العنوان الإسلام.. والدعوة إلى عالم أفضل
الكاتب د. توفيق الواعي
تاريخ النشر السبت 05-مايو-2001
مشاهدات 12
نشر في العدد 1449
نشر في الصفحة 45
السبت 05-مايو-2001
دعاة الإسلام الفاقهون اليوم يدعون إلى عالم أفضل حين ينادون باستئناف الحياة الإسلامية في الأمة وإقامة المجتمع الإسلامي فيها، لأنهم يدعون إلى عدالة اجتماعية أكمل من كل تصور للعدالة الاجتماعية في أي نظام آخر عرفته البشرية، كما يدعون إلى تنسيق أجمل لكل طبقات الأمة وطوائفها وأفرادها جميعًا، ولا أخال أن الحيرة الفكرية والاجتماعية التي لا تلبث كل حين أن تطيح بنظام هنا كان في الذروة، ونظام هناك كان في القمة، ما تزال تعمل عملها، فقد أطاحت في الحاضر القريب بالنظام النازي الألماني، والنظام الفاشي الطلياني والنظام الشيوعي الروسي، وهي الآن تعمل عملها في النظام الرأسمالي المتخبط أخلاقيًا واجتماعيًا، بإباحة الجنس والشذوذ والانهيار القيمي، وهي الآن تحاول أن تسوق كل ذلك في مؤتمرات تحت حماية الأمم المتحدة، حتى تصيب الشعوب المرشحة للنهضات بالوباء نفسه الذي أصابها، وتظن أن نظمها ثابتة وأنها تملك من القوى المادية ما تدافع به عن هذه النظم.
ولكن هذه النظم المنهارة لا تستطيع أن تحميها المدافع والدبابات والقنابل الذرية والجيوش الجرارة، والمخابرات وأجهزة القمع، وإنما تعيش النظم لأنها تلبي حاجة طبيعية في حياة المجتمع، وحاجة شعورية في ضمائر الناس، وحين تفقد هذين السندين فإن قوة الحديد والنار لن تكتب لها الحياة، وعبر الحياة وحقائق التاريخ تؤيد هذه الحقيقة ولم تكذبها أبدًا، وسترونها اليوم في نظم كثيرة، ولكنكم تستعجلون ونحن حين ندعو إلى استئناف الحياة الإسلامية التي أورثتنا مجدًا مؤثلًا، وإلى إقامة المجتمع الإسلامي الذي خرج لنا العباقرة والقادة الأفذاذ، فإننا ندعو إلى تشييد ذلك الصرح الصلب الذي يقوم على أسس مكينة وقواعد راسخة ترتكز على عقيدة وتستند إلى فكرة ربانية تسعدنا وتأخذ بأيدينا إلى الجادة، وكل من يهتدي بهدينا في عالم المتناقضات والمحن.
ولهذا يقول الأستاذ سيد قطب -يرحمه الله.. «إن النظام الاجتماعي الإسلامي، هو النظام الوحيد في العالم اليوم الذي يقوم على أساس فكرة العالمية بمعناها الصحيح، لأنه النظام الوحيد الذي يسمح بأن تعيش في ظله جميع الأجناس وجميع اللغات، وجميع العقائد في سلام.. وذلك إلى جانب تحقيق العدالة المطلقة بين جميع الأجناس وجميع اللغات وجميع العقائد.
والماركسية كانت تدعي أنها تهدف إلى نظام عالمي، ولكن أي نظام عالمي لا يمكن أن يقوم بلا حرية في العقيدة والكلمة، أو انطلاق في الفكر والحركة، وأي نظام عالمي يعيش ويتنفس في داخل ستار حديدي، ونظام قمعي يطيح بكل عقيدة أو فكرة غير العقيدة المادية، والأهواء والأخلاط الشيوعية، يعد أضحوكة لا تلبث أن تزول -وقد زال-.
إننا ندعو إلى نظام إسلامي تستطيع كل العقائد أن تعيش في ظله بحرية، وعلى قدم المساواة، ويتحتم فيه على الدولة وعلى جميع المسلمين القيام بحماية حرية هذه العقائد وحرية عبادتها، وأن يلجأ غير المسلم في أحواله الشخصية إلى ديانته.
فما الذي يضير أي أقلية في أن يكون التشريع المدني والتجاري والجنائي مستمدًا من الشريعة، ما دامت حرية الاعتقاد وحرية العبادة، وحرية الأشخاص مكفولة في النظام الإسلامي؟ لأن حمايتها جزء أساسي في هذا النظام، وما دامت مبادئ الشريعة الإسلامية تتضمن أساسًا للتشريع الحديث، ويعترف المشرعون المحدثون أنفسهم بأنها أرقى من التشريع المدني المستمد من التشريع الروماني، والقانون الفرنسي لا يكفل لغير المسلم ضمانات أوسع مما تكفله له الشريعة، ولا يمنحه في الدولة حقوقًا أكبر مما تمنحه الشريعة، كما أن الشريعة لا تمس وجدانه الديني، ولا عبادته الخاصة ولا أحواله الشخصية، بل تكفلها له وتحميها حماية كاملة لا مزيد عليها.
فالإسلام مثلًا، يحرم شرب الخمر على المسلمين، ويعاقب الشارب، ولكن إذا كانت هناك أقليات تبيح عقائدها شرب الخمر فالإسلام لا يعاقب تلك الأقليات احترامًا لعقائدها، كما أن الإسلام لا يعد الخمر والخنزير مالًا مقومًا إذا كان ذلك ملكًا لمسلم فإذا أتلفه إنسان فليس عليه عقوبة ولا تعويض، فإذا كان ملكًا لغير المسلم مما يبيحه دينه له، فإن المعتدي يغرم، كما أن غير المسلم لا يجبر على دفع الزكاة حتى لا يكلف أصحاب العقائد ما لا يرغبون فيه، ولا يجبرون على أداء عبادة إسلامية، وهكذا نجد النظام الإسلامي يلاحظ أدق المشاعر الوجدانية لمعتنقي العقائد الأخرى لا في الأحوال الشخصية فقط وإنما في دائرة التشريع الجنائي والمدني والتجاري، فأي ضير يصيب مسلمًا أو غير مسلم في تطبيق نظام كهذا، وأي قلق يجوز أن يساور ضميرًا إنسانيًا لأن شريعة كهذه تستمد منها القوانين التي تحكم الحياة؟ في حين أن المسلم في ظل القانون الفرنسي الذي يدعي التقدم والحرية، لا تستطيع زوجه أو ابنته لبس الحجاب أو تغطية رأسها حسب تعاليم دينها، وكذلك لا يستطيع أن ينفذ تعاليم دينه في أشياء كثيرة.
الإسلام من شعائره الحفاظ على العرض وتربية الناس على الأخلاق الفاضلة، ومراقبة الله في السر والعلن، فماذا يضير الأقليات من هذه الدعوة؟ والإسلام يدعو إلى العزة والكرامة وتخليص الأمة من نير الأجنبي ويدعوهم إلى المحافظة على شرفهم وأرضهم وهويتهم وأن يتعاونوا على ذلك، فماذا في هذا من ضير على الذين يدعون إلى القومية، والإسلام يحقق لهم أهدافهم وزيادة؟ وما الذي يضير الأقليات أو غير الأقليات في الناحية القومية أو غير القومية، والإسلام يكافح لتحرير الجميع من كل هيمنة استعمارية مضيعة؟
إننا ندعو إلى نظام الحاكمية فيه لشرع الله لا لفرد من البشر ولا لطبقة أو جماعة وبذلك تتحقق فيه المساواة الحقيقية، ولا تكون فيه شخصية مقدسة فوق القانون، نظام عادل في توزيع الثروة، ويقوم على أساس التكافل الاجتماعي، الجماعة فيه مسؤولة عن كل فرد ونظام إنساني يقوم على أساس المساواة، والمودة بينهم لا يفسد ولا يظلم الناس، قائم على أسس أخلاقية، ومشاعر وجدانية تضمن تنفيذ مبادئه بدافع من عقيدة كريمة سمحة، إن قيام مثل هذا النظام في بقعة من الأرض بعد ضمانًا للبشرية كلها من الانحدار، والتردي والهدم والتخريب، فما الذي يخيف جماعة أو دولة، أو نظامًا من الإسلام؟ ولماذا يقفون في طريقه؟ أ لأنه سيطارد الاستعمار وهم أولاده، ويحارب المخربين وهم أصحاب الكلمة، ويفضح المنافقين وهم سدنة الباطل وقروده وببغاواته؟ ألأنه يضيء الظلام فيكشف السراق وزوار الليل، ويطلع الإصباح فيكشف العورات، ويظهر العفن لكل ذي عينين؟ إن الإسلام بحكم ما فيه من مناعة وقوة ونقاء هو الذي يستطيع إنقاذ الأمة وانتشالها مما هي فيه، فهل إلى مرد من سبيل، نسأل الله الهداية والتوفيق.. آمين.
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكل
قراءة في مستقبل الأديان في العالم (3 - 3) الإسلام.. أرحام ولَّادة وأجيال يافعة
نشر في العدد 2182
35
الثلاثاء 01-أغسطس-2023