العنوان بين الآباء والأبناء
الكاتب د. عمر سليمان الأشقر
تاريخ النشر الثلاثاء 20-أكتوبر-1970
مشاهدات 19
نشر في العدد 32
نشر في الصفحة 26

الثلاثاء 20-أكتوبر-1970
الأسرة
بين الآباء والأبناء
بقلم: عمر سليمان الأشقر
قال محدثي: أعن حب الآباء لأبنائهم تتحدثون؟!، لقد رأيت من أبي مشهدًا قام مقام المجلدات تُسطَر في هذا الموضوع، لقد عرفت والدي هادئًا متزنًا وقورًا خاصةً بعد أن علاه الشيب وانحنى ظهره، وقد فوجِئت أيّما مفاجأة إذ رأيته ينفجر باكيًا وقد كاد القطار أن ينطلق بي وبأسرتي مسافرين إلى مقر عملي، ولكن ما رأيته بعد كان أعجب، بدأ القطار مسيرته فإذا بالأب الباكي يُساير القطار في مواجهتنا، ينظر إلينا من خلال دموعه الهاطلة، وينطلق القطار يعدو وإذا بوالدي يجري جريًا يُلّوح لنا بيديه ويدعو بلسانه وقد نسي أنّه ابن الستين، ونسي وقاره واتزانه، ولم يلتفت إلى العيون التي ترمقه من هنا وهناك، ولم يلتفت إلينا ونحن نشير إليه بأنْ يكف ويرجع، وإذا بي وقد أدهشني المنظر أغلق النافذة؛ رحمةً به ليكف، ولأنني لم أستطع التحمل أكثر مما رأيت.
وذكرني محدثي بذلك الرجل المتأنق في لباسه المعتني بمظهره، حتى إذا ما سُجِنَ ولده ذهل عن نفسه وأهمل العناية بهندامه، وحلَّ مكان البشاشة التي كانت تلازمه كآبة تعلوه ونظراته أصبحت هائمة زائغة.
وقد يصل حب الأبناء للآباء أن يُصاب الآباء بمرض جسماني إذا ما حدث للولد شيء أو غاب عن أبيه، أو لم يفقد نبي الله يعقوب بصره لشدة حزنه على ابنه يوسف؟! ﴿وَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَا أَسَفَى عَلَى يُوسُفَ وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ﴾ (يوسف: ٤٨)، وقد خشي عليه أبناؤه لكثرة ذكره ليوسف الهلاك ﴿قَالُوا تَاللَّهِ تَفْتَأُ تَذْكُرُ يُوسُفَ حَتَّى تَكُونَ حَرَضًا أَوْ تَكُونَ مِنَ الْهَالِكِينَ﴾ (يوسف: ٨٥).
ويشم الأب المحزون ريح يوسف عندما قدَم أحدهم بقميصه وهو لما يصل إليه، حتى إذا ما ألقاه على وجهه ارتد بصيرًا، ألا نرى كيف أعاد الله إليه بصره بفرحته بالبشرى؟!
روى الترمذي في سنته عن أبي موسى الأشعري أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: «إذا مات ولد العبد قال الله تعالى لملائكته: قبضتم ولد عبدي؟، فيقولون: نعم، فيقول قبضتم ثمرة فؤاده؟ فيقولون: نعم.
فيقول: فماذا قال عبدي؟، فيقولون: حمدك واسترجع، فيقول الله تعالى: ابنوا لعبدي بيتًا وسموه بيت الحمد».
هل جزاء الإحسان إلا الإحسان.
فما دامت هذه مكانة الأبناء في نفوس الآباء، ولهما الفضل السابق إذ هما سبب وجود الإنسان ولهما عليه غاية الإحسان، فالوالد بالإنفاق والوالدة بالإشفاق فحق على الأبناء أن يعترفوا بالإحسان وأن يشكروا النعمة ﴿وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ﴾ (لقمان: ١٤)، خاصةً عندما يبلغان من العمر عتيًا، فيجب التواضع لهما ومخاطبتهما بالقول اللّين وتكريمهما والدعاء لهما ﴿وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ۚ إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا ، وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا﴾ (الإسراء: ٢٣-٢٤).
