العنوان تعقيبا على مقال.. «لقاء مع حاكم دولة إسلامية بعد خمسين عامًا»
الكاتب مجلة المجتمع
تاريخ النشر الثلاثاء 25-أبريل-1972
مشاهدات 19
نشر في العدد 97
نشر في الصفحة 14
الثلاثاء 25-أبريل-1972
لم أتصور إجابة الحاكم المسلم.. كما تصورها الأخ عبد الحليم عويس
فالمجتمع الإسلامي
ارتقاء خلقي وكفالة اجتماعية.. قبل أن يكون «قطعًا» و«رجمًا»
قرأت في مجلتكم الغراء- العدد 94، في باب «صفحات حرة» موضوع الأستاذ عبد الحليم عويس:
«لقاء مع حاكم دولة إسلامية بعد خمسين عامًا»
ولقد كان مما قرأت السؤال الذي وجهه الأخ عبد الحليم إلى ذلك الحاكم المرتقب وهو «كيف أمكن تكوين الإنسان في هذه المراحل»؟
فكان جوابه:
«لم نكن في حاجة إلى نظرية فلسفية أو نفسية، لقد فعلنا شيئا بسيطًا، لقد دفعنا الناس إلى طريق الجادة، عندما قطعنا أيدي خمسة لصوص في الميدان العام، انتهت السرقة-؟- وعندما رجمنا ثلاثة زناة محصنين، وجلدنا مثلهم من غير المحصنين وشاهد الناس ذلك في التلفاز والمذياع، انتهى الزنا- بهذه البساطة؟-
والأمر نفسه في الخمرة وأنواعها، والجرائم الاجتماعية الأخرى، وهكذا بمجرد تطبيق الإسلام لسنة واحدة بجدية، وجد الناس أن هناك طريقًا واحدًا هو الشرف والخلق والعمل، وكانت هذه هي الأرضية، التي وقفنا عليها، وانطلقنا منها-!!-
لقد راعني هذا الجواب جدًا، لأنه في-نظري- لا يشكل الطريق السليم لبناء الأرضية القوية، التي تكون منطلقًا لبناء حكم الإسلام من ناحية، ومن ناحية أخرى فإن هذا الجواب يعطي صورة دموية قاسية ومشوهة لحكم الإسلام، الذي ندعو الناس إليه.
إننا ندعو الناس إلى حكم الإسلام لا لنفاجئهم بالمشانق والسحل وقطع الأيدي والقتل والفزع، وإنما لنحقق لهم به الخير والعدل والأمن، ونبعد عنهم الرعب والخوف والإرهاب، وليكونوا أمة لها وزنها وأهميتها في توجيه الحاكمين، وتقويم المعوجين، حتى يستقيم الجميع على الجادة بدافع داخلي-هو التقوى والطاعة- قبل كل شيء، لا بدافع الفزع والرعب والسحل.
إن رسول الإسلام -صلوات الله عليه- عندما بدأ بناء الإنسان، الذي غير وجه التاريخ لم يعتمد الحدود بادئ ذي بدء، وإنما اعتمد على بناء النفسية الإنسانية السليمة، وتخليص الفطرة البشرية من كل ما أفسدها من ركام الجاهلية ومفاسدها، وفجر في هذه النفسية طاقات الخير والصلاح والسمو والكمال فحقق بذلك القمم الشامخة من الناس الذين استطاعوا أن ينشروا الإسلام ويقيموا دولته في ربوع العالمين على العفة والشرف والعدالة والخير والعزة.
نعم إن للحدود حكمتها، من العباد، ورغبة في إشباع روح الحقد والسحق، وإنما علاجًا للحالات الشاذة القليلة من البشر الذين ترتكس فطرتهم وإنسانيتهم في حمأة الرذيلة أو الإجرام، وذلك تطهيرًا لهم وتزكية لا انتقامًا وقسوة.
نعم إن للحدود حكمتها، ولها أهميتها في تقويم المنحرفين، والشاذين ولكني لا أتصور أنها هي مهمة الحاكم المسلم الأولى، وخاصة في مجتمع حديث عهد بالجاهلية الحديثة التي هي أعتى وأسوأ من الجاهلية الأولى.
فالإسلام الذي شرع الحدود، أغلق في الوقت نفسه كل السبل المؤدية إلى الجرائم والآثام، ما أمكن ذلك، فهو حين شرع الرجم مثلًا سبق ذلك بتربية النفس المسلمة، التي تستجيب لله ولرسوله، وتنفر من الشيطان وأحابيله، وشحنها بتقوى الله وحسن مراقبته، ثم هيأ لهذه النفس الزكية الجو المناسب، الذي تعيش وتتنفس فيه، فحرم التبرج وحارب أسباب الغواية والتهتك، وأمر بالاحتشام والعفة وغض البصر، ودعا إلى الإحصان وأعان عليه، قال تعالى: ﴿ وَأَنكِحُوا الْأَيَامَىٰ مِنكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ ۚ إِن يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ ۗ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌۗ﴾ (النور: 32).
وطهر المجتمع من كل ما يعمل على إشاعة الفاحشة، وشجع كل ما يساعد على السمو والطهارة.
ولو تتبعنا بقية الأمور، التي ذكرها الأخ في جوابه على لسان الحاكم المسلم، لوجدنا أن الإسلام قد أخذ فيها أولًا بسد الذرائع، ثم جعل الحدود كعلاج أخير، وقصة عمر بن الخطاب من العبيد الذين سرقوا ناقة أحد المسلمين وأكلوها معروفة، فلم يقطع أيديهم، لأنه علم أن سيدهم يجيعهم ولا يوفيهم حقوقهم، وأنه بذلك قد حملهم على السرقة، فاستدعاه، وأنذره بأن يقطع يده هو إن عادوا للسرقة مرة أخرى، لأنه هو الذي يحملهم عليها بتجويعهم.
والإسلام- في نظري- ليس مجموعة من الحدود، إن طبقت بجدية -لسنة أو لأكثر أو لأقل- قامت بها دولة الإسلام، لأن الإسلام دستور كامل شامل للحياة كلها وللنفس الإنسانية بجوانبها، والحدود هي جزء من هذا الدستور، والإسلام ركيزته الأساسية الفطرة السوية لا السلطة القهرية.
لقد كنت أتوقع أن يكون الرد الذي أجراه الأخ على لسان الحاكم المسلم المنتظر أن يكون كما يلي:
«إننا بنينا الإنسان بالتوعية الإسلامية الصحيحة، التي ردت الناس إلى فطرتهم السليمة وعقيدتهم الصافية، وأزاحت عن نفوسهم ركام ومخلفات الجاهلية وتصوراتهم المغلوطة، التي فرضتها على هذه الأمة الاتجاهات المعادية بشتى الوسائل لتشويه الإسلام في نفوس الأجيال وشحنها بروح الإعراض والنفور منه، بغير هدى ولا كتاب منير، ولحاجة أرادها أعداء هذا الدين، وقد كان للمذياع والتلفاز وأجهزة الإعلام المختلفة دور هام في هذه التوعية، بعد أن استغلت فيما يرضي الله ورسوله ويخدم الحق والعدل وعقيدة هذه الأمة وتاريخها.
ولا شك أن بمثل ذلك يمكن أن يتحقق بناء الإنسان السوي، وتهيئة الأرضية، التي تصلح لأن تكون مرتكزًا للحكم الإسلامي.
إن الإسلام دين خير ورحمة وبر، ودعاة الإسلام إنما هم دعاة لهذا الخير ولهذه الرحمة، ويجب أن ينظروا إلى إخوانهم المنحرفين في المجتمع على أنهم مرضى، وأنهم في حاجة إلى أن نرحمهم وندعو لهم، لأنهم في أغلب الأحيان قوم مضللون، وعلينا أن نعمل جاهدين على إخراجهم من ضلالهم ومن التصورات الخاطئة، التي شوهت تفكيرهم، وغيرت وجهتهم.
إنني أعتقد أن الناس في حاجة إلى أن يفهموا الإسلام بصورته الحقيقية الصافية، قبل أي شيء آخر، وهذا في اعتقادي هو أول مهمة لأي حاكم إسلامي حقيقي، قبل أن تكون مهمة رجم وجلد وقتل.
ويجب أن لا يفهم من ذلك أنني أنكر الحدود -لا قدر الله- فأنا مسلم أؤمن بكل ما شرعه الله تعالى لخلقه، وما سن لهم من قوانين، وحكمه ما قرر من عقوبات، ولكني أعتقد أن العقوبات والحدود ليست هي الخطوة الأولى في أي حكم إسلامي، بل قبل ذلك التربية والتوعية، وإفهام الناس حقيقة الإسلام، وبعد ذلك ستجد الخاطئين يندفعون من أنفسهم لتطبيق الحدود عليهم رغبة في التطهر والتكفير عن الخطايا، وقصة المرأة الغامدية، التي وقعت في جريمة الزنا، ثم جاءت إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- تطلب منه تطبيق الحد عليها وهي تقول «طهرني يا رسول الله» معروفة.
وأخيرًا، ليعذرني الأخ عبد الحليم عويس، إن كنت قد فهمت جوابه، الذي أجراه على لسان الحاكم المسلم المرتقب على غير ما أراده، أو أكون قد حملته أكثر مما يحتمل، وحسبي أنني عرضت للأمر كما انطبع في ذهني من تصور لذلك الجواب، ورائدي هو الحق وحب الإسلام.
وأخيرًا تحياتي للأخ عبد الحليم، شاكرًا له عظيم ثقته في حتمية قيام حكم الإسلام ولو بعد حين، ووفقنا الله للخير والسلام.
شكر.. وإعجاب
اسمحوