; تأملات تاريخية - الحرب الكريهة | مجلة المجتمع

العنوان تأملات تاريخية - الحرب الكريهة

الكاتب مجلة المجتمع

تاريخ النشر الثلاثاء 07-أكتوبر-1980

مشاهدات 12

نشر في العدد 500

نشر في الصفحة 50

الثلاثاء 07-أكتوبر-1980

في الماضي.. كان أقسى المشاهد على القلب مشهد أرض المعركة ممتلئة بالقتلى من المسلمين.. مشهد يترك المرء مشدوهًا مذهولًا.. هذا مسلم كان بالأمس يرص منكبه بمنكبي أثناء الصلاة.. وهذا آخر كانت يده تصافحني عند كل عيد.. وهذا أخر كان يرفع ذراعيه داعيًا لي بعد كل صلاة.. واليوم هم قتلى بسيوف الطرفين.. قرار خوض الحرب بين طرفين مسلمين كان أصعب قرار يتخذه المرء..

 بعد معركة الجمل.. هدأت ساحة القتال.. جرحى وقتلى وجثث.. وخيول منحورة وأخرى مجروحة.. ودخان من جوانب عدة.. وآهات وأنات.. ودماء وأشلاء.. ترك على- كرم الله وجهه- من على صهوة جواده كئيبًا.. قسمات وجهه يلفها الحزن.. أخذ يتجول بين القتلى في أرض المعركة والدمعات تكاد تسقط من عينيه.. فجأة توقف.. لقد أوقفه جثة حبيب له.. إنه طلحة بن عبيد الله.. وقف علي واجهًا بلا حراك.. فانحنى إلى رأس طلحة وضمه إلى صدره باكيًا وجعل يمسح عن وجهه التراب.. وقال بعبرات مختنقة: رحمة الله عليك أبا محمد يعز علي أن أراك مجدولًا تحت نجوم السماء.. ثم توجه إلى السماء قائلًا: إلى الله أشكو عجزي وبجرى.. والله لوددت أني كنت من قبل هذا اليوم بعشرين سنة..

 وعندما جاء ابن جرموز برأس الزبير وأراد أن يدخل على علي- كرم الله وجهه-.. اهتز علي ألمًا وأسى.. وأخذ يعصر وجهه ويديه من هول  ما سمع فقال: لا تأذنوا له وبشروه بالنار.. لقد سمعت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يقول: «بشر قاتل ابن صفية بالنار».. ثم التفت إلى سيف الزبير الذي أحضره ابن جرموز وقال: إن هذا السيف طالما فرج الكرب عن وجه رسول الله- صلى الله عليه وسلم-.

 لم يكونوا يرحبون بتلك الحروب.. وكان يعز عليهم أن تقطر دماءهم بغير سيوف الكفار والمشركين.. كل ضربة في جسم مسلم كانت لها أوجاع في قلب الضارب.. 

لقد كان طلحة يعارك عليًا.. وكذلك كان الزبير...ولكنهم جميعًا كانوا يخوضون حربًا يكرهونها.. لقد كانوا أحباء وقلوبهم ظلت تنبض بالذكريات.. وظلت تلك الذكريات تهج الود والعواطف..

واليوم المسلمون يرحبون بالحروب بينهم أكثر من ترحيبهم بحروب عدوهم.. بل أصبح للحروب بينهم شهوة لا تدانيها شهوة.. وأصبح التشفي والشماتة بالقتلة.. أصبح اليمني يتحدث عن تمثيله بجثث المصريين في حرب اليمن.. وأصبح اليمني الشمالي يتفنن في قتل اليمني الجنوبي.. والجندي السوري يتحدث عن أمجاده في معاركه مع الفلسطنيين.. والليبي والمصري والمغربي والجزائري حتى تصل إلى المحيط ولكننا لا نتحدث عن أمجادنا بين اليهود.. لأننا لا أمجاد لنا في معاركنا مع اليهود.. لقد كانوا يتقاتلون وهم كارهون لأن الإسلام كان ينبض في عروقهم.. ونحن نتقاتل ونحن راغبون لأن الإسلام جامد في عروقنا!! 

الرابط المختصر :