; تبسيط الفقه.. حكمة تشريع العارية | مجلة المجتمع

العنوان تبسيط الفقه.. حكمة تشريع العارية

الكاتب مجلة المجتمع

تاريخ النشر الثلاثاء 01-أغسطس-1972

مشاهدات 20

نشر في العدد 111

نشر في الصفحة 30

الثلاثاء 01-أغسطس-1972

المجتمع الإسلامي مجتمع تعاوني، وهذا واضح من كتاب الله تعالى: ﴿وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ (المائدة: ٢)»، ومن وصف الرسول صلى الله عليه وسلم لهذا المجتمع: «المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضًا».

وقوله: «مثل المؤمنين في توادهم وتعاطفهم وتراحمهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الأعضاء بالحمى والسهر».

وهذا التعاون يبدو في صور شتى من شرائع الإسلام كما في الزكاة التي تؤخذ من الأغنياء لترد على الفقراء، وكما في استحباب القرض الحسن الذي يضاعف الله فيه الأجر للمقرضين ﴿مَّن ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً ۚ وَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (البقرة: ٢٤٥)

وكما في تحريم الربا؛ لأن المرابي يستغل حاجة المحتاج.

 الفرق بين العارية والقرض:

والإسلام كما شرع القرض

-وهو إعطاء شيء للغير لينتفع بعينه على أن يرد بدله- شرع العارية أو الإعارة. وهو إعطاء شيء للغير ينتفع به مع بقاء العين بعد استيفاء المنفعة، و يردها على مالكها، فإذا أعطيت زميلك كتابًا ليقرأه ثم يرده إليك فهذه عارية أو إعارة، أما إذا أعطيته نقودًا لينفقها ويرد بدلها فهذا قرض.

الدليل عليها:

والدليل على مشروعية الإعارة الكتاب والسنة وإجماع الأمة.

أما الكتاب فقال تعالى: ﴿وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ(الماعون: ٧)

روي عن ابن مسعود وابن عباس أنهما فسرا الماعون «بالعواري»، وعن ابن مسعود أنه: القدر والميزان والدلو.

وأما السنة فقال الرسول صلى الله عليه وسلم في خطبة الوداع: «العارية مؤداة والمنحة مردودة» (رواه الترمذي)، واستعار النبي صلى الله عليه وسلم درعًا من صفوان بن أمية يوم حنين وقال: «عارية مضمونة» (رواه أبو داود) وأجمع المسلمون على جواز العارية واستحبابها.

 

 

حكم العارية

والإعارة مستحبة لأنها من البر والمعروف وفي الحديث: «كل معروف صدقة». وقال بعضهم: هي واجب، لأن مانعها مانع للماعون.

والصواب: إن الماعون إنما يطلق على العواري الخفيفة التي يحتاجها الجيران بعضهم من بعض، كما مثَّل ابن مسعود لها بالقدر والدلو ونحوهما، وقد ذكر النبي صلى الله عليه وسلم حق الإبل، فجعل منه «إعارة دلوها وإطراق فحلها» (رواه مسلم)، وذلك بشرط حاجة المستعير واستغناء المالك.

بم تنعقد؟

وتنعقد العارية بكل قول أو فعل يدل عليها كقوله: «أعرتك هذا أو أبحتك الانتفاع به» أو قول المستعمر: «أعرت هذه السيارة لأركبها»، فيسلمها إليه ونحو ذلك من كل ما يدل على الرضاء قولًا أو فعلًا.

شروطها:

۱ ـ أن تكون العين المعارة منتفعًا بها مع بقاء عينها، لأن النبي صلى الله عليه وسلم استعار من أبي طلحة فرسًا فركبها، واستعار من صفوان بن أمية أدراعًا، ثم قيس عليه سائر ما ينتفع به مع بقاء عينه.

٢ - أن يكون النفع مباحًا؛ لأن الإعارة لا تبيح له إلا ما أباحه الشرع، فلا يجوز أن يعير سلاحًا لمن يقتل به مسلمًا أو ذميًا، حتى لا يدخل في باب التعاون على الإثم والعدوان.

٣ - أن يكون المعير آهلًا للتبرع، لأنها نوع تبرع إذ هي إباحة منفعة بلا عوض، فلا تصح من الصغير، والمجنون، والسفيه، والمفلس، وكل محجور عليه، كما لا تصح من ناظر الوقف وولي اليتيم ونحوه.

حق المصير في الرجوع

و للمعير الرجوع في عاريته في أي وقت شاء، لأنه صاحب الحق، ما لم يضر بالمستعير فإن أضر به فليس له الرجوع لحديث: «لا ضرر ولا ضرار»، فمن أعار غیره سفينة لحمل متاع، فليس له الرجوع ما دامت في لُجَّة البحر حتى ترسو، ومن أعاره سيارة لتوصيله إلى موضع معين فليس له الرجوع والمستعير في منتصف الطريق.

العارية مضمونة

وإذا قبض المستعير العارية فهي مضمونة عليه سواء فرط أو لم يفرط، لقوله عليه الصلاة والسلام: «على اليد ما أخذت حتى تؤديه» (رواه الخمسة وصححه الحاكم).

وقوله لصفوان بن أمیة: «بل عارية مضمونة»، وفي رواية: «مؤداة» فأثبت الضمان من غير تفضيل، وبهذا قال ابن عباس وعائشة وأبو هريرة، فإذا اشترط المستعير أن لا ضمان عليه جاز ذلك لقوله «المسلمون على شروطهم» لكن لا ضمان في عدة مسائل إلا بالتفريط:

١ - فيما إذا كانت العارية وقفًا، ككتب علم، لأن المالك فيه غير معين، ولأنه من جملة المستحقين له، ولأن تعلم العلم وتعليمه من المصالح العامة.

۲ ـ وفيما إذا بليت فيما أعيرت له، كثوب بلى بلبسه ونحوه، لأن الإذن في الاستعمال يتضمن الإذن في الإتلاف أيضًا، وما إذن في إتلافه لا يضمن كالمنافع.

٣ - وكذلك إذا أعار المستأجر العين المؤجرة فتلفت في يد المستعير من غير تفريط، فلا ضمان عليه، لقيامه مقام المستأجر في استيفاء المنفعة، فحكمه حكمه في عدم الضمان.

من يستوفي المنافع؟

وللمستعير أن يستوفي المنفعة بنفسه أو بمن يقوم مقامه.

إلا أنه ليس له أن يعير ما استعاره أو يؤجره، لأنه لا يملك منافعه، فلا يصح أن يبيحها أو يبيعها إلا بإذن المالك، فإن أعاره بدون إذنه فتلف عند الثاني، فللمالك تضمين أيهما شاء، ويستقر الضمان على الثاني لأنه قبضه على أنه ضامن له وتلف في يده فاستقر الضمان عليه.

وليس للمستعير أن يستعمل ما استعاره في غير ما يستعمله فيه مثله عرفًا.

الرابط المختصر :