; تركيا: ماذا بعد الانتخابات | مجلة المجتمع

العنوان تركيا: ماذا بعد الانتخابات

الكاتب مجلة المجتمع

تاريخ النشر الثلاثاء 20-نوفمبر-1973

مشاهدات 13

نشر في العدد 176

نشر في الصفحة 30

الثلاثاء 20-نوفمبر-1973

العالم الإسلامي

تركيا: ماذا بعد الانتخابات

قال لي صديق أنهى دراسته في تركيا إنك إذا حدث وتشاجرت مع أحد في أحد شوارع تركيا فما عليك إلا أن تصيح في وجهه: كافر وحينئذ تسقط على رأسه خمسون عصا من المارة!

لقد أراد الراوي أن يعبر عن مدى تمسك الأتراك بالذاتية الإسلامية وحماسهم الحار للإسلام وحبهم له.

 ولم يفلح نصف قرن من عمر العلمانية الأتاتوركية في طمس هذه الثقافة المتأصلة أو مسخها، وهكذا يتحدث القادمون من تركيا عن الشوارع التي تقف ساعات الصلاة أو ساعات الإفطار في رمضان وعن الغيرة على الإسلام والتشبث بآثاره، وقد أدرك سياسيو حزب العدالة خطورة هذا الشعور الديني الكامن، فاستغلوه أكبر الاستغلال في مناوراتهم السياسية وتغلبوا على حزب أتاتورك رمز التسلط العلماني والخيانة طيلة السنين الماضية برفع الشعارات الإسلامية والتلميح بإعادة المجد الإسلامي والتحرر القومي ولكن الشعب الذي استجاب لشعاراتهم خلال المعارك الانتخابية المتتالية وحملهم إلى الحكم يحدوه الأمل في عودة تركيا إلى الإسلام والرجوع إلى الوطن الإسلامي الأم والتضامن مع إخوان العقيدة والجهاد، أدرك أيضًا سر اللعبة الماكرة، وتيقظ بعض ما قبض الربح من وعودهم الخادعة.

 في الانتخابات الأخيرة، ظهرت حقيقة الانتصار الذي كان يلقاه حزب العدالة، فعندما اشتدت أزمة الثقة في قيادة حزب العدالة برزت القيادات الإسلامية الصريحة في حزب الخلاص الوطني الإسلامي منفصلة عن حزب العدالة وقياداته التي تاجرت بمشاعر المسلمين وسمنت منها دون أن توفي بعهدها بالرجوع إلى الإسلام.

وكان أن سجل هذا الحزب في أول تجربة انتصارًا كبيرًا واستطاع أن يستقطب تأييد المسلمين الذين رجحوا كفة حزب العدالة سنين طويلة، وفقد حزب العدالة مركز الصدارة حيث ناله حزب الشعب الجمهوري 178 مقعدًا هي المعدل الذي كان يناله في كل دورة ونال حزب العدالة 145 مقعدًا فقط.

والمشكلة القائمة الآن هي من يشكل الحكومة؟ لأن حزب الشعب الجمهوري لا يتمتع بالأغلبية المريحة ليشكل حكومة مستقرة.

ولقد لجأ إلى التحالف مع حزب الخلاص الوطني الإسلامي الذي رفض التحالف مع حزب «أتاتورك» لأسباب مبدئية، وكلف السيد سليمان ديميرل «زعيم حزب العدالة» حكومة قومية وهو أيضًا يواجه صعوبة التحالف مع حزب يعتبر منشقًا من صفوفه.

وهكذا تظل الأزمة السياسية التي جاءت تحملها نتيجة الانتخابات الأخيرة، التي حملت أيضًا تباشير الدخول في مرحلة سياسية جديدة وضعت تركيا أمام تجربة الاختيار المصيري بين الرجوع إلى الإسلام وتاريخها المجيد أو المضي في طريق «الأتاتوركية» عبر الجسر المعلق الذي بنوه أخيرًا «لتكريس الارتباط بالمركز الأوروبي».

لماذا الدفاع عن الأسلحة غير الهجومية؟

كثر الحديث عن أسلحة العرب بعد الحرب الأخيرة، تلك التي كانت عندهم واكتشفوا فعاليتها الآن، أو التي كانوا يجهلون ملكيتهم لها أو التي امتلكوها حديثًا، إلخ، والمتأمل في هذه الأحاديث يسجل بعضهم الملاحظات التي لا بد أن نستعرضها.

• انتهز بعض الناس غير مجهولي الهوية لحظات الانتصار الأولى فراحوا يروجون أن الحديث عن الصفة الهجومية والدفاعية للأسلحة هو مجرد مغالطات فارغة وأن السلاح الدفاعي يمكن أن ينتصر إذا قرر الناس الهجوم وأبدوا إرادة للقتال. ومن ثم وجدوا مدخلًا مناسبًا للدفاع عن الاتحاد السوفيتي والرد على موجة الاستياء العربي من تمنع السوفيات مد العرب بالأسلحة الهجومية لتحرير أراضيهم ومواجهة الأسلحة الأميركية المتقدمة التي تتدفق على المعتدي الإسرائيلي من أصدقائه.

والحقيقة أن الكلام عن الأسلحة الهجومية والدفاعية ليس مغالطة، ولكنه حقيقة علمية يعرفها الروس ويعرفها العسكريون في كل مكان.

وإذا كان الجندي العربي قد تمكن من اجتياح خط بارليف وتحصينات الجولان في ساعات المعركة الأولى بأسلحة دفاعية فإنما يمكن ذلك في فدائية هذا الجندي وشجاعته، ولن يغير ذلك من حقيقة الأسلحة كثيرًا.

وإذا حاولنا أن نفسر النتيجة «العسكرية» للمعركة - وهي نتيجة لم تكن في صالح العرب - فلن نجد لها تفسيرًا سوى قصور الأسلحة وكونها غير هجومية، لأن الجندي العربي، ثبت أنه يمتلك إرادة القتال والشجاعة الكافية والإيمان العميق، لكن عنصر المفاجأة لم يكن متوفرًا في أيام القتال الأخيرة.

ولو كانت الأسلحة هجومية لما تسمر الجندي العربي على شط القناة ولا مكنه التقدم عبر صحراء سيناء كما تقدم اليهود في حزيران، ولا مكنه أن يضرب في عمق إسرائيل كما ضربت إسرائيل العمق السوري والمصري حتى وهي مهزومة.

إن الأسلحة الهجومية ضرورة عسكرية واستراتيجية لمهاجمة القوات الإسرائيلية التي تحتل الأرض العربية ولا يمكن لنا أن ننتظر الطائرات الإسرائيلية حتى تهاجم خطوطنا وعمقنا لنسقطها بصواريخ سام حتى تفنى عن آخرها، لأنها لن تفنى ما دام الجسر الأميركي قائمًا.

 وفي اليوم الذي نمتلك فيه طائرات متطورة تستطيع ضرب العمق الإسرائيلي وصواريخ موجهة تضرب المواقع الإسرائيلية ودبابات تقتحم التحصينات عندئذ يمكننا التقدم عبر سيناء وعبر الجولان.

•الذين انطلقوا يسبحون بحمد سام 6 وسام 3 وسام 2 وينزهونها عن العيوب والنقائص، نسوا سلاحًا جديدًا جربناه هذه المرة ولم يخب ظننا، ذلك هو سلاح الإيمان، الذي حول السلاح الدفاعي المحدود الفعالية إلى قنبلة ذرية.

نسوا صيحات «الله أكبر» التي شقت سماء سيناء فانشرخ لوقعها السماوي جدار بارليف وانفلق ماء القناة وأصبح كل فرق كالطود العظيم. روح الإيمان التي ملأت قلوب الصائمين المجاهدين وزودتهم بالذخيرة الإلهية التي لا يصمد أمامها تدبير الكفر اليهودي مهما كان ومهما تفلسف الكتاب ليفسروا كيف حدث ما حدث، فإنهم لن يكونوا أصدق من أولئك المجاهدين الذين تحدثوا عن اجتياح خط بارليف ومانع القناة كتجربة شخصية خاضوها بالسلاح الذي اختاروه وجربوه سلاح الإيمان.

• اكتشف بعض الناس سلاح الوحدة العربية خلال هذه الحرب، وذلك السلاح الذي كان له فضل المجيء بالجنود المغاربة من المحيط ليقاتلوا في الجولان والقناة، وصف الجندي السعودي إلى  جانب السوري، والعراقي إلى جانب الكويتي والمصري، ذلك السلاح الذي جر النفط ودول النفط وحكام النفط إلى الخطوط الأمامية، وهي مسابقة لم نلمسها في حزيران، ومن حسن الصدف أن هؤلاء المندهشين لهذا الاكتشاف هم دعاة الوحدة العربية، ونريد أن نقول لهم بعض الحقائق، هي أن الوحدة العربية حقيقة أزلية ما دام في القلوب نبض من الإيمان وبقية من الإسلام وأن هذه الوحدة كان يمكن أن نشهدها في حزيران لولا أن جيوشكم ساعتها كانت مشغولة في اليمن، بـ …، ولولا أن إذاعاتكم كانت غارقة في السباب خصوصًا سباب حكام الدول النفطية، أما وقد تبدل الحال ودالت دول وأصبحت النكسة درسًا، فمن الطبيعي أن تظهر إيجابيات الأمة العربية. 

الرابط المختصر :