; انهيار مشروع الهيمنة الأمريكية أحد تجلياته.. تصاعد المد الشعبي في المنطقة العربية | مجلة المجتمع

العنوان انهيار مشروع الهيمنة الأمريكية أحد تجلياته.. تصاعد المد الشعبي في المنطقة العربية

الكاتب نبيل شبيب

تاريخ النشر السبت 07-أبريل-2007

مشاهدات 12

نشر في العدد 1746

نشر في الصفحة 36

السبت 07-أبريل-2007

  • تزايد ظاهرة القوى الشعبية في العالم الإسلامي والعربي ساعد على الخروج من «حالة الموات» إلى حالة المقاومة

  • بعد تراجع دور الوسائل العسكرية في فرض الهيمنة لجأ المشروع الصهيو أمريكي لتأجيج الصراع المحلي عبر سياسات المحاور والفتن الطائفية والقومية وغيرها..

ربط مجرى الأحداث بمناسبات زمنية عادة درج عليها الإعلام، لا سيما مع رحيل عام وحلول عام آخر، رغم أن أي نقلة في مجرى الأحداث لا تقع بين ليلة وضحاها، بل تمتد فترة تطول أو تقصر في عمر  التاريخ، على حسب حجم التطور الحادث نفسه. ولعل دراسة أحداث العام المنقضي «١٤٢٧هـ ٢٠٠٦م» واستشراف حركة الأحداث خلال العامين القادمين يؤكدان أن منعطفًا لا يستهان بشأنه في صناعة مستقبل المنطقة العربية والإسلامية، بدأ يتشكل....

ومن خلال التأمل في مغزى الأحداث التي شهدها العام الماضي، يتجلى لنا أمران مهمان:

1- وقوع سلسلة هزائم تضع حدًا لمسيرة انتشار عسكرة الهيمنة الصهيوأمريكية، شملت غزو أفغانستان واحتلال العراق، والعدوان على لبنان، وما يوصف بالحرب ضد الإرهاب، إضافة إلى هزائم أخرى، يمكن أن تستفحل وتظهر للعيان، في السودان والقرن الإفريقي وعلى مستوى العلاقات الدولية، ولن يكون ما بعد عهد بوش الابن كما كان أثناءه وقبله بالمنظور العالمي، وبمنظور المنطقة الإسلامية المستهدفة حتى الآن، بل سيكون التغيير في الاتجاه المعاكس تمامًا لبداية تاريخه هو لقرن أمريكي جديد ربطه بيوم تفجيرات نيويورك وواشنطن.

٢- تصاعد الظاهرة الشعبية، حيث عرفت إحدى صيغها بلدان عديدة في أوروبا وبدأ انتشارها في المنطقة العربية والإسلامية، وقد بدأت تعطي أوائل ثمرات حصاد ما صنعته الصحوة الإسلامية والشعبية خلال جيل كامل، سواء على مستوى الخروج من قاع الانبهار بالتقدم التقني والصناعي الغربي والبحث عن «الإنسان» في البناء الحضاري البشري، أو على مستوى انتشار ثقافة المقاومة ما بين أفغانستان والصومال، أو على مستوى الوعي الشعبي بأن الإصلاح الحقيقي وفق الرؤية الذاتية وليس رؤية ما سمي  مشاريع شرق أوسطية، هو الهدف العام المشترك الضروري للبلدان والشعوب العربية والإسلامية، وهو الطريق الوحيد للنهوض من جديد.

لا يعني ذلك أن مساعي الهيمنة ستنقطع، وإن انكسرت شوكتها العسكرية ولكنها بدأت تتراجع، وتستخدم وسائل قديمة مثل الاعتماد على تأجيج الصراع المحلي عبر سياسات المحاور والفتن الطائفية والقومية وغيرها، بعد الإخفاق  الذريع في استخدام وسيلة العدوان العسكري الخارجي المباشر. وتشمل الوسائل القديمة الاعتماد على مرتكزات التبعية المحلية في هذا الصراع، ويرافق هذا التقهقر تجديد محاولات الحصار القديم محليًا للتيار الإسلامي خاصة، وكأن الصحوة لم تكن، ولم يتحقق معها التطور الجذري في توجهاتها المنفتحة على التيارات الوطنية الأخرى سياسيًا، وعلى غير المسلمين داخل الأرض الإسلامية حضاريًا وتحديدًا للأهداف المستقبلية المصيرية المشتركة.

نهضة جديدة تقودها الشعوب: إن الطابع الغالب على سواه في المرحلة التاريخية الراهنة يشابه- من حيث بنيته الهيكلية-ما شهدته المنطقة إبان انبعاث حركة مواجهة الاستعمار، وما انتهى بإخراجه عسكريًا رغم تفاوت موازين القوى آنذاك وضعف المعطيات التقنية والصناعية في الموقع الحضاري للمنطقة العربية والإسلامية.

 والعنصر الجديد الحاسم في هذه المرحلة بروز ظاهرة تصاعد القوى الشعبية التي انعكس مفعولها في فلسطين ولبنان والعراق وأفغانستان والصومال، وحتى الشيشان وكشمير وغيرها من مناطق الأزمات والقضايا المعاصرة عززت بصورة غير مسبوقة ربط الإرادة الشعبية للخروج من حالة الموات إلى حالة المقاومة فالنهوض فالبناء، بأرضية مشتركة ترفض التسليم لمن لا يزالون يؤججون أسباب الفتنة بمختلف الوسائل القديمة بين مسلمين ومسيحيين وعرب وأكراد، وشيعة وسنة على مستوى الوطن الواحد، أو المنطقة الإقليمية. أو على إمتداد الأرض العربية والإسلامية.

الأنظمة تقاوم حركة التغيير

 صحيح أن كثيرًا من الأنظمة لم يدرك- نتيجة التشبث الأعمى بما ورثه من أسباب التسلط المطلق- مغزى المتغيرات الجارية لا سيما على المستوى الشعبي، واستمر يعمل على الجبهة الخاطئة لمقاومة حركة التغيير. ولتركيز معظم الإجراءات والممارسات على ما تسميه الأنظمة «الأمن والاستقرار» غالبًا. ولكن دون جدوى فليست عملية التغيير المنتظرة قابلة للخنق بخنق أحزاب وجماعات يحاصر الناشطون فيها بالاعتقالات العشوائية وما يشابهها، إنما هو تغيير أعمق مغزى وأوسع انتشارًا، وقد بدأ يعطي مفعوله الشعبي من خلال مسيرة الأجيال وليس مسيرة أحزاب وجماعات فحسب.

إن السيطرة الموروثة على مراكز توجيه صناعة الإنسان قسرًا في الأرض العربية والإسلامية، فكرًا وتربية وإعلامًا وتعليمًا وأدبًا وثقافة وفنًا، لم يعد يمكن توريثها لجيل يتابع من سبق عبر مراكز القوى الراهنة، فقد أصبح أبناء تلك القوى أنفسهم على غير طريق الآباء في هذه الميادين جميعًا، بل بدأت مسيرة التغيير إضافة إلى ذلك على الأصعدة الاقتصادية والعلمية إنجازًا وإنتاجًا.

توجيه «الظاهرة الشعبية» إن الوصول إلى أقصى الأهداف الممكنة بأقل التضحيات الضرورية خلال المرحلة المقبلة بات أمرًا حتميًا، ويتطلب التركيز على عدد من العوامل الأساسية المساعدة عليه، في مقدمتها:

١- الظاهرة الشعبية لم تصل بعد إلى مستوى التنظيم القائم على توجيه وتخطيط وتوظيف هادف لطاقاتها المتفجرة في الاتجاه الصحيح، بما يحقق التكامل بين أجنحتها ويرتفع بها إلى مستوى متطلبات التغيير القويم، ويتبع ذلك استمرار الخلل في العلاقة بين الأجيال من النخب والقيادات الأقرب إلى هذه الظاهرة الشعبية، والتي ما تزال تتحرك في نطاق ما نشأ من هياكل للعمل في حقبة سابقة. وبأساليب لا تواكب- إلا قليلًا- المعطيات والظروف المتغيرة، بما في ذلك غلبة عنصر الشبيبة على الصحوة، وهذا ما يعرقل النقلة الضرورية والحتمية على صعيد حمل المسؤولية وأمانة الرسالة بين جيل وجيل على الوجه الأمثل.

٢- بقدر ما حققت الصحوة حتى الآن ترسيخ الثوابت والأهداف الجليلة، لا يزال من العسير رؤية مسلسل الانتقال التلقائي من مرحلة آنية وأهداف واقعية عملية فيها إلى مرحلة تالية وأهداف واقعية عملية تتبع لها. بما يكفل الاطمئنان الضروري لوضوح الخط الواصل بين واقع آني قائم متغير والمستقبل المنشود، دون تخاذل أو تسرع..

3- لكل تغيير وسائله والوسائل في مقدمة ما يرتبط بالظروف الآنية زمنيًا والمتفاوتة مكانيًا، وتحتاج مسيرة الظاهرة الشعبية المتنامية جغرافيًا وقطريًا، إلى معالم أساسية في اختيار الوسائل وتوظيفها، فتبدلها بين وقت وآخر ومكان ومكان، لا يغني عن ضرورة وجود مواصفات «إرشادية» ثابتة لها، بما يضمن مشروعيتها من جهة، وفعاليتها من جهة أخرى. 

٤- علاقة عدم الثقة إلى درجة المواجهة بين قوى التغيير الشعبية والسلطات وصلت إلى مرحلة بالغة الخطورة، مع تفاقم الأخطار الخارجية، وازدياد تشبث مراكز القوى القديم بتسلطها على مختلف مواطن صناعة القرار، ليس في الميدان السياسي التقليدي تحديدًا، وإنما في مختلف الميادين الأخرى المرتبطة به الفكرية والإعلامية والأدبية والثقافية والتعليمية والتربوية والاقتصادية والاجتماعية والجمالية وغيرها. وقد أثبتت «الظاهرة الشعبية» أن درجة الوعي بالأخطار الخارجية، وضرورة التغيير لتحقيق هدف الصمود والتصدي لها، قد سبقت بمراحل درجة الوعي على مستوى السلطات والنخب التي تحملها أو تسير في ركابها، رغم أن الأخطار الخارجية باتت تستهدفها كعامة الشعوب، وهذا ما يوجب أن تقترن الظاهرة الشعبية بجهود حثيثة لتوعية السلطات ونخبها، وتعزيز نقاط التلاقي على أرضية مشتركة تحقق المصلحة العليا والتضييق على نقاط الافتراق، لا سيما تلك التي لا تعتمد على مشروعية مقبولة، بل على ما صنعته حقبة التسلّط والارتباط بالقوى الأجنبية عبر عشرات السنين الماضية.

إن عجلة التغيير ماضية على سنن تاريخية واجتماعية ثابتة، ولن تتوقف. وإن الظاهرة الشعبية الوليدة التي بدأت تثبت وجودها وفعاليتها في العام الراحل، تؤكد أن من يمضي معها يمكن أن يشارك في صناعة التغيير في الاتجاه الصحيح، وأن من يضع نفسه في أي جبهة من الجبهات المعادية لها. الساعية لحصارها أو كبتها لن يجني إلا الخسارة في الحياة الدنيا، وفي الآخرة..

الرابط المختصر :