; تعجيل زواج الشباب.. ضمانة للأمن المجتمعي | مجلة المجتمع

العنوان تعجيل زواج الشباب.. ضمانة للأمن المجتمعي

الكاتب محمد الخولي

تاريخ النشر الخميس 01-يونيو-2023

مشاهدات 20

نشر في العدد 2180

نشر في الصفحة 28

الخميس 01-يونيو-2023

 

تشير الدراسات والأبحاث إلى علاقة طردية بين عدم الزواج وانتشار الجرائم في المجتمعات؛ ما يهدد أمنها، بل ووجودها في كثير من الأحيان، فالزواج الشرعي هو العلاقة الطبيعية الوحيدة للتناسل وبناء الأمم، ورغم ذلك تشير الإحصاءات في عدد من الدول العربية والإسلامية إلى عزوف كثير من الشباب عن الزواج، مرجعين ذلك إلى أسباب عدة؛ اقتصادية واجتماعية وثقافية، فضلاً عن الدعوات الغربية التي تلمح إلى أن الزواج أصبح عادة قديمة يجب أن تندثر.

ويُجمع عدد من المتخصصين والباحثين، في حديث لـ«المجتمع»، على خطورة الإحجام عن الزواج، مؤكدين في الوقت ذاته ضرورة مساعدة الشباب على الزواج حماية لهم ولمجتمعاتهم من الانحراف وانتشار الرذيلة، وهو ما يمثل خطورة كبيرة على المجتمعات.

في البداية، يقول أ.د. محمود مهنى، نائب رئيس جامعة الأزهر سابقاً، عضو مجمع البحوث الإسلامية: إن الزواج من السنن التي شجعنا النبي صلى الله عليه وسلم عليها، وورد ذلك في أكثر من حديث روي عنه صلى الله عليه وسلم، فأمرنا بالزواج فقال: «تزوجوا فإني مكاثر بكم الأمم يوم القيامة»، وعن أنس بن مالك رضي الله عنه، قال: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمر بالباءة وينهى عن التبتل نهياً شديداً»، وفي حديث السيدة عائشة رضي الله عنها، قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «النكاح سُنتي فمن لم يعمل بسُنتي فليس مني، وتزوجوا فإني مكاثر بكم الأمم، ومن كان ذا طول فلينكح، ومن لم يجد فعليه بالصيام، فإن الصوم له وجاء».

ويوضح د. مهنى أن بهذا الأمر النبوي الواضح والصريح تأكيداً على أهمية الزواج وضرورته لبناء مجتمع إسلامي قوي وحمايته من الشرور الناتجة عن عدمه، مشيراً إلى أن البديل لعدم الزواج أو تعقيده هو انتشار الفاحشة بين الناس، وبالتالي انتشار الجريمة بكل أشكالها، التي منها الزنى؛ قال تعالى: (وَلاَ تَقْرَبُواْ الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاء سَبِيلاً) (الإسراء: 32).

ومن جانبها، ترى د. إنشاد عز الدين، أستاذ علم الاجتماع الأسري بكلية الآداب جامعة المنوفية، أن العلاقة الطبيعية بين أي ذكر وأنثى في المجتمع الإسلامي هي الزواج الشرعي، لما في ذلك من فائدة عظيمة سواء للأفراد أو للمجتمع كله، موضحة بأن الشريعة الإسلامية في مسألة الأحوال الشخصية وتنظيم العلاقات بين الذكور والإناث جاءت منظمة ومحددة لما فيه صلاح المجتمع ومصلحته، فلم يلزمنا الشرع بشيء إلا وفيه خير للجميع.

 

ميثاق غليظ

وبدورها، ترى الداعية المصرية فاطمة موسى أن الزواج ميثاق غليظ، وهو آية من آيات الله في الكون لقوله تعالى: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً) (الروم: 21)، والزواج هو المتنفس الوحيد في الإسلام لتلبية حاجة نفسية وجسدية واجتماعية للإنسان؛ وهي الاحتياج للجنس الآخر، كما قالت الأعرابية لابنتها يوم زفافها: «ولكن النساء للرجال خُلقن، ولهن خُلق الرجال»؛ وعليه فالزواج هو الضمان الوحيد لتماسك المجتمع واستقراره.

وأضافت موسى أن بالزواج يتحمل كل شخص مسؤوليته من رعاية أولاده وزوجته، ورعاية الأم زوجها وأولادها، ونشأة أشخاص مستقرين نفسياً من خلال النشأة في أسرة متماسكة مستقرة نفسياً وصولاً إلى إحساس كامل بالمسؤولية عندما يكون مسؤولاً عن أسرة فيما بعد، ولذلك اتخذ الإسلام وسائل عديدة لضمان استقرار الأسرة والحفاظ على الرباط المقدس.

