العنوان بين ثورة الشعوب.. وصمت الزعامات
الكاتب خالد عبد الرحيم
تاريخ النشر الثلاثاء 23-مارس-1976
مشاهدات 53
نشر في العدد 292
نشر في الصفحة 45
الثلاثاء 23-مارس-1976
حيا الله الإخوة في الأرض المحتلة.. حياهم الله بكل قطرة دم وحبة عرق.. وبكل جرح يثغب دمًا وكبرياء.. فمن أجدر منهم بالتحية والاحترام وقد رفضوا الظلم والاحتلال في وقت رضى به الآخرون، بل ويسعون إليه ويوطدون أركانه.. وثاروا على حياة الدعة والشهوات ليلبوا نداء العقيدة والواجب في وقت أتخم فيه الآخرون بشهواتهم وأخلدوا إلى الأرض عبيدًا بلا عزة ولا كرامة.
لقد سمعوا صرخات المسجد الأقصى ونداءات الإبراهيمي فثارت الدماء في عروقهم وخفقت القلوب وسرت عزة المؤمن وكبرياؤه في نفوسهم وتحركوا بالأيدي والعصي والحجارة ليشيدوا بها ثورة الرجال.. وليواجهوا ظلم الاحتلال بكل جبروته. وأدوات قمعه وبطشه.. فذلك کله هان في نفوسهم.. لأنها نفوس حية مؤمنة وما كان للبطش يومًا أثر في النفوس العظيمة إلا أن يتضاءل في حناياها.. ويتحطم على ضرباتها ولكنه فقط يجد له منفذًا في النفوس الخائرة.. حيث طنين الذباب يهلع القلوب ومنظر السكين يزيغ الأبصار..
يا للروعة ويا للحسرة.. يا للروعة حين يثور الرجال في الأرض المحتلة وهم عزل فيقضون مضاجع الأعداء ويقيمون أجهزتها ويعقدونها وكأنما هي ثورة الملايين المسلحة في قوتها وشموخها وثباتها.. ويا للحسرة في الجانب المقابل حين تقف عشرات الدول العربية والإسلامية - مجازًا- ذوات الأموال والأسلحة والإعداد -موقف المهازيل جمودًا بلا حركة اللهم إلا كلمات فيها خنوع المستضعفين ترسل إلى مجلس الفوضى وهيئة الكذب لذر الرماد في العيون وامتصاص غضبة الجماهير..
أيها الإخوة في فلسطين.. هنيئًا لكم برجولتكم وعزتكم.. فثورتكم برهان على ذلك ولئن سقط منكم الشهداء تباعًا.. فتلكم ضريبة الرجولة والشموخ وأنها هي بعينها روعة الحياة.. فما الحياة إلا نسيج من تضحية وعرق وجهاد ودماء تكون جميعها مصباح العزة والهداية..
إنكم تموتون.. والموت لا نعرفه، ولكنها لديكم ميتة واحدة، بل هي شهادة في عزة وفخار وثبات، والجزاء الأكبر حين تلقون الله، وحين تموتون لتحيا بعدكم الآلاف المؤمنة لتشعل الثورة من جديد.. أما أولئك الذين يتفرجون وقلوبهم مرتعدة فإنهم يموتون كل يوم.. بل كل دقيقة.. كلما صرخ طفل وولولت امرأة وبكى شيخ هرم.. كلما اعتقل مجاهد واستشهد بطل.. كلما صرخت جدران المساجد في فلسطين.. أجل إنهم يموتون دومًا.. ويدفنون في قبور شهواتهم وملذاتهم ويكفنون بالخزي والعار وحين يموتون ينساهم التاريخ وتدوسهم أقدام الرجال المجاهدين.. فالتاريخ لا يذكر أمثال هؤلاء وحين يذكرهم فعلى الهامش وفي الذيل مع النكرات.. ولكن التاريخ يذكر الفئة المؤمنة المستعلية لأنه لا يحيا إلا بدمائها ولا يفخر إلا بأفعالها.. يا للعار أيتها الدول العربية.. ولست أدري أنائمة أنت أم ميتة.. تتفرجين على أبنائك في فلسطين وكأنهم ليسوا من بني جلدتك ولا إخوانك في العقيدة.. فلا حراك ولا مؤازرة.. أفإن ماتت فيك دوافع العقيدة.. فهل ماتت فيك أيضًا دوافع الرجولة والإنسانية.. لطالما أظهرت اهتمامك وشفقتك على المضطهدين في أيرلندا، والزنوج في أمريكا ووقفت ضد التمييز العنصري في جنوب أفريقيا.. أفلا تعدين أبناءك في فلسطين من جملة هؤلاء.. فتقدمي لهم شيئًا مما تقدميه لغيرهم.. أم أنهم لا يستحقون واعجباه.. كمْ من سائر على الأرض هو في عداد الأموات أو يسير ولا يملك من أمره شيئًا.. وكمْ من جثة في جوف الأرض أحيت من بعدها الآلاف..
أما أنتم أيها الإخوة في فلسطين فإلى الأمام في ثورتكم وحذار أن تغفلوا عن عقيدتكم فهي عدتكم ومبعث رجولتكم، ولا تيأسوا.. فلئن طال الليل فلليل نهاية ولا بد أن يبزغ الفجر.. ولا بد أن يظهر النور وتعلو العقيدة وينطلق رجالها.. فالرماد زائل والجذوة ظاهرة لا محالة إن شاء الله.. وعند ذلك يظهر نصر الله، والبشرى يومئذ لمن كظم على جرحه وثبت على عقيدته.. والخسران يومئذ للقاعدين أصحاب الشهوات والزعامات وأنه ليوم آت إن شاء الله.. أراه بقلبي وحسي كما أرى الشمس بعيني.. ولئن تأخر قليلًا وتبختر القاعدون في الدنيا فلنا موعد معهم يوم نلقى الله.. حيث تجزى كل نفس بما كسبت.. وعندها لن يستطيعوا الفرار لأن الملك يومئذ ملك الله والحكم حكم الله. ﴿يَوْمَ هُم بَارِزُونَ ۖ لَا يَخْفَىٰ عَلَى اللَّهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ ۚ لِّمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ ۖ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ، الْيَوْمَ تُجْزَىٰ كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ ۚ لَا ظُلْمَ الْيَوْمَ ۚ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ﴾.