; بين يدي مؤتمرات «حوار الحضارات».. حول الجهاد وحرية الاعتقاد | مجلة المجتمع

العنوان بين يدي مؤتمرات «حوار الحضارات».. حول الجهاد وحرية الاعتقاد

الكاتب عبدالله بن إبراهيم الطريقي

تاريخ النشر السبت 08-ديسمبر-2001

مشاهدات 18

نشر في العدد 1480

نشر في الصفحة 66

السبت 08-ديسمبر-2001

بعد الحديث عن طبيعة العلاقة بين الإسلام وغيره والصراع والحوار بين الأصل والاستثناء، لنا أربع وقفات:

الأولى: أن الجهاد شريعة إلهية ماضية إلى قيام الساعة وليست من مبتكرات خلفاء المسلمين وملوكهم . كما يدعي بعضهم . من أجل تبرئة الإسلام من حمل السيف وجهاد العدوكما يزعمون

ولم يكن الجهاد مجرد مرحلة من مراحل العلاقة مع غير المسلمين اقتضته ظروف الواقع، تنتهي بنهاية صلاحيته، وذلك بانتهاء القرون الوسطى وبداية ما يسمى بالعصر الحديث، أو بمجرد رفع شعارات الإخاء والحرية والمساوة، وتوقيع وثيقة حقوق الإنسان، أو لوجود المعاهدات والمواثيق الدولية أو لأن المصالح المشتركة فرضت نفسها على الأسرة الدولية، أو نحو ذلك من دعاوى. وإذا كان المسلمون في ظروفهم الراهنة غير قادرين على حمل رايته، فليس معنى ذلك أنه الغي أو نسخ من قاموس التشريع الإسلامي وليس من حق أحد أن يدعي ذلك 

الثانية: أن وجود الصراع بين الحضارات لا يتنافى مع الحوار، بل لا يتنافى مع التعاون المشترك وتبادل الخبرات. فالتاريخ يثبت أنه بإمكان الخصم أن يستفيد من خصمه بأسلوب أو بآخر مهما كان بينهما من نزاع بل إن الإسلام يذهب إلى أبعد من ذلك فهو يدعو إلى الحكمة في التعامل مع الخصم ا﴿ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ﴾(النحل: ١٢٥)

ويدعو إلى البر والإحسان إلى الإنسان ولو كان خصمًا ﴿وَلَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ﴾(الممتحنة:8). وفي الحديث في كل ذات كبد رطبة أجره كما يدعو إلى المعاملة بالمثل دون ظلم أو عدوان، ويرغب بالعفو والصفح  ﴿وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُم بِهِ ۖ وَلَكِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِّلصَّابِرِينَ﴾ (النحل:12). 

:الثالثة: من طبيعة التشريع الإسلامي، أنه وحدات متماسكة ينتظمها خيط واحد يبين بعضها بعضًا، ويكمل بعضها الآخر، فهذا نص مجمل يفتقر إلى نصوص أخرى تفصله، وذاك مطلق يوجد ما يقيده، وآخر عام له ما يخصصه وفي حالة ما يشبه التعارض بين بعض النصوص فإنه يؤخذ بالأسلوب العلمي في التعامل معها إما بالجمع فيحمل كل نص على ما يناسبه، وإما بالترجيح إلخ.

أما ما يفعله كثير من المفكرين وبعض أهل العلم من انتقاء بعض النصوص وجعلهـا دستورًا يبني عليه أحكامًا كثيرة، فهذا منج «مزاجي، تحكمي لا يمكن أن يضبطه !!إلا الهوى 

وسأضرب هنا مثالين في مجال العلاقة بغير المسلمين

المثال الأول: يقرر بعضهم أن حرية الاعتقاد مطلقة، ويراه مبدا إسلاميًّا راسخًا: لا يمكن أن يرد عليه قيد أو استثناء، مستدلًا على ذلك ببعض النصوص، كقوله تعالى ﴿أَفَأَنتَ تَكْرَهُ النَّاسَ حَتَّىٰ يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ؟﴾(يونس:99).

وقوله ﴿أَلَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ ۖ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ﴾ (البقرة: ٢٥٦).

وبناء على هذا

أ. فالجهاد هو قتال دفاعي نضالي، لا علاقة له بنشر الدين بل هو دفاع عن الوطن والنفس فحسب لأنه لو كان من أجل الدين ولإعلاء كلمة الله لكان في ذلك إكراه للناس على الدين وقد يعبر بعض المستغربين بأنه إجراء سياسي لا علاقة لا ،بالدين انطلاقًا من قاعدتهم "فصل الدين عن الحياة"

وهذا الرأي يهمل عشرات النصوص الواردة بشأن الجهاد وقد سبق شيء منها.

ومنها أيضًا قوله تعالى ﴿وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّىٰ لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ﴾ (البقرة :۱۹۳) وقوله تعالى ﴿وقاتلوا المشركين كافة كم يقاتلُونَكُمْ كافة ﴾ (التوبة: ٣٦)

والحديث الصحيح «اغزوا في سبيل الله قاتلوا من كفر بالله» (رواه مسلم) فإذا قلت: وما المنهج الصحيح إذًا في التعامل مع هذه النصوص فأقول: هو بالجمع بينها، فيقال: الجهاد مشروع مطلقًا، ولكنه يبدأ بالدعوة أولًا، فإذ قبل العدو الإسلام فهو المطلوب، وإلا طلبت منهم الجزية، فإن دفعوها قبلت منهم وكف عنهم، فإن أبوا فالقتال، وقد يجنحون إلى السلم، فلا مانع من الجنوح لها. ففي هذا الأسلوب من التعامل تجمع مصالح عدة منها رفع راية الإسلام، وتحطيم العقبات المعترضة مع احترام الخصوم وإنسانيتهم وعدم إجبارهم على الإسلام

الرابط المختصر :