; الوصايا العشر للتسويق الذكي للأفكار | مجلة المجتمع

العنوان الوصايا العشر للتسويق الذكي للأفكار

الكاتب د. علي الحمادي

تاريخ النشر السبت 03-يونيو-2006

مشاهدات 60

نشر في العدد 1704

نشر في الصفحة 60

السبت 03-يونيو-2006

هندسة التأثير

جلس الخديوي عباس ذات مرة في قصره في مصر ومعه كل من الشيخ محمد عبده وحاخام اليهود وبابا النصارى، فأراد الخديوي أن يختبر رموز الأديان السماوية الثلاثة فقال: أنتم تمثلون الأديان السماوية الثلاثة، فليثبت كل واحد منكم أنهم داخلون الجنة، فقال حاخام اليهود: ليبدأ بابا النصارى، وقال بابا النصارى: ليبدأ إمام المسلمين. 

أستثمر الشيخ محمد عبده هذه الفرصة، وعرض فكره وفكرته، وأستطاع أن يفحم الآخرين، وأن يكسب الجولة، فقال: إن كان النصارى سيدخلون الجنة فإنا داخلوها لأننا أمنا بنبيهم عيسى، وإن كان اليهود سيدخلون الجنة فإنا داخلوها لأننا آمنا بنبيهم موسى، وإن كنا سندخل الجنة، وسندخلها، فلن يدخلها اليهود ولن يدخلها النصارى لأنهم لم يؤمنوا بنبينا محمد ﷺ. 

كم من الأفكار تبقى حبيسة النفس، سجينة الذات، لا ترى النور، ولا تجد لها ولا لصاحبها أثرًا في هذه الحياة، والسر في ذلك هو عدم قدرة صاحب الفكرة على عرض فكرته بصورة مقنعة للآخرين، فيحرم صناعة التأثير وصناعة الحياة برمتها.

إن إقناع الآخرين بالفكرة التي تؤمن بها قد يتحقق عن طريق اللسان الفصيح المدجج بالحجة والمنطق والبرهان، وقد يتحقق بالمعاملة الطبية والسلوك الذكي، وقد يتحقق بالقدوة الحسنة.

ولقد حاز النبي ﷺ كل ذلك، حيث أُوتي جوامع الكلم، وكان خُلقه القرآن، وكان أحسن الناس عشرة، وكان أرحم الناس وأعظمهم عفوًا وجودًا وإحسانًا، ولذا أستطاع أن يكسب القلوب، ويقنع العقول، وينشر دين الله تعالى في الآفاق، وصدق شوقي إذ يقول مادحًا رسول الله ﷺ:

يا مَنْ له الأخلاق ما تهوى العلا *** منها وما يتعشق الكبراء

زانتك في الخُلق العظيم شمائل *** يُغرى بهن ويولعُ الكرماء 

فإذا سخوت بلغت بالجود المدى *** وفعلت ما لا تفعل الأنواء 

وإذا عفوت فقادرًا، ومقدرًا *** لا يستهين بعفوك الجهلاء 

وإذا رحمت فأنت أم أو أب *** هذان في الدنيا هما الرحماء 

وإذا غضبت فإنما هي غضبة *** في الحق، لا ضغن ولا بغضاء 

وإذا رضيت هذاك في مرضاته *** ورضا الكثير تحلم ورياء 

ويروي الإمام ابن كثير في «البداية والنهاية» رواية رواها عن أبي نعيم والحاكم والبيهقي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: لما أمر الله رسول الله ﷺ: «أن يعرض نفسه على قبائل العرب خرج وأنا معه وأبو بكر إلى منى حتى دفعنا إلى مجلس من مجالس العرب، قوم من ربيعة»، فقال رسول الله ﷺ: «أدعوكم إلى شهادة أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأني رسول الله، وأن تؤووني وتنصروني حتى أؤدي عن الله الذي أمرني به، فإن قريشًا قد تظاهرت على أمر الله وكذبت رسوله واستغنت بالباطل عن الحق والله هو الغني الحميد».

فقال له مفروق «وهو رجل من أشراف القوم وكان أحسنهم بيانًا ولسانًا»: وإلام تدعو أيضًا يا أخا قريش؟ فتلا رسول الله ﷺ: ﴿قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ ۖ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا ۖ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا﴾ (سورة الأنعام: 151) إلى قوله: ﴿ذَٰلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾ (سورة الأنعام: 153). 

فقال له مفروق وإلام تدعو أيضًا يا أخا قريش؟ فوالله ما هذا من كلام أهل الأرض، ولو كان من كلامهه لعرفناه، فتلا رسول الله ﷺ: ﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَيَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ ۚ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ﴾ (سورة النحل: 90).

فقال له مفروق: دعوت والله يا أخا قريش إلى مكارم الأخلاق، ومحاسن الأعمال، ولقد أفك قوم كذبوك وظاهروا عليك. 

نعم.. إن الحكماء والعقلاء يعرفون كيف يصلون إلى عقول الآخرين وقلوبهم، ويتفننون في عرض آرائهم وقناعاتهم، ولا ريب أن أفكارا جديدة كثيرة قد أهملت ولم تنفذ، لا لكونها غير صالحة أو غير عملية، بل لمجرد أن عرضها كان بطريقة سيئة، لذلك فإننا نقدم لك فيما يلي عشرًا من الوصايا التي نعتقد أنها ستفيدك بإذن الله تعالى عندما تكون لديك فكرة ما تريد عرضها على الآخرين وتسويقها لهم، وهي:

1- بيّن بوضوح، منذ البداية، الغرض من المشروع أو الفكرة أو التغيير الذي ترغب في إدخاله.

2- أعرض الحقائق أو الأسباب التي لديك حسب ترتيب أولوياتها، وشدد بصورة خاصة على الأقوى منها.

3- لا تحاول تجنب ذكر النواحي السيئة في المشروع، إذ لا بد أن تكون له بعض السيئات، وكن مستعدًا مسبقًا لمناقشة وعرض هذه النواحي. 

4- أعرض قضيتك بشكل يظهرها لصالح الشخص الذي تعرضها عليه، لا لصالحك أنت فقط.

5- أختر وقتًا مناسبًا لعرض الموضوع، وتجنب اختيار موعد تضطر فيه إلى الإسراع في العرض بسبب ضيق الوقت، وتذكر أن الساعات المبكرة من النهار أفضل «في الغالب» من الساعات المتأخرة منه. 

6- عندما تعرض قضيتك، حاول دائمًا أن تفرق بين الحقائق «أي تلك التي لا جدال فيها ولا اجتهاد» وبين الآراء «وهي التي تجتهد فيها وتذكر رأيك أو رأي الآخرين، وهي آراء قابلة للنقاش، فقد تكون صائبة وقد تكون خاطئة».

7- تدرب على عرض قضيتك في مكان خاص مع زميل لك، وأطلب منه أن يكون صارمًا ودقيقًا في نقده لطريقة عرضك.

8- أستعن بالأمثلة الحية والشواهد التاريخية والحقائق والمعلومات الرقمية والإحصائية والدراسات العلمية، وذلك لإثبات وجهة نظرك.

9- كن مقنعًا في نبرات صوتك ولهجتك وأسلوبك في الحديث، وأعترف بأخطائك بطريقة لبقة. 

10- لمزيد من التأثير أستعمل، إن أمكن المساعدات والوسائل المرئية: كالخرائط والشفافيات والكمبيوتر وغيرها.

الرابط المختصر :