; تجربة ليبيا في التقنين الإسلامي | مجلة المجتمع

العنوان تجربة ليبيا في التقنين الإسلامي

الكاتب علي علي منصور

تاريخ النشر الثلاثاء 18-أبريل-1972

مشاهدات 7

نشر في العدد 96

نشر في الصفحة 14

الثلاثاء 18-أبريل-1972

القسم الأخير

مشكلات العصر ... تتطلب «فقهًا»

فروع القوانين توزع على مجموعة من اللجان.

في العدد الماضي نشرت «المجتمع» القسم الأول من دراسة «كيفية تطبيق أحكام الشريعة الإسلامية في ليبيا» واليوم تنشر القسم الأخير، ويتعلق في معظمه «بالإجراءات» التنفيذية مع عرض موجز عن أثر الامتيازات الاستعمارية في القوانين الليبية السابقة، ومخالفة تلك القوانين للشريعة الإسلامية.

بعد عيد الفطر وفي يوم ١٤ شوال ۱۳۹۱هـ الموافق أول ديسمبر ۱۹۷۱م كان الاجتماع الأول الموسع الذي شمل جميع أعضاء اللجنة العليا واللجان الفرعية الثلاث ودام ثماني ساعات، وتناولت المناقشات كل ما يمكن أن يؤدي إلى إنجاح هذا المشروع المبارك، وأنهيت إليهم (۱) بتفصيل كل ما اتخذه مجلس قيادة الثورة وما اتخذته اللجنة العليا من خطوات لذلك.

* ومنها الرسائل التي أرسلت إلى الأزهر الشريف ومجمع البحوث الإسلامية، وإلى جميع المراكز العلمية في البلاد الإسلامية، وإلى جميع وزارات العدل فيها، وإلى جميع الجامعات، وجميع دور الإفتاء في تلك البلاد؛ لتُمِدَّنا بما عسى أن يكون لديها من بحوث ودراسات في الشريعة الإسلامية، وعلى الأخص فيما جد من أحداث مما لم يتناوله فقهاء الإسلام في العصور الماضية بالبحث وإيجاد الحلول لها من الكتاب والسنة والقواعد الأصولية للشريعة الغراء.

*ومنها طلب قوائم المطبوعات من جميع دور النشر في العالم الإسلامي وعلى الأخص ليبيا وبيروت والقاهرة وشراء ما وقع عليه الاختيار من أمهات الكتب في المذاهب الثمانية التي مر ذكرها، ومن كتب المقارنات بين المذاهب الإسلامية، وكتب المقارنات بينها وبين القوانين الوضعية قديمها وحديثها.

* ورغبةً في أن تكون اللجان على علم متتابع باتجاهات الرأي العام في شأن أعمال اللجان ومهمتها، وما ينشر في هذا الخصوص من بحوث و دراسات وآراء، فقد تم الاتفاق مع وزارة الإعلام في ليبيا ومع السفارات الليبية في الخارج، على أن توافي اللجنةَ بكل ما ينشر في الصحف والمجلات المحلية والخارجية في هذا الصدد.

* ومنها إنشاء ملف خاص في كل لجنة فرعية يُودَع فيه جميعُ ما يَرِدُ من رسائل ومقترحات من علماء الإسلام والجماهير في البلاد الإسلامية لتدرسها كل لجنة بما تستأهله من عناية.

حاصل المناقشات:

وخلاصة ما دار في الاجتماع الموسع من مناقشات حول خطة العمل في اللجان الفرعية هو أن تبدأ كل لجنة بحصر المخالفات الصارخة في القوانين الوضعية المُجمَع بين فقهاء الإسلام على مخالفتها للأحكام القطعية للشريعة الإسلامية. 

وهي في القوانين الجنائية الحدود التي حددت عقوباتها بنص القرآن أو بالسنة المُجمَع على صحتها وهي حد شرب الخمر، وحد الزنا، وحد القذف، وحد السرقة، وحد الحِرابة، والقصاص، وهذه يجب على لجنة مراجعة القوانين الوضعية الجنائية المعمول بها في ليبيا أن تبدأ ببحث النصوص المتعلقة بها ووضع مشروعاتِ قوانينَ بديلةٍ تتفق مع أحكام الشرع، ثم تقوم هذه اللجنة بعد ذلك ببحث جميع الجرائم والعقوبات في ليبيا لتقرر ما يوافق التعازير في الإسلام وتعدل ما يحتاج إلى تعديل.

أما في القوانين المدنية والتجارية فأول ما يرد على الذهن من مخالفات صارخة للشريعة هو التعامل بالربا بين الأشخاص الطبيعيين وهو المسمى في الشريعة بربا النسيئة أو الربا الجلي، ولا خلاف بين جميع المذاهب الإسلامية على تحريمه بنصوص القرآن وبالسنة؛ حتى أصبح معلومًا من الدين بالضرورة، وأصبح منكرُ ذلك كافرًا، فوجب إذن أن تبدأ لجنة مراجعة القوانين المدنية والتجارية ببحث النصوص الخاصة بهذا الموضوع في القانون المدني والتجاري الوضعي بليبيا واقتراحِ مشروعِ قانون بديل يتفق مع ما شرع الله.

وبعد المناقشة استقر الرأي في هذا الاجتماع الموسع الذي ضم أعضاء جميع اللجان على «أن تقوم كل لجنة فرعية بعملها طبقًا للقرار الخاص بتشكيل اللجان والقاضي بحصر واستظهار ما يناقض الأحكام القطعية والقواعد الأساسية للشريعة الإسلامية، على أن تعطى الأولوية للموضوعات التي لا خلاف على تناقضها مع أحكام الشريعة، ثم العمل على إزالة هذا التناقض بإعداد تشريعات بديلة أخذًا من مختلف المذاهب الإسلامية، على أن تقوم كل لجنة بعرض ما تنتهي منه من الموضوعات على اللجنة العليا لتنظر فيه وتتولى مراجعته ووضعه في الصيغة النهائية ثم تقدمه لمجلس قيادة الثورة الذي يصدر بشأنه القرارات والقوانين اللازمة أولًا بأول».

 وكذلك استقر الرأي على أن تكون مناقشات اللجان وآراؤها الفنية ومحاضرها سريةً، حرصًا على أن تسير أعمال اللجان الفنية في هدوء، وتجنبًا لأية أخطاء في النشر قد تؤدي إلى بلبلة الأفكار لدى الرأي العام خصوصًا بالنسبة إلى الموضوعات الحساسة المختلف عليها بين الفقهاء والمذاهب، وكلما انتهت اللجان من أمـر وصدر التشريع الإسلامي البديل له أذيع بكل الوسائل في الجمهورية العربية الليبية وفي البلاد الإسلامية الأخرى.

جلسات اللجان:

وهذا إحصاء بالاجتماعات التي عقدتها كل لجنة على حدة:

·     اللجنة الفرعية لمراجعة القوانين المدنية والتجارية والبحرية وقانون المرافعات عقدت ۲۰ جلسة.

·     اللجنة الفرعية لمراجعة قانون العقوبات وقانون الإجراءات الجنائية وما يتصل بهما عقدت ۲۰ جلسة.

·     اللجنة الفرعية لوضع مشروع قانون شامل للأحوال الشخصية عقدت ۳۲ جلسة.

·     اللجنة العليا لمراجعة أعمال اللجان الفرعية عقدت ٢٥ جلسة.

كل ذلك خلال مدة لم تبلغ الأربعة أشهر.

ولیس سرًّا أن أقرر أن مشروع قانون الأحوال الشخصية قد انتهت اللجنة الفرعية واللجنة العليا من وضعه في صيغته النهائية، وقد تضمن عدة أقسام:

القسم الأول: ويشمل أحكام الزواج كلها وما تفرع عنها ووردت في ثلاثة كتب رئيسية:

الكتاب الأول في الزواج:

وهو من عدة أبواب وفصول شملت إنشاء الزواج ومقدماته (الخطبة) وعقد الزواج، أرکانه وشرائطه وصيغته والعاقدان فيه، ثم بيان المحرمات من النساء على التأبيد والتوقيت، ثم الأهلية في الزواج والولاية فيه، ثم الشروط التي يصح أن يقترن بها عقد الزواج، ثم الكفاءة بين الزوجين، ثم أنواع الزواج فمنه الصحيح والباطل والفاسد وأحكام كل نوع، ثم آثار الزواج وأولها: المهر، ثم الجهاز ومتاع البيت، ثم النفقة الزوجية، ثم المسكن والمتابعة، ثم دعوى الزوجية من حيث السماع والأهلية فى رفعها والخصومة فيها والتناقض وكيفية الإثبات.

الكتاب الثاني عن فرق الزواج وكيفية انحلاله:

 وهو مكون من أبواب وفصول وفيه أحكام الطلاق بالإرادة المنفردة للزوج، والتطليق بحكم القاضي إما لعدم الإنفاق، أو للإيلاء، أو للإضرار، أو لغيبة الزوج، أو لحبسه مدة طويلة، أو للعيوب في أحد الزوجين.

ثم الخلع باتفاق الزوجين أو بقضاء القاضي.

ثم الفسخ لاختلاف الدين أو لفقد الزوج.

ثم آثار فرق الزواج ومنها الرجعة والعدة والنفقة والمتعة.

الكتاب الثالث: عن القرابة والنسب والرضاع والحضانة ونفقة الأقارب.

·     والقسم الثاني: من مشروع القانون:

الكتاب الأول منه: خاص بالولاية على النفس.

والكتاب الثاني: خاص بالولاية على المال:

ويشمل القصر ونقصان الأهلية والأوصياء والقامة عليهم.

و کتاب ثالث: في الإجراءات في جميع أحكام الولاية على النفس والمال.

·     والقسم الثالث: ويشمل عدة كتب وأبواب وفصول: شملت تعريف الوصية الاختيارية والوصية الواجبة، وركن الأولى وشرائطها والرجوع عنها وقبولها وردها، والوصية بالأعيان والمنافع أو المرتبات وكيفية تنفيذ كل منها عند التزاحم.

·     والقسم الرابع: خصص لأحكام المواريث وفيه أبواب وفصول:

شملت أسباب الإرث وطرائقه بالفرض أو التعصيب وغير ذلك ثم الحجب والرد، ثم إرث ذوي الأرحام، ثم إرث الحمل والمفقود والخنثى المشكل، وإرث ولد الزنا واللعان، ثم التخارج.

·     والقسم الخامس: وخصص للوقف (الحبس).

·     والقسم السادس: وخصص للأحكام العامة، عن بمَ يكون الإنسان مسلمًا، وبمَ يعتبر مرتدًّا؟ وأحكام الردة وسماع وعدم سماع دعاوی الأحوال الشخصية.

وقد بلغت مواد مشروع القانون ٥٥٨ مادة بما فيه القسم السادس عدا قانون الوقف الذي يوشك أن ينتهي ويبلغ حوالي ٥٠ مادة.

تجربة ليبيا في التقنين الإسلامي

أثر الاستعمار وامتيازاته

في عهد الحكم العثماني كانت ليبيا تابعة للخلافة الإسلامية في إستانبول وكانت تطبق فيها الشريعة الإسلامية منذ الفتح الإسلامي في القرن الأول الهجري وذلك في جميع الأَقضِيَة، فلما ضعفت الدولة العلية وسميت بالرجل المريض طمعت فيها الدول الأوروبية الاستعمارية؛ فاحتلت فرنسا جزءًا من شمال إفريقيا منذ سنة ١٨٣٠م واحتلت إنجلترا مصر سنة ۱۸۸۲م، وبانتهاء الحرب العالمية الأولى انتهت الخلافة وقسمت التَّرِكة بين الغرب فالعراق والأردن ومصر لإنجلترا، ولبنان وسوريا وتونس والجزائر والمغرب لفرنسا، وراحت إيطاليا ترنو إلى ليبيا وبدأت تنزل في بعض موانيها منذ ۱۹۱۱م وتم لها احتلال ليبيا قبل قيام الحرب العالمية الثانية.

وكان الاستعمار الإيطالي من أبشع أنواع الاستعمار يرمي إلى القضاء على الدين الإسلامي واللغة العربية وإبادة الجنس الليبي.

وإن مما يوضح هذه المقاصد الإجرامية، نشيدًا إيطاليًّا كان يتغنى به الإيطاليون عندما غزت إيطاليا طرابلس الغرب.

إن من أعظم الآلام لشاب في العشرين أن لا يحارب في سبيل وطنه مع دوام القتال في طرابلس والراية المثلثة الألوان والموسيقى الحربية تدعوان النفس المِقْدَامة:

يا أمَّاه أتِمِّي صلاتك ولا تبكي، بل اضحكي وتأملي

ألا تعلمين أن إيطاليا تدعوني؟

ها أنا ذاهب إلى طرابلس فرحًا مسرورًا

لأحارب الديانة الإسلامية

سأقاتل بكل قوتي لمحو القرآن

 ليس بأهلٍ للمجد من لم يمت إيطاليًا

 يا أمَّاه أنا مسافر ... وإن لم أرجع فلا تبكي

وإن سألك أحد عن عدم حدادك علي فأجيبيه:

إنه مات في محاربة الإسلام

 أنا ذاهب يا أمَّاه.. الطبلُ يُقرَع يا أمَّاه

ألا تسمعين هزيج الحرب؟

دعيني أعانقك وأذهب.

وكانت القوانين واللوائح الليبية إيطاليةً من صنع المستعمر يصدرها وزير المستعمرات، وجميع القضاة والكتبة إيطاليين، وكانت لغة المرافعة وكتابة محاضر الجلسات هي اللغة الإيطالية.

ولنضرب بعض الأمثال على القوانين الوضعية في ليبيا وما فيها من مخالفة صارخة لأحكام الإسلام وشريعته:

فالزنا في الشريعة الإسلامية هو: كل سفاح ليس بنكاح أي بزواج شرعي، وكل صلة بين رجل وامرأة ولو برضاهما معًا.

أما في القوانين الوضعية ومنها قانون العقوبات المصري المأخوذ من القانون الفرنسي ومن ورائه قانون العقوبات الليبي المأخوذ عن المصري فالفرنسي والإيطالي فيجعــل الاتصال الجنسي والمواقعة الفعلية مباحة ما دام لا إكراه فيه، وكان التراضي على اقتراف هذه الجريمة بين ذكر وأنثى غير متزوجة وسنها فوق الثامنة عشر.

ومعنى ذلك أن القانون الوضعي أحل الزنا في ظروف معينة، ولا عقاب إلا في حالة الإكراه وصغر السن، أما الزوجة المحصنة فأمرُ ارتكابها للجريمة لم يُترك للجماعة والنيابة العامة، إنما تُرك لرغبة الزوج، فإن أراد مؤاخذة الزوجة أبلغ الأمرَ إلى النيابة، وإن بدت له فكرة العدول أثناء التحقيق وأخلى سبيل المرأة، فإن بقي على بلاغه ووصلت الزانية إلى المحكمة، فينص القانون الوضعي على عقابها بالحبس دون الجلد أو الرجم وهو الحد الشرعي.

 ومن عجبٍ أن التناقض بَيِّن بينَ قانون العقوبات الوضعي والقانون المدني، إذ إن الأخير يجعل المرأة غيرَ أهل للتصرف في القليل من مالها إلا إذا بلغت سن الواحدة والعشرين وأباح لها قانون العقوبات أن تسلم في عِرضها متى بلغت ۱۸ سنة، فالعِرض في شرع القوانين الوضعية أهون من المال.

ولقد شهدت لجنة تحرير القانون الهولندي الجديد بأن عقوبات الحبس والغرامة في جرائم الزنا غير زاجرة.

ومن أعجب العجب أن القانون الفرنسي ينص في المادة ۳۳۹ عقوبات على أن الزوج المحصن إذا زنى لا يعاقب إلا إذا زنى غيرَ مرة في منزل الزوجية بامرأة أعدها لذلك، فالنص كما هو ظاهر لا يعاقب على جريمة الزنا بل يعاقب على امتهان الزوج لحرمة بيت الزوجية بشرط أن يتكرر منه ذلك، فله أن يزني بمن يشاء وكلما شاء خارجَ منزل الزوجية، ولكي يعاقب يشترط القانون أن يعد امرأة معينة كعشيقة أو خليلة ويزني بها أكثر من مرة في منزل الزوجية، والعقوبة التي نصت عليها المادة تافهة، فهي غرامة مالية بين مائة فرنك وألفي فرنك في حين تنص المادة ٣٤٠ فرنسي على معاقبة الزوج الذي يعقد زواجه بأخرى قبل انحلال زواجه الأول بالأشغال الشاقة، فتعدد العشيقات والخليلات كما يبدو أحبُّ إلى القانون الفرنسي من تعدد الزوجات.

أما في قانون العقوبات الليبي فالأسس أيضًا واحدة من حيث إباحة الزنا في ظروف كثيرة ومن حيث عدم الالتزام بتوقيع حد الزنا، بل إن المشرع الليبي قبل الثورة أباح ممارسة البغاء كحرفة للنساء في محالَّ معينةٍ بعد الحصول على رخصة من الدولة فترة من الزمان.

وذلك أن قانون العقوبات بعد أن اعتبر إدارة محالَّ للدعارة جريمة معاقبٌ عليها وبعد أن اعتبر احتراف أية امرأة للدعارة جريمة من المادتين ٤١٧ مكررة (أ) و٤١٧ مكررة (ب) عطل هذين النصين بما قال في المادة ٤١٧ مكررة (ج) لا تسري أحكام المادتين السابقتين إلا في الجهات التي يصدر بها قرار من مجلس الوزراء. وأصدر مجلس الوزراء سنة ١٩٥٧ قرارين بشأن تطبيق تلك الجرائم في ولايتي برقة وفزان، إلا أنه بقرار ثالث في سنة ١٩٦١ قرر مجلس الوزراء عدم تطبيق هذه الجرائم وعقوبتها على المحال المرخص فيها بممارسة البغاء في ولاية طرابلس الغرب - وظل الحال على ذلك ست سنوات إلى أن أصدر مجلس الوزراء قرارًا في ١٧ـ٣ـ١٩٦٧ بإلغاء قرار سنة ١٩٦١.

ومعنى ذلك أن ممارسة البغاء كانت مشروعة في ولاية طرابلس في بيوت خاصة تدار للدعارة برخصة من الحكومة وهذا القرار منشور بالجريدة الرسمية رقم ١٤ للسنة الحادية عشرة.

وفي الباب الثاني تحت عنوان «الجرائم ضد الأسرة» من قانون العقوبات الليبي وفي الفصل الثاني منه نصت المواد ٣٩٩ - ٤٠٢ على جرائم ضد أخلاق الأسرة، فجعلت:

أولًا: جريمة الزنا ليست من حق الله ولا المجتمع بل من حق الزوج والزوجة، ولا شأن للنيابة إلا إذا تقدم أحدهما بالشكوى ضد الآخر.

ثانيًا: تسقط جريمة الزنا إذا تنازل الشاكي عن شكواه ولو بعد صدور الحكم النهائي بالعقوبة فيفرج عن المحبوس.

ثالثًا: إذا زنت الزوجة وكان الزوج قد ارتكب الزنا في الخمس سنوات السابقة فلا حق له في الشكوى ضدها، وكذلك الزوجة لا حق لها في الشكوى ضد زوجها الذي زنا إذا كانت خلال خمس سنوات سابقة قد ارتكبت هي الزنا.

رابعًا: عقوبة الزنا بالنسبة للزوجة الحبس مدة لا تزيد عن سنتين، وبالنسبة للزوج الحبس مدة لا تزيد عن ستة أشهر.

خامسًا: لا يعاقب الزوج على مجرد الزنا، وإنما يعاقب فقط إذا ارتكب الزنا في منزل الزوجية أو إذا اتخذ له خليلة جهارًا وزنى بها في أي مكان آخر.