ولو فعل الولد ما فعل ما جزى والده «إلا أن يجد الولد والده مملوكًا فيشتريه فيعتقه» كما صح بذلك الحديث من رواية مسلم، ذلك أنّ الحرية والخلاص من العبودية حياة جديدة تقابل تلك الحياة التي كان الوالد هو المتسبب بها.
ومن بر الوالدين أن لا يتسبب الابن في إيصال الأذى إليهما يقول -صلى الله عليه وسلم-: «من الكبائر شتم الرجل والديه، قالوا يا رسول الله وهل يشتم الرجل والديه قال: نعم، يسب أبا الرجل فيسب أباه، ويسب أمه فيسب أمه» رواه البخاري ومسلم.
کیف نبر آباءنا بعد وفاتهم
ويستطيع الولد أن يبر والديه بعد وفاتهما بالدعاء والاستغفار لهما، والتصدق عنهما، وصلة أصدقائهما، يقول الرسول -صلى الله عليه وسلم- « إن من أبر البر أن يصل الرجل أهل ود أبيه بعد أن يُولي» روى الحديث مسلم في صحيحه، ويحدثنا الإمام مسلم في صحيحه أن راوي الحديث عبدالله بن عمر سافر من المدينة إلى مكة فمر به أعرابي فناداه، فقال له: ألست فلان بن فلان؟، قال: بلى فأعطاه حمارًا، وقال له: اركب هذا، وأعطاه عمامة، وقال: اشدد بها رأسك، وقد كان عبدالله يتروح على الحمار إذا تعب من ركوب الراحلة، ويشد رأسه بالعمامة ولما سأله أصحابه عن سر هذا العطاء مع حاجته لما أعطى حدث بالحديث الآنف الذكر، ثم قال: وإن أباه كان صديقًا لعمر رضي الله عنه.
التحذير من عقوق الوالدين
وقد حذرنا الله-عز وجل- وخوّفنا من عقوق الوالدين يقول تعالى ﴿وَالَّذِينَ يَنقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِن بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ ۙ أُولَٰئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّار﴾ (الرعد: ٢٥).
وممن أمر الله أن يوصلوا الوالدين فقطيعتهم تدخل في اللعنة، ويكون القاطع ممن استحق سوء الدار، وفي الحديث الذي يرويه البخاري يقول عليه السلام:
«لا يدخل الجنة قاطع»، وقد جعل الرسول صلى الله عليه وسلم عقوق الوالدين أحد ثلاثة ذنوب هي أعظم عظائم الذنوب، يقول عليه السلام: «ألا أنبئكم بأكبر الكبائر» قالها ثلاث مرات، قلنا بلى يا رسول الله قال: «الإشراك بالله وعقوق الوالدين»، وكان متكئًا فجلس فقال: «ألا وقول الزور، وشهادة الزور» متفق عليه.
وفي الحديث الذي يرويه البخاري ومسلم عن المغيرة بن شعبة من قول المصطفى صلى الله عليه وسلم: «إنّ الله حرّم عليكم عقوق الأمهات ومنعا وهات -أيّ منع ما وجب عليه وطلب ما ليس له- ووأد البنات».
عاقبة البر
في حديث في صحيحيّ البخاري ومسلم يخبر الرسول صلى الله عليه وسلم عن ثلاثة رجال ممن كانوا قبلنا، كانوا يتماشون فأخذهم المطر فمالوا إلى غارٍ فانحطت على فم غارهم صخرةٌ من الجبل فتوسل كل واحد منهم إلى الله بأرجي عملٍ صالحٍ عمله؛ ليُخلصهم مما هم فيه، فقال أحدهم: «اللهم إنَّه كان لي والدان شیخان کبیران، ولي صبيةٌ صغار كنت أرعى عليهم، فإذا رحت عليهم فحلّبت بدأت بوالديّ أسقيهما قبل ولدي، وإنّه قد نأى بي الشجر فما أتيت حتى أمسيت، فوجدتهما قد ناما فحلّبت كما كنت أحلب فجئت بالحلاب فقمت عند رؤوسهما أكره أنْ أوقظهما وأكره أنْ أبدأ بالصبية قبلهما، والصبية يتضاغون عند قدمي، فلم يزل ذلك دأبي ودأبهم حتى طلع الفجر، فإن كنت تعلم أنٌي فعلت ذلك ابتغاء وجهك فأفرج لنا فرجةً نرى منها السماء، ففرج لهم حتى يروا السماء»، لقد استجاب الله دعاء هذا الرجل الصالح في وقت هو أحرج الأوقات، فجعل له مخرجًا ببره لوالديه.
وقد يكون البرُ سببًا للنجاة من البلايا، وقد يُعطي الله به الرزق والخير، أمّا في الآخرة فالبر مركب يُوصِل إلى الجنة إذا تحقق الإيمان، هذا صحابي اسمه «جاهمة» يستأذن الرسول صلى الله عليه وسلم في الجهاد، فيقول له الرسول: «هل لك من أم؟»، قال: نعم.
قال: «فالزمها فإنّ الجنة عند رجلها» رواه أحمد والنسائي والبيهقي، وإسناده جيد.
وفي الحديث الآخر يقول صلى الله عليه وسلم «رغم أنفه، رغم أنفه، رغم أنفه»، قيل من يا رسول الله؟، قال: «من أدرك والديه عند الكبر أحدهما أو کلاهما ثم لم يدخلانه الجنة» رواه مسلم، وفي الحديث القدسي يقول الله للرحم عندما استعاذت به من القطيعة «ألا ترضين أن أصل من وصلك وأقطع من قطعك» متفق عليه.
ويأمر الرسول صلى الله عليه وسلم صحابيًا بأنْ يُطيع أمه بقوله: «الوالد أوسط أبواب الجنة فإن شئت فأضع ذلك الباب أو أحفظه»، قال الترمذي في الحديث أنّه حسن صحیح.
وصية الإسلام بالوالدين
جاء الإسلام ليهدي البشرية إلى الصراط المستقيم الذي يُوصل العباد إلى رضوان الله، ويُعيدهم إلى جنته، ويُوفر لهم الحياة الطيبة، ولذلك عرّفهم بالحقوق وأمرهم بأدائها، وأعظم الحقوق حقه سبحانه وتعالى؛ لأنّه المُنشِئ المُوجِد الذي خلق فسوى، وجعل لنا السمع والأبصار والأفئدة، والأيدي التي نأكل بها، والأرجل التي نمشي عليها، وجعل لنا الأرض التي تقلنا بسهولها وجبالها ونباتها وحيوانها وسخرها لنا، وسخر لنا السماء التي تظلُنا، وأمدنا بشمسها وقرها وجعل لنا في كل ذلك منافع شتى، ويأتي بعد حقه سبحانه حق الوالدين، ولذلك كثيرًا ما يأمر سبحانه بعبادته وحده لا شريك له وطاعته فيما أمر، وذلك حقه وحده ثم يُثني بالأمر بالإحسان للوالدين، يقول تعالى: ﴿وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا ۖ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَي وَالْيَتَامَي وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَي وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ۗ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَن كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا﴾ (النساء: ٣٦) .
ويقول: ﴿قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ ۖ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا ۖ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ۖ وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُم مِّنْ إِمْلَاقٍ ۖ نَّحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ ۖ وَلَا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ ۖ وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ۚ ذَٰلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ﴾ (الأنعام: ١٥١).
وقال: ﴿إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ، أُولَٰئِك أَصْحَابُ الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ، وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا ۖ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا ۖ وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا ۚ حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي ۖ إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ﴾ (الأحقاف: ١٣ - ١٥) .
