; هل تعود الحياة إلى الميت في القبر؟ | مجلة المجتمع

العنوان هل تعود الحياة إلى الميت في القبر؟

الكاتب مجلة المجتمع

تاريخ النشر الثلاثاء 12-أكتوبر-1982

مشاهدات 13

نشر في العدد 590

نشر في الصفحة 42

الثلاثاء 12-أكتوبر-1982

الحمد لله والصلاة والسلام على رسوله آله وصحبه وبعد:

فقد اطلعت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء على السؤال المقدم من عبد الله بن عسكر الفارح إلى سماحة الرئيس العام والمحال إليها من الأمانة العامة لهيئة كبار العلماء برقم 1115/2 وتاريخ 98/5/24 هـ ونصه إني سمعت من علماء الإسلام أن الميت يصير حيًّا في القبر ويجيب على سؤال الملائكة ويعذب إذا بأن منه الكفر وعدم الاستقامة في الإسلام في الحياة الدنيا وإني كملم بمبادئ الإسلام لم أجد في القرآن الكريم أي برهان صريح يدل على سؤال القبر وعقابه يقول تعالى: ﴿يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ ارْجِعِي إلىٰ رَبِّكِ رَاضِيَةً مَّرْضِيَّةً فَادْخُلِي فِي عِبَادِي وَادْخُلِي جَنَّتِي﴾ (سورة الفجر: 27-30) حسب فهمي الضعيف أن النفس ترجع إلى ربها بعد خروجها من الجسد، ولم أفهم أن النفس تكون مع جسدها في القبر منعمة وأيضًا يقول الله تعالى ﴿قَالُوا رَبَّنَا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ﴾ (سورة غافر:11) إلخ. وأفهم من هذه الآية أيضًا أن الأمانة مرتان وقت النطفة ووقت خروج النفس من الجسد كما أفهم أن الأحياء مرتان الحياة في بطن الأم ووقت البعث ولم أفهم من الآية إشارة تدل على سؤال القبر وعذابه، يقول تعالى ﴿قَالُوا يَا وَيْلَنَا مَن بَعَثَنَا مِن مَّرْقَدِنَا﴾ (سورة يس: 52)... إلخ وهذا يدل على أن الكفار نائمون والنوم في القبر ينافي العقاب فيه. وبالنهاية أرجو يا صاحب الفضيلة أن أجد منكم جوابًا شافيًا لظمأتي كما كانت إجاباتكم الدينية دائمًا.

وقد أجابت بما يلي:

أولًا: أدلة الأحكام الشرعية كما تكون من القرآن الكريم تكون من السنة الصحيحة الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قولًا أو فعلًا أو تقريرًا لعموم أمره تعالى بأخذ ما جاءنا به من نصوص الكتاب والسنة لقوله تعالى: ﴿وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا﴾ (سورة الحشر:7) ولأنه صلى الله عليه وسلم لا ينطق عن الهوى إنما يشرع لنا بوحي من الله تعالى كما قال سبحانه: ﴿وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَىٰإِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَىٰ عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَىٰ﴾ (سورة النجم: 3-5).. الآيات، ولأن اتِّباعه صلى الله عليه وسلم فيما جاء به عموما دليل على الإيمان بالله ومحبته سبحانه ويترتب عليه محبة الله ومغفرته لمن اتَّبعه كما قال تعالى: ﴿قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾ (سورة آل عمران:31) ولأمره تعالى بطاعته صلى الله عليه وسلم وحكمه بأن طاعته طاعة الله قال تعالى ﴿قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَإِن تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ﴾ (سورة آل عمران: 32) وقال: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إلى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَٰلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا﴾ (سورة النساء: 59) وقال: ﴿مَّن يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ وَمَن تَوَلَّىٰ فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا﴾ (سورة النساء: 80) إلى غير ذلك من آيات القرآن التي أمرت بطاعة الرسول صلى الله عليه وسلم واتباعه وأخذ ما ثبت عنه والعمل به فالسنة الثابتة عنه صلى الله عليه وسلم حجة تثبت بها الأحكام عقيدة وعملًا كما أن القرآن حجة تثبت بها الأحكام صراحة واستنباطا على مقتضى قواعد اللغة العربية وطريقة العرب في فهمهم للغتهم.

ثانيًا: عذاب الكافرين في قبورهم ممكن عقلًا وقد دل القرآن الكريم على وقوعه من ذلك قوله تعالى: ﴿وَحَاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذَابِ*النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ﴾ (سورة غافر: 45-46) فهذا بين واضح في إثبات العذاب في القبر بالنار لأنه لا غدو ولا عشى يوم القيامة ولقوله في ختام الآية ﴿وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ﴾ (سورة غافر 46)، فإنه يدل على عذاب أدنى قبل قيام الساعة وهو عرضهم على النار، وما هو إلا عذاب القبر وفرعون وآله ومن سواهم من الكافرين سواء في حكم الله وعدله في الجزاء ومن ذلك أيضًا قوله تعالى: ﴿فَذَرْهُمْ حَتَّىٰ يُلَاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي فِيهِ يُصْعَقُونَ يَوْمَ لَا يُغْنِي عَنْهُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا وَلَا هُمْ يُنصَرُونَ وَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا عَذَابًا دُونَ ذَٰلِكَ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ﴾ (سورة الطور: 45-47) فأنه يدل على تعذيب الكافرين عذابًا أدنى قبل قيام الساعة وهو عام لما يصيبهم الله تعالى به في الدنيا وما يعذبهم به في قبورهم قبل أن يبعثوا منها إلى العذاب الأكبر وثبت في الأحاديث الصحيحة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يستعيذ في صلاته من عذاب القبر ويأمر أصحابه بذلك وثبت أنه بعد أن صلى صلاة كسوف الشمس وخطب الناس أمرهم أن يستعيذوا بالله من عذاب القبر، واستعاذ بالله من عذاب القبر ثلاث مرات في بقيع الغرقد حينما كان يلحد لميت من أصحابه ولو لم يكن عذاب بالقبر ثابتًا لم يستعذ بالله منه ولا أمر أصحابه به. 

وقد بين النبي صلى الله عليه وسلم أن قوله تعالى: ﴿يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ﴾ (سورة إبراهيم: 27) يدخل فيه تثبيت المؤمن وخذلان الكافر عند سؤال كل منهما في قبره، وأن المؤمن يوفق في الإجابة، وينعم في قبره وأن الكافر يخذل ويتردد في الإجابة ويعذب في قبره وسيجيئ ذلك في حديث البراء بن عازب رضي الله عنه قريبًا ومن أدلة عذاب القبر أيضًا ما ثبت في الصحيحين عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم مر بقبرين فقال «إنهما ليعذبان وما يعذبان في كبير أما أحدهما فكان لا يستبرئ من البول وأما الآخر فكان يمشي بالنميمة فدعا بجريدة رطبة فشقها نصفين وفرز على كل قبر واحدة وقال لعله يخفف عنهما ما لم ييبسا». (متفق عليه)

وقد تواترت الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في ثبوت سؤال الميت في قبره وثبوت نعيمه فيه أو عذابه حسب عقيدته وعمله بما لا يدع مجالًا للشك في ذلك، ولم يعرف عن الصحابة رضي الله عنهم في ثبوت ذلك خلاف، ولذا قال بثبوته أهل السنة والجماعة ومما ورد في ذلك ما رواه الإمام أحمد في مسنده وأبو داود في سننه والحاكم وأبو عوانة الإسفراييني في صحيحيهما عن البراء بن عازب رضي الله عنه قال كنا في جنازة في بقيع الغرقد فأتانا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقعد وقعدنا حوله كان على رؤوسنا الطير وهو يلحد فقال «أعوذ بالله من عذاب القبر» ثلاث مرات ثم قال «إن العبد المؤمن إذا كان في إقبال من الآخرة وانقطاع من الدنيا نزلت إليه الملائكة كان على وجوههم الشمس معهم كفن من أكفان الجنة وحنوط من حنوط الجنة فجلسوا منه مد البصر ثم يجيء ملك الموت حتى يجلس عند رأسه فيقول: «يا أيتها النفس الطيب أخرجي إلى مغفرة من الله ورضوان» قال: «فتخرج تسيل كما تسيل القطرة من في السقاء فيأخذها فإذا أخذها لم يدعوها في يده طرفة عين حتى يأخذوها فيجعلوها في ذلك الكفن وذلك الحنوط ويخرج منها كأطيب نفحة مسك وجدت على وجه الأرض. قال فيصعدون بها، فلا يمرون بها يعني على ملأ من الملائكة إلا قالوا: ما هذه الروح الطيبة فيقولون فلان ابن فلان بأحسن أسمائه التي كانوا يسمونه بها في الدنيا حتى ينتهوا بها إلى السماء فيستفتحون له فيفتح له، فيشيعه من كل سماء مقربوها إلى السماء التي تليها حتى ينتهي بها إلى السماء التي فيها الله فيقول الله عز وجل اكتبوا كتاب عبدي في عليين وأعيدوه إلى الأرض، فإني منها خلقتهم وفيها أعيدهم ومنها أخرجهم تارة أخرى قال فتعاد روحه في جسده، فيأتيه ملكان فيجلسانه فيقولان له من ربك فيقول ربي الله فيقولان له: ما دينك فيقول: ديني الإسلام فيقولان له: ما علمك فيقول قرأت كتاب الله فآمنت به وصدقت فينادي مناد من السماء أن صدق عبدي فأفرشوه من الجنة، وافتحوا له بابًا إلى الجنة، قال: فيأتيه من روحها وطيبها ويفسح له في قبره مد بصره قال ويأتيه رجل حسن الوجه حسن الثياب طيب الريح فيقول أبشر بالذي يسرك هذا يومك الذي كنت توعد فيقول له من أنت فوجهك الوجه الذي يجيء بالخير فيقول أنا عملك الصالح فيقول: يا رب أقم الساعة حتى أرجع إلى أهلي ومال، قال: وإن العبد الكافر إذا كان في انقطاع من الدنيا وإقبال من الآخرة نزل إليه من السماء ملائكة سود الوجوه معهم المسوح فيجلسون منه مد البصر ثم يجيء ملك الموت حتى يجلس عند رأسه فيقول أيتها النفس الخبيثة أخرجي لي سخط وغضبه قال فتتفرق في جسده فينتزعها كما ينتزع السفود من الصوف المبلول فيأخذها فإذا أخذها لم يدعوها في يده طرفة عين حتى يجعلوها في تلك المسوح ويخرج منها كأنتن ريح خبيثة وجدت على وجه الأرض الله فيصعدون بها فلا يمرون بها على ملأ من الملائكة إلا قالوا: ما هذا الروح الخبيث فيقولون فلان بن فلان بأقبح أسمائه التي كانوا يسمونه بها في الدنيا حتى ينتهي بها إلى السماء الدنيا فيستفتح له فلا يفتح له.

ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم «لا تفتح لهم أبواب السماء ولا يدخلون الجنة حتى يلج الجمل في سم الخياط» فيقول الله عز وجل: اكتبوا كتابه في سجين في السفلى فتطرح روحه طرحا ثم قرأ «ومن يشرك بالله فكأنما خر من السماء فتخطفه الطير أو تهوي به الريح في مكان سحيق فتعاد روحه في جسده ويأتيه ملكان فيجلسانه فيقولان له من ربك فيقول هاه هاه لا أدري فيقولان له: ما هذا الرجل الذي بعث فيكم. فيقول هاه هاه لا أدري فينادي مناد من السماء أن كذب فأفرشوه من النار وافتحوا له بابًا إلى النار فيأتيه من حرها وسمومها ويضيق عليه قبره حتى تختلف أضلاعه ويأتيه رجل قبيح الوجه قبيح الثياب منتن الريح فيقول أبشر بالذي يسوؤك هذا يومك الذي كنت توعد فيقول من أنت فوجهك الوجه الذي يجيء بالشر فيقول أنا عملك الخبيث فيقول رب لا تقم الساعة» (أخرجه أحمد، وأبو داود). 

ثالثًا: ليس بمحال في المعقول أن تسأل الملائكة الأموات في قبورهم وأن يجيبهم الأموات أو يأخذوا جزاء وفاقًا بما قدموا وليس ببعيد في عظيم قدرة الله تعالى وعجائب سننه الكونية أن ينعم المؤمنين في قبورهم، ويعذب الكافرين فيها فإن من أنعم النظر في الكون وضح له عموم مشيئة الله ونفاذها وشمول قدرته تعالى وكمالها وأحكام خلقه ودقة تدبيره وإبداعه لما صوره وسهل عليه اعتقاد ما وردت به النصوص الصحيحة في سؤال المقبورين ونعيمهم أو عذابهم وقد ثبت فيها أن الله تعالى يعيد الروح إلى من مات بعد دفنه إعادة تجعله حيا حياة برزخية وسطا بين حياته في دنياه وحياته بعد أن يبعثه الله يوم القيامة وهذه الحياة الوسط بين الحياتين تؤهله لسماع السؤال والإجابة عنه إذا وفق وتجعله يحس بالنعيم أو العذاب وقد تقدمت الأحاديث في ذلك والله في تدبيره وخلقه شؤون لا تحيط بها العقول لقصورها ولا تحيلها بل تحكم بإمكانها وإن كنت تحار في تعليلها وتعجز عن الوقوف على كنهها وحقيقتها وعن معرفة مداها وغاياتها فعلى الإنسان إذا عجز عن شيء وخفى عليه أمره أن يتهم نفسه بالقصور ولا يتهم ربه في علمه وحكمته وقدرته.

الرابط المختصر :