العنوان تخريفات علماني
الكاتب الأستاذ الدكتور جابر قميحة
تاريخ النشر السبت 04-يناير-2003
مشاهدات 22
نشر في العدد 1533
نشر في الصفحة 42
السبت 04-يناير-2003
طارق حجي. يدعو أمريكا الآن تمحو أفغانستان. و«دول الظلام» من الوجود!
يرى أن المسلمين استعمروا إسبانيا كما استعمر الفرنسيون الجزائر فلماذا يبكي عربي على ضياع الأندلس؟
السلفية عنده ظلام ويخجل من معظم الثوابت العربية.
ما سبب هذه الثورة الضارية التي حاول فيها طارق حجي أن يحرق كل الحقول ؟!
komeha@netscape.net
«... إنني أؤمن بالحداثة والعلمانية والحضارة، وأعادي كل التوجهات الفكرية الماضوية، وأدافع عن قضايا المسيحيين في مصر بصفتهم أصحاب هذا الوطن الأصليين ويضحكني أن أسمع عربيًا يبكي على خروج العرب من الأندلس.
فالذي كان في الأندلس لا يعدو أن يكون احتلالًا عربيًا لابد أن ننظر إليه مثل نظرتنا لاحتلال فرنسا للجزائر.
إنني لا أؤيد فقط ما تقوم به الولايات المتحدة الأمريكية في أفغانستان، ولكنني انتقد هوادة الضربة الأمريكية، وكنت أتوق لأن أرى قوات الحضارة تمحو من فوق الأرض كل معاقل الظلام، والظلام عندي والسلفية هما ذات الشيء.
تلك كانت سطورًا من المقال الذي كتبه الكاتب المصري العربي المسلم الأستاذ طارق حجي في صوت الأمة في 9/12/2002م تحت عنوان «المسلمون أنتجوا مذهبًا مظلمًا هو الوهابية».
والسطور السابقة-والمقال في أغلبه يدور في فلكها-تحمل شحنة عاتية من الانفعالية المتسعرة التي تجافي الموضوعية، وإن طرحت من قبل بأقلام استشرافية وصليبية، تعصبية:
1-فالكاتب يعلن، ويلح، ويكرر-في مقاله كله أنه ضد التوجهات الماضوية، ويعادي الماضي، بل إنه-كما يقول بالحرف الواحد: من أكثر العرب خجلًا من معظم ما يسمى بالثوابت العربية.
فهو إذن يكره الماضي لذاته، ونكتشف بسهولة من سياقاته-أنه لا يكره إلا الماضي العربي والإسلامي بكل معطياته وتوجهاته، ولم يقدم لنا تبريرًا موضوعيًا معقولًا لهذه العقدة المتجذرة، ولا يصلح إيمانه بالحداثة والعلمانية والحضارة، تبريرًا لتوجهه هذا، لأن الإيمان بهذه الثلاثية، لا يقود معتنقيها إلى الرفض المطلق، أو الكفران المطلق بالماضي العربي والإسلامي، وإن انسلخوا من كثير من قيمه.
ولا يصلح أن يكون تبريرًا كذلك لهذه العقدة المتضخمة أن يكون- كما قال عن نفسه-أحد مفكري مصر الذين خرجوا من عباءة طه حسين فمن عباءة طه حسين خرج أو تتلمذ على يديه كثير من قادة الفكر الذين دعوا وانتصروا للعروبة والإسلام والتراث العربي والإسلامي، وأمنوا بعروبة مصر وإسلاميتها مثل د شوقي ضيف ود. مصطفى الشكعة، ود نعمات أحمد فؤاد وطه حسين نفسه ترك للمكتبة العربية عطاء إسلاميًا مثل مرأة الإسلام والوعد الحق، وإن سجلت عليه مآخذ في كتابه في الشعر الجاهلي، وكتابه «مستقبل الثقافة في مصر»، الذي ادعى فيه أن مصر- بطوابعها وأبعادها-أقرب إلى دول حوض البحر الأبيض المتوسط منها إلى الدول العربية والحضارة الإسلامية، وقد عبر الحجي عن إيمانه المطلق بهذه الفكرة.
2-ويعلن الحجي أنه يدافع عن قضايا المسيحيين في مصر، بصفتهم أصحاب هذا الوطن الأصليين.
وما كنت أتصور-بل أتخيل-أن يسقط كاتب متمرس هذه السقطة، لأنه بمقولته هذه قد قسم المواطنين المصريين إلى مواطنين أصلاء، وهم الأقباط ومواطنين دخلاء وهم المسلمون.
وهو للأسف يردد ما كتبه - ويكتبه-قلة قليلة جدًا من الأقباط في المهجر الأمريكي، وكان من منشوراتهم منشور بعنوان: «مصر بين المصري الأصيل، والمصري الدخيل»، وهذا ما تبرأ منه أقباط مصر.
ومن كلمات الأنبا شنودة المسؤول الأول في الكنيسة الأرثوذكسية المصرية. وكلنا-مسلمين وأقباطًا-أبناء مصرلا مصر التي نعيش فيها .ولكن مصر التي تعيش فينا.
وهو يتجاهل دخول المصريين في الإسلام وقد انحدر من أولئك مسلمون منهم قادة للفكر والعمل الإسلامي.
وإذا كان هذا هو معيار الكاتب في التأصيل، فلماذا لا يتبنى دعوة ينتصر فيها للهنود الحمر ويدافع عن حقوقهم بصفتهم أصحاب أمريكا الحقيقيين الأصلاء، قبل زحف العصابات والشواذ من أوروبا إلى الأمريكتين، واستعمار الأرض واستئصال أغلب سكانها الأصليين؟ ولماذا لا يطالب «بوش» بنقل السلطة إلى أحفاد هؤلاء الهنود الحمر بصفتهم أصحاب هذا الوطن الأصليين ؟!.
وأعود بعد هذا الاستطراد إلى القول إن إعلانه أنه يدافع عن قضايا المسيحيين في مصر يطرح إيحاء قويًا بأنهم يعانون الظلم والاضطهاد في معايشة الأغلبية المسلمة، كما أن تقسيم المصريين إلى أصيل-وهو القبطي -ودخيل أو طارئ وهو المسلم فيه افتئات على الحق والحقيقة وإثارة النعرة منكورة قد تجر لفتنة نحن في غنى عنها.
وللأسف تغافل الكاتب التنويري العلماني جدًا، عن حقائق التاريخ التي أبرزها كتاب موسوعيون غربيون مثل غوستوف لوبون وويلز ويتلر، ومنها أن المستعمرين الرومان ظلوا-قرابة ستة قرون ينهبون خيرات مصر وأموالها. ويثيرون الفتن بين أهلها، بل عاش الأقباط أنفسهم في صراع دام بين طائفتيهم الملكانية» واليعاقبة ولم يعرفوا العدل والاستقرار والأمان إلا في عهد المسلمين، وكانت معاهدة الإسكندرية التي عقدت بين الفاتح عمرو بن العاص والمقوقس عظيم القبط نموذجًا طيبًا للحكمة والإنسانية. فقد نصت على الا يأخذ المسلمون أي كنيسة، ولا يتدخلوا في حرية المسيحيين الدينية أو الأسرية، ولا تؤخذ أراضيهم، ولا يخرجوا من قراهم، ومن مظاهر الإنسانية أيضًا ما نصت عليه المعاهدة بالنسبة للروم واليهود من أن يرحل جنود الروم بحرًا من الإسكندرية معهم متاعهم، والسماح لليهود. وكان عددهم سبعين ألفًا، أن يقيموا بالإسكندرية بصفة دائمة إذا شاءوا .
وعرف الأقباط معنى العدل في ظل الإسلام وحكاية ابن عمرو بن العاص الذي ضرب ابن القبطي مشهورة، ولولا إيمان القبطي بالعدل الإسلامي ما هرع إلى المدينة ليشكو ابن الوالي للخليفة عمر رضي الله عنه، ويأمر عمر ابن القبطي أن يضرب ابن عمرو، بل طلب منه أن يضرب عمراً نفسه لأن الولد-كما قال الخليفة: لم يجرؤ على ابن القبطي إلا بسلطان أبيه.. ثم قال: متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارًا.
ويعتبر حجي الوجود العربي الإسلامي في الأندلس استعمارًا مثل استعمار فرنسا للجزائر ويضحك حينما يسمع عربيًا يبكي على خروج العرب من الأندلس.
وكأني به لم ير دموع من يفوقونه علمًا وفكرًا من علماء الغرب ، ومنهم إسبانيون-وهم يبكون لانقطاع وتوقف أعظم حضارة شهدتها البشرية وذلك بعد خروج العرب من الأندلس، ولو استمر تدفق هذه الحضارة العربية لما وجد حجي ما يسميه حضارة غربية أو أمريكية يؤمن بها، يقول غوستاف لوبون في كتابه حضارة العرب و عرب الأندلس وحدهم هم الذين صانوا في القرن العاشر الميلادي العلوم والآداب التي أهملت في كل مكان حتى في القسطنطينية، ولم يكن في العالم-في ذلك الزمن-بلاد يمكن الدرس فيها غير الأندلس العربية، وإلى بلاد الأندلس كان يذهب أولئك النصارى القليلون لطلب العلوم، ومن هؤلاء«جريرت» الذي صار بابا في سنة ٩٩٩م باسم سلفستر الثاني والذي أراد أن ينشر في أوروبا ما تعلمه، فعد الناس عمله من الخوارق واتهموه بأنه باع روحه للشيطان.
وفي كتابه ظلال الكنيسة، يشيد العلامة بلاسكوا أبانيز بمجد العرب الأندلسيين، ويصف حضارتهم بأنها حضارة جديدة اتسم أهلها بفضيلة التسامح وحرية الضمير، فقبلوا كنائس النصارى، وبيع اليهود بجانب المساجد...وأنها كانت أزهى الحضارات، وفي الزمن الذي كانت أمم الشمال فريسة للفتن الدينية، والمعارك الهمجية، ويعيشون عيشة القبائل المتوحشة في بلادهم، كان سكان إسبانيا يزدادون فيزيدون على ثلاثين مليونًا تنسجم بينهم جميع العناصر البشرية والعقائد الدينية، فعاشت في الجزيرة الأندلسية طوائف من النصارى والمسلمين وأهل الجزيرة والشام، وأهل مصر والمغرب، ويهود إسبانيا والشرق...وعاشت- بفضل هذا التفاعل الحي بين العناصر والعروق-جميع الآراء والعادات والكشوف العلمية، والمعارف والفنون والصناعات والمخترعات الحديثة، والأنظمة القيمية، وانبثقت من تجاوب هذه القوى مواهب الإبداع والتجديد.
ويبرز لويون ما للفتوح العربية من طابع خاص لا تجد مثله لدى الفاتحين الذين جاؤوا بعد العرب، وبيان ذلك أن البرابرة الذين استولوا على العالم الروماني، والترك وغيرهم-وإن استطاعوا أن يقيموا دولًا عظيمة-لم يؤسسوا حضارة أما العرب، فقد أنشأوا بسرعة حضارة جديدة كثيرة الاختلاف عن الحضارات التي ظهرت قبلهاوبذلك تمكنوا من اجتذاب أمم كثيرة إلى دينهم ولغتهم، فضلًا عن حضارتهم الجديدة.
فهل كان وجود العرب في الأندلس كالاحتلال الفرنسي للجزائر؟ هل نسي حجي دماء مليون شهيد حتى تخلصت الجزائر من هذا الاستعمار؟
لقد رأينا تصريح حجي بإيمانه المطلق بالحضارة الغربية، وأن قوات أوروبا وأمريكا هي قوات الحضارة، ويأخذ عليها ضعف ضرباتها لأفغانستان، ويتمنى لو أنها ضربتها الضارية الماحقة، مع أن أمريكا استخدمت من الأسلحة والذخائر ما لم تعرفه البشرية من قبل منها قنابل وصواريخ تخترق الصخور ثلاثين مترًا في العمق ورأينا تعبيره بأنه من أكثر الناس خجلاً من معظم ما يسمى بالثوابت العربية، وإيمانه المطلق بانتساب مصر إلى دول البحر الأبيض لا دول الأمة العربية.
وأعتقد أن الثوابت العربية، والحضارة الإسلامية. وقد قدمنا بعض مظاهرها أنفًا-لن يضيرها، ولن يهز مكانتها التاريخية أن يخجل منها ألف أو آلاف مثله، كما أن الحضارة الغربية لن يعلي من شأنها إيمانه المطلق بها، ولن يغير من طبيعة مصر العربية الإسلامية أن ينسبها. كأستاذه طه حسين-إلى دول البحر الأبيض المتوسط.
وأعجب كيف نسي-أو تناسى- الكاتب صفحات العار-وما أكثرها-في سجل الحضارة الغربية ومنها: حرب الأفيون Opium War وهما حربان: الأولى ( ١٨٤٠م - ١٨٤٢م)، والثانية (١٨٥٧ - ١٨٦٠م)، وسببها حرص بريطانيا العظمى على ترويج تجارة الأفيون وتصديره إلى الصين والهند وما جاورهما، ومقاومة حكومة الصين لهذه التجارة المحرمة، وهزمت الصين في الحربين، وأجبرت على توقيع «معاهدة نانكنغ» وبمقتضاها تنازلت لبريطانيا عن هونج كونج. ودفعت لها غرامة قدرها ۲۱ مليون دولار، وفتحت خمسة مواني صينية كبيرة للتجارة البريطانية الحرة، وغير ذلك.
وبأسلوب التهديد حظيت فرنسا والولايات المتحدة على ما يقارب هذه الامتيازات، وأثناء الحربين ارتكب الجنود البريطانيون مذابح بشعة كان ضحيتها آلاف المدنيين الصينيين في المدن والقرى.
ولا ينسى التاريخ ما دار في جنوب إفريقيا على يد العنصريين البيض في جمهورية جنوب إفريقيا، «وزامبيا»، و«ناميبيا»، وما فعله المغامرون البيض ببقايا الهنود الحمر في الأميركتين.
وفي كتابه حرب قذرة يحكي الكاتب الأسترالي كليف تورنبل Clive Turnbull قصة إبادة السكان الأصليين الجزيرة تسمانيا» عن آخرهم، وكان اسمها الأصلي أرض فان ديمين، وقد تم هذا الاستئصال خلال خمسة وسبعين عامًا، على أيدي أسوأ أنواع المجرمين الإنجليز الذين ضاقت بهم سجون إنجلترا في بداية القرن التاسع عشر، فأرسلتهم إلى هناك لتتخلص منهم.
ولكن ما سبب هذه الثورة الضارية التي حاول فيها حجي أن يحرق كل الحقول لنقرأ ما صدرت به صوت الأمة مقال طارق حجي، إذ روت أنه في صيف عام ٢٠٠١م تعرف الكاتب والمثقف الكبير طارق حجي على الأمير خالد الفيصل، اقترح الأمير أن ينضم الكاتب إلى قائمة المؤسسين لمؤسسة الفكر العربي، رد عليه طارق قائلًا: اترك لي ثلاثة أشهر، وبعدها سأقول لك رأيي وبعد ثلاثة أشهر بالضبط قال طارق حجي رأيه في رسالة ووجهها للأمير كتب طارق-رسالته منذ عام كامل، واحتفظ بها بين أوراقه. كان يريد أن تظل في أرشيفه الشخصي، لكن المؤتمر الذي عقدته المؤسسة في مصر مؤخراً دفع طارق ليفرج عن رسالته، التي رغم أنه كتبها منذ عام، لكنها تصلح للقراءة في هذا الوقت بالتحديد.
وفي هذه الرسالة يرفض أن يكون عضواً مؤسساً لمؤسسة الفكر العربي لأن فيها أعضاء يدعون لفكر السلف الصالح.
وهنا ناقض الرجل نفسه، وهدم معبده بيده وهو الذي يدعي أنه يحمل لواء الديمقراطية وحرية الرأي، فأين إيمانه بالرأي الآخر مهما خالف رأيه وتوجهه هل يريد أن يكون هو الصوت الوحيد في هذه المؤسسة؟
لقد أثار هذا المقال تقزز كل من قرأه من الأسوياء من المسلمين والأقباط، وقد ها تفني أحد الأصدقاء الأقباط قائلًا ماذا يريد هذا الرجل؟ هل سيكون أكثر تحمسًا لديننا وواقعنا منا نحن المسيحيين ومن قال له إننا مضطهدون وفي حاجة إلى دفاعه ودفاع أمثاله؟.
وتساءل الصديق القبطي: وما حكم طارق حجي على آلاف اليهود الذين كانوا يعيشون في مصر في نهاية الأربعينيات من القرن الماضي هل هم أصلاء أم دخلاء وما حكمه على أقباط اعتنقوا الإسلام حديثًا؟ هل تحولوا في نظره من أصلاء إلى دخلاء.
قلت لصاحبي-وأنا أحاوره: من يدري فغدًا قد تتمخض العقلية الطارقية الحجية عن نظرية جديدة يتبناها هو أو غيره مؤداها أن أصحاب الوطن الأصلاء هم الفراعنة والمصريون القدماء، أما الدخلاء فهم الأقباط والمسلمون على سواء.
ثم إني أنبه الكاتب إلى أن محاولته فرض رأيه والدفاع عنه بصورة فوقية نرجسية لايفيده شيئًا، كقوله عن نفسه إنه مفكر يحاضر بأكبر جامعات العالم ليسهم في عملية انتشال العقل العربي من وهدة التخلف... إلخ. وإصراره على أن مؤلفاته ومقالاته تدعو دعوة دؤوباً للحاق بركب المدنية والعصرية ... إلخ...
وحينما تصدت السيدة صافي ناز كاظم في(صوت الأمة في16/12/2002م) لنقض ما قال لم يجد ما يقوله إلا كلمات هروبية نرجسية متهمًا إياها بأنها تستخدم أسلوب الدهماء، لا أسلوب العلماء أو الأدباء، ويعجب كيف ترد عليه وهو-كما قال عن نفسه مفكر توجد كتاباته على أكثر من مائة موقع للإنترنت بمجتمعات الحضارة والتقدم، كما تنشر كتاباته بدوريات كبريات الجامعات الأمريكية والكندية والبريطانية، والفرنسية، وتترجم مؤلفاته لأكثر من ست لغات أوروبية.
ويعجب مرة أخرى كيف تنقد مقاله مع أنه قد مدحه أساتذة أجلاء مثل السيد ياسين وسمير سرحان، وجابر عصفور، وآخرون!!
ويعود فيكرر أن له سبعة عشر كتاباً منها أربعة كتب بالإنجليزية، وأنه يحاضر في جامعات هارفارد، وكولومبيا وبرنستون... إلخ...
ولكن دعك من هذا، وتعال لتشهد ما هو أشد إيلامًا للنفس، فالكاتب ينكر إنكارًا فاضحًا مضمون ما كتبه من كلمات، ففي سياق رده على صافي ناز كاظم يقول بالحرف الواحد إن قولي إن الأقباط هم أصحاب الوطن الأصليون. يعني أنهم مواطنون من الدرجة الأولى، ولا يعني على الإطلاق أن المصريين المسلمين ليسوا من أصحاب هذا الوطن الأصليين
وواضح أن الرجل قد جانبه التوفيق في هذا التأويل الهروبي، فعبارته هي: «وأدافع عن قضايا المسيحيين بصفتهم أصحاب هذا الوطن الأصليين......»
أ-فمفهوم المخالفة-الذي يعرفه الفقهاء، يقطع بأنه يقصد أن المسلمين دخلاء على هذا الوطن، فلو قلنا إن الهنود الحمر هم أصحاب أمريكا الأصليون، فهذا يقطع بأن غيرهم طارئون دخلاء عليها، وتصل إلى النتيجة نفسها لو قلنا إن السود هم أصحاب جنوب إفريقيا الأصليون...ولا دخل هنا للدرجة الأولى أو غير الأولى.
ب- ويقطع بما ذهبنا إليه عبارته التالية مباشرة، ونصها: «ويضحكني أن أسمع عربيًا يبكي على خروج العرب من الأندلس، فالذي كان في الأندلس لا يعدو أن يكون احتلالًا عربيًا، لابد أن ننظر إليه مثل نظرتنا لاحتلال فرنسا للجزائر...».
فهذه السطور تعطي إيحاء قويًا بأن الوجود العربي الإسلامي بمصر لم يكن طارئًا فحسب بل كان استعمارًا حقيقيًا، كاستعمار العرب للأندلس!!. الذي هو-في نظره-كاستعمار فرنسا للجزائر.
ولا عجب أن يكون هذا هو القصد الحقيقي لرجل يفخر بعلمانيته وحداثته وتعبده للحضارة الغربية، وكفره بالثوابت العربية، ويؤمن بأن مصر من دول البحر الأبيض المتوسط لا من الدول العربية والإسلامية.
نعم.. القصد واضح، وما كنت أحب لصاحب السبعة عشر كتابًا منها أربعة باللغة الإنجليزية الذي يحاضر في كبرى جامعات العالم أن يحاول خداع القراء وينكر ما قصد إليه، ويحاول أن يهرب من الحقيقة بطريقة تثير التقزز والغثيان.