; الإعمار السياسي للعراق.. أصعب من إسقاط نظام صدام | مجلة المجتمع

العنوان الإعمار السياسي للعراق.. أصعب من إسقاط نظام صدام

الكاتب عامر الحسن

تاريخ النشر السبت 03-مايو-2003

مشاهدات 6

نشر في العدد 1549

نشر في الصفحة 26

السبت 03-مايو-2003

تمكنت الولايات المتحدة من إسقاط نظام صدام حسين، لكنها لن تستطيع إعمار العراق وخلق حالة الاستقرار الأمني فيه وفي المنطقة من دون الاعتراف بدور محددات حالة الاستقرار المطلوبة. هذه المحددات معقدة ومتشابكة تشمل في الداخل الشيعة والسنة والأكراد والجيش وزعماء القبائل والعشائر. وفي الإقليم عدد من الدول المحيطة بالعراق وهي خمسة، وفي الدائرة المحيطة الأوسع الجامعة العربية والأمم المتحدة. بدون هذه المحددات تصبح عملية تكريس الاستقرار شبه مستحيلة بل مفضية على المديين الوسيط والبعيد إلى مرحلة تالية من الاقتتال الأهلي والصراع الإقليمي. هذه فحوى الدراسة التي خلصت إليها مؤسسة كارنيجي مؤخراً حول حالة الإعمار السياسي التي تقوم بها أمريكا في العراق

وكان محور الدراسة أنه ما لم تدرك أمريكا صعوبة الوضع المعقد في العراق من تعددية إثنية وسياسية ومذهبية، وتتعامل معها بهدوء وبط فإن أي صيغة سياسية مطروحة لما بعد صدام سيكون محكوماً عليها بالفشل وانتهت الدراسة إلى طرح مجموعة من المقترحات على الإدارة الأمريكية

  1. تجنب فرض حكومة عراقية والهرولة الوضع دستور جديد وتحديد موعد لإجراء انتخابات

  2. ضرورة التركيز على مصالح العراق  وليس مصالح الدول المجاورة، حيث تميل هذه الدول لوجود حكومة عراقية ذات خلفية دينية أو مذهبية أو سياسية تتشابه مع حكومتها هي.

  3. تدويل عملية الإعمار السياسي للعراق بمعنى إشراك الدول الأخرى بحدود لأجل استيعاب مخاوفها من النظام الجديد.

  4. وضع إدارة النفط العراقي في إطار دولي وضمن حالة من الشفافية كي تقوض مزاعم البعض في أن أمريكا تحتكر النفط لمصالحها وحدها.

  5. تحريك عجلة السلام العربي - الإسرائيلي باعتباره أحد محددات حالة الاستقرار الأمني في المنطقة بصرف النظر عن طبيعة القوى السياسية الحاكمة في بغداد.

  6. صياغة منظومة أمنية جديدة في المنطقة تضمن عدم تعرض العراق الواهن عسكريا ـ  بعد الحرب من أن يتعرض لاعتداءات من جيرانه وأكدت الدراسة تعقد الوضع السياسي داخل العراق، وضرورة أن تكون أمريكا مدركة لهذا التعقيد لئلا تقطع الخطوط الحمر وتستثير العراقيين ضدها. وأهم خط أحمر هو وجود القوات الأمريكية في العراق، فالمطلوب من أمريكا ن تحدد أولويات الإعمار السياسي والأمني حيث تحقق مجموعة المهام الأساسية ثم تغادر تترك بقية المهام للزمن والعراقيين أنفسهم يحققونها وفق ظروفهم. ومع ذلك توقعت الدراسة أن تقع مصادمات فعلية بين العراقيين بسبب مجموعة من الظروف:

  7. حالة الاستقطاب الإقليمية من شأنها أن تخلق حالة من اللا استقرار في المنطقة، بسبب تناقض مصالح دول الجوار بين من يريد حكومة سنية ومن يريدها شيعية، بينما لا تمانع تركيا كثيرًا في أي صيغة سياسية مادامت لم تعط الغلبة للأكراد في الشمال والهيمنة السياسية والنفطية على كركوك. ومن شأن حالة الاستقطاب تأجيج وضعية الانقسام والمزايدة السياسية لتكريس الهيمنة.

  8. رموز المعارضة السياسية بين الخارج والداخل. فهناك معارضة منظمة عملت في المنفى لسنوات طويلة وبنت علاقات مع حكومات الدول التي أوتها مثل واشنطن ولندن، لكن هذه الرموز لیست معروفة في الداخل بل على العكس الكثير منها مكروه. ويمثل زعيم المؤتمر الوطني العراقي أحمد الجلبي نموذجاً لهذه الرموز وسيكون من الخطأ فرض رمز من هذه الرموز المجرد مقبوليته لدى الإدارة الأمريكية، فذلك سيحبل بغداد بحرب تلد أخرى على حد تعبير سعد البزاز

  9. الجيش أحد أهم المؤسسات السياسية والعسكرية في الدولة. وقد سيس صدام الجيش الصالح حزب البعث وصارت القيادات العسكرية تختار حسب الولاء للحزب والعشيرة التكريتية وليس حسب القدرة الفنية والإمكانات العسكرية. ولن يكون من السهل على هذه القيادات العسكرية أن تقبل التخلي عن سلطاتها بصورة فورية بسبب سقوط النظام، ومن الممكن أن تشكل جيوب مقاومة أو تحالفات داخل دوائرها المقربة بعد فترة من تشكل الحكومة الجديدة.

 وسيكون أمام الولايات المتحدة تحد لا يقل أهمية وهو كيفية التعامل مع حزب البعث ضمن أي منظومة سياسية. وإذا كان من السهل على أمريكا اتخاذ قرار بحظر حزب البعث من المشاركة في أي عملية إعمار سياسية، فليس من السهولة تحديد من هو البعثي لأن العديد ممن كانوا في البعث انضموا للحزب رغبة في الحصول على مكاسب سياسية واجتماعية. كما أن شن حرب أمريكية شعواء على الحزب قد يفضي إلى حرب على القيم التي كان يروج لها الحزب كالوحدة العربية والقومية والعدل الاجتماعي، وهي قيم يتفق عليها معظم العراقيين بل والعرب من دون أن يكونوا بعثيين. ومن المهم أن تدرك أمريكا أن من قيم البعث بل من قيم العراقيين الوقوف إلى جانب الفلسطينيين في صراعهم الطويل مع الدولة العبرية، حيث شارك العراقيون في الحروب الأربعة التي خاضها العرب ضد اليهود وبالتالي من المستحيل وضع صيغة سياسية أمنية في المنطقة، وفي نفس الوقت فرض العملية السلمية على العراق إزاء إسرائيل، في سياق تعرض المنطقة لاضطرابات الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي. ومن المهم ألا تتدخل أمريكا كثيرًا في تحديد قوانين اللعبة السياسية والحزبية داخل العراق وإنما تترك تحديدها للعراقيين أنفسهم، ولو اختاروا أحزابًا لا تحظى برضا الأمريكيين والمفترض إذا كان للعراق أن يكون نموذجًا ديمقراطيًا لدول المنطقة، أن يسمح بعمل جميع الأحزاب السياسية التي تمثل أطياف العراقيين بما في ذلك الأحزاب الشيوعية والإسلامية والكردية والشيعية العلمانية .

هل يصلح هذا النموذج لحكم العراق؟

جدل واسع أثير حول أحمد الجلبي وبالرغم من الخلافات الأمريكية حوله، إلا انه الشخصية الأوسع حظاً بالنسبة لهم لكي يتولى مهمة رئيس دولة تحت الاحتلال. ويعارض تيار واسع في وزارة الدفاع الأمريكية تعيين الجلبي بسبب تحميلهم إياه مسؤولية التعثر الذي أصاب العمليات العسكرية الأمريكية في الأيام الأولى للعدوان على العراق، حيث استندت هذه العمليات إلى معلومات سربها الجلبي لهم مفادها أن العراقيين سيستقبلون القوات الغازية بالورود.

برز اسم الجلبي (٥٧) عامًا وهو شيعي من الناصرية جنوب العراق لأول مرة في وسائل الإعلام كمتورط بعدد من الفضائح المالية وبخاصة في الأردن، فقد رأس مجلس إدارة مصرف البتراء الأردني، الذي أفلس ووضع تحت التصفية عام ١٩٩٢م. ولا يزال، ورفعت ضد المصرف أكثر من خمسين قضية قضائية. 

دخل الجلبي الأردن وبحوزته مائة الف دولار، وخرج منه بعد أقل من عشر سنوات وبحوزته أكثر من نصف مليار دولار وفي أبريل ۱۹۹۲م، صدر قرار قضائي عن محكمة عسكرية عليا في عمان أدان الجلبي بقضايا اختلاس وإساءة الأمانة والاحتيال، وقضت المحكمة بحبسه ٢٢ عامًا مع غرامة مالية تعادل قيمة ما اختلس والبالغة أكثر من ٢٧ مليون دولار أمريكي، و (775) ألف مارك ألماني، و 9945 إسترلينيا، ومليونًا و٣٣٢ ألف دينار أردني فيما بلغت خسائر بنك البتراء ۲۳۳ مليون دينار أردني من ضمنها اختلاس مبلغ ١٥٧ مليون دينار

وأفادت الأنباء آنذاك أن شخصيات أردنية رفيعة ساعدت الجلبي على الهروب، حيث غادر عمان إلى لندن عبر المطار الدولي دون أن يتعرض لمساءلة.

ولفت نظر المراقبين الاقتصاديين إصدار الحكومة الأردنية مؤخرًا لقانون معدل عن قانون الجرائم الاقتصادية، مما يدفع إلى تفسير بأنه محاولة لإتاحة الفرصة أمام الجلبي للتخلص من الحكم الذي صدر ضده. 

وبحسب التعديل القانوني، فإنه يحق للادعاء العام الأردني التنازل عن قضية ضد شخص يرتكب جريمة اقتصادية، شريطة يقوم بتسديد الأموال المستحقة عليه. 

ورغم النفي الحكومي، يتوقع المراقبون أن يتم تطويق الإشكالية عن طريق تسديد الأموال المختلسة ضمن صفقة تشرف عليها واشنطن. 

وأشار المراقبون إلى أن الأموال التي ستدفع لتطويق قضية الجلبي ستعتبر من ضمن برنامج المكافآت الأمريكية للأردن.

وكان مروان المعشر وزير الخارجية الأردني أشار إلى أن بلاده لن تتعامل مع الجلبي ما لم يتم تسوية القضية بطريقة مرضية للأردن.

وكان علي بن الحسين، رئيس الحركة الملكية الدستورية العراقية، توسط عام ۲۰۰۰م، ويحكم علاقة القربي التي تربطه بالعائلة المالكة في الأردن لغرض تطويق الأزمة إلا أن محاولاته تلك اصطدمت بالرغبة الأردنية بمحاكمة الرجل، وإجباره على تسديد المستحقات المترتبة عليه.

وقد هربت أسرة الجلبي الغنية من العراق عشية سقوط الحكم الملكي هناك، وعاش أغلب سنوات عمره خارج بلاده، التي وصلها مؤخرًا على متن طائرة أمريكية محاطًا بعناصره المسلحين الذين تم تدريبهم وإعدادهم في معسكرات أمريكية خاصة. وتمكن عام ۱۹۹۲م من تجميع عدد من فصائل المعارضة العراقية في بوتقة تنظيم عرف باسم المؤتمر الوطني العراقي.

صداقة مع اليهود

ويبدو أن شهادة الوزير في الحكومة الصهيونية ناتان شارانسكي حول «صديقه أحمد الجلبي من شأنها أن ترسم سياسة الجلبي المقبلة في العراق في حال توليه منصب الرئاسة، لا سيما فيما يتعلق بالعلاقات مع الكيان الصهيوني. يقول شارانسكي إنه يعرف الجلبي والتقاه في عدة مناسبات، فهو عصري يتخذ مواقف منفتحة وديمقراطية جدًا»، مشيرًا إلى أنه ما من شك في أن الجلبي يرغب في تعزيز العلاقات مع إسرائيل، لكنه بالطبع سيكون حذرًا، وسيحاول تعزيز مكانته أولًا، فمعظم قيمه قريبة من قيمناء. ويضيف شارانسكي، في مقابلة مع جريدة يديعوت أحرونوت العبرية الآن هناك صراع جدي بين الاستخبارات الأمريكية ووزارتي الدفاع والخارجية، حول المنصب الذي سيسنده الأمريكيون للجلبي، فلكل من هذه الجهات أفضلياتها. والجلبي نفسه لا يملك شعبية كبيرة في الخارجية، في حين يحظى بشعبية كبيرة في البنتاجون، وفي مكتب نائب الرئيس تشيني.

وحول موقف الجلبي فيما يتعلق بالصراع الفلسطيني الإسرائيلي يقول شارانسكي: لقد فوجئت بسماع موقف الجلبي بالنسبة للصراع الفلسطيني - الإسرائيلي، فقد قال النائب الرئيس تشيني: إن عرفات دكتاتور الحق الضرر بالفلسطينيين وبناء لقد اعتقد هو الآخر (الجلبي) أنه يجب منع وصول أسلحة الدمار الشامل إلى دول ذات أيديولوجية متطرفة، مستذكرًا إيران والعراق في هذا السياق»، وأضاف الوزير: «إن موقف الجلبي بشأن الصراع الفلسطيني الإسرائيلي يتعلق بالفكرة المركزية التي تؤيدها المجموعة التي قامت برعاية الجلبي، لقد كانت سياسة الغرب على الدوام.

الرابط المختصر :