وفي هذا أيضاً تؤكد د. فتحية الحنفي، أستاذة الفقه المقارن بجامعة الأزهر، أن الزواج عماد الأسرة الثابتة التي تلتقي الحقوق والواجبات فيها بتقديس ديني يشعر الشخص فيه بأن الزواج رابطة مقدسة تعلو بها إنسانيته؛ فهو علاقة روحية نفسية تليق برقي الإنسان وتسمو به، قال تعالى: (هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ) (البقرة: 187)، لافتة إلى أن الزواج فيه راحة للقلب وتقوية على العبادة، وفيه استئناس بالنساء حيث السكن والمودة والرحمة، كما حثنا النبي صلى الله عليه وسلم على طلب النسل بالزواج فقال: «تزوجوا الودود الولود فإني مكاثر بكم الأمم».

وتشير د. إنشاد عز الدين إلى أن الشباب في المجتمعات الإسلامية سواء في العالم العربي أو خارجه يتعرضون دائماً لحملات مغرضة هدفها الأساسي تدمير مجتمعاتهم بإبعادهم عن صحيح دينهم، وأضافت أنه رغم هذه الحملات التي تُستخدم فيها مواقع التواصل الاجتماعي والأفلام الأجنبية، فإن الدين والأعراف والتقاليد ما زالت راسخة في نفوس الغالبية العظمى من هؤلاء الشباب، ولا بد أن تعي المؤسسات الدينية هذه الحرب التي تستهدف الشباب، وتسعى دائماً إلى تأكيد أهمية الزواج في الحفاظ على المجتمع وبناء أجيال جديدة من المسلمين يستطيعون مواجهة هذه الأفكار الهدامة.

ويشير د. مهنى إلى ضرورة الابتعاد عن هذه «الأفكار المستوردة» التي تظهر في المجتمعات لتقضي عليها، فالزواج هو الزواج كما أقره جمهور العلماء، أما ظاهرة عدم الزواج أو ما يمكن تسميته بزواج الطلاب والطالبات فهو ليس زواجاً حقيقياً وإنما هو زنى، وهذه الأفكار يجب أن تعمل مؤسسات الدولة على محاربتها ومواجهتها بكل الطرق.

 

تسهيل الزواج

وتقول د. إنشاد: إن هناك ضرورة للعمل على تسهيل الزواج، فالاعتدال ضرورة والغلو غير مطلوب، مشددة على ضرورة الابتعاد عن المظاهر المزيفة التي تزيد من نسب تأخر سن الزواج.

وتؤكد د. فتحية الحنفي ضرورة التسهيل في الزواج، فالرسول الكريم صلى الله عليه وسلم قال: «تنكح المرأة لأربع؛ لجمالها ولمالها ولحسبها ولدينها فاظفر بذات الدين تربت يداك»، فالجمال والمال والجاه والحسب إلى زوال، لكن الدين هو الباقي، وقال صلى الله عليه وسلم: «إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه..»، وبالتالي فهذه سُنة النبي صلى الله عليه وسلم أن يكون الاختيار قائماً على الدين وحُسن الخلق، وأن هذا بداية تكوين أسرة صالحة تخرِّج أجيالاً نافعة لوطنها، وبالتالي تحفظ الأمن المجتمعي.

ومن جانبه، يؤكد د. مهنى أن العمل على مساعدة الشباب على الزواج الشرعي هو في الأصل حماية للمجتمع من الفقر والجرائم والأمراض والأوبئة التي تنتشر في المجتمعات التي تمارس الزنى، وهذا مثبت علمياً، فنحن نسمع الآن، في الغرب، عن أمراض لم نكن نعرفها من قبل نتيجة انتشار هذه الفواحش.

وشدد على أن الزواج يحفظ المجتمعات من الانحراف ويحمي الشباب الذين يعدون وقود أي أمة وعمودها الفقري، وبسواعدهم تبنى الأمم، فقد أمرنا الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم بعمارة الأرض، ولا يكون ذلك إلا بالذرية الصالحة التي تكون نتيجة للزواج الشرعي على كتاب الله تعالى وسُنة رسوله.

وتشير د. فتحية إلى أن في النكاح حفظ النسل الذي به يتحقق مقصد من مقاصد الشريعة الإسلامية لتحقيق الأمن المجتمعي، وتتابع أنه لو ترك كل إنسان يقضي وطره كيف شاء لهلك المجتمع وضاع وصار لا فرق بين الإنسان والحيوان، وهذا أكثر خطورة على المجتمع وأمنه.

الرابط المختصر :