في كل ميدان، يقول تعالى: ﴿وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَىٰ لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا ۚ يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا ۚ (سورة النور: 55). ويقول تعالى: ﴿وَأَنَّ هَٰذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ ۖ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ۚ (سورة الأنعام: 153).
وصدق القائل وخير أمور الدين ما كان سنة وشر الأمور المحدثات البدائع.
 نسأل الله أن يوفّق قادة العالم الإسلامي وشعوبه للأخذ بتعاليم الشريعة من مصادرها الحقة ونبذ كل مخالف لها فالشريعة لهم كسفينة نوح مَن تمسّك بها نجا ومن تركها هلك، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
 عمر بن عبد العزيز العثمان- المدرس بمعهد مكة العلمي
 

الرابط المختصر :

موضوعات متعلقة

مشاهدة الكل

أكثر من موضوع (189)

نشر في العدد 189

19

الثلاثاء 26-فبراير-1974

إذا ضيعت الأمانة فانتظر الساعة

نشر في العدد 710

22

الثلاثاء 26-مارس-1985