; بيت التمويل الكويتي تجربة رائدة.. واتجاه سليم | مجلة المجتمع

العنوان بيت التمويل الكويتي تجربة رائدة.. واتجاه سليم

الكاتب مجلة المجتمع

تاريخ النشر الثلاثاء 29-مارس-1977

مشاهدات 13

نشر في العدد 343

نشر في الصفحة 10

الثلاثاء 29-مارس-1977

لا ريب في أن المواطنين قد تلقوا نبأ إنشاء «بيت التمويل الكويتي» بكل الغبطة والرضا والقبول، تأكيدًا وتأييدًا لكل خطوة رائدة، وكل عمل صالح يتجه بهم نحو الخير، وينأى بهم عن مواطن الزلل، ويرد إلى نفوسهم الثقة الكاملة في أن تصحيح مسار اقتصادهم بات أمرًا وشيك الوقوع، وإن بيت التمويل الكويتي هو بداية هذا الطريق القاصد؛ ذلك أن تحرير اقتصادنا من قبضة وأوضار التبعية المهيمنة للنظم الاقتصادية الرأسمالية المستغلة، أمر تفرضه العقيدة، وتوجبه الكرامة والسيادة، وتحتمه العبرة في الآثار والنتائج السيئة التي أوجدتها النظم الاقتصادية الرأسمالية المنهارة.

وحين يكون البديل لذلك الاقتصاد الغربي، هو الأخذ بمبادئ الاقتصاد الإسلامي المعافى من شبهة الربا.. فإن الثقة في أسلوب التعامل الجديد والطمأنينة النفسية لكافة المتعاملين والمساهمين، ستؤدي بلا ريب إلى مزيد من إنجاح هذه المشروعات والمؤسسات الوطنية، مما يضاعف من آثارها الطيبة على الصعيدين الوطني والشعبي على السواء.

وفي يقيننا أن الحكومة بهذه الخطوة الموفقة، والتجربة الرائدة إنما تؤكد عزمها الصادق على ترسيخ هذه المبادئ والقيم الإسلامية، لا في اقتصادنا فحسب، بل في سائر الأجهزة والقوانين، في توافق واتساق، سعيًا وراء الأفضل وتأكيدًا للإصلاح القائم على العقيدة والإيمان.

وإننا على ثقة من أن هذه الشركة الجديدة المبرأة من شبهة الربا، ستضرب الرقم القياسي في الإقبال عليها والتعامل معها من جميع المواطنين، لا لشيء، إلا لهذا الوضع الخاص الذي تفردت به دون سائر المؤسسات المصرفية الأخرى، وهو اقتلاع عنصر الفائدة المحرمة شرعًا من جذورها في التعامل معها، ولأن الناس حين لم يجدوا غير النظام المصرفي القائم حتى الآن بكل ما فيه من مآخذ ومثالب لم يجدوا بدًّا من مسايرته كارهين.. ولكنهم الآن جميعًا، وقد فتحت عليهم نوافذ الخير والحلال بهذه المؤسسة الجديدة، فإنهم لا شك يستبشرون خيرًا، وينتظرون اليوم القريب الذي تتحول فيه كل المصارف والبنوك في الكويت إلى مثل بيت التمويل الكويتي؛ طهرًا في المعاملات، وطهارة في الأخذ والعطاء، بعيدًا عن الربا وأوضاره.

ولعل ما يسترعي الانتباه في المذكرة الإيضاحية، ما جاء فيها من تقسيمها للمواطنين إلى طائفتين؛ إحداهما قانعة راضية بهذا الوضع الربوي السائد في المعاملات المصرفية، والأخرى غير قانعة بذلك؛ ومن ثم أحجمت عن توظيف أموالها واستثمارها، فجاءت هذه الشركة الجديدة لها وحدها!

ومثل هذا التقسيم ينبغي ألا يكون، بل هو مرفوض من أساسه، فليست هنالك طائفتان، إنما هنالك طائفة واحدة هي شعب الكويت المسلم الذي تقوم عليه حكومة تدرك أن واجبها يفرض عليها تصحيح الخطأ، وتقويم الاعوجاج، ووضع كل أمر في مكانه الصحيح. ومن هنا فقد فهم كل مخلص قرار الحكومة بإنشاء بيت التمويل الكويتي، فهمه ونظر إليه على أنه قرار صادر من أجل مصلحة شعب الكويت كله؛ لا لمصلحة طائفة دون أخرى.

بل إن في المذكرة ما يشير إلى أنها تقر مبدأ الربا في جانب، وترفضه في جانب آخر، وهو وضع شاذ غريب. فعلى الرغم من أن المرسوم بقانون الشركة يعترف بأن «الفوائد» هي في حقيقتها «ربا»، ويكرر في عدة مواضع من بنود أغراض الشركة عبارة «على غير أساس الربا»، باعتبار هذه الفوائد ربا، فإن المذكرة الإيضاحية تجهد نفسها لتنكر أن هذه الفائدة هي الربا بعينه، وأنه «من السابق لأوانه أن يدلي برأي قاطع في قضية ما تزال موضع خلاف فقهي، وهي القضية المتعلقة باعتبار الفوائد التي يشترط اقتضاؤها في التعامل.. مما يدخل في باب الربا»، ولهذا السبب ترى المذكرة الإيضاحية بأن تفسح المجال لطائفة من الناس ممن يرفضون التعامل بالربا لتوظيف أموالهم في هذه الشركة، «ما دام لم يزح عنها الحرج رأي فقهي حازم وصريح ومتفق عليه»، وهذا الرأي لن يوجد، والحرج لن يزاح، والفقه الإسلامي الذي جمع خلاصة الفقه القديم والحديث قد حدد أصول الرأي في هذا الأمر من كتاب الله تعالى وسنة رسوله الكريم، وقطع بما ليس فيه مجال للشك، ببطلان سعر الفائدة الذي يجري عليه العمل الآن في المصارف، وقطع كذلك بأنه هو عين الربا المنصوص عليه في الإسلام.. ذلك هو ما انتهى إليه قرار المؤتمر الأول للاقتصاد الإسلامي الذي انعقد بمكة المكرمة منذ عام مضى.

فأمر الخلاف الفقهي في هذا الشأن قد انتهى، وأصبحت الحجة المستندة إلى القول بأن هذا الأمر لم يقطع فيه برأي، أصبحت حجة داحضة.. ولا بد بعد هذا من أن ينفسح الطريق أمام الإسلام ليعمل عمله الكريم في حياتنا بكل فروعها، وفي مقدمتها المجال الاقتصادي.

ولتمض هذه البداية الطيبة والتجربة الرائدة التي لها ما بعدها بإنشاء بيت التمويل الكويتي، لتمضي إلى نهاية الشوط حتى يتطهر اقتصادنا من كل ما لحق به من شوائب.

صادق. ع 

 راجع ص19

الرابط المختصر :