وفي الباب الثالث من قانون العقوبات الليبي تحت عنوان (الجرائم ضد الحرية والعرض والأخلاق) وردت المواد ٤٠٧ و ٤٠٨ وما بعدها وخلاصة ما فيها:

أولًا: إن المواقعة «الزنا» وهتكَ العِرض لا عقوبة عليها إذا حصل بين رجل وامرأة بالغين ما دام ذلك برضًى 

الطرفين إلا إذا ضبطا متلبسين في مكان عام.

ثانيًا: أما إذا كان بغير رضى أحد الطرفين واستعمل الطرف الآخر القوة والتهديد أو المخادعة فالعقوبة السجن.

ثالثًا: وكذلك تعتبر الجريمة واقعة إذا كان المجنيُّ عليه قاصرًا لم يبلغ سن الثامنة عشرة أو كان ناقص العقل.

القصاص:

كذلك فإن القاتل لا يقتص منه بالإعدام، إلا إذا اقترن بالجريمة جريمة أخرى كالسرقة والزنا، أو إذا اقترنت بظروف مشددة كسبق الإصرار والترصد، وعلى ذلك تعطل أحكام الشريعة الإسلامية من حيث وجوب القصاص من القاتل عمدًا في ليبيا ومصر، هذا ورأي المفتي في تنفيذ الإعدام واجبٌ أخذُه ولكنه استشاري غير ملزم لمحكمة الجنايات في مصر وليبيا.

الخمر:

وحد الخمر أيضًا معطل بحكم القوانين الوضعية، رغم أن بلادًا غير إسلامية كأمريكا حرمت الخمر فترة طويلة وفي حين أن قانوننا الوضعي قبل الثورة كان يبيح شرب الخمر والاتِّجار بها، والخمر أم الكبائر وقيل تدليلًا على ذلك إن رجلًا خُيِّرَ بين الكبائر ليرتكب إحداها، خُيِّرَ بين أن يقتل شخصًا آخر أو أن يزني أو أن يسرق أو أن يقذف افتراء أو أن يشرب الخمر، فنظر فوجد أن الجرائم كلها فيها اعتداء على حقوق الغير والخمر إثمها واقع عليه وحده فشرب فسكر ففقد عقله فقذف وافتری وسرق وزنى بل تخنث وفرط في عرضه فصار دیوثًا.

ومن هذه المقارنة السريعة والقصيرة يبين الفرق الكبير بين ما هو معمول به في القوانين الوضعية وما تقضي به أحكام الشريعة الإسلامية.

 هذا وإهمال المسلمين لأحكام شريعتهم أدى إلى الانصراف عنها إلى القوانين الأجنبية على نحو ما مر ذكره.

العفو في القصاص ميزة كبرى للشريعة: وهو من أهم مزايا الشريعة الإسلامية التي غفلنا عن ذكرها في المحاضرة السابقة.

﴿وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ﴾ )البقرة: ١٧٩)

﴿وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالْأَنفَ بِالْأَنفِ وَالْأُذُنَ بِالْأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ (المائدة: ٤٥)

تلك هي قواعد القصاص العامة الأصلية في القرآن، فمن قتل يقتص منه بالقتل ومن جرح يجرح بنفس الآلة.

إلا أن الله سبحانه وتعالى رحمةً منه بعباده فتح باب العفو واسعًا بقوله تعالى: ﴿فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّه )الشورى: ٤٠) وهذه ميزة لا تزال القوانين الوضعية ترنو إليها دون أن تصلها، وذلك أن بعض البلاد الأوروبية نادت بإلغاء عقوبة الإعدام، وبعضها الآخر ألغاها فعلًا، ثم عدل عن ذلك لزيادة جرائم القتل.

وها نحن نجد في الشريعة الإسلامية العلاج والدواء لهذه الحيرة إذ إنها تقضي بأنه في حالة القتل يسوغ لأولياء الدم إن طابت نفوسهم أن يعفوا عن القاتل ويتنازلوا عن القصاص وهناك يلزم القاتل بالدية «التعويض» ويعفى من القتل.

 ولكن يبقى حق الجماعة؛ فيعاقبه القاضي وفق ما يقرره ولي الأمر «المشرع» من عقوبات دون القصاص، أو وفق ما يقضي به القاضي إن لم يكن ولي الأمر قدر عقوبة التعزير.

الرابط المختصر :