العنوان تعرفوا على الإسلام قبل أن تنعتوه بالجمود .. التطور والجمود
الكاتب عباس عجيل الجوراني
تاريخ النشر الثلاثاء 23-مارس-1971
مشاهدات 14
نشر في العدد 52
نشر في الصفحة 20
الثلاثاء 23-مارس-1971
بقلم: عباس عجيل الجوراني
لم يمض على ظهور الشيوعية سوى نصف قرن حتى أخذت التناقضات تدب وازداد لهيبها بين معتنقي هذه الفكرة أنفسهم، وهذه الفكرة لم تطبق لحد الآن حتى في روسيا حيث انحرف بها لينين حين أجاز الملكية الفردية بشكل محدود.
كل إنسان على وجه البسيطة يود أن يكون متقدمًا في حياته بشتى نواحيها وفي جميع مراحلها منذ بدء الخليقة وإلى اليوم وحتى يوم النشور، ومن أجل هذا فإن المرء يجابه كثيرًا من الصعوبات وينبذ كثيرًا من المفاهيم الخاطئة والآراء المشلولة السائدة في زمانه ولهذا فهو حين لا يجد لنفسه من قومه نصيرًا فإنه غالبًا ما يلجأ إلى الانفراد بنفسه مبتعدًا عن قومه لعدم إتباع رأيه وهذه الصفة متوفرة في أغلب المرسلين عليهم السلام بل وعلى هذا الأساس اختار الله أنبياءه لأنهم فكروا في إصلاح حالة قومهم وتطويرها لذلك فهم الأساس والدعوة إلى التقدمية الحقة.
وكل إنسان لا يرغب أن يوصف بالتأخر والانحطاط والتقليد الأعمى فتراه يدافع عن نفسه بكل دليل وحجة ليطرد تلك التهمة الملصقة به، وهذه الغريزة أو الحالة النفسية لها أثرها الهام في بناء هيكل المجتمع الذي يرغب السير في طريق التقدم.
فهي إن كانت دعوة تقدمية حقة من جميع نواحيها فإنها فعلًا تصبح حلقة وصل بين الناس وبين الداعي لتلك الفكرة وهذا ما أثبته الرسول صلى الله عليه وسلم في رسالته الخالدة «الإسلام».
وإما أن تكون الدعوة كفراغ يفصل بين الناس والداعي لأنهم لم يلمسوا فيها كامل متطلباتهم بسبب كون هذه الدعوة مخصصة لبيئة معينة وعقلية محددة كما في الديانات السماوية الأخرى التي يتشبث بها محرفوها عبثًا، أو إنها تناولت جانبًا واحدًا كما فعلت الشيوعية في تناولها الجانب المنادي.
الإسلام والشيوعية:
ويجب النظر إلى الزمن بعين الاعتبار حين الحكم على الدعوة من حيث تقدميتها أو رجعيتها فمثلًا ما نلحظه اليوم عن انتشار الشيوعية بسبب ابتعاد الناس عن فهم إسلامهم من جهة وبسبب التهم التي الصقت به من جهة أخرى-ذلك لا يسمح لنا من الحكم على الشيوعية بأنها مرحلة تطويرية أو أنها دعوة تقدمية.
فإذا ما أردنا أن نقارن الإسلام بالشيوعية -وحاشاه أن يقارن بها- فيجب النظر إلى العامل الزمني الذي مر على الدعوة الإسلامية وهو لا يزال متمثلًا بنفوس ۷۰۰ مليون مسلم يحتاجون إلى عناء قليل من التوعية ليرجعوا إلى دينهم الحق في حين أنه لم يمض على ظهور الشيوعية سوى نصف قرن حتى أخذت التناقضات تدب وازداد لهيبها بين معتنقي هذه الفكرة أنفسهم، وهذه الفكرة لم تطبق لحد الآن حتى في روسيا حيث انحرف بها لينين حين أجاز الملكية الفردية بشكل محدود وهذا ما ينافي صميم هذه الفكرة التي ذهب ضحاياها الملايين كل هذا أصبح مما له علاقة بانحسار هذه الدعوة الشؤم من مسرح الوجود، الدعوة التي سلكت طريقًا مضادًا للفطرة تمامًا ومنذ نشوئها ولهذا فإن الإنسان لا يمكن أن يقيم سلوكه وتصرفاته على غير الفطرة «فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم ولكن أكثر الناس لا يعلمون» إنها فكرة جعلت الإنسان كآلة جامدة من الآلات يسير تبعًا لظروف لا حول له فيها أو قوة تخضع في تطورها الجبري للطبيعة وليس لها يد في هذا التطور بل من واجبه السير وفق ما اقتضته وما تفتضيه ظروفهم المزعومة.
وهكذا عكس الإسلام تمامًا الذي جاء مسايرًا للفطرة القويمة ومهذبًا فالتطور في نظر الإسلام ما هو إلا ناتج من عمل الإنسان أشياء بمحض اختياره وهو غايته التي يؤمن بها ويجسدها في واقعه العملي، ويمكن اعتبار الشيوعية هي أم الرجعية وذلك لأنها تسعى بالمجتمعات إلى الوصول إلى الشيوعية الأولى التي سادت أول حياة الإنسان– كما يدعون– فهي إذن رجعية.
الإسلام والتطور:
بقي أن نتعرف على موقف الإسلام تجاه التطور الذي حازت عليه الأمم، وهل يعترف به؟ أو يعارضه؟ أو أن له رأيه المنفرد ونظرته الخاصة به؟
إن نظرة عابرة لبعض نصوص التشريع الإسلامي كافية لإثبات أن للإسلام حقيقته المتفردة وفلسفته الخاصة في الطابع التطويري العام الذي يستهدفه وفي الأسس التي يقوم عليها مثل هذا التطور، نعم إن للإسلام فلسفة خاصة حتى في بعض الخطوط الفرعية التي يلتقي فيها مع بعض الفلسفات الأخرى في المظهر والشكل فإنه يختلف عنها اختلافًا جوهريًا في إعطاء المحتوى والتفسير لتلك الظاهرة الخاصة التي حصل التلاقي فيها.
فالتطور-وخاصة الاجتماعي- يخضع بكل تفصيلاته إلى التشريع الإسلامي وفلسفته وأحكامه ويدخل ضمن دائرته وحقيقته الشاملة، وأن قيام التشريع الإسلامي على الفطرة لا يعني -مطلقًا - محاشاته للغرائز في كل إيحاءاتها ونداءاتها -نافعة كانت أم ضارة - ولا يعني أنه يتركها دون أن يتدخل في توجيهها.
كما أن ابتناء الإسلام على الفطرة لا يعني أنه يترك الفطرة على حالها بلا تنمية ومساعدة وتكون مهمته منحصرة فقط في استكشاف قوانين الفطرة لا أكثر كما اكتشفت قوانين المادة بلا تدخل وبهذا يكون الدين -حسب تفكيرهم- قد أدى رسالته من هذه الوجهة تأدية كاملة.
أوروبا تنهار أخلاقها:
أما هؤلاء الذين قاموا حياتهم على غير الفطرة فإنهم وقعوا في خطأ حين جعلوا مقياس التطور هو مصنوعاتهم المادية مما أنجبه العقل البشري ومما عثر عليه من علوم والإسلام من جانبه لا يستهين بهذه الماديات والعلوم لكنه يأنف أن يعتبرها هي التطور بحد ذاته وهي الكل بالكل فالتطور في مجال المادة هو تطور ناقص مقصور عن سد كافة متطلبات البشر مهما كلل هذا التطور بالنجاح ودليلنا على ذلك هو أوروبا قرن العشرين.
تلك التي وصلت إلى قمة التفوق في العلم والغلبة في ضخامة الإنتاج وقد قطعت في ذلك شوطًا كبيرًا غير متوقع لم تشهد البشرية مثله منذ تواجدها على هذا الكوكب لكنها من الجانب الآخر وصلت إلى الدرك الأسفل من الانهيار الخلقي والروحي وهذا ما عبر عنه مفكروها أنفسهم فحين قال برتراند رسل إن سيادة الرجل الأبيض قد انتهت لم يقل ذلك جزافًا أو كرهًا لأبناء جلدته لكنها والله الحقيقة هي التي دفعته، وهو لا يعني بذلك أن الرجل الأبيض قد فرغ من العلم وانتهت قوته المادية أو نفدت ضخامة إنتاجه بل إنه يعني أن الرجل الأبيض قد أصبح لا شيء من حيث خلوه من الروح الصالحة ومن الفضيلة الإنسانية واتجاهه نحو التسيب وهروبه إلى عالم الأحلام في سلوكه وتصرفاته الحيوانية ولا أقول هذا بداع من الحنق على الحضارة الغربية بل أن الهيبية والمظاهر الانحلالية الأخرى لشاهدة على صدق قولي وهي لخير أدلة دامغة أثبتت زيف الحضارة نقصها.
مقياس التطور الحقيقي:
ومن أجل هذا فإن التطور يقاس بمدى ارتفاع المرء أو انخفاضه في مقياس «الإنسان الذي يختلف عن مقياس «الحيوان».
«ولو كان التقدم العلمي أو الإنتاج المادي أو غيرهما من الأشياء الموجودة خارج النفس له الأثر الحاسم في النفس البشرية لوجب أن يرتفع الغرب اليوم إلى القمة الإنسانية العليا في كل ميدان من ميادين السلوك البشري.
ولما وجد هذا الوجه الكالح الكريه الذي يطل به الغرب على العالم اليوم: التمييز العنصري، والاستعمار والانحلال الخلقي والانحطاط الروحي والصراع الكريه على التوسع والتملك على حساب الكرامة البشرية والفزع المدمر الذي يعيش فيه العالم من خوف الحروب والهلاك» (1)
لكل ذلك عارض الإسلام التطور بشكله هذا ولم يجز أن يطلق عليه تطورًا بل هو جاهلية فإذا كانت هذه المعارضة الموضوعية تدعي رجعية فنعمت الرجعية بشكلها هذا.
وإن الحياة لا يمكن أن تدوم بهذا الطراز من التطور بل تصبح متوقفة -كما هي عليه الآن- على مجرد إشارة من أرعن ليضغط على زر فتتحول الأحياء إلى أجداث مكدسة لا حراك فيها بظرف دقائق معدودة.
وعلى هذا المنوال استمرت حياة الناس في جميع أو أغلب أنحاء العالم
(1) – معركة التقاليد لمحمد قطب.
ولا تزال سادرة في غيها حيث عاودتنا أنظمة أخرى شكلها ومظهرها تقدمي براق وباطنها أسود رجعي يرجع إلى عصور ما قبل الإسلام أو يدعو بالرجوع إليها.
وما هذه الأفكار إلا جاهلية أشنع من الجاهلية القديمة، فهناك يعبدون أشياء يشتركون جميعًا في الخضوع لها ألا يعبدوا –كما في الوقت الحاضر– أناسًا مثلهم بصورة غير مباشرة باتباع أنظمتهم الهدامة.
بعد كل هذا يجئ أولو المبادئ الهدامة للإسلام فيصفونه بالرجعية لأنه العقبة الوحيدة في وجه جميع الأفكار الهدامة لوقوفه في وجه كل غاية شخصية دنيئة مهما كان مركز صاحبها الاجتماعي وأكبر دليل على ذلك قول رسولنا العظيم صلى الله عليه وسلم «والله لو سرقت فاطمة بنت محمد لقطعت يدها» فيا ترى أي مرحلة بلغها هذا النظام من العدالة الاجتماعية؟ وأي درجات ارتقى إليها من القضاء على المطامع الشخصية؟
معنى الرجعية:
ولنحصل على نتيجة حاسمة يحب أن نعرف معاني الرجعية السائدة فهي إما تعني الجمود أو العمل بالتقاليد العمياء أو الالتزام بالأنظمة القديمة البالية التي وضعت لجزء مخصوص من الزمان والمكان أو البشر أو أنها تعني عدم السير في موكب الحضارة والتقدم أو أنها العمل بطقوس وعبادات خاصة ينكرها العقل السليم حيث لا ثمرة فيها ولا جدوى.
الإسلام دين الحياة:
وحين يوصف الإسلام بالرجعية فهذا يعني أنه يتصف بالجمود والانغلاق فأي جمود اتصف به الإسلام وجدير بكل من يصف الإسلام بالجمود جدير به أن يطلع على الإسلام أو على قليل منه قبل أن يتهجم عليه فإنه ليس من الصواب الحكم على شيء قبل معرفة كنهه وماهيته وعندياته.
السبيل إلى الإصلاح:
إذن كيف السبيل؟
إنه لن توجد إلا سبيل واحدة لكل دعوة على الأرض، إنه الإيمان.
وإنه لا تستطيع أي قوة مهما كان مصدرها أن تطفئ جذوة الأمل في قلوب فتية نذرت كل إمكاناتها ونذرت نفسها لتظهر الإسلام إلى حيز الوجود.
ولن يصلح آخر هذا الدين إلا بما صلح به أوله ومن سار على الدرب وصل.
﴿وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ ۖ وَسَتُرَدُّونَ إِلَىٰ عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ﴾
(التوبة: 105)
عباس عجيل الجوران
الرابط المختصر :
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكل
قراءة في مستقبل الأديان في العالم (3 - 3) الإسلام.. أرحام ولَّادة وأجيال يافعة
نشر في العدد 2182
35
الثلاثاء 01-أغسطس-2023