; الإمام الأمة | مجلة المجتمع

العنوان الإمام الأمة

الكاتب د. محمد الصغير

تاريخ النشر السبت 01-أكتوبر-2022

مشاهدات 4

نشر في العدد 2172

نشر في الصفحة 51

السبت 01-أكتوبر-2022

أكتب متشرفًا بمناسبة بلوغ مولانا الإمام القرضاوي عامه التسعين، مدَّ الله في عمره، وأسبغ عليه شآبيب نعمته وفضله. 

إمام العصر، وغرة الدهر، جمع الله له بين الفقه والفتوى، والأدب والدعوة، والفكر والثورة، والمنطق والحجة، والكتابة والخطابة، والجرأة والحكمة حائزًا في كل قصب السبق، يلازمه تواضع الكبار، سامي النفس، عالي الهمة.

الإمام الأمة، ولا يكون إمامًا للأمة إلا من كان أمة واحدة، وهو وإن كان فردًا في نفسه، فقد اجتمع فيه ما تفرق في آحادها، ولا يكون أمة إلا من كان إمامًا في الخير، ورائدًا إلى كل مكرمة، ضاربًا في كل غنيمة صالحة بسهم.

إذا كنت أمامي فكن أمامي، فالإمام يتقدم الصفوف، ولا تستهويه الكهوف ولا يبالي بالحتوف.

إنه الإمام الأمة شيخنا العلامة أبو محمد يوسف القرضاوي، حفظه الله.

مواقف مع شيخنا الإمام: 

أولًا: في بداية التحاقي بالأزهر الشريف، وكنا نسكن في المدينة الجامعية بالقاهرة، وعامة الطلاب يومئذ ممن يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف، ولكن لفت نظري مجموعة من زملائي على غير المعروف ولا المألوف تظهر عليهم شبهة غنى أو أثارة من ثراء! سألت عنهم فكانت الإجابة: هؤلاء أبناء القرضاوي.

قلت: كيف أبناؤه وهم كثر؟ فقالوا: هؤلاء من راسلوا الشيخ، وعلم بحاجتهم، فكفلهم، وقال لي أحدهم: إن مولانا الإمام يرسل له مائتي جنيه شهريًا، وكانت نفقات الإقامة والإعاشة كاملة بالمدينة الجامعية وقتئذ، أقل من أربعين جنيهًا.

ثانيًا: كان من المقررات الدراسية في كلية الدعوة الإسلامية، التي تشرفنا بالنسبة إليها، مادة الأساليب اللغوية، فضم إليها أستاذ المادة أ.د. محمد عبد المنعم البري، أحد رموز الدعوة وأساطين الأزهر، في السنة النهائية ديوان "نفحات ولفحات" من شعر مولانا الشيخ القرضاوي، فأثمر ذلك رباطًا عاطفيًا بيننا وبين الشيخ؛ لأن الشعر بريد المشاعر، بالإضافة إلى الرباط الفقهي والدعوي.

وكان سيدنا الشيخ محمد البري متيمًا بالشيخ الإمام ومدرسته، فدرس لنا أيضًا من كتاب "ثقافة الداعية"، ليضبط بوصلتنا العلمية والثقافية من خلال الخريطة التي حددها الإمام القرضاوي، حفظه الله.

واستكمالًا لهذا المشروع الفكري، وتعميقًا لصلتنا بهذه المدرسة الأصيلة مدرسة الأزهري الثائر، قرر علينا الشيخ البري في مرحلة الدراسات العليا بعضًا من مؤلفات الشيخ محمد الغزالي، رحمه الله، فتوثقت الصلة، وتأكدت الروابط، فقررت أن أجعل أطروحتي العلمية عن الشيخ محمد الغزالي وفكره وعطائه.

ثالثًا: بعد وفاة الشيخ محمد الغزالي، رحمه الله، كتب عنه الشيخ القرضاوي كتابًا بعنوان "الشيخ الغزالي كما عرفته، رحلة نصف قرن"، ودعا الشيخ في مقدمة الكتاب أن يوفق الله تعالى من طلاب الدعوة من يكتب عن الشيخ الغزالي، وينشر علمه، وكانت ساعة إجابة وأصابتني بركتها، لا سيما وقد أجرى الله تعالى على لسان الشيخ كلمة "طلاب الدعوة"، فكنت أول من كتب عن الشيخ الغزالي بعد وفاته، ثم باركت الدعوة عددًا من إخواني طلبة العلم الذين كتبوا عن الشيخ رحمه الله تعالى. 

رابعًا: قدَّر الله عز وجل أن نجتمع مع شيخنا الإمام في قطر، بعد أن تعثرت ثورة مصر، وتبدلت حالها، فكان تقربنا منه محضنًا تربويًا رأينا فيه كيف يطبق الشيخ القرضاوي ما كتبه للناس؛ فحياته لدينه، ووقفته لأمته ودعوته، لا تفوته مناسبة إلا ويشارك الناس في أفراحهم، ويواسيهم في أتراحهم، مع مشاغله الجسام.

فنعمنا بعطفه ورعايته، ووصله وأبوته، فخفف الله تعالى به فراق الأوطان، وجبر به ما في النفس من آلام، فجزاه الله عنا خيرًا، وعن كل أهل الإسلام، ومتع بحياته أحبابه وطلابه ونفع بعلومه على الدوام.

وسآخذ لما تقدم مثالًا واحدًا، وهو موقفه من الثورات، ودعم الشعوب في نضال تحريرها وانعتاقها من أغلال الطواغيت، سنجد الشيخ القرضاوي عرف دروب الثورة على الظلم مبكرًا، وتحديدًا في مرحلة التعليم الثانوي بالأزهر المنيف، محضن الأحرار، وقبلة الثوار، مما جعله يعرف طريق السجن مبكرًا.

أيضًا، اعتقل في سجن الطور قبل أن يدخل الجامعة، وكان من أصغر المعتقلين سنًا في حينها، لكن ذلك لم يرهبه، أو يفتّ في عضده.

وظل على ثورته على الباطل، وغيرته على الحق، يفضح الظالمين، ويدمغ المبطلين، حتى هبت رياح التغيير في بلاد "الربيع العربي"، فكان أول من أفتى وآزر ونافح وكافح في سبيل أن تبلغ ذروتها، وتحقق ثمرتها، في وقت حار فيه الحليم واختلط الأمر على كثير، وهو ينادي: صبحهم قد أسفر، فهل من مشمر؟

فكان الرائد في ثورة تونس، والمرشد في ثورة مصر، والمجاهد في ثورة ليبيا، والحادي في ثورة اليمن، وما يزال –ومن أول يوم– مرابطًا مع الأشقاء في سورية.

كتب هذا المقال منذ 6 سنوات بمناسبة بلوغ الإمام القرضاوي عامه التسعين.

الرابط المختصر :