وهذا العبد الصالح لقمان يُوصي ابنه فيحذره من الشرك؛ لأنّه ظلمُ عظيم ﴿وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ ۖ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ﴾ (لقمان: ١٣).
وفي مقابل وصية العبد الصالح تأتي الوصية بالوالد غير مصدرة بيا بني: ﴿وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا ۖ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا ۖ وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا ۚ حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي ۖ إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ﴾ (الأحقاف: ١٥).
ولما كانت التكاليف التي تتحملها الأم أكثر خصّها الله بمزيد من العناية في الوصية ببيان مدى ما تقاسيه: ﴿وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ﴾. (لقمان: ١٤).
وفي الآية الأخرى يقول: ﴿وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا ۖ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا ۖ وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا ۚ حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي ۖ إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ﴾. (الأحقاف: ١٥).
ولذلك عندما سُئِلَ الرسول فقيل له: «من أحق الناس بحسن صحابتي، قال: أمك ثلاثًا، وفي الرابعة قال له أبوك» روى ذلك البخاري ومسلم.
ويأمرنا الله بشكره ويثني بالأمر بشكر الوالدين ﴿وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَىٰ وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِير﴾. (لقمان: ١٤).
وأحقُ الناس بإحسانك أمك وأبوك ﴿يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ ۖ قُلْ مَا أَنفَقْتُم مِّنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ ۗ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ﴾. (البقرة: ٢١٥).
ولمكانة الوالدين وعِظم حقهما قدّم الرسول صلى الله عليه وسلم برهما على الجهاد، فعن ابن مسعود قال سألت النبي -صلى الله عليه وسلم- أيّ العمل أحب إلى الله؟
قال: «الصلاة على وقتها»، قلت ثم أيّ؟، قال: «بر الوالدين» قلت: ثم أيّ؟، قال: «الجهاد في سبيل الله» متفق عليه.
وهذا صحابي يقدم ليبايع الرسول صلى الله عليه وسلم على الجهاد والهجرة، فيقول له الرسول صلى الله عليه وسلم: «فهل من والديك أحد حي؟»، قال: نعم كلاهما.
قال: «فتبتغي الآخرة من الله تعالى؟»، قال: نعم، قال: فارجع إلى والديك فأحسن صحبتهما» متفق عليه.
الأب المشرك:
أمّا صلة الابن المسلم بأبيه المشرك فقد حددها قوله تعالى: ﴿وَإِن جَاهَدَاكَ عَلَىٰ أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا ۖ وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا ۖ وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ۚ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ (لقمان: ١٥).
وقال في سورة لقمان ﴿وَإِن جَاهَدَاكَ عَلَىٰ أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا ۖ وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا ۖ وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ۚ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ﴾. (لقمان: ١٥)، والمعنى وإن حرصا عليك أن تتابعهما على دينهما إذا كانا مشركين، فإيّاك وإيّاهما فلا تطعهما في ذلك، وأمر بالإحسان إليهما، وذلك بإمدادهما بالمال وخدمتهما وقضاء حوائجهما، وهذه الآيات نزلت في سعد بن مالك وكان بأمه بارًا، فلمّا أسلّم أقسمت أمه أن لا تطعم طعامًا ولا تشرب شرابًا حتى تموت أو يرجع عن دينه، وقد بقيت أيامًا كذلك، فلما يأسِت من رجوعه أكلت وشربت، القصة في مسلم ومسند أحمد وغيرهما.
وهذه أسماء بنت أبي بكر الصديق قدّمت عليها أمها وهي مشركة في عهد قریش، فقالت: یا رسول الله إنّ أمي قدمت علي وهي راغبة أفأصلها؟، قال: «نعم صليها»، وفي القرآن ما يشير إلى ذلك ﴿لَّا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ﴾ (الممتحنة: ٨).
فإنّ كان الأب مع كفره مقاتلًا للمسلمين ففي مثل هذا نتأسى بأبي عبيدة بن الجراح أمين هذه الأمة، حيث قتل أباه في ساحة الوغى.
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكل

