العنوان الإسلام والديمقراطية- نقاط اتفاق ومواضع اختلاف
الكاتب عبدالقادر بن محمد العماري
تاريخ النشر السبت 21-يونيو-2008
مشاهدات 14
نشر في العدد 1807
نشر في الصفحة 33
السبت 21-يونيو-2008
من مبادئ الحكم في الإسلام، الشورى، قال تعالى: ﴿وَأَمْرُهُمْ شُورَىٰ بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ﴾ (الشورى :38). وقال: وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ (ال عمران: ١٥٩). فهي من مبادئ الحكم في الإسلام، أما الديمقراطية فأصلها كلمة إغريقية وتعني حكم الجماعة نفسها بنفسها، والإسلام يقبل إيجابيات الديمقراطية، ويرفض سلبياتها والمعروف أن للإسلام قواعد وفيه نصوص قطعية الثبوت قطعية الدلالة، لا تقبل الاجتهاد، ونصوص ظنية قابلة للاجتهاد، وكلها في مصلحة الإنسان في دنياه وأخراه.
ومرجع المسلمين في دينهم ودنياهم الكتاب والسنة، وهناك قاعدة في أحكام الإسلام أن الأصل في الأشياء الإباحة، وللمسلمين كل الحق في أن يستفيدوا من الآخرين، بما لا يتعارض مع نص شرعي، فالديمقراطية مقيدة في الإسلام فليس للبرلمان أن يحل ما حرمه الله، أو يحرم ما أحله الله، فالشريعة الإسلامية ليست في حاجة أن يتدخل في أحكامها من يزعمون أنهم الأعرف بمصالح الناس، فهي كما قال الإمام ابن القيم الشريعة معناها مبني على الحكم ومصالح العباد في المعاش والمعاد هي عدل كلها ورحمة كلها ومصالح كلها، وحكمة كلها، وكل مسألة خرجت عن العدل إلى الجور وعن الرحمة إلى ضدها، وعن المصلحة إلى المفسدة، أو من الحكمة إلى العبت ليست من الشريعة، وإن أدخلت فيها بالتأويل.
وبعض الذين يسيئون إلى الإسلام ويعادونه يدعون أن الإسلام يفرض على المسلمين أن يقاتلوا كل الناس حتى يرغموهم على الدخول في الإسلام، وهذا يتعارض، حسب زعمهم، مع الديمقراطية وحرية الاختيار ويتجاهل هؤلاء أن آيات القرآن صريحة في أنها تأمر فقط بقتال من يقاتل المسلمين ويعتدي عليهم قال تعالى: ﴿أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَىٰ نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِم بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَن يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ﴾ (الحج:39-40). وقال تعالى: ﴿وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ﴾ (البقرة:190). وعن المعتدين قال: ﴿وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأَخْرِجُوهُم مِّنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ﴾ (البقرة: ١٩١).
والمجاورون من غير المسلمين يجب أن يعطوا الجزية التي هي علامة الصلح والأمان من قبلهم، مقابل حمايتهم، فهي «لا تزيد عن تنظيم حربي يأمر بتطويق الأماكن المجاورة للمجتمع حتى يأمن هذا المجتمع كل تهديد ويتقي شر أي إيذاء.. كما جاء في رسالة الشيخ محمود شلتوت الإسلام والعلاقات الدولية في السلم والحرب».
وفي هذه الرسالة أيضًا أن الأمر بالحرب كان مقصورا على مشركي شبه الجزيرة العربية فالشريعة الإسلامية فرضت السلام أصلا ودعت إليه، قال تعالى: ﴿ وَإِن جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ﴾ (الأنفال:61)، وقال تعالى: ﴿فَإِنِ اعْتَزَلُوكُمْ فَلَمْ يُقَاتِلُوكُمْ وَأَلْقَوْا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ فَمَا جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلًا﴾ (النساء:90). وقال تعالى: ﴿وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَن صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَن تَعْتَدُوا﴾ (المائدة:2).
وقد تلتقي بعض الأمور هنا وهناك مع العدل الاجتماعي الإسلامي أو الشورى الإسلامية، ولكن يبقى الإسلام هو المنهج الرباني بالكامل الجامع الذي تستطيع الأمم والحضارات أن تعيش في ظله إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، دون أن يعتوره نقص أو يحتاج إلى إضافة.
فالإسلام يرفض سلبيات الديمقراطية الغربية المتمثلة في بيوت الدعارة التي يحميها القانون وتحميها الشرطة، ومثل هذا لا يختلف عن الجاهلية الأولى كما كان فيها من إكراه الفتيات على البغاء، وقد قال ما ظهرت الفاحشة في قوم فعملوا بها إلا أصيبوا بالأمراض والأوجاع التي لم تكن في أسلافهم.. وفي الحديث أيضا فيما رواه الإمام أحمد في مسنده عن جابر رضي الله عنه قال: كنا جلوسا عند النبي فخط خطا هكذا أمامه فقال: هذا سبيل الله، وخط خطين خطا عن يمينه وخطا عن شماله، ثم وضع يده في الخط الأوسط ثم تلا هذه الآية: ﴿وَأَنَّ هَٰذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذَٰلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾ (الأنعام:153).
وقد تميزت الشورى في الإسلام على الديمقراطية في كثير من المواقف وليس انتخاب رئيس الجمهورية في فرنسا أو أمريكا بأكثر حرية من الحرية التي تولى الحكم بها أبوبكر الصديق رضي الله عنه، بل كانت أول خطبة له. رضي الله عنه موطدة لأسس الشورى وبانية قواعدها ألم يقل للناس قد وليت عليكم ولست بخيركم فإن أحسنت فأعينوني، وإن أسأت فقوموني؟ أو لم يقل لهم أطيعوني ما أطعت الله فإن عصيت فلا طاعة لي عليكم؟ ولا نحسب معنى أبلغ في معاني الشورى من هذا المعنى.
ولا ندري لماذا يتضايق بعض الأشخاص من شعار الإسلام هو الحل، ويرفضون ذلك؟! ألا يريدون أن يكون مرجعهم الإسلام؟ وهل يرفضون ما أنزل الله وما جاء به الرسول؟! ألا يعرفون أنهم إذا أصروا على ذلك انطبقت عليهم الآية الكريمة ﴿ أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَن يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُضِلَّهُمْ ضَلَالًا بَعِيدًا﴾ (النساء:60)، ﴿ وَيْلٌ لِّكُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ يَسْمَعُ آيَاتِ اللَّهِ تُتْلَىٰ عَلَيْهِ ثُمَّ يُصِرُّ مُسْتَكْبِرًا كَأَن لَّمْ يَسْمَعْهَا فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ وَإِذَا عَلِمَ مِنْ آيَاتِنَا شَيْئًا اتَّخَذَهَا هُزُوًا أُولَٰئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ﴾ (الجاثية:7-8-9).
المطلوب منكم إذا كنتم ديمقراطيين حقاً أن تحتكموا إلى قواعد الديمقراطية وتلتزموا رأي الأغلبية، وهم بلا شك مسلمون يؤمنون بكتاب الله وسنة رسوله، أن الإسلام هو الحل. والسؤال: إذا لم يكن الإسلام دين الله الخاتم وشرعه ومنهاجه المهيمن هو الحل.. فماذا يكون؟ وأي حل يصلح سواه؟ لقد جربت البشرية جميع المناهج الوضعية فما اهتدت إلى طريق الحق ولا عاشت في أمن وسلام بل دمرتها الحروب وأنهكها العدوان والظلم، وصار القوي يأكل الضعيف والكبير يأكل الصغير.
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكل