العنوان باكستان: نهاية أسطورة «حبيب الشعب» مشرف.. مبادئ فضفاضة.. ووعود تنتظر التنفيذ
الكاتب عبد الغفار عزيز
تاريخ النشر الثلاثاء 26-أكتوبر-1999
مشاهدات 15
نشر في العدد 1373
نشر في الصفحة 32
الثلاثاء 26-أكتوبر-1999
القاضي حسين: ندعو لتحديد مدة الحكم.. واحترام النظام الإسلامي للبلاد
التصريحات المبدئية والصور المتناقضة للقائد الجديد تثير الشكوك حول سلوكه المرتقب
شهد حكم الحزبين الكبيرين في باكستان نهاية مؤسفة، أصبح حكم نواز شريف ومن قبله حكم بنازير بوتو جزءًا من الماضي المؤلم، تركا السلطة فاقدين فيها أملهما إلى الأبد إن شاء الله، ليورثا العالم عبرًا ودروسًا كثيرة، أهم هذه الدروس تكمن في أن الاثنين كانا يدعيان تمتعهما بالشعبية الكبيرة وأنهما يمثلان الأغلبية المطلقة، وأن وجودهما الشخصي ضروري لسلامة الوطن ولرفاهية الشعب، وأصبحا يظنان أن سلطانهما لا يتحداه أحد، وأن كرسيهما قوي لن يهتز، ولكن فجأة... نعم في خلال دقائق معدودة... ضاقت عليهما الأرض بما رحبت، تبخرت شعبيتهما وأصبحا في نظر الشعب أخف من التبن، حتى الحاشية والبطانة تتبرأ منهما قائلة: «كنا ننصحهم ولكنهم لم يستمعوا إلى نصحنا»، لم تبك عليهما عين ولم يخفق لهما قلب، ولم ير الشارع السياسي أي احتجاج ولو رمزي على إقالة «أحباب الشعب»، نهاية بنازير بوتو معروفة لدى الكثير، أما ختام سلطة نواز شريف فإليكم أهم محطاتها:
لماذا تم الانقلاب؟
في الثاني عشر من أكتوبر، وفي الساعة الخامسة والربع مساء، توقف البث التلفازي الوطني بصورة مفاجئة، ليقرأ المذيع نشرة إخبارية موجزة وطارئة، قال فيها: «لقد أعلن رئيس الوزراء السيد نواز شريف عزل الجنرال برويز مشرف عن منصب رئيس أركان الحرب، وتعيين رئيس الاستخبارات الجنرال ضياء الدين رئيسًا جديدًا للجيش»، بثت النشرة الموجزة في وقت كان الجنرال مشرف في الجو قادمًا من سريلانكا.
استغرب الجميع هذا الإعلان المفاجئ، لأن نواز نفسه كان قد أعلن قبل أسابيع قليلة تمديد فترة رئاسة أركان الحرب للجنرال برويز مشرف وإعطاءه منصبًا إضافيًا هو منصب رئاسة اللجنة المشتركة للقيادة العسكرية، لماذا ارتكب نواز هذا الخطأ الفاحش الذي قد يوصله إلى حبل المشنقة، والذي بمغامرته المفاجئة هذه عرض البلد لأخطار جمة، وجعل المؤسسة العسكرية قابلة للانقسام الداخلي؟ أسئلة لا تجد أي جواب أو تفسير سوى أن حرص نواز شريف لتجميع كل السلطات في يده حثه على ارتكاب هذه الحماقة وبصورة ساذجة.
بعد النشرة، سارع نواز وشقيقه شهباز رئيس وزراء ولاية البنجاب والجنرال ضياء الدين إلى مبنى التلفاز لتنقل من هناك مراسيم تقليد رئيس أركان الحرب الجديد نياشين المنصب، وليوجه نواز إلى الشعب كلمته العاجلة على الهواء مباشرة.
في الوقت نفسه كانت رحلة مدنية للطيران الباكستاني تقل على متنها الجنرال برويز مشرف وأفراد مكتبه مع أكثر من مائتين مسافر مدني دخلت أجواء الوطن، وطلب الطيار من برج المراقبة لمطار كراتشي إذن الهبوط.
«ولا هبوط، واذهب إلى حيث شئت» كلمة ترددت في غرفة الطيار.
لم يصدق الطيار ما سمعته أذناه، وكرر طلبه «هنا الحمامة «الاسم الرمزي للرحلة» أريد الهبوط».
«لقد قلنا لا تهبط اذهب إلى أي مكان آخر غير باکستان» رد برج المراقبة.
الوقود المتبقي لا يسمح أن أذهب إلى أي مكان بعيد وأقرب مطار من هنا مطار هندي... فهل أذهب إلى الهند ومعي القادة...؟ سأل الطيار.
«اذهب إلى الهند» رد برج المراقبة.
هنا أخبر الطيار رئيس الأركان بما جرى واتصل الجنرال برويز مشرف بنفسه مع برج المراقبة، ولكن دون جدوى، واتصل كذلك مع رئيس الأركان المؤقت، ومع قائد الجيش في كراتشي عن طريق الهاتف الجوال وبدأ التشاور.
تابعت القيادة العسكرية في إسلام آباد وكراتشي التطورات المتسارعة: إعلان العزل وتعريض حياة رئيس الأركان مع أكثر من مائتي راكب للخطر، وقررت أنها لن تقبل هذا الأسلوب غير القانوني والمثير، فالقانون لا يسمح بتغيير رئيس الأركان، وهو خارج الوطن، إلا إذا تماطل في العودة، كما يجب أن يصدر قرار التغيير من قبل رئيس الدولة.
قررت القيادة في إسلام أباد ألا يتكرر بث ذلك الخبر على التلفاز، فأرسلت مجموعة من الجنود تتكون من ثلاثة ضباط واثني عشر جنديًا إلى مبنى التلفاز، ولكن فوجئت المجموعة بوجود أفراد الشرطة الخاصة، ووجود رئيس الوزراء وبطانته داخل المبنى، وقامت قوات الشرطة الخاصة التي أنشأها نواز باسم مكافحة الإرهاب باعتقال المجموعة العسكرية وتجريدها من السلاح.
أما في كراتشي، فقررت القيادة التدخل في المطار حتى تؤمن هبوط الطائرة، في أثناء ذلك أخبر الطيار أن الوقود على وشك الانتهاء، وليس أمامه سوى سبع دقائق وينتهي كل شيء في الفضاء، إذا لم يهبط، عندما علمت القيادة العسكرية ذلك، حركت جنودها كالبرق لتستولي على المطار وتضمن هبوط الرحلة رقم 508 من الطيران المدني الباكستاني.
تمت هذه الإجراءات في كراتشي أما في إسلام آباد، فعندما لم تتلق القيادة أي اتصال من المجموعة العسكرية التي ذهبت لإيقاف النشرة، قام ضابط برتبة جنرال مع عدد أكبر من الجنود واقتحم المبنى ليوقف البث فورًا وليعتقل نواز شريف وشقيقه، وسيف الرحمن «رئيس هيئة الاحتساب وأحد شركاء نواز في التجارة»، ونذير ناجي أحد الكتاب، وهم يضعون اللمسات الأخيرة علي خطاب رئيس الوزراء، في هذه اللحظة وقبل أن تعد المسودة النهائية للكلمة انتهى حكم نواز وإلى الآن لا أحد يعرف مصير حياته وحياة شقيقه شهباز و«سبحان مقلب الأمور».
الإنجازات المدمرة
تبدو هذه الأحداث وكأنها تمثيلية درامية أو أحداث فيلم إثارة ولكنها حقيقة مؤلمة شهدتها باکستان نتيجة الغرور والحماقة التي بسببها انطوت صفحة حكومة نواز، وقد تطوى صفحة حياته أيضًا كما تشير الأحداث.
نواز شريف كان يحلم من أول يوم من حكمه، بالحصول على السلطة المطلقة، أول ضحايا نواز في هذا الصدد كان البرلمان الوطني، فرض نواز على البرلمان تعديلًا دستوريًا يحرم على الأعضاء إبداء أي رأي معارض لرأي رئيس الكتلة النيابية التي ينتمي إليها وإلا فقد عضويته، مرر البرلمان هذا التعديل نتيجة تعاون بين نواز وينازير بوتو، وبهذا التعديل أصبح البرلمان مجرد خاتم في أصبع رئيس الوزراء لا يراجعه ولا يستشيره في أي قضية ولا يحمل نفسه مشقة حضور جلساته، وتشير الإحصاءات إلى أن مجموع الدقائق التي تكلم فيها نواز داخل البرلمان طوال فترة حكمه يبلغ سبع عشرة دقيقة فقط لا غير.
وفي الخطوة التالية، نجح رئيس الوزراء في إجبار رئيس الدولة السابق على الاستقالة ليعين شخصًا مواليًا للأسرة رئيسًا للدولة ولم يكتف نواز بهذا، بل قام بتقليم أظفار رئيس الدولة الجديد وتحجيم سلطاته وتجريده من كل صلاحيات المراقبة للأداء الحكومي.
ثم كانت مؤسسة القضاء الضحية التالية، دخل نواز شريف في صراع عنيف مع رئيس المحكمة الدستورية العليا، واستخدم قوة المال ومبدأ «فرق تسد» متجاهلًا خطورة تقسيم كبار القضاة، وأمر أعوانه أن يهاجموا مبنى المحكمة العليا ويقتحموا مكتب رئيس المحكمة لتخويفه ، وانتهى نزاع رئيس الوزراء ورئيس المحكمة العليا بإقالة رئيس المحكمة سجاد علي شاه، وكان الذنب الوحيد له أنه أراد أن يستمع إلى قضية رفعت ضد اختلاسات نواز، ثم كانت المعركة مع الصحافة الوطنية واستطاع نواز أن يتخلص من عدد من الكتاب الصحفيين الذين كانوا يشيرون بين الحين والآخر إلى اختلاسات نواز في كبرى الجرائد الوطنية.
وأخيرًا جاء دور المؤسسة العسكرية إذ تمكن نواز شريف من إجبار رئيس أركان الحرب السابق جنرال جهانجير كرامت على تقديم الاستقالة، وكان سبب النزاع بينهما أن جهانجير كرامت كان يطالب بتكوين مجلس الأمن الوطني لئلا ينفرد شخص واحد باتخاذ القرارات المصيرية، كان هذا الاقتراح بمثابة جريمة كبرى في نظر نواز، فلعب لعبته وأقال رئيس الأركان ليعين الجنرال برويز مشرف الذي كان في الترتيب الرابع في قائمة الجنرالات، عينه رئيسًا جديدًا للجيش متجاهلًا سلسلة الترتيب، وهنا تجدر الإشارة إلى أن والد بنازير «ذو الفقار على بوتو» كان قد أتى بالجنرال ضياء الحق رئيسًا لأركان الحرب من غير الترتيب وكانت نهاية بوتو على يد ضياء الحق.
هذه هي معاملة نواز مع المؤسسات الوطنية، أما إذا نظرنا إلى ما قدمه للشعب وللدولة مقابل هذه الصلاحيات فنرى الإجابة لا تخرج عن كلمات مرادفة للاستغلال والحرمان وعدم الاطمئنان وانهيار الأمن وتدهور الأخلاق.
ولا نبالغ إذا قلنا إن سوء أداء نواز شريف في الجانب الدفاعي كانت القشة التي قصمت ظهر البعير، إن أحداث كارجيل في كشمير كانت أول انتصار كبير للمجاهدين في كشمير منذ بدء الجهاد هناك، وكانت فرصة ذهبية لإجبار الهند على الجلوس إلى طاولة المفاوضات لحل قضية كشمير، ولكن.. أضاع نواز هذه الفرصة، نفذ ما أملته عليه واشنطن لسحب المجاهدين من مواقعهم التي فتحوها، وبذلك عرض سلامة الوطن لأخطار كبيرة، مشجعًا الهند - التي غمرتها نشوة ما سمته النصر الكبير - على الهجوم على باكستان، وبالفعل أسقطت الهند طائرة باكستانية تابعة للقوات البحرية كانت تقل سبعة عشر ضابطًا كبيرًا، دون أن تجد من الحكومة الباكستانية أي رد فعل مشرف.
دور المعارضة في إسقاط نواز
ذلك كله خلق في باكستان موجة من السخط الشعبي والتضجر العام ضد حكومة نواز، اجتمعت معظم أحزاب المعارضة في تحالف واحد رغم خلافاتها، كما قررت الجماعة الإسلامية بعد نكسة كارجيل، تحركها الشعبي لإنقاذ ما تبقى من المصالح الوطنية، وأعلنت أنها تعمل لإقناع الشعب بضرورة تغيير الحكومة وبضرورة الإصلاح الشامل.
وأهم ملامح برنامج الإصلاح الذي أعلنته الجماعة:
استقالة نواز.
تكوين حكومة وطنية موسعة نزيهة لمدة سنتين.
إجراء محاسبة شاملة وصارمة.
إصلاح النظام الانتخابي الفاسد.
إجراء انتخابات نزيهة حسب النظام الانتخابي الجديد.
بهذا البرنامج كان يمكن للدولة أن تنجو من الدمار وتحافظ كذلك على نظامها الديمقراطي وتبعد عنها شبح الحكم العسكري، البرامج الشعبية التي نظمتها الجماعة الإسلامية في هذا الصدد كانت منقطعة النظير فاقت في عدد الحضور وفي دقة التنظيم برامج أحزاب المعارضة مجتمعة، ولكن قبل أن يصل هذا التحرك الشعبي إلى نقطة النجاح، ارتكب نواز خطأ فاحشًا وأصبح الأمر كله في قبضة الجيش.
ردود الأفعال الشعبية على التغيير
نظرًا للغضب الشعبي العام على أداء حكومة نواز ونظرًا لخطورة الخطوات الأخيرة التي اتخذها، رحب الشعب بمختلف توجهاته السياسية بما قام به الجيش وتنفس الصعداء، لم ينحصر الارتياح في أحزاب المعارضة، بل شمل حزب نواز أيضًا وسارع عدد من الوزراء في حكومته إلى تبرئة ساحتهم من أفعال رئيس الوزراء وقالوا: إنهم أيضًا كانوا يعانون من المعاملة السيئة داخل الحزب.
كانت الأوساط الشعبية قبل سقوط حكومة نواز في حالة غضب، أما في أثناء عملية التغيير، فقد سادت حالة القلق، ثم بعد إلقاء الجنرال مشرف كلمته الأولية أمام الشعب، فإن هناك حالة من الانتظار والترقب.
ولقد ثبت للجميع أن الجيش حاول أن يبعد عن نفسه انطباع الحكم العرفي أو الحكم العسكري، تجنبًا لردود الأفعال الدولية، لذلك أعلنت المؤسسة العسكرية عدم إلغاء الدستور أو حل البرلمان واكتفت بتعليقهما كما أبقت رئيس الدولة في منصبه للدلالة على أنه استمرار للنظام الديمقراطي رغم أن وجوده لا يقدم شيئًا ولا يؤخر.
ركز رئيس الجيش في كلمته على عدة بنود مهمة وهي:
إعلان مجلس الأمن الوطني برئاسة رئيس الأركان، يضم رؤساء القوات البحرية والجوية وأربعة من المتخصصين في الشؤون الاقتصادية والخارجية والقانونية والوطنية.
تكوين مجلس مصغر للوزراء «قد يكون معظمهم من المدنيين ولكن من خارج الأحزاب السياسية».
الحكم ليس عرفيًا وأنه يحاول إيجاد نظام ديمقراطي جديد يكفل التمثيل الحقيقي للشعب.
محاسبة شاملة وقوية دون مداهنة.
تشجيع المستثمرين الدوليين ليستثمروا أموالهم في باكستان.
ضمان حرية الإعلام وقد يسمح بفتح قنوات تلفازية وإذاعية خاصة.
أما في السياسة الخارجية فيريد المسؤول الأول الجديد:
تحسين العلاقات مع دول الجوار خاصة مع الهند والصين، وأن العائق الأساسي في العلاقات مع الهند هو القضية الكشميرية، ولا بد أن تحل هذه القضية في ضوء قرارات الأمم المتحدة.
حكومة وطنية في كابل تمثل الشعب تمثيلًا حقيقيًا.
كما بين قائمة أولوياته قائلًا: إن أولوياتي هي:
رفع المعنويات وإعادة بناء الثقة الوطنية.
تحسين العلاقات بين الولايات الأربعة وتقوية الوحدة الوطنية.
تحسين الاقتصاد وإعادة ثقة المستثمرين.
إعادة تفعيل القانون.
إنهاء السياسة من المؤسسات الوطنية.
ضمان التمثيل الشعبي في شؤون الدولة.
محاسبة غير محايدة.
وعلى الرغم من أن معظم هذه البنود بنود فضفاضة وتحمل أكثر من معنى، لكنها تعبر عن رغبات الشعب، ولذا فقد حازت على إعجاب شعبي كبير، رحبت بها معظم الأحزاب وكل الأوساط الشعبية، وقال القاضي حسين أحمد أمير الجماعة الإسلامية في تعليقه على كلمة برويز مشرف: إن كلمته كانت متزنة وعبرت عن رغبات الشعب، وشخصت الأمراض بصورة حقيقية، لكن الكلمة ليست كافية للاطمئنان ولا بد أن تتحول الوعود المعسولة إلى العمل الجاد، وقال: إن أهم مقتضيات المرحلة الحالية هي المحاسبة الصارمة والعادلة، ولا بد أن تشمل دائرة المحاسبة القادة السياسيين والمسؤولين والموظفين في المجال البيروقراطي والعسكري والمدني.
وأضاف القاضي حسين أحمد:إنه كان يجب على رئيس الأركان أن يحدد المدة التي يأخذها الجيش لإكمال برنامجه المعلن، حتى لا تطول هذه الفترة أكثر من اللازم، كما كان يجب أن تتضمن الإشارة إلى توصيات مجلس الفكر الإسلامي «المؤسسة الرسمية»، بشأن إصلاح وأسلمة الدستور والاقتصاد والإعلام والتعليم والأخلاق العامة، التي بذل كبار العلماء من جميع المدارس الفكرية جهودًا جبارة للوصول إليها، دون أن يستفيد منها نواز أو بنازير.
وفي بيان لمجلس الشوري للجماعة أعرب المجلس عن قلقه الشديد على الوضع العام في البلاد، بعد الانقلاب، مؤكدًا أن حكم القانون وحماية حقوق الإنسان وضرورة احترام النظام الإسلامي الدستوري للبلاد، تماشيًا مع رغبة الشعب وعقيدته أمر مطلوب الحفاظ عليه تمامًا مثلما هو مطلوب الحفاظ على مؤسسة الجيش موحدة... وعلى الدرجة نفسها من الأهمية.
وأكد المجلس في بيانه على أن مشكلات البلاد لن تحل بتطبيق الأحكام العرفية، أو بالحكم العسكري كما أثبتت التجارب السابقة، كما أنها لن تحل بعودة أي من العائلتين اللتين حكمتا البلاد في السنوات الأخيرة «عائلتا بوتو ونواز».
وفي تصريح آخر أعلن أمير الجماعة الإسلامية القاضي حسين أحمد أن الجماعة لا تشترك في الحكومة المؤقتة، وتنتظر تنفيذ وعود رئيس الأركان، وأضاف أن الجماعة الإسلامية سوف تدعم الحكومة المؤقتة في كل خير ومعروف وتعارضها في كل منكر وشر.
يا ليته لم يحدث
بعد ستة أيام من الانقلاب العسكري أجرى بعض وسائل الإعلام مع الجنرال مشرف، نشرت الثلاثاء الماضي، مرفقة مع صور شخصية للجنرال وأسرته، في إحدى الصور ظهر مشرف وهو يلاعب حفيدته مريم حاملًا في حضنه كلبين صغيرين، كما بدت في الصورة والدته وزوجته وبنته دون أي حجاب أو خمار، كما نشر حديث له مع جريدة تركية قال فيه: «إنني معجب بشخصية أتاتورك، وأقرأ كتبًا عن حياته الشخصية، وأنني استمد روحًا معنوية منه، وأن أتاتورك ضمن لشعبه التنمية والرخاء وقدم له خدمات كبيرة» «تجدر الإشارة إلى أن برويز مشرف قضى بضع سنين في تركيا ».
وفي جريدة ذي نيوز الصادرة في اليوم التالي، صدر تصريح من مصادر عسكرية يقول إن الجيش يفرض حظرًا على القادة السياسيين أن يلقوا خطب الجمعة.
ولا نظن أنه يخفى على القيادة العسكرية أن أغلبية ساحقة من الشعب الباكستاني «حتى غير الملتزمين منهم» تحمل نزعة وعاطفة دينية قوية، وتنظر إلى الجيش على أنه ينقذهم وينقذ الدولة من الفساد الكبير الذي أوقعهم فيه نواز وبنازير، وتنتظر هذه الأغلبية أن تكون خطوات الجيش وسلوكياته على الدرب السليم، وأقل ما يقال حول مثل هذه الصور ومثل هذه التصريحات أنها تثير شكوكًا في أذهان الأغلبية الساحقة من الشعب حول أصحابها، لأن «حضارة الكلاب» بعيدة كل البعد عن الحضارة الإسلامية، وليس من مصلحة قيادة الجيش أن تحاول إبراز نفسها غير ملتزمة بتعاليم الإسلام، بعيدة عما يسميه الغرب «بالأصولية».
كيف يكون مصير باكستان وحياتها السياسية ونظامها الديمقراطي؟ كم ستطول فترة الحكم العسكري؟ أسئلة لا يمكن التكهن بالإجابة عنها إلا بعد أن تبدي لنا الأيام ما يخفيه العسكر في جعبتهم.