العنوان تركيا ليس بلدًا عاديًّا..!!
الكاتب مجلة المجتمع
تاريخ النشر الثلاثاء 06-سبتمبر-1977
مشاهدات 47
نشر في العدد 366
نشر في الصفحة 12
الثلاثاء 06-سبتمبر-1977
مدير التحرير يحاور بروفسور نجم الدين أربكان
رئيس حزب السلامة - نائب رئيس وزراء تركيا
تركيا ليس بلدًا عاديًّا..!!
فحين تذكر تركيا يتوافد إلى الذهن سلسلة من القضايا والحقائق والمعلومات.. في وقت واحد فهي:
- البلد الذي نهض بدور بارز وعالمي صاحب نصف التاريخ الإسلامي تقريبا. فتأثر.. وأثر.
- البلد الذي بدأت فيه تجربة العلمنة في العشرينات - ثم نقلت إلى كثير من أقطار العالم الإسلامي.
- البلد ذو الموقع المتقدم جدًّا نحو أوربا.
- البلد المرشح -في نطاق العالم الإسلامي- للدخول في مرحلة التصنيع الكامل. استهلاكًا وتصديرًا.
- البلد الذي يشهد انتعاشة إسلامية في ظروف تختلف عن ظروف جميع أقطار المسلمين.. واعتبارًا بذلك كله يأخذ الحديث عن تركيا طابعًا خاصًّا واهتمامًا خاصًّا.
يا ابن الكرام ألا تدنو فتبصر ما
قد حدثوك فما راء كما سمعا
إن السماع ليس كالرؤية.. صحيح أن الاثنين من مصادر المعرفة، لكن المعرفة تتفاوت بتفاوت المصدر،
والرؤية أعلى مرتبة من السماع.
لقد ذهبت إلى تركيا.. فرأيت -بعد أن سمعت- التجربة التي يخوضها حزب السلامة في تركيا.
وهي تجربة جديدة تستحق الانتباه والدراسة، جديدة في الأسلوب والوسيلة.
جديدة في نوع الرجال.
جديدة في ظروفها ومناخها وملابساتها.
أثناء تبادل كلمات الترحيب قلت لبروفسور نجم الدين أربكان رئيس حزب السلامة.. ونائب رئيس وزراء تركيا:
إن الإسلام نهى عن المدح في الوجه.. وفي نفس الوقت أمر بأن نعرف ونقدر فضل ذوي الفضل.
ما معنى ذلك؟
معناه: أن التجربة الجديدة التي نتحدث عنها يتقدم موكبها رجل توفرت فيه عناصر التقدم الصحيح. ومقومات الكفاح السياسي الأصيل.
نجم الدين أربكان يجمع بين:
- الاعتزاز بالقيم العليا فهو رجل مسلم شديد الاعتزاز بإسلامه.
- والتقنية الرفيعة. فهو بروفسور في الهندسة الميكانيكية أضاف إلى هذا العلم إبداعًا جديدًا سجلته باسمه جامعات عالمية. وهو أستاذ جيل جامعي تقني.
- وفن السياسة. فهو رجل يجيد فن العمل السياسي. ويعمل في الظروف الصعبة بمهارة وحصافة.
وليس من العدل أن نغفل دور رجالات حزب السلامة ودور نخبته القيادية. فالرجل مهما كان ذكيًّا وماهرًا لا يستطيع -وحده- أن ينهض بتجربة كبيرة كهذه.
ولأمر ما قال الله تعالى للرسول صلى الله عليه وسلم: ﴿هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ﴾ (الأنفال: 62)..
لقد قيض الله لي لقاء مطولاً مع بروفسور نجم الدين أربكان، ولا يشكر الله من لا يشكر الناس، فقد قام إخوة كرام بتيسير هذا اللقاء وتهيئة فرصته.
أثناء اللقاء جرى حوار مثمر وجاد تناول قضايا متنوعة، ومجالات سياسية وصناعية وفكرية وإعلامية.
ونبدأ -في هذا العدد- بمطلع الحوار.
- في عقب الانتخابات العامة الأخيرة في تركيا - التي أسفرت عن نقص ملحوظ في عدد مقاعد حزب السلامة توالت الأسئلة: ماذا حدث؟ كيف جاءت النتيجة على هذا النحو؟ وما السبب؟
في -المجتمع- حاولنا تحليل النتائج في ضوء المعلومات العامة المتاحة لنا. وقلنا: إن حزب السلامة لم يخسر، وإنما نجح مرتين: نجح حين زاد مجموع أصواته على مجموع الأصوات التي حصل عليها في انتخابات عام 1973.
ونجح حين جعل الإسلام حاضرًا في الحياة السياسية التركية، وحمل الأحزاب الأخرى على رفع شعارات الإسلام.
ولكن هذا التفسير كان يحتاج إلى معلومات مباشرة من أوثق مصادر الحزب، وإلى تعليل فني واقعي.. فكيف تفسرون نتائج انتخابات هذا العام؟.
- التفسير الذي وصلت إليه –المجتمع- صحيح؛ فعدد الأصوات التي حصلنا عليها في الانتخابات الأخيرة قد زاد فعلاً. ومعنى ذلك أن الحزب يتقدم شعبيًّا، وإنْ نقص عدد مقاعده البرلمانية، ولقد رفعت الأحزاب الأخرى شعارات الإسلام، ونافست حزب السلامة في مخاطبة الشعب التركي بالإسلام.
ولسنا جزعين من هذا؛ فحضور الإسلام في الحياة السياسية تقدم على كل حال، خاصة في ظروف تركيا.
استطاع حزب السلامة أن يحرك -بتوفيق الله- الرصيد الإسلامي العظيم في الأمة التركية، وعرفت الأحزاب الأخرى هذه الحقيقة فسارعت إلى استرضاء الشعب بشعارات الإسلام.
إن الانتخابات ليست كل شيء؛ فهناك شيء أهم منها أو يساويها من الأهمية، وهو: السياق التاريخي العام. ويكفي أن تطرح هذه الأسئلة مثلا.
أين كنا قبل الأمس؟
وأين كنا بالأمس؟
وأين نحن الآن؟
السياسية تكون -أحيانا- تعبيرًا عن السياق التاريخي، وتكون - أحيانًا أخرى- قائدة لمرحلة تاريخية معينة، وبهذا المفهوم الواسع لا ينبغي فصل الانتخابات عن المد والجزر التاريخيين.
كنا في مرحلة جزر عام غاب فيها الإسلام، واليوم تثبت الأحزاب بما ترفعه من شعارات إسلامية أن مرحلة الجزر قد انتهت أو كادت.
وهذا هو المهم في المدى البعيد.
ومع ذلك يصعب على مراقب في الكويت -مثلا- أن يقارن بين انتخابين في عامي 1973 – 1977؛ لأن هناك تفاصيل محلية دقيقة لا يستطيع الاطلاع عليها من بعيد.
ومجيئكم إلى تركيا اليوم فرصة يتاح فيها الاطلاع على شيء من تلك التفاصيل.
خاض حزب السلامة انتخابين عامين
الأول: عام 1973
والثاني: عام 1977
ونحن نعتبر الانتخابات الأخيرة مقياسًا أكثر دقة من الانتخابات التي خاضها الحزب لأول مرة في سنة 1973.
أحس الشعب التركي بخيبة أمل كبيرة في الأحزاب التي حكمت حياته وصرفت شؤونه طوال نصف قرن من الزمان.
خاصة حزب الشعب.
فخلال هذه الفترة الطويلة كان الشعب التركي يحس إحساسًا عميقًا بأن تلك الأحزاب لم تستطع علاج مشكلاته الداخلية، ولم تستطع كسب السمعة والوزن اللائقين بتركيا في الخارج
وظهرت خيبة الأمل هذه في عدد من الأصوات الحائرة التي لا تريد أن تقترع لصالح تلك الأحزاب ولم تجد -في نفس الوقت- البديل المناسب.
فلما ظهر حزب السلامة أخذت تلك الأصوات طريقها إليه في انتخابات عام 1973. وكانت هذه الأصوات تمثل 70 بالمئة من المجموع الكلي للأصوات.
ونستطيع أن نقول إن كثيرًا من الأصوات التي حصل عليها حزب السلامة عام 1973 لم تكن أصيلة؛ لأنها أتت إليه بدافع التبرم والضيق من الأحزاب الأخرى، ولم تأت إليه بدافع التجاوب الكامل والمعرفة التامة بأهدافه وأفكاره وسياسته.
يضاف إلى ذلك أن حزب السلامة كان جديدًا بالنسبة لها.
وعندنا دليل على عدم أصالة قطاع كبير من الأصوات التي حصلنا عليها في انتخابات 1973، هذا الدليل هو: الانتخابات الإقليمية أو المحلية التي جرت بعد الانتخابات العامة بثلاثة شهور. فقد نزل عدد المقترعين لحزب السلامة إلى النصف تقريبا؛ مما يدل على أن هناك أعدادًا كبيرة من الذين أعطوا أصواتهم لحزب السلامة أخذوا يترددون بينه وبين حزب العدالة.
لماذا؟
لأن حزب العدالة في انتخابات عام 1973 حاز على أصوات كبيرة فانبهرت تلك الأصوات ببريق نجاح حزب العدالة على أمل أن يحقق لها خدمات وينجز لها مصالح.
في انتخابات عام 1973 حصلنا على مليون و300 ألف صوت قدرنا أن 800 ألف منها أصوات أصيلة ثابتة و500 ألف أصوات غير أصيلة وغير ثابتة.
تلك صورة انتخابات 1973.
أما صورة انتخابات عام 1977 فهي كالآتي بعد أن أحس الأعداء في الداخل والخارج بثقل حزب السلامة ووزنه في كافة المجالات.
اتفقوا على توجيه ضربة قاتلة لهذا الحزب.
ولا نُلقي هذا الكلام اتهامًا جزافًا.
لقد وقفت ضد حزبنا القوى كلها.
وقفت ضدنا سبعة أحزاب.
ووقفت ضدنا سبع صحف مؤثرة.
ووقف ضدنا سبع فرق تحمل اسم الإسلام وتؤذي العاملين له.
وكان ذلك أول تغير في الصورة.
خضنا الانتخابات فحصلنا على مليون و300 ألف صوت.. زاد عدد المقترعين لنا (15) خمسة عشر ألف ناخبًا.
ولقد اعتبرنا ذلك تقدمًا حقيقيًّا.
فهذ الأصوات كلها أصيلة.. منحتنا الثقة في جو معركة حامية فاصلة تبين فيها كل شيء..
والأصوات التي تأتي في هذا الجو تكون ممحصة ممحضة خالصة أصيلة.. تعرف -وهي تتقدم إلى صناديق الاقتراع- ما هو حزب السلامة ومنْ هم رجاله.
كان الشخص المؤيد يقول: لا أعطي صوتي إلا لحزب السلامة، وإني مستعد للموت في سبيل ذلك.
وهذه هي القاعدة القوية الراسخة التي تمكن الحزب من بناء حساباته على أساس صحيح.
كانوا يفكرون قبل الانتخابات أن أصواتنا ستزيد بنسبة 60 بالمئة وهي قد زادت فعلا في حدود هذه النسبة تقريبا.. والزيادة في تقديرنا ارتفاع نسبة الأصوات الأصيلة، ولله الحمد والفضل.
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكل