العنوان اليمن: الحوثيون وإسقاط محافظة عمران... الدلالة والأبعاد
الكاتب حسن الحاشدي
تاريخ النشر الجمعة 01-أغسطس-2014
مشاهدات 23
نشر في العدد 2074
نشر في الصفحة 22
الجمعة 01-أغسطس-2014
● الحوثيون
تمكنوا من اقتحام المدينة بمساندة لوجستية من قوات الأمن المركزي وقوات الأمن
العام التي سلمت مواقعها دون أي مقاومة
● تواطؤ
قبلي من مشايخ موالية للرئيس السابق «علي صالح»
تحدثت
في مقالة سابقة عن أن هناك أخطاراً تحول دون وصول اليمن إلى طوق النجاة ومنها
«الحوثيون»، وتوقفت عند فقرة أن الحوثيين، وبحضور وزير الدفاع، توصلوا إلى عقد
هدنة مع الدولة واتفاقية لوقف إطلاق النار في محافظة عمران.
ولعل ما
يجدر الإشارة إليه هنا أن الإستراتيجية التي يعتمدها الحوثي في حروبه التوسعية في
اليمن ترتكز على أنه كلما اشتد عليه الخناق لجأ إلى طلب الهدنة أو الصلح سواء مع
الدولة أو مع القبائل التي خاض معها حروبا بعضها انتهت بانتصاراته كحروبه مع قبيلة
«حاشد» أو حروبه مع قبائل في محافظة الجوف - الغنية بالنفط - أو قبائل أرحب المطلة
على العاصمة صنعاء والتي مازالت إلى كتابة هذه المقالة.
وقد كان
يوم الثلاثاء الموافق٨/٧/٢٠١٤ م يوما داميا بامتياز في محافظة عمران تبعد عن
العاصمة ٥٠ كيلو متراً)، فقد استطاعت جماعة الحوثي بعد حصار المدينة لأشهر من
اقتحامها بجحافل غفيرة من المسلحين القبليين وسط مساندة لوجستية من قوات الأمن
المركزي، وقوت الأمن العام المرابطة في المدينة، فقد سلمت تلك القوات مواقعها
للحوثي دون أي مقاومة تذكر.. إضافة إلى تواطؤ قبلي من مشايخ محسوبة على حزب
المؤتمر الشعبي العام» (الحزب الحاكم سابقا)، وموالية للرئيس السابق علي عبد الله
صالح»، ولم يكن ذلك الاقتحام وليد اللحظة ولكنه أتى بعد مواجهات متدرجة استمرت ما
يقارب 6 أشهر، حيث استمات الحوثيون في الاستيلاء على مواقع إستراتيجية للمدينة
ممثلة في جبل المحشاش، وجبل ضينو الجميمة وغيرهما، وكانوا في كل مرة ينكسرون، وما
يفسر لنا تلك الاستماتة هو أن تلك المواقع تطل على العاصمة وعلى مطارها الدولي.
● القشيبي.. ملاحم بطولية
وقد
سجلت قيادة اللواء ۳۱ المتمثلة في قائدها العميد حميد القشيبي
والمرابطة في المدينة ملاحم بطولية في التصدي للزحف الحوثي التوسعي خلال تلك
الأشهر، بل وحتى النهاية الدرامية التي انتهت بالغدر بالعميد القشيبي وقتله غيلة
هو وولده والعديد من الضباط والجنود.
وقبل
اللحظات الأخيرة، وبعد صمود أسطوري لـ اللواء ۳۱۰
واستغاثات كانت لدى الجيش، وضعت خطة للبدء بعملية عسكرية واسعة لتطهير المدينة من
مسلحي الحوثي، وقد تزامن ذلك مع الإعلان عن مجيء تعزيزات عسكرية استقرت في الجهة
الجنوبية من المدينة، إضافة إلى امتناع اللواء القشيبي عن مغادرة قيادة اللواء
حفاظا على حياته من أي أخطار محدقة.
● اتفاق الغدر
وفي هذه
الأثناء، اعتذر قائد اللواء عن العودة إلى صنعاء عبر طائرة تنقله إلى هناك مؤكداً
أنه لن يخون قسمه وشرفه العسكري وأنه سوف يؤدي واجبه حتى آخر جندي لديه بحسب تصريحاته لوسائل الإعلام، كما شكلت لجنة
رئاسية لحل النزاع وإنهاء الاقتتال، ضمت كلا من رئيس الأركان العامة اللواء الركن
أحمد الأشوال، ورئيس جهاز الأمن السياسي اللواء د. جلال الرويشان ومدير دائرة شؤون
الضباط بوزارة الدفاع العميد قائد العنسي وصابر عبد الرحيم، كبير مستشاري جمال بن
عمر، مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة إلى اليمن، حيث عقدت اجتماعا مع مندوبين من
الحوثي، وهم: عبد الواحد أبو رأس، وحسين العزي، وعامر المراني، ومحمد الغيلي،
ومحمد البخيتي، وبعد ساعات من الاجتماع خرجت اللجنة بالاتفاق على الآتي:
1 - وقف
إطلاق النار.
٢- -
تجهيز قوات اللواء المعسكر الرئيس.
٣-
تسليم الآليات إلى الشرطة العسكرية الفرض حمايتها حتى وصول اللواء البديل.
٤-
إنزال الآليات من موقع السودة والمواقع الأخرى كالمحشاش والحميمة وغيرها مواقع
إستراتيجية.
وبعد أن
تم الاتفاق وأبلغت اللجنة الرئاسية قائد اللواء ٣١٠، اللواء حميد القشيبي بالاتفاق
بادر بتوجيه أوامره بوقف إطلاق النار وتنفيذ الاتفاق، وخلال تلك الأحداث تدخل العديد
من المشايخ المنتسبين ل المؤتمر الشعبي العام، بغرض التوسط بين قائد اللواء حميد
القشيبي والحوثي، وفعلا قاموا بالتواصل بين الطرفان، ولم يكن الحوثيون يعلمون موقع
تواجد القشيبي إلا أن أحد تلك المشايخ أبلغ الحوثي بمكان تواجد القشيبي، وبعد أن
كانت قد تمت البداية من تنفيذ الاتفاق المتمثلة بوقف إطلاق النار تفاجاً الجميع
بهجوم قوات الحوثي على اللواء من جميع الاتجاهات، وهو الهجوم الذي أدى إلى مقتل
العشرات من الضباط والجنود، كما جرحالمئات، وهنا انتفضت خلايا الحوثي المنتشرة في
المدينة بأسلحتها، وتم تعزيزها بالآلاف من المسلحين القادمين من خارج المحافظة،
وقد أسفر ذلك الهجوم عن الاستيلاء على أسلحة المعسكر الثقيلة من دبابات وصواريخ
وغيرها. كما تم نهب الممتلكات الخاصة بالكثير من أهل المدينة وخاصة المناوئين
لجماعة الحوثي.
وعبر
شاهد عيان نازح من عمران أن مليشيا الحوثي كانت تنتقل في الحارات وتسأل عن بيوت
التكفيريين - طبعا كل مناوي للحوثى يطلق عليه تهمة التكفير لتقربه للغرب، وتناغما
مع الفكر الإيراني الذي يحمل نفس العقيدة ويطلقها على معارضيه وتقوم باقتحام
البيوت وتهبها، كما تم هدم فرع جامعة الإيمان في عمران، وتم تفجير دار القرآن في
الجنات، وكذلك تفجير منازل وقصور آل الأحمر، في عمران
وبين
ليلة وضحاها، استقبلت صنعاء عشرات الآلاف من النازحين بينهم نساء وأطفال وشيوخ،
فروا من بطش جماعة الحوثي: حتى غدت مدينة عمران كما يصفها العديد من الصحفيين
الذين زاروها بعد سقوطها. بأنها مدينة أشباح.
● ردود الفعل محليا
أحدث
استيلاء مليشيات الحوثي وإحكام سيطرتها على محافظة عمران ونهب ممتلكات المقرات
العسكرية والأمنية وكل عناد وأسلحة اللواء ٣١٠، صدمة غير متوقعة للمجتمع اليمني
بأسره وبكل فعالياته وأطيافه السياسية والاجتماعية حكومية وشعبية وقوى سياسية.
كما
أصدرت اللجنة الأمنية العليا التي يرأسها عبدربه منصور هادي، رئيس الجمهورية،
بيانا جاء فيه: إن جماعة الحوثيين نقضوا اتفاق وقف إطلاق النار في محافظة عمران
غدرا، وقتلوا ضباطا وجنودا ، ونهبوا كافة محتويات اللواء ۳۱۰» وإن
مسلحي الجماعة استولوا على المصالح والمرافق الحكومية والوحدات العسكرية والأمنية
بالمحافظة .. كما طالب البيان جماعة الحوثي بإخلاء كل المرافق الحكومية والمقرات
العسكرية والانسحاب من عمران، وإعادة كل المنهوبات التي نهبتها من مقرات الدولة
ومعسكراتها، كما وحملتها كامل المسؤولية القانونية والأخلاقية والإنسانية عما حدث
في عمران.
● ردود الفعل عربياً ودولياً
كما
أدانت الدول الداعمة والراعية ل المبادرة الخليجية وآلياتها التنفيذية ذلك الحدث
عبر بيانات أو تصريحات مختلفة تدين جماعة الحوثي المسلحة، وتحملها مسؤولية جرمها
وما أقدمت عليه.. فقد أكد جمال بن عمر مساعد الأمين العام للأمم المتحدة ومبعوثة
الخاص إلى اليمن، إدانة مجلس الأمن لما قامت به جماعة الحوثي من مهاجمة مدينة
عمران، وأن مجلس الأمن يعتبر ذلك العدوان خروجا سافرا على مخرجات الحوار الوطني
الشامل، ويتناقض مع الاتفاقات المبرمة من خلال اللجنة الرئاسية.
كما
نقلت وكالة «سبأ» الرسمية عن د. عبد اللطيف الزياني الأمين العام لمجلس التعاون
الخليجي، إدانة مجلس التعاون الخليجي عدوان جماعة الحوثي على محافظة عمران، وأن
ذلك العدوان يعد خروجاً صارخاً على مخرجات الحوار الوطني، ودعا إلى مراعاة الحرمات
والحقوق العامة وكف العدوان.
● الدلالات والأبعاد
ولعل
تلك الهجمة الشرسة من قبل جماعة الحوثي المسلحة على محافظة عمران تحمل دلائل
وأبعادا ورسائل كثيرة، أهمها :
- أن
المحافظة تعد المعقل الرئيس للثقل القبلي لقبيلة «حاشد»، وهي أكبر وأقوى القبائل
اليمنية، وزعامتها تعد الحليف الأقوى للحركة الإسلامية في اليمن، وهي التي أصبحت
مستهدفة إقليميا ودوليا، وخصوصا بعد ثورات
الربيع العرب.
كما
تبرز دلالة أخرى وهي أن قيادة اللواء ۳۱
المرابطة في المدينة تعد من الوجوه المحسوبة على الزعيم العسكري ذي الشخصية القوية
علي محسن الأحمر، مستشار رئيس الجمهورية لشؤون الدفاع والأمن، وهو يعد من أكبر
أنصار الثورة السلمية اليمنية بل ويطلق عليه «حامي الثورة»: لأنه كان يشرف على
ألوية عملت على حماية الثوار في أكثر من محافظة يمنية، وخصوصا ساحة التغيير في
العاصمة صنعاء.
كما أن
محافظة عمران ذات موقع إستراتيجي، فهي الطريق الرابط بين العاصمة وبقية محافظات
الشمال، وتطل جبالها على مطار صنعاء الدولي بل ووسط العاصمة نفسها .
ولكل ما
سبق أيضاً تسعى إيران للإضرار بالمملكة العربية السعودية عبر الطعن في خاصرتها، من
محافظة صعدة المحاذية للسعودية، فقد أصبحت محافظة صعدة بكاملها ومعسكراتها تحت
نفوذ جماعة الحوثي ذات التوجه الموالي جملة وتفصيلاً للأجندة الإيرانية، ولذلك فإن
التواجد الحوثي في محافظة عمران يعد إضافة جديدة تعزز النفوذ الإيراني وتقوي أذرعه
في اليمن خاصة والجزيرة العربية عامة ..