العنوان انفتاح نظرية المقاصد وقابليتها للتجديد (۳)
الكاتب د. إبراهيم البيومي غانم
تاريخ النشر السبت 24-يناير-2009
مشاهدات 11
نشر في العدد 1836
نشر في الصفحة 66
السبت 24-يناير-2009
ظلت نظرية المقاصد العامة للشريعة كما وضعها الرواد الأوائل من العلماء دون محاولات جادة لتجديدها أو لاستنباط مقصد آخر إلى جانب المقاصد الخمسة التي استنبطها العلماء منذ ما يقرب من ألف سنة. لم تنفتح نظرية المقاصد بعد «الإمام الشاطبي» إلا قليلا، وبعد مرور أكثر من ستة قرون على يد الشيخ محمد الطاهر بن عاشور الذي فتح باب الاجتهاد في هذه النظرية، وأضاف عدة مقاصد على رأسها مقصد الحرية، وأبدى ملاحظات نقدية بالغة الأهمية على شيخ المقاصديين (الشاطبي).
وبفضل جهود الشيخ ابن عاشور التجديدية أضحى من الممكن اليوم المضي قدما خطوات أخرى لتجديدها وتطويرها لتصل إلى غايتها القصوى، وإلى أعلى مراحلها.
وأعلى مراحل نظرية المقاصد في نظرنا هي العالمية أي عندما نتمكن من صياغة المقاصد العامة للشريعة صياغة تستوعب المعاني والمبادئ التي بها تتحقق عالمية رسالة الإسلام ومخاطبته لبني آدم أجمعين، ونوضح كيف أن شريعته عدل كلها، ومصلحة كلها ، ورحمة كلها ، آنئذ - وآنئذ فقط - تصل نظرية المقاصد العامة للشريعة إلى غايتها التي نزلت رسالة الإسلام من أجلها.
ماذا يضير نظرية المقاصد لو وضعنا كلمة تنمية أو «تطوير» أو رعاية مكان كلمة حفظ ؟ أليس من الأجدر بنا أن نركز خطاب المقاصد باتجاه كيفية تحصيل كل مقصد طرائق تحقيقه في الواقع، وخاصة أن أكثر المقاصد أضحت غائبة أو ضامرة على مستوى الممارسة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية السائدة في مجتمعاتنا العربية والإسلامية المعاصرة ؟ ولنجرب ونحاول أن نقلب الطريقة القديمة التي كانت تبدأ بالحفظ والصون أو الدفع والزجر أولاً ، ثم تأتي لماما وبكلام مجمل على جانب الطلب أو التحصيل أو التنمية . ربما لأن أهل تلك الأزمنة السابقة ( العامري والجويني، والغزالي، والشاطبي) كانوا يرون أن جهة التحصيل متحققة، وأن الأهم هو جهة الدفع والحفظ. لنحاول قلب تلك الطريقة، أو ذلك الأسلوب، ونقدم صياغات للكليات الخمس انطلاقا من كيفية تحصيلها أولا، ثم كيفية صونها وحفظها ثانيا فنقول مثلا: إن من المقاصد الكلية العامة للشريعة الآتي:
* تنمية الدين؛ وذلك بنشر تعاليمه، وتعليمه للأجيال الجديدة، وللفئات الاجتماعية المختلفة، حتى يتشكل وجدانهم في ضوء مبادئه، ويتثقف وعيهم بقيمه وأحكامه، وتتثبت دعائمه في نفوسهم وقلوبهم، حتى يروا أن مصلحتهم هي في التزام مبادئه وأحكامه في قوانينهم وتشريعاتهم. وتكون تنمية الدين أيضاً بتشجيع العلماء على الاجتهاد والتجديد، وصون حرية التدين، وحرية الإيمان وحرية الاعتقاد.. إلى جانب التحذير من مخالفة أحكامه، أو الخروج على مبادئه، وتطبيق العقوبات على من يقترف جريمة
منصوصا عليها وعلى عقوبتها في هذا المجال.
* تنمية النفس؛ وذلك عن طريق الإسهام في توفير مقومات الحياة الكريمة بوسائل متنوعة، وسياسات عامة تتبناها الدولة في مختلف مستويات الحكم والإدارة الحكومية والمؤسسات الأهلية من رعاية صحية وتعليمية، وعناية بدنية ورياضية ومحافظة على البيئة التي تعيش فيها هذه النفوس، ومقاومة الأمراض التي تفتك بها .. إلى جانب صون النفس من العدوان عليها بتطبيق العقوبات الشرعية المنصوص عليها في هذا المجال.
* تنمية النسل ؛ وذلك باتخاذ سياسات تضمن للمواطن، رجلا كان أو امرأة حق تكوين أسرة على أسس شرعية قويمة، وتوفير فرص العمل، وأماكن صحية للسكن، ومدارس التربية وتعليم أبنائهم، وغذاء وكساء وكل ما يؤدي إلى تحسين نوعية الحياة جيلا بعد جيل. إلى جانب صون الأسرة من العدوان عليها، أو من أن تنتهك حرمتها ، وتطبيق العقوبات الشرعية المنصوص في هذا المجال.
* تنمية العقل؛ وذلك بتثقيفه، وتهذيبه، وتشغيله، وتوفير مناخ الحرية اللازم كي يفكر ويبدع ويبتكر، ويتثقف، ويعبر عن آرائه، دون خوف أو تردد. وتسهم في ذلك مؤسسات الدولة التعليمية والإعلامية والثقافية، كما تسهم منظمات المجتمع الأهلي وأنشطته وبرامجه المختلفة. هذا إلى جانب تطبيق العقوبات الشرعية المنصوص عليها في هذا المجال.
* تنمية المال ؛ وذلك باتخاذ سياسات تشجع على العمل والكد والكسب، وتحض على الإتقان والتفوق والسبق، والابتكار وفتح أسواق جديدة، ومجالات استثمار تسهم في عمران البلاد وتحقق مصالح الناس، وصون الملكية الناتجة عن العمل والكدح.. هذا إلى جانب تجريم العدوان على أموال الناس، ومعاقبة من يرتكب جريمة بحق مال الغير أو المال العام بالعقوبة الشرعية المنصوص عليها ..
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكل
د.القرضاوي يكتب: الإخوان المسلمون (۷۰) عامًا في الدعوة والتربية والجهاد ...
نشر في العدد 1366
10
الثلاثاء 07-سبتمبر-1999