العنوان تركيا: الانتخابات البلدية في تركيا تتحول إلى معركة بين العلمانيين والإسلاميين
الكاتب مصطفى الطحان
تاريخ النشر الثلاثاء 29-مارس-1994
مشاهدات 15
نشر في العدد 1093
نشر في الصفحة 28
 
                                    
                                الثلاثاء 29-مارس-1994
- تشيللر: الخطر الحقيقي على تركيا ليس حزب العمال الساعي إلى الانفصال.. وإنما هو حزب الرفاه الإسلامي الذي يتصدى للعلمانية
تخوض الأحزاب السياسية في تركيا صراعًا مريرًا.. للفوز بأعلى نسبة من الأصوات في الانتخابات البلدية المقرر إجراؤها فيمارس "آذار" ١٩٩٤م.
وصراع الأحزاب طبيعي في مثل هذه المناسبات، فهو لعبة الديمقراطية، التي تهاجم فيها أحزاب المعارضة الحكومة.. وتنتظر الحكومة مثل هذه الظروف لإحداث بعض الإنجازات المفاجئة التي تطمئن الجماهير وتمسك بتأييدها من جديد.
ولكن المعركة الحالية نوع مغاير للمعارك المألوفة..
إنها صراع وجود لا تنافس أقران.. إنها معركة كالمعركة الأولى.. يوم تجمعت قُوى العلمانية في الداخل، مدعومة من قوى الغرب في الخارج، فأسقطوا الخلافة الإسلامية وأقاموا مكانها دولة علمانية. واستبدلوا الشريعة الإسلامية بالقانون المدني السويسري وقانون العقوبات الإيطالي والقانون التجارى الألماني.. وبقيت هذه القوانين المستوردة المغروسة بلا جذور في أرض غير أرضها مشكلة مزمنة تعقد الأمور، وهي السبب في معظم التردِّي الذي تشهده البلاد منذ ذلك الحين وحتى اليوم.. فصلوا الدين عن الدولة وسموا ذلك علمانية.. والعلمانية كلمة راجت في الغرب.. ونبتت في فرنسا.. اخترعتها الثورة الفرنسية للتخلص من الكهنوت الذي حكم السياسة باسم الدين.. وخلاصتها أن الدين أمر شخصي.. يهم الفرد ولا يهم الدولة، تحمى الدولة العقائد ولا تتدخل فيها .. كما لا تسمح للدين أن يتدخل في السياسة.
العلمانية في الشرق حرب على الإسلام لاقتلاع جذوره
والعلمانية بهذا المفهوم مطبقة في الغرب.. أما عندما استعيرت للتطبيق في تركيا.. أصبح لها مفهوم آخر؛ خلاصة حرب الإسلام واقتلاعه من جذوره. ومن أجل إنشاء جيل يجهل دينه وتاريخه وعظمة دولته.. ويستسلم للطغمة الحاكمة.. فقد استبدلوا الحروف العربية التي تكتب بها اللغة التركية بالحروف اللاتينية.. وصار التراث العظيم والمكتبات الشامخة التي تضم آلاف المجلدات وخلاصة الحضارات طلاسم لا يفهمها الجيل الجديد فقد فصلوا ماضيه عن حاضره. ولقد أذاع القائد الثوري مصطفى كمال بيانه على الأمة فقال :
«اقتداء بالأمم الغربية، ولا سيما الأمة الفرنسية، فقد تقرر فصل الدين عن الدولة السويسرى وقانون العقوبات الإيطالي وإلغاء الخلافة الإسلامية، وإلغاء وزارة الأوقاف ومشيخة الإسلام ،والمحاكم الشرعية، وإقرار قانون استعمال التقويم الميلادي، واعتبار يوم الأحد العطلة الرسمية.. وأضاف البيان: أنه لكي يكون الترك أمة أوروبية بمعنى الكلمة فقد تقرر أن يكون لأفراد الشعب التركي كلهم ثقافة واحدة هي الثقافة الغربية.. وعليه تقرر إلغاء التعليم الديني والمدارس الإسلامية بدون استثناء. وحتى الشعائر تدخلوا في تغييرها فالأذان لا يجوز رفعه إلا بالتركية والقرآن يجب ترجمته فجميع اللغات عند الله سواء.. أما اللباس فينزع الطربوش ويستبدل بقبعة الغرب.. وتخلع المرأة حجابها.. وكم من الاعتقالات والمشانق نصبت من أجل القبعة والحجاب. أما المرأة فقد حررتها القوانين الكمالية... وتحت اسم التحرير خرجت من كل الفضائل وتمردت على كل الأعراف.
لقاء الهيكل في إستانبول
وساحة الهيكل موجودة في ميدان التقسيم في إستانبول.. تضم هيكلًا يمثل مصطفى كمال ورفاقه الثوار الذين قضوا على الشريعة والخلافة وأقاموا العلمانية، إلى هذه الساحة دعت رئيسة الوزراء تانسو تشيللر الشعب التركي للتجمع وإعلان تمسكه بمبادئ مصطفى كمال والرد بطريقة عملية على الأصوات التي تحاول إرجاع تركيا إلى الوراء.. إلى عهود التخلف.. وأعلنت تشيللر من هناك.. أن الشعب متمسك بالكمالية وأن الخطر الحقيقي الذي يهدد وحدة البلاد ويقضى على تقدمها ومكاسبها ليس حزب العمال الكردستاني الذي يحارب في شرق وجنوب شرق البلاد من أجل الانفصال.. وإنما الخطر يكمن في حزب الرفاه الإسلامي الذي يتصدى للعلمانية. ولقد شارك رئيسة الوزراء في هذا التجمع «كاريالجن» رئيس الحزب الشعبي و«هو الحزب المتحالف معها في الحكومة» «وألب أرسلان توركش» زعيم حزب الأمة.. أما رئيس الجمهورية «سليمان ديميرال» و«مسعود يلماظ» زعيم حزب الوطن الأم فلم يحضرا بحجة أن رئيسة الوزراء تستغل الموضوع لصالح حزبها وليس دفاعًا عن الكمالية ... ولقد أعلن البروفيسور نجم الدين أربكان في مؤتمر صحفي بأن حزبه سيتقدم بدعوى إلى المحكمة الدستورية ضد رئيسة الوزراء، لأن دعوتها لهذا التجمع مع استثناء شريحة من الناس تمثل حزب الرفاه تعتبر تمييزًا لفئة دون فئة وهذا ما يرفضه القانون.
الأحزاب والجماعات الإسلامية
والسؤال الذي يطرح نفسه هو: لماذا هذه المعركة الشرسة؟؟
بعضهم يرجع الأسباب إلى الإفلاس الذي تعاني منه النظم على كل الأصعدة الداخلية والخارجية. وبعضهم يرجعها إلى الحملة العالمية ضد الأصولية الإسلامية... وبعضهم يقول أن الأسباب مزيج من الأمرين.. ويتساءل البعض... ولكن لماذا تسمح السلطات في العالم الإسلامي للأحزاب الإسلامية بالتواجد على ساحة العمل السياسي، فإذا التفت حولها الجماهير وأصبحت قوة يحسب لها حساب، عمدت هذه السلطة إلى الانقلاب العسكري وفتحت أبواب المعتقلات والسجون والإرهاب أمام الإسلاميين؟؟
وإذا كانت ستفعل ذلك؛ فلماذا تسمح لهم أساسًا بالعمل..؟
هذه قضية تستحق الدراسة والتمعن.. وإدراكها يخفف الكثير من الصدمات عند الإسلاميين.. فمن يتوقع الأمر الأسوأ.. مغاير لمن يأكل الضربة من حيث يظن أنه سيحكم البلاد في القريب العاجل. فالإسلام هو عقيدة الأمة.. وثقافتها.. وتاريخها.. وأمجادها .. وعزتها.. وماضيها...وحاضرها.. ومستقبلها. وكل ما عدا ذلك.. فهو غثاء تافه يستحق الازدراء كفكر، ويستحق أصحابه الشفقة كمغفلين.
الشعوب المسلمة تدرك ذلك بعقلها وفكرها وقلبها ووجدانها.. وهي عندما تسكت على الشيوعية «مثلًا» فمن باب الاستسلام بعد معارك دامت سنوات بين الإسلام وجيش الشيوعية الأحمر.. وعندما تسكت على الفاشية الرأسمالية أيضًا ... فمن باب تسليم المغلوب أمام القوة الغاشمة.. وعنما تسكت أمام الصهيونية المغتصبة.. فمن باب الاستعداد لاسترجاع الحقوق في الوقت المناسب. والسلطة الغاشمة التي تتحكم بالمسلمين
بموافقة القوى الخارجية الغالبة.. تعلم علم اليقين أن جذوة الإسلام مستعرة في القلوب.. وأنها إن لم تسمح لهذه الجذوة بالتمدد ولو إلى سقف معين سيحدث في يوم من الأيام انفجار يهدم الهيكل على من فيه.. لهذا الاعتبار فقد اضطرت الحكومة التركية بعد الحرب العالمية الثانية إلى إجراء تنقيحات لا غنى عنها، فقد رؤى أن السواد الأعظم من الناس ظل مخلصًا للإسلام بعناد، مما اضطر القادة السياسيين إلى أن يحسبوا حسابًا للميول الإسلامية في الشعب.
ومن هذا المنطلق سمح بقيام حزب الأمة بزعامة المارشال فوزى جقمق من قواد حرب الاستقلال والذي كان له ميول إسلامية عام ١٩٤٨م، وجاء من بعده عدنان مندرس وحزبه الديمقراطي الذي نفس عن المسلمين هو الآخر.. ويعتبره المحللون السياسيون البداية الحقيقية للصحوة الإسلامية المعاصرة في تركيا.. ومع نمو الوعي السياسي.. وتعاظم الصحوة الإسلامية اضطرت السلطة إلى إعطاء المزيد من الحريات للمسلمين، فقام حزب النظام الوطنى عام ۱۹۷۰م، والذي طالب بإعادة النظر في نظام التعليم الفاسد.. وإعادة الاعتبار للتعليم الإسلامي. وعندما تجاوز التأييد الشعبي للحزب سقفًا معينًا قام الجيش بحركته في آذار ۱۹۷۱م وحل الحزب في مايو ۱۹۷۱م بقرار من المحكمة الدستورية.
ثم قام حزب السلامة الوطني في أكتوبر «تشرين الأول» ۱۹۷۲م ونجح في إدخال قرابة الخمسين من عناصره في البرلمان في أول انتخابات يخوضها، واشترك في الحكم في أكثر من ائتلاف حكومي، وقدم للإسلام في تركيا خدمات عظمی.
وكما حدث في السابق فعندما أدركت مراكز القوى في تركيا وخارجها أن حزب السلامة جاد في استبدال القوانين بأخرى تقوم على أساس الإسلام.. وأن الإسلام استيقظ في نفوس الشباب الذين يتخرجون من مدارس الأئمة والخطابة ومدارس تحفيظ القرآن والمعاهد الشرعية.. وباتوا يسيطرون على العديد من الاتحادات الطلابية والمراكز الشبابية في البلاد.. وأنه صار بإمكانهم الضغط على البرلمان لقطع العلاقات مع إسرائيل.. عندما أدركت مراكز القوى ذلك تحرك الجيش في ١٢ سبتمبر «أيلول» ۱۹۸۰م.. ليحل الحزب ويزج بقادته في السجن.
حزب الرفاه يتجاوز الحد المرسوم
عندما فقدت السلطة أعصابها .. وقامت بانقلاب عام ۱۹۸۰م للقضاء على الأصولية وحزب السلامة الوطني.. وكانت نسبة أصواته تتراوح بين ۱۰– ۱۲% فماذا تفعل السلطة اليوم وقد بدأت أصوات حزب الرفاه تزيد من الضعف عن هذا الرقم؟ بل وتشير الإحصاءات والاستطلاعات إلى أن حزب الرفاه بات ينافس جميع الأحزاب القوية.. وأن ترتيبه هو الأول أو الثاني على أضعف الاحتمالات؟
سؤال يشغل الجميع.
- يشغل الجيش فقد أعلن الجيش السابق ورئيس الجمهورية الذي قام بانقلاب عام ۱۹۸۰م «كنعان أفرين» أنه لن يسمح لحزب الرفاه باستلام السلطة مهما كلف الأمر. .
- ويشغل الحكومة فقد أعلنت رئيسة الوزراء أن الخطر الأكبر الذي يهدد تركيا هو الأصولية المتمثلة في حزب الرفاه.
- ويشغل الأحزاب على تنوعها واختلاف مصالحها .. فقد بدأت توحد صفوفها ككتلة واحدة مقابل مرشحي حزب الرفاه .
- بل ويشغل الشعب الذي يريد إيصال حزب الرفاه إلى السلطة ولكنه يحس بكل الصعوبات والعقبات التي تعترض قراره..
- ويشغل قادة حزب الرفاء الذين يقودون عملية الإصلاح وإرادة التغيير بثبات وجرأة.. ولكنهم يعرفون أن طريقهم عسير جد عسير.. وأن دماءهم في أكفهم كما يقولون.
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكلبعد 40 عاماً من التوقف.. «التربيـــة» الكويتيــــة تعيد فتـــح المرحلـــة الابتدائيــة بالمعهــد الدينـــي
نشر في العدد 2183
27
الجمعة 01-سبتمبر-2023
 
         
         
         
                