; تحركات نشطة في الساحة الفلسطينية، وعرفات يخشى إعلان منظمة بديلة | مجلة المجتمع

العنوان تحركات نشطة في الساحة الفلسطينية، وعرفات يخشى إعلان منظمة بديلة

الكاتب عاطف الجولاني

تاريخ النشر الثلاثاء 22-ديسمبر-1998

مشاهدات 6

نشر في العدد 1331

نشر في الصفحة 36

الثلاثاء 22-ديسمبر-1998

إذا كان اتفاق أوسلو عام ۱۹۹۳م قد أدى إلى تقسيم الساحة الفلسطينية إلى قسمين: مؤيد ومعارض، فإن اتفاق «واي بلانتيشن» الأخير، قد أدى إلى حالة جيدة من الفرز والاصطفاف في هذه الساحة التي تشهد هذه الأيام تحركات نشطة ربما تؤثر على صورة الوضع الفلسطيني في المرحلة القادمة.

رئيس السلطة الفلسطينية ياسر عرفات، الذي انشغل قبل زيارة كلينتون بالأعداد لتلك الزيارة التي عمل على استثمارها لإنقاذ ماء وجهه، الذي أراقه اتفاق «الواي»، كان شديد القلق من الانعكاسات التي تركها هذا الاتفاق على زعامته للفلسطينيين، وكان مصدر هذا القلق التحرك غير المسبوق لقوى مؤثرة وفاعلة في الساحة الفلسطينية المواجهة «واي بلانتيشن»، وإلغاء الميثاق الوطني الفلسطيني، وصدور مؤشرات على إمكانية نزع الشرعية عن قيادة عرفات، وإعلان منظمة تحرير بديلة، بعد إعلان شهادة الوفاة للمنظمة القائمة، التي يرى المعارضون- وهم يشكلون أغلبية واضحة- أنها تكاد تفقد وجودها على أرض الواقع بعد أن أصبحت جزءًا هزيلًا تابعًا للسلطة يأتمر بأوامرها ويخضع بصورة مطلقة لالتزاماتها، ويرى المعارضون أن إلغاء الميثاق الوطني الذي قامت على أساسه المنظمة يعد بمثابة إطلاق رصاصة الرحمة عليها.

مؤتمرات وطنية

المعارضة الفلسطينية التي اتسعت بعد اتفاق «الواي»؛ لتضم أطيافًا جديدة في الشارع الفلسطيني، عقدت ثلاثة مؤتمرات وطنية كبيرة في ثلاثة من قطاعات تواجد الشعب الفلسطيني، الضفة الغربية وقطاع غزة والشتات، وكان هذا المؤتمر الأخير الذي عقد في دمشق الأخطر في نظر ياسر عرفات وأوساط عربية ودولية.

في مؤتمر غزة حضر جميع فصائل المعارضة، إضافة إلى عدد من أعضاء المجلس التشريعي، وعدد كبير من الشخصيات الفلسطينية المستقلة، من بينها حيدر عبد الشافي- رئيس الوفد المفاوض في مدريد -، وزاد مجموع الحضور على ٤٠٠ شخصية.

وفي رام الله، انعقد مؤتمر مواز حضره أکثر من ٦٠٠ شخصية سياسية وتنظيمية وأكاديمية، وأعضاء في المجلس الوطني الفلسطيني، وأعلن المجتمعون رفضهم لاتفاق «الواي»، وأكدوا تمسكهم بالميثاق الوطني الفلسطيني ومعارضتهم لإلغاء بنوده وفق الإملاءات الإسرائيلية والأمريكية، كما دعوا إلى الإفراج عن جميع المعتقلين السياسيين في سجون السلطة، وإلى رفع الإقامة الجبرية المفروضة على الشيخ أحمد ياسين، وقرروا تشكيل جبهة وطنية عريضة تمثل مختلف القوى والفصائل والشخصيات المستقلة لمواجهة الأخطار والتحديات، التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني.

وقد حرص المنظمون على أن يمثل كلا المؤتمرين مختلف شرائح الشعب الفلسطيني على صعيد الانتماءات السياسية والتوزيع الجغرافي، وكان المفاجئ في مؤتمر رام الله حضور عدد من شخصيات حركة فتح المعارضين للمسار الحالي.

أما في دمشق، فكان المؤتمر المركزي لقوى وفصائل الشعب الفلسطيني المعارضة، وقد تم الإعداد جيدًا لهذا المؤتمر، الذي انعقد على مدار يومين، وبالتزامن مع اجتماع المجلس الوطني الفلسطيني في غزة، والذي أعلن شطب الميثاق الوطني الفلسطيني، وقد حظي المؤتمر الوطني الفلسطيني في دمشق بالقدر الأكبر من الاهتمام الإعلامي والسياسي وشكل نقلة نوعية في فعل المعارضين لنهج التسوية.

مؤتمر دمشق حرص على تمثيل مختلف الفصائل المعارضة وبنسبة متساوية لكل فصيل،كما حدد نسبًا معينة لتمثيل الفلسطينيين في مختلف مناطق توزعهم الجغرافي في الأردن، وسورية، ولبنان، وأوروبا، والأمريكتين، وحضره كذلك شخصيات سياسية من دول عربية مختلفة، كان في مقدمتها الرئيس الجزائري الأسبق أحمد بن بيلا، ووصل عدد المشاركين إلى أكثر من ٤٠٠.

السلطة الفلسطينية التي كان لديها الكثير من المخاوف من إمكانية إعلان المؤتمر الوطني في دمشق لمنظمة تحرير بديلة، هاجمت المؤتمر بشدة، وعملت بكل قوة على إفشاله، وفي هذا الصدد طلبت وبصورة قوية من الحكومة الأردنية منع المشاركين من الأردن، الذي يضم أكبر عدد من الشتات من حضور المؤتمر، وهو ما حصل بالفعل؛ حيث منعت قوات الأمن الأردنية على فلسطينيي الحدود مع سورية أكثر من أربعين شخصية سياسية أردنية من المغادرة إلى دمشق، بحجة أنهم مطلوبون لأجهزة الأمن الأردنية في العاصمة، وهو ما آثار أزمة سياسية في الأردن بين الحكومة والمعارضة.

مؤتمر دمشق أنهى أعماله بإعلان بيان سیاسى هاجم فيه سياسة السلطة، وأعلن رفضه لاتفاق «واي»، ولإلغاء بنود الميثاق الوطني، وتمسكه بخيار المقاومة ضد الاحتلال، كما أكد على أهمية البعد العربي والإسلامي للقضية الفلسطينية، وعلى أن فلسطين من البحر إلى النهر عربية إسلامية.

عماد العلمي ممثل حركة حماس في دمشق، أشار إلى أن المؤتمر حقق إضافة نوعية بضم ٢٥٠ مستقلاً في فاعليات المؤتمر، في حين كانت أطر المعارضة فيما مضى تقتصر على الفصائل الفلسطينية.

ومع أن المؤتمر لم يعلن تشكيل منظمة جديدة، كما كانت تتخوف السلطة، إلا أن كثيرًا من المراقبين يرون أن ما جرى يمهد لخطوة من هذا النوع في المستقبل، وكانت حركة حماس من أوائل الداعين إلى التمهل، وعدم التعجل باتخاذ خطوة متسرعة تأتي کرد فعل على ممارسات السلطة ثم لا يكتب لها النجاح على أرض الواقع، وأكدت مصادر مقربة من حماس أنها مقتنعة بضرورة إعلان إطار جديد يمثل الشعب الفلسطيني بعد انتهاء منظمة التحرير الحالية عمليًّا، ولكنها ترى أهمية إتاحة الوقت لتهيئة الظروف بصورة تضمن نجاح هذا الإطار الجديد.

تساؤلات كثيرة

ويثير الوضع الراهن على الساحة الفلسطينية تساؤلات حول أسباب تمسك عرفات بمنظمة التحرير، وخشيته من إعلان إطار بديل منافس لها، وكذلك حول أسباب تصعيد المعارضة رفضها نهج السلطة في هذا الوقت بالذات.

الأوساط المحيطة بعرفات تقول: إن تمسك عرفات بالمنظمة التي عمل هو على تحجيمها يعود إلى رغبته بالاستمرار في الانفراد بتمثيل وقيادة الشعب الفلسطيني، ومنع أي طرف آخر من منافسته على ذلك، ومن جانب آخر، فهو يريد استمرار المنظمة ولو شكليًّا، حتى لا يفقد ورقة الشتات، الذين يشكلون غالبية الشعب الفلسطيني ولا تمثلهم السلطة الفلسطينية التي اقتصر انتخابها على فلسطينيي الداخل.

أما على صعيد المعارضة، فإنها باتت تشعر بأن الأوضاع وصلت إلى مرحلة خطيرة بعد اتفاق واي بلانتيشن، بحيث لم يعد هناك مجال لأي تلاق أو تفاهم مع السلطة التي يلزمها الاتفاق باجتثاث المقاومة، وإنهاء المعارضة السلمية تحت غطاء منع التحريض، وهو ما دفع حركتي حماس، والجهاد الإسلامي إلى تجاوز اعتراضاتها على الميثاق الوطني الفلسطيني، في الوقت الراهن لمواجهة الانهيار الحاصل في الوضع الفلسطيني.

الوضع الفلسطيني يشهد حراكًا نشطًا، ولم تستقر الأمور حتى الآن، ويبدو أن الشهور القادمة ستشهد المزيد من التداعيات المتسارعة.

الرابط المختصر :