العنوان بالإيمان وحده
الكاتب أحمد حسن قضاة
تاريخ النشر الثلاثاء 26-يونيو-1979
مشاهدات 12
نشر في العدد 451
نشر في الصفحة 30
الثلاثاء 26-يونيو-1979
* بن غوريون يقول: إن أخشى ما نخشاه أن يظهر في العالم العربي محمد جديد
الإيمان وحده الذي جعل أصحاب الأخدود يقفون مستعلين بإيمانهم على واقع الحياة الدنس، وقد ارتفع بهم الإيمان على الفتنة، وبالعقيدة على جواذب الأرض والحياة، فلم ترضخ القلوب المؤمنة لتهديد الجبارين المستهترين بحق الإنسان، بل تحررت وانطلقت إلى الأوج السامي الرفيع الذي يشرف الجنس البشري في جميع الإعصار.
الإيمان الذي جعل سحرة فرعون من أذناب مهرجين مأجورين يطلبون المال زلفى بين يديه، والرضا رضوخًا على قدميه، إلى أحرار أقوياء مؤمنين أعزة، يتحدون بإيمانهم جبروت فرعون وزبانيته، غير عابئين بوعيده وتهديده بالتقتيل والصلب، فوقفوا بوجهه كالأسود عندما تراءى لهم الحق ليقولوا له: ﴿فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا﴾ (طه: 72).
الإيمان الذي جعل من عرب الجزيرة أمة تحمل رسالة وتنشئ حضارة وتصنع تاريخًا كأنه ضرب من الأساطير، فصنع من الفرقة وحدة، ومن الضعف قوة، ومن الأمية علمًا، ومن البداوة حضارة، ومن الحفاة العراة رعاة الشاة خير أمة أخرجت للناس، فالرسالة التي آمنوا بها وحملوها كانت رسالة تربية قبل أن تكون رسالة تشريع، ورسالة خلق قبل أن تكون رسالة جهاد، ورسالة سمو وقيم قبل أن تكون رسالة كثرة واتساع، فعناصرها عقيدة وعبادة وتشريع. فالعقيدة أصل وفطرة، والعبادة صلة وتربية، والتشريع أمن ونظام، وجوهر الرسالة خلق وإحسان، ووسيلتها قدوة وتربية، وأول ميادينها النفس والضمير.
فالإيمان الذي أقام مجتمعًا نظيف المشاعر والسلوك، نظيف العقيدة والعلاقات، مجتمع حب وتكافل وإيثار، وعدل ووفاء وحق.
فذاك عمر بن الخطاب الذي كان جبار الجاهلية إلى رجل رءوف رحيم عادل بالمسلمين بعد الإيمان. فكان له خطان أسودان في وجهه من كثرة البكاء ورعًا. فهذا معاذ بن جبل عن بعثه في زمن خلافته إلى اليمن لتوزيع الزكاة على الفقراء لم يجد أحدًا يأخذ منه الزكاة.
الإيمان الذي جعل ربيعي بن عامر صعيق الثياب بفرس قصيرة يدخل على رستم في مجلسه ويربط فرسه بأحد وسائده، وليمزق السجاد والبيارق برمحه مهينًا حضارة المادة، وليقول له: إن الله بعثنا لنخرج العباد من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد، ومن جور الأديان إلى عدالة الإسلام، ومن ضيقة الدنيا إلى سعة الدنيا والآخرة، وربعي لم يكن من سادة القوم ولا من أشراف قريش، بل رجل عادي من عامة الناس.
بالإيمان كان الخبيب بن عدي يأتيه العنب وهو أسير في مكة، وليس بمكة عنب، كما روى البخاري عن أبي هريرة، وجعله يقول عندما صلبوه على الكعبة:
ولست أبالي حين أقتل مسلمًا *** على أي جنب كان في الله مصرعي
الإيمان الذي جعل من أرفه بني أمية الذي كان يستعمل الطيب لا أحد يقدر عليه، وكان يأتيه من الهند، فلما أصبح خليفة، قال: طلبت الإمارة فأخذتها، وطلبت الخلافة فأخذتها، والآن أريد الجنة، يقول يحيى بن سعيد: بعثني عمر ابن عبد العزيز على صدقات إفريقية فأقضيها وطلبت فقراء نعطيها لهم فلم نجد فقيرًا، ولم نجد من يأخذها منا.. فقد أغنى عمر بن عبد العزيز الناس، فأصبح بحق الخليفة الراشد الخامس.
بالإيمان حرر صلاح الدين بلاد المسلمين من الصليبيين. وبه استطاع المملوكي قطز أن ينتصر على المغول في عين جالوت بعدما أعاثوا في الأرض فسادًا وأكثروا بها الهرج، فأرعبوا الخلق وأصابهم «المسلمين» الخوار، حتى أنه شاع في تلك الآونة أنه إذا جاءك المغول بأنهم انكسروا فلا تصدق، وقيل: إن المرأة كانت تدخل على حي من أحياء المسلمين فتقتلهم جميعًا، ولا يوجد من يشهر السلاح في وجهها. حتى أن التاريخ يروي أن مغولي لقي مسلمًا خارج مدينة قال له: ابق هنا حتى آتي بسكين فأقتلك، فبقي لا يجرؤ على الهزيمة حتى جاء فقتله.
وكانت هذه هي حالة المسلمين؛ ولكن عندما عادوا إلى الله وإلى الإيمان به حطموا المعجزة وقهروا الأسطورة «على يد عبد مملوكي».
هل كان العرب متفوقين تكنولوجيًّا على فارس وروما؟ هل كان المجتمع الإسلامي أكثر عصرية وتمدنًا «بالميزان العصري» من المجتمع الروماني بكل حضارته وعلمه ومدنيته، أم كانوا أكثر تقدمًا وتفوقًا على فارس ومدنية فارس وعلم فارس وصناعة فارس؟
العربي الذي أسر ابنة كسرى افتدوها منه، فطلب ألف درهم، قالوا: لو طلبت مائة ألف لدفعنا، رد العربي المنتصر: كنت أظن أن الألف نهاية العدد.
حكى عبيد بن جحش السلمي قال: «لقد رأينا وإنا لنطأ على ظهور الرجال من جيش الفرس، ما مسهم سلاح. قتل بعضهم بعضًا، ولقد رأيتنا أصبنا جرابًا من كافور، فحسبناه ملحًا ولا نشك أنه ملح. فطبخنا لحمًا فجعلنا نلقيه في القدر فلا نجد له طعمًا، فمَر بنا رجل معه قميص فقال: يا معشر العرب، لا تفسدوا طعامكم فإن ملح هذه الأرض لا خير فيه، هل لكم أن تأخذوا هذا القميص؟ فأخذناه منه وأعطيناه الكافور، وأخذنا القميص وأعطيناه لرجل منا يلبسه فجعلنا نطيف به ونعجب منه، فلما عرفنا الثياب «تأمل» إذا ثمن ذلك القميص «درهمان».
لقد فاجأ الفرس المسلمين بسلاح ما عرفوه ولا جربوه «الفيل» حتى أنه لما جيء به إلى المدينة بعد ذلك، طافت به النسوة متعجبات وهن يقلن: «هذا من صنع الفرس» وقد ظنوه آلة فارسية.
بهؤلاء اللذين لا يعرفون من العدد أكثر من الأف، والذي عندما جاءهم الإسلام لم يكن بينهم إلا «12» رجلًا يقرأ ويكتب، والذين لا يعرفون الكافور من الملح والذين ما كانوا يعرفون الثياب دكوا ملك كسرى، وأجبروا قيصر على إلقاء نظرة أخيرة كسيرة على سوريا وهو يقول: وداعًا يا سوريا، وداعًا لا لقاء بعده.
انتشروا يحكمون الأرض من البحر المتوسط إلى أواسط آسيا، هل كان نسبة هؤلاء من الحضارات العريقة المحيطة بهم كنسبة الفلاح العربي من الجندي الإسرائيلي؟
أفكان نصيب المسلم الأول من الحياة بجانب أبناء روما وفارس كمثل نصيبنا نحن بجانب حضارة قرن العقدين؟!
ما الذي جعل القعقاع وعاصم ابني عمر يقفوا أمام الفيلة ليضعا رمحيهما معًا في عيني الفيل، حتى إذا دلى مشفره ضربه القعقاع ودفع لحينه وقتلوا من كان عليه. كيف كانوا يجرؤون على ذلك وعلى ظهره عشرون مقاتلًا، لا يخافون ولا يهابون؟ لأن سلاحهم الإيمان بالله.
كانت بيزنطة سيدة البحار بلا منازع، وكان البحر المتوسط بحيرة رومية حقًّا.. سيطرة كاملة على الشواطئ جميعها إلى التفرد بامتلاك الأسطول الوحيد العامل في هذه المياه، وعمر بن الخطاب قاهر الروم، لم ير البحر ولا ركب سفينة في حياته قط.
وطلب مرة من فصيح أن يصف له البحر، فيصفه بعبارات بليغة يفزع عمر رضي الله عنه شفقة على رعيته، فيقسم ألا يحمل المسلمين عليه أبدًا.. ومع ذلك رصدت بيزنطة من شواطئ البحر المتوسط، وما هي إلا ليلة وضحاها حتى كان للمسلمين أقوى أسطول، ولينزلوا بالروم هزيمة بحرية ساحقة في موقعة ذات الصواري التي لا تقل أهمية عن موقعة الأرمادا.
ماذا كان يملك المسلمون غير إيمانهم وعقيدتهم السامية وإيمانهم القوي.. إنهم لا يقاتلون بعدد ولا عدة؛ ولكن لتكون كلمته هي العليا، وهي التي تجعلهم يقدمون على المعركة والموت حبًّا وطلبًا وشوقًا وشغفًا بلقاء الله فوزًا بالدنيا والآخرة معًا.
انظر إلى قيصر يرسل جاسوسًا إلى معسكر المسلمين يتجسس له ليعرف سر انتصار هؤلاء الحفاة رعاة الشاة المفلسون من الحياة.. هؤلاء الذين صبروا عليهم في حصار حمص قالوا عنهم: هؤلاء الحفاة إذا جاء الشتاء تجمدت أقدامهم وانهزموا.. فما راعهم إلا أنهم أكثر ثباتًا على الصقيع منهم في نعالهم الثقيلة وملابسهم الغليظة.
يروي الطبري أن جاسوسه عاد إليه واصفًا المسلمين، قال: «بالليل رهبان، وبالنهار فرسان، ولو سرق ابن ملكهم قطعوا يده، ولو زنى رجم لإقامة الحق فيهم».
لقد كان دخول خالد بن الوليد صحراء بلاد الشام، والسرعة والمدة القصيرة التي استغرقها هو ضرب من الأعاجيب العسكرية، حتى قالوا: لو سارت دبابة من نفس المكان الذي سار فيه خالد ما قطعت المسافة إلا بالمدة التي قطعها جيش خالد بن الوليد.
هذا كله عندما كان الإيمان يعمر قلوبنا، فخطط المسلمون تاريخًا كأنه ضرب من اليوتوبيا. حتى حدا بأحد علماء التاريخ المتخصصين بالتاريخ الإسلامي يقول: هناك ثلاث احتمالات لهذا التاريخ «يعني تاريخ المسلمين» إما أن الأرض كانت تطوى لهم، أو أنهم كان لهم أجنحة يطيرون، أو لا يوجد هناك تاريخ!
نعم هذا تاريخ أسطوري، ولكنه حقيقة شامخة.. طفل لم يتجاوز الخامسة عشرة يقود جيش جرار ويفتح الصين، من أي كلية عسكرية تخرج ذاك الغلام؟! إنه محمد بن القاسم.. هو أحد أفراد مدرسة القرآن الكريم وكفى.
ولكن تنعكس الموازين وتنقلب المعايير إذا ابتعدنا عن الله وضعف إيماننا به. وماذا حدث للخلافة اللا إسلامية في ديار الأندلس، لقد انتهت يوم 2 يناير ١٤٩٢ عندما رفع الكاردينال «ديبدد» الصليب على الحمراء.. القلعة الملكية للأسرة الناصرية، افتتحها موسى بن نصير وطارق بن زياد في ٧١١م وأشادوا الخلافة هناك، ولكن في ٢ يناير سنة 1492 أجبر فرديناند وإيزابيلا ملكي إسبانيا أبا عبد الله محمد بن سلطان القصيري أن يلقي نظرة أخيرة وهو يبكي بعدما سلم غرناطة، فصاحت به أمه السلطانة عائشة الحرة ابنة السلطان أبي عبد الله الأيسر: «أجل فلتبك كالنساء ملكًا لم تستطع أن تدافع عنه كالرجال».
انظر إلى غورو عندما انتصر في معركة ميسلون توجه إلى قبر صلاح الدين الأيوبي عند الجامع الأموي وركله برجله وقال: «ها قد عدنا يا صلاح الدين».
عندما دخلت القوات الإسرائيلية عام 1967م تجمع الجنود حول حائط المبكى وأخذوا يهتفون مع موشي دايان: هذا يوم بيوم خيبر.. يا لثارات خيبر. وتابعوا هتافهم: حطوا المشمش عالتفاح دين محمد ولى وراح. محمد مات، خلف بنات.
ورفع جان بول سارتر لافتات لجمع صناديق التبرعات لإسرائيل كان مكتوب عليها: «قاتلوا المسلمين»، لأنهم يعرفون أن الإسلام هو الجدار الوحيد في وجه الحضارة الغربية، وأن القرآن هو أخطر عدو لهم. فذاك لورنس براون يقول: «إن الإسلام هو الجدار الوحيد في وجه الاستعمار الأوربي». ويقول غلادستون رئيس وزراء بريطانيا: «ما دام هذا القرآن موجود في أيدي المسلمين فلن تستطيع أوربا السيطرة على الشرق».
فالدنيا تخشى الإسلام ورجل يقود الأمة مثل قطز إلى حظيرة الكرامة والعزة. فهذا بن غوريون رئيس إسرائيل السابق يقول: إن أخشى ما نخشاه أن يظهر في العالم العربي محمد جديد.
رغم السبات الذي نحن فيه والخلافات التي غرقنا بها إلى الآذان فهم يخشون هذا المارد النائم. فقد صرح سالازار في مؤتمر صحفي قائلًا: «إن الخطر الحقيقي على حضارتنا هو الذي يمكنه أن يحدثه المسلمون حين ينصرون مظالم العالم. فلما سأله أحد الصحفيين: لكن المسلمين مشغولون بخلافاتهم ونزاعاتهم؟ أجاب: أخشى أن يخرج منهم من يوجه خلافاتهم إلينا».
فالمؤرخ أرنولد توينبي في كتابه: الإسلام والغرب والمستقبل، يقول فيه: «إن الوحدة الإسلامية نائمة، لكن يجب أن نضع في حسابنا أن النائم قد يستيقظ».
في الوقت الذي تخلينا فيه عن الدين أعلن زعماء اليهود أنهم متمسكون بدينهم؛ حيث اضطر شازار رئيس جمهورية إسرائيل -76 سنة- وبن غوريون -٧٨ سنة- إلى السير على الأقدام مسافة ميل ونصف، وذلك أثناء تشييع جنازة تشرشل في لندن حيث وافق اليوم الذي تحرم فيه الديانة اليهودية على اليهود استخدام وسائل النقل.
ويقول مؤسسو الصهيونية: «الحياة الدينية اليهودية هي دون سواها سر خلود إسرائيل»، وشختر يقول: إن نهضة إسرائيل القومية وإحياء الدين اليهودي أمران لا ينفصلان.
بالوقت الذي تخلينا عن الدين أعلن أعداؤنا تمسكهم به. وفي الوقت الذي آمنا بالتغريب حتى في الأسماء، نقلدهم بأسمائهم، يعلن اليهود بل تشترط على المهاجرين إلى إسرائيل أن يتخلى عن اسمه القديم ويتخذ اسمًا عبريًّا أو «يعبرن» اسمه في الوقت الذي قطعنا صلتنا حتى بلغتنا.
ورفعت الدعاوى لتغيير الحرف العربي إلى الحرف اللاتيني، والذي طالب به هو طه حسين عميد أدب التغريب، وهو أعمى لم ير الحرف العربي ولا اللاتيني، ويعلن جوزيف موريس اليهودي الإنجليزي أن الذين يبعدوننا عن اللغة العبرية يضمرون الشر لشعبنا ومجده الخالد. ولغتهم مندثرة منذ 2000 سنة، ولكن كونوا لغتهم العبرية وسميت كل منشآتهم بأسماء عبرية؛ في حين كل منشآتنا بأسماء أجنبية. وهذا شمويل يوسف عجنون يكتب بالعبرية ويصفها بأنها لغة الله، ويتقدم بها للحصول على جائزة نوبل ويفوز بها.
كنا نعرف الله فنسيناه؛ فسلط علينا من لا يعرفه.. كنا أذلة فأعزنا الله بالإسلام، فتركناه فعدنا إلى الحضيض، ورحم الله عمر بن الخطاب حين قال: إننا ننتصر على عدونا بطاعتنا له وبمعصيتهم له، فإذا استوينا بالمعصية كانت لهم الغلبة.
وطريق العزة وطريق الكرامة هو أن نعود إلى الله.. ألا يكفينا ما نحن فيه؟! ألا يكفينا هذه الذلة التي ما حدثت على مدار التاريخ ذلة أعظم منها وأكبر منها؟! ذلة يقودها عملاء اليهود والكفر أمثال السادات الذي عكس مجرى التاريخ، ولكن بغياب الإسلام.
طريقنا عزتنا وإعادة مجدنا هو الإيمان بالله وحده، وبالإيمان وحده نعيد مجدنا؛ لأننا به وحده انتصرنا.
أحمد مصطفى قضاة
كراتشي- كلية الصحافة
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكلوثيقة «الدليل المنير».. وعلاقتها بانتشار الإسلام في الأندلس
نشر في العدد 2122
37
الأربعاء 01-أغسطس-2018
عندما يتم استخدام الدراما لتزييف التاريخ.. مسلسل «رسالة الإمام» نموذجاً!
نشر في العدد 2179
31
الاثنين 01-مايو-2023