; تبسيط الفقه - الربا .. التعامل بالربا حرام في جميع الأديان | مجلة المجتمع

العنوان تبسيط الفقه - الربا .. التعامل بالربا حرام في جميع الأديان

الكاتب مجلة المجتمع

تاريخ النشر الثلاثاء 30-مايو-1972

مشاهدات 20

نشر في العدد 102

نشر في الصفحة 28

الثلاثاء 30-مايو-1972

تبسيط الفقه

الربا ..

التعامل بالربا حرام في جميع الأديان     

عرف الإنسان قديمًا الربا طريقًا للاستغلال الدنيء والكسب الخبيث. وجاءت الأديان جميعًا فحرمته، واستحق اليهود اللعنة والسخط بسبب تحليلهم الربا، قال تعالى: ﴿فَبِظُلْمٍ مِّنَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَبِصَدِّهِمْ عَن سَبِيلِ اللَّهِ كَثِيرًا. وَأَخْذِهِمُ الرِّبَا وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ وَأَكْلِهِمْ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ ۚ﴾ (سورة النساء: 160- 161).

وظل محرمًا في المسيحية حتى جاءت الثورة الفرنسية فأحلته خروجًا على تعاليم المسيح، واستجابة للنزعات الفردية في الاستغلال وحب التحول.

وجاء الإسلام فوجد المجتمع الجاهلي يرزح ويئن من أغلاله، فخلصه منها وأعاده إلى المعاملات المتكافئة من البيع والسلم والقرض.. إلخ، وأعلن في كتابه هذه الصورة المنفردة لأكل الربا بقوله تعالى: ﴿الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ۚ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا ۗ وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا ۚ فَمَن جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّهِ فَانتَهَىٰ فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ ۖ وَمَنْ عَادَ فَأُولَٰئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ ۖ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ﴾ (سورة البقرة: 275) ثم أعلن في أخر هذه الآيات الحرب على آكل الربا، ولم نجد في القرآن تغليظًا وتهديدًا لمحرم آخر مثل الربا، قال الله تعالى بعد النداءات والتنبيهات التي تكررت في خلال آيات الربا:

﴿فَإِن لَّمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِّنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ ۖ ﴾ (سورة البقرة: 279)

حقيقة الربا ولماذا حرم:

الربا هو كما رأيت استنزاف جهد الضعيف دون وجه حق، ودون رعاية لظرفه مع الاستغلال السيئ واستبداد شهوة الكسب في حين أن هذا الكسب وتلك الزيادة التي يأخذها لم يقدم من أجلها عملًا، ولم يتحرك لها أي حركة، ولم يتعرض من أجلها لخسارة. وإنما أخرج دراهمه من خزينته ليعطيها المدين المحتاج، فتذهب لتمتص عرقه وجهده، ثم تعود إلى خزينة المرابي وافرة الكسب ظاهرة النماء.

أبطل الإسلام هذا الطريق وأعلن على فاعله الحرب وكل من يشترك فيه أو يساهم في إنعاشه أو شهوده. ففي الحديث: «لعن الله أكل الربا وموكله وشاهده وكاتبه» (رواه أحمد ومسلم).

وفتح أبواب المعاملات الأخرى من البيع والسلم والرهن والمضاربة والشركة..الخ وسائر المعاملات الفاضلة التي تحترم مبادئه القديمة التي تتبع، من البيع والتجارة قال الله تعالـى: ﴿وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا ۚ ﴾ (سورة البقرة: 275) ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مِّنكُمْ ۚ﴾ (سورة النساء: 29)

ذلك أن الإسلام لا يريد الكسب إلا في مقابل عمل. فمن لا عمل له لا كسب له، ولا يريد أن تعلو قيمة الدينار قيمة الإنسان. ولا يريد أن تكون هناك فئة تمتص دماء الناس وتكدس الأموال وتعدم التوازن في المجتمع وتشيع أخلاق الشح والأنانية والحرص والشره والطمع، إنه يريد حياة اقتصادية يسودها التعاون والتراحم وتظللها الأخوة والمحبة.

الربا نوعان: ربا النسيئة وربا الفضل 

ربا النسيئة:

 «وهو الزيادة التي ينالها الدائن من مدينه نظير الآجل» وهذا هو أصل الربا  الذي حرمته الأديان السابقة والذي كان في المجتمع الجاهلي. قال قتادة: «إن ربا أهل الجاهلية أن يبيع إلى أجل مسمي فإذا حل الآجل ولم يكن عند صاحبه قضاء زاد وآخر» وقال مجاهد في الربا الذي نهى الله عنه: «كانوا في الجاهلية يكون للرجل على الرجل الدين فيقول: لك كذا وكذا وتؤخر عني فيؤخر عنه»، رواه عن أسامة بن زيد رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إنما الربا في النسيئة» وعلى هذا فتكون كل زيادة نظير الدفع الآجل ربا.

ويدخل في ربا النسيئة أيضًا في الأجناس التي حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها التفاضل، وطلب أن تكون يدًا بيد مثلًا بمثل، أي اشترط فيها التقابض والتماثل. ومنع فيها التأجيل خوفًا لما يتولد عنه من الزيادة الربوية، فعن عبادة بن الصامت قال: «الذهب بالذهب والفضة بالفضة والبر بالبر والشعير بالشعير، والملح بالملح مثلًا بمثل يدًا بيد فإذا اختلفت الأصناف فبيعوا كيف شئتم» (رواه أحمد ومسلم).

فهذه الأصناف الستة التي ذكرها الحديث إذا بودل بعضها ببعض اشترط فيها المماثلة والتقابض في المجلس. فإذا اشتريت هذه الأصناف بالنقد جاز فيها النسيئة والتأخير كما إذا كنت تشتري كمية من القمح بالنقد فيجوز تأخير قبض الثمن، أو تأخير استلام القمح على ما بينكما من شروط. ولذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «فإذا اختلفت الأصناف فبيعوا كيف شئتم» وإنما يصح التفاضل والتأجيل كما يجوز التأجيل والتأخير فيما لا كيل فيه ولا وزن كالبيض والبطيخ والثياب والحيوان لحديث عبد الله بن عمر: «إن النبي صلى الله عليه وسلم أمره أن يجهز جيشًا فكان يأخذ البعير بالبعيرين إلى أجل الصدقة» (رواه أحمد وأبو داود والدار قطني وصححه).

  ربا الفضل

وهو الزيادة التي ينالها الرجل من صاحبه عند تبادل شيء مماثل يدًا بيد. ويدخل هذا الربا في أجناس معينة حددها النبي صلى الله عليه وسلم وسد فيها باب التفاضل والتأجيل خشية أن تكون ذريعة وطريقًا الربا. قال صلى الله عليه وسلم: «لا تبيعوا الدرهم بالدرهمين فإني أخاف عليكم الرما» والرما هو الربا.

والأصناف المقصودة بهذا التحريم ستة، وهي كما حددها الرسول صلى الله عليه وسلم في حديث عبادة: «الذهب بالذهب والفضة بالفضة والبر بالبر والشعير بالشعير والتمر بالتمر: والملح بالملح مثلًا بمثل سواء بسواء يدًا بيد فإذا اختلفت الأصناف فبيعوا كيف شئتم إذا كان يدًا بيد».

علة هذا النوع من الربا:

عرفت أن ربا النسيئة هو الأصل في تحريم الربا للزيادة والفائدة التي يطلبها الدائن سواء كان فردًا أو بنكًا أو شريكًا نظير الزمن، أما ربا الفضل فقد قال الإمام ابن القيم في تعليل تحريمه ما يأتي: «وأما ربا الفضل فتحريمه من باب سد الذرائع» كما صرح به في الحديث المتقدم «لا تبيعوا بالدرهم» فمنعهم من ربا الفضل لما يخاف عليهم من ربا النسيئة، وذلك أنهم إذا باعوا درهمًا بدرهمين ولا يفعل هذا إلا للتفاوت بين النوعين إما في الجودة وإما في السكة وإما في النقل والخفة وغير ذلك تدرجوا في الربح المعجل إلى الربح المؤخر وهو غير ربا النسيئة. وهذه ذريعة قريبة جدًا فمن حكمة الشارع أن سد عليهم هذه الذريعة، ومنعهم من بيع درهم بدرهمين نقدًا ونسيئة فهذه حكمة مطابقة للعقول وهي تسد عليهم باب المفسدة.

الرابط المختصر :