العنوان تصفية الحسابات العربية في أوروبا
الكاتب محمد عبد الهادي
تاريخ النشر الثلاثاء 11-مايو-1982
مشاهدات 11
نشر في العدد 570
نشر في الصفحة 20
الثلاثاء 11-مايو-1982
أنظمة العسكرتارية العربية هي التي تمارس ألوانًا من النشاط الإرهابي المعروف في أوروبا.
سياسة العنف الحكومي في أوروبا تسيء إساءة بالغة إلى الأنظمة العربية المتعقلة.
قرار التصفيات الجسدية خارج حدود الوطن العربي قرار حكومي صادر عن مؤسسات حكومية عربية معروفة.
منذ أن نالت الشعوب العربية استقلالها عن الدول الاستعمارية.. ومنذ أن سكتت بنادق جنود الاحتلال الغربي في المدن العربية برحيل آخر جندي أجنبي عنها، تسلمت الحكم العربي قيادات متنوعة في الاتجاهات متفاوتة في العقلية. وهذا الأمر.. وهذا التفاوت- ولا سيما بالمسلكية السياسية عند الحاكم- أفرز نوعًا من التفاوت الكبير في الاستقرار الداخلي بين قطر عربي وآخر. ولعل أكثر الدول العربية عاشت نسبة ملحوظة من «اللا استقرار» تلك التي تعاقبت على حكمها.. أو حكمتها العقلية العسكرية «والبزة» البوليسية ولعلنا لا نبالغ لو أيدنا من يقول إن انفراد العسكر في الحكم بعد الاستقلال من الاستعمار الأجنبي كان أشد وطأة على الشعوب العربية من حكم الأجنبي.
فالشعوب التي أعلنت الجهاد ضد المستعمر الغربي في ليبيا وسورية وعدن ومصر كانت راغبة في نيل الاستقلال وممارسة الحرية الذاتية في السياسة والحكم.. وفي الاقتصاد والعلائق الاجتماعية- ضمن إطار روحي متصل بالعقيدة التي يدين بها الشعب العربي المسلم.
فهل حققت الشعوب مطمعها؟؟ كثيرون من يقولون لا فالمواطن العربي في بعض البلدان العربية- ونقصد تلك التي تحكم فيها «العسكرتاريا» سيطرتها على أمور الحياة جميعها- يواجه مجموعة كبيرة من التشنجات السياسية والمسالك الإرهابية التي تستخدم القيمة الحديدية في كل مناسبة من طموحات الشعوب.
ومن هنا.. لا بد للمؤرخ في «الحركة السياسية في الوطن العربي» أن يلاحظ ردة الفعل الشعبية ضد ممارسات الأنظمة العسكرية.. أو الأنظمة الانقلابية التي أفرزتها الهيمنة العسكرية. لكن.. بماذا أجيب المواطن العربي؟
لقد كانت حقيقة مرة تشتمل على كافة أساليب القهر والإرهاب وما يندرج في قاموس الديكتاتورية من ممارسات.
وهنا لم ير المواطن الحر بدًا من الهجرة.. فقد غادرت الآلاف المؤلفة من الشباب العربي بلادها إلى أوروبا ليتنسموا فيها هواء الحرية التي يحنون إليها منذ أمد بعيد وإزاء هذه الجراء.. وإزاء ما يسمعه المواطن المهاجر إلى الغرب عما يحدث في بلاده. وجد نفسه وبلا مقدمات في صفوف المعارضة السياسية لحاكم بلده الأم. الأمر الذي أثار كبرياء حاكمه العسكري الذي قرر أن يطأ مواطنيه على أراضي الأمم الأخرى دون تفكير في النتائج، وهكذا وجدت فكرة تصفية الحسابات العربية في الخارج. والتي كان من ضحيتها كثير من المواطنين الحرب الذين تميز كثير منهم بارتباطهم بالحركة الإسلامية ومنهم:
محمد مصطفى رمضان- ليبي الجنسية- اغتيل في لندن عام ۱۹۷۹ عقب صلاة الجمعة.
- صلاح البيطار- سوري الجنسية- اغتيل في يوليو عام ۱۹۸۰- أمام مكتب مجلة الإحياء العربي في باريس.
- بنان الطنطاوي- سورية الجنسية- اغتيلت في مارس ١٩٨١ في آخن بألمانيا الغربية.
- نزار الصباغ- سوري الجنسية- اغتيل في أواخر عام ١٩٨٦ في مدينة برشلونة بإسبانيا.
وإلى جانب هذا الأمر اغتالت المخابرات العربية كثيرًا من الشباب والطلاب السياسيين في أوروبا ومنهم الطالب السوري الذي خنق في مدينة ستراتبورغ، وظافر الأتاسي الذي قتل في فرنسا أيضًا. والضابط بريد البريدي، وهو سوري الجنسية، وكان قد خطف من باريس إلى مكان مجهول خارج فرنسا لتتم تصفيته هناك بتهمة انتسابه للمعارضة، وهناك أيضًا عشرات من الطلبة الليبيين الذين قضوا نحبهم في المدن الأوروبية دونما تهمة معينة.
على أن حوادث التصفيات الإرهابية لم تكتف بالأهداف البشرية، ولعل محاولات تفجير مجلتي الوطن العربي والإحياء العربي من قبل في باريس يضيف المؤسسات الصحافية المعارضة إلى حساب التصفيات العربية.
والعجيب أن الأنظمة العربية عندما تسأل عن العمليات الإرهابية التي تمارس ضد المواطنين العرب في أوروبا.. لا تجيب.. أو أنها تفضل التنصل من تلك الأحداث متهمة أطراف المعارضة بإحداثها..
ولكن هل تعطي الوثائق الصحيحة مصداقية لما تقوله الأنظمة؟
الجواب لا.
إعلان عن التصفيات:
ففي شباط «فبراير» ۱۹۸۰، نشرت الصحافة الليبية إعلانًا صادرًا عن الاجتماع الثالث للجنة الثورية في جامعة غار يونس في بنغازي يتضمن مقاطع تعلن التصفية الجسدية لأعداء الثورة في الخارج، والأعداء الآخرين الذين قال عنهم الإعلان أنهم «يعوقون التغيير الثوري بطرق سياسية أو اقتصادية».
وفي الشهور التي تلت الإعلان قتل أربعة ليبيين في الخارج.
وفي ٢٥ نيسان «أبريل»۱۹۸۰ أذاعت منظمة العفو الدولية بيانًا صحفيًا تشجب فيه اغتيال الليبيين في الدول الأجنبية وتطالب فيه السلطات بإلغاء برنامجها الخاص بالتصفية الجسدية، لأعداء الثورة، وكان هذا البيان قد وضع في أثناء محادثات لجنة منظمة العفو الدولية مع السلطات الليبية في آذار «مارس» ونیسان «أبريل»۱۹۸۰، إلا أن السلطات الليبية أخطرت اللجنة وقتها أن البرنامج لم يوضع موضع التنفيذ.
وفي ۲۷ نيسان «أبريل»۱۹۸۰ أعلن العقيد معمر القذافي أن أي ليبي يعيش في الخارج ولم يبدأ في الإعداد للعودة إلى ليبيا سوف يصفى. وفي ٢٨ نیسان «أبريل»، قالت الصحيفة الرسمية «الزحف الأخضر» إن برنامج التصفية الجسدية بدأ بالفعل، وحذرت من أن عائلات الليبيين الذين يرفضون العودة ستواجه الانتقام.
ولعل عاصمة عربية أخرى شهدت صدور تصريحات كثيرة مشابهة للتصريحات الليبية فبعد حادث «الأزبكية» المشهور في إحدى العواصم العربية. انبرى وزیر إعلام نظام تلك العاصمة وانبرى معه رئيسه يتوعد المواطنين في الخارج بالملاحقة والقتل، وفعلًا تمت بعض العمليات الإرهابية التي قام بها أعضاء معروفون من سرايا الدفاع ومخابرات أمن الدولة الخارجي في باريس وبرشلونة وشتوتغارت وبون في ألمانيا الغربية، ولعل أبرز عمليات التصفيات تلك ما تناول فيه إرهابيو الأنظمة المؤسسات الدينية والصحفية كمحاولة تفجير مسجد ميونخ في ألمانيا الغربية ومبنى مجلة الوطن العربي في باريس.
وفي الآونة الأخيرة اكتشفت المؤسسات الأمنية في أوروبا أن عمليات الإرهاب ذات مصدر عربي- شرق أوسطي، وهي عمليات تتميز بالدقة والخبرة. ولعل بعض التصريحات الفرنسية أشارت في الآونة الأخيرة مرارًا إلى استفادة بعض الأنظمة العربية من الإرهابي الدولي «كارلوس».
ففي تصريح لوزير الداخلية الفرنسي قال بعد محاولة تفجير مجلة الوطن العربي: «إننا نعتقد تمامًا أن بعض أعضاء السفارة «السورية» خرجوا عن دورهم الديبلوماسي.. وفي رأيي أن سورية من البلدان التي تستعمل ماركوس.
بعد هذا نقول:
إن الأنظمة العربية المعنية بالإرهاب في أوروبا تسيء إلى سمعة الشعب العربي- كما تسيء إساءة باللغة إلى الحكومات العربية المتعقلة ولا سيما دول الخليج التي ترفض مبدأ الإرهاب في تصفية الحسابات العربية ولعلنا نقول مع المواطن العربي إن على الأنظمة العربية المتعقلة أن تأخذ على يد الظلم فتكفه عن ظلمه.. وتخلص الأبرياء من آثامه وشروره!!
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكل
«الإرهاب» في القانون الدولي والشريعة الإسلامية.. إشكالية المفهوم
نشر في العدد 2110
106
الثلاثاء 01-أغسطس-2017