; بلا حدود - من الذي سيسدد ديون مصر؟ | مجلة المجتمع

العنوان بلا حدود - من الذي سيسدد ديون مصر؟

الكاتب أحمد منصور

تاريخ النشر الثلاثاء 10-سبتمبر-1996

مشاهدات 7

نشر في العدد 1216

نشر في الصفحة 27

الثلاثاء 10-سبتمبر-1996

كانت مصر قبل قيام «حركة الضباط» في يوليو (١٩٥٢م) واحدة من أغنى دول المنطقة، وكان الجنيه المصري من أعلى العملات في العالم من حيث قيمته، وقد ظل متماسكًا حتى بالانخفاض أمام كل العملات حتى وصلت في انخفاضها أمام الدولار الأمريكي - على سبيل المثال - إلى عشرة أضعاف ما كان عليه، فبعدما كان الجنيه المصري الواحد يعادل ثلاث دولارات أصبح الدولار الواحد الآن يعادل (٣,٤) جنيه، ورغم الفساد السياسي الذي كانت تعيش فيه مصر قبل ثورة يوليو إلا ان وضعها الاقتصادي كان قويًا، وكانت بعض الدول مدينة لها ومن بينها بريطانيا، إلا أن رصيد مصر المالي ووضعها الاقتصادي بدأ في الهبوط على أيدي «ضباط يوليو»، ثم بدأت مصر تدخل بعد ذلك في دوامة الديون وهوتها السحيقة، حتى منتصف السبعينيات، حيث بدأت قيمته بعد ذلك.

صار حجم الديون المصرية (۲۳۰) مليار جنيه، وذلك حسب الأرقام الواردة بالموازنة العامة لعام (٩٦ - ١٩٩٧م).

وقد بدأت مصر رحلتها الفعلية مع الديون الخارجية في أواخر الخمسينيات وبداية الستينيات، حيث تقدمت إلى «صندوق النقد الدولي» في عام ( ١٩٦٢) بطلب الحصول على مبلغ (٤٢,٥) مليون دولار لمواجهة الصعوبات الخاصة بميزان المدفوعات؛ بسبب التوسع في الإنفاق وتراجع إنتاج الحاصلات الزراعية الرئيسية، ومع دخول مصر إلى «حرب اليمن» التي لم يكن لها فيها ناقة ولا جمل، وهزيمتها أمام «إسرائيل» في يونيو( ١٩٦٧م)، واصل الاقتصاد المصري طريقه إلى الانهيار وبدا معدل الديون يرتفع حتى بلغ حجم الدين الخارجي المصري في عام (۱۹۷۱) حوالي (۱۸۰۰) مليون دولار، هذا خلاف الدين العسكري الذي عادة لا يتم الإعلان عنه، والذي يتوقع أن يكون أضعاف الدين العام، ومنذ عام (١٩٧١م ) وحتى عام (١٩٩٦م) أخذت ديون مصر تتضخم بشكل مخيف، ففي عام (۱۹٧٣م) قفز الدين إلى (٢۰۳۵) مليون دولار، ثم إلى (٢٢١٩) مليونًا عام (١٩٧٤م)، وبعدما أعلن الرئيس المصري السابق «أنور السادات» عن سياسة « الانفتاح الاقتصادي » قفز الدين المصري فجأة في عام (١٩٧٧م) ليصل إلى (١٢٦٩٨) مليون دولار، ورغم أن «السادات» قد بدأ يتلقى معونات خارجية بعد دخوله فيما يسمى بـــــ: «مسيرة السلام» في المنطقة عام (١٩٧٧م) وتوقيعه اتفاقية «كامب ديفيد» في عام (١٩٧٩م)، إلا أنه حينما قُتل في «حادث المنصة» في عام (۱۹۸۱م) ترك مصر وقد بلغ حجم ديونها (٢٠,٤) مليار دولار، فخلال عشر سنوات فقط ارتفع حجم ديون مصر من (۱۸۰۰) مليون دولار إلى ( ٢٠,٤) مليار دولار.

وكان طبيعيًا ألا تتوقف ديون مصر عند ذلك الحد، بل إن ارتفاعها تضاعف بشكل مرعب في منتصف الثمانينيات حتى وصل إلى (٤٠,٢) مليار دولار عام (١٩٨٥م)، وكان طبيعيًا أن يتضاعف مع بلوغ نسبة الفوائد على هذه الديون ما يقرب من ثلاثة مليارات دولار في العام الواحد، والأكثر خطرًا من الفوائد هو الضغوط التي تتعرض لها مصر من الدائنين سواء كان من أعضاء نادي باريس الذي يضم مجموعة من الدول الأوروبية على رأسها فرنسا، وكندا، وهولندا، وسويسرا، والدنمارك، أو «صندوق النقد الدولي» و«البنك الدولي» الذي تتحكم «الولايات المتحدة» بالدرجة الأولى في سياستهما وأموالهما، أو «الدول الدائنة» بشكل مباشر وعلى رأسها «الولايات المتحدة، واليابان وألمانيا، ودول أخرى عديدة، وتصل خطورة الديون في تحديد الدول الدائنة لكافة «السياسات الاقتصادية»، بل والسياسية للدول المدينة بحيث تصبح الدولة المدينة مرهونة بالكامل لشروط الدول الدائنة، ولعل أقرب مثال على مقدار التدخل السياسي للدول الدائنة في نظام الدول المدينة هي التوصيات التي وضعها «صندوق النقد الدولي لليمن» في يونيو عام (١٩٩٥م) حينما طلب مساعدة من الصندوق مقدارها (٢٨٠) مليون دولار على مدى اثني عشر شهرًا ؛ لتمويل بعض المشروعات الهامة، حيث كانت «التوصية الأولى» كما جاءت على لسان خبير اقتصادي يمني، ونشرتها وكالة الأنباء الفرنسية تتمثل في: «الحد من نفوذ التيار الإسلامي داخل المؤسسات الحكومية»، أما «التوصية الثانية» فهي: «إلغاء قرار إنشاء البنك الإسلامي، الذي كانت الحكومة اليمنية قد وافقت مبدئيًا على إنشائه في شهر إبريل عام (١٩٩٥م). 

أما الشروط والضغوط التي كان صندوق النقد يفرضها على مصر، فقد كانت تبدأ من تحديد أسعار الخبز، والبنزين والسكر والشاي وقوت الناس الضروري وحتى سعر العملة، حتى إن صندوق النقد الدولي فرض على الحكومة المصرية في عام (۱۹۹۰) أن ترفع أسعار عدد من السلع الأساسية من بينها الأرز، والدقيق والزيوت النباتية بنسبة تتراوح بين (١٠ و١٠٠%)، أما الغاز والكهرباء والبنزين فقد تراوحت معدلات ارتفاع أسعارها بين ٤٠ إلى ۱۳۰.

ولعل الرئيس المصري «حسني مبارك» حينما وصف «صندوق النقد الدولي» أثناء خطاب ألقاه في مطلع شهر مايو (۱۹۹۰م) بأنه «صندوق النكد الدولي»، كان يلمح إلى حجم الضغوط التي تتعرض لها مصر من جراء شروط الصندوق التي أصبحت تتحكم في كثير من سياسات الدولة ومواردها وما ينبغي أن تزرعه وتحصده، وحدود ما تصنعه وما ينبغي أن تستورده، أما « الدول الدائنة» فإنها تربط الاقتصاد المصري بمصالحها التجارية، وتجبر مصر على استيراد منتجات معينة بالسعر الذي تحدده تلك الدول دون أن تترك فرصة للاختيار أو المناقصات، ورغم المقترحات والشروط التي يفرضها الصندوق والدول الدائنة والتي تخضع مصر لها، فإن ديون مصر ترتفع بشكل جنوني، ولا يبدو أن هناك نهاية لهذه الدوامة، حيث إن أكثر من ثلث الناتج المحلي من جملة الاستخدامات الجارية البالغة (٧٠) مليار جنيه سنويًا لا يسدد أي شيء من الديون، وإنما يسدد فوائد الدين المحلي والخارجي، التي تبلغ حسب ميزانية (٩٦ - ۱۹۹۷م) (٢٣) مليار جنيه على حجم الدين العام البالغ (۲۳۰) مليار جنيه.

ورغم ما فعله نادي باريس والدول الدائنة من شطب بعض ديون مصر في أعقاب حرب الخليج وتحديدًا في عام (١٩٩٣م) ، إلا أن الحقيقة هي أن حجم المبالغ التي تم شطبها ليس سوى جزء من الفوائد المركبة على الديون والتي تزيد نسبتها السنوية عن (%١٦)، وهذا من الأسباب المباشرة في نهب ثروات مصر وزيادة ديونها التي لازالت تواصل ارتفاعها الصاروخي والمخيف، ولا أريد أن أذهب في لغة الأرقام والأصفار أكثر من ذلك، ولكن لننظر إلى الأرقام بين عامي (۱۹۷۱ و ۱۹۹٦م)، ونرى حجم الديون الهائل الذي تراكم وتضاعف على مصر، ونتصور حجم هذه الديون بعد ٢٥ عامًا أخرى إذا استمرت هذه السياسة، وليسأل كل منا نفسه في النهاية سؤالًا بسيطًا. إذن من الذي سيسدد ديون مصر؟

الرابط المختصر :

موضوعات متعلقة

مشاهدة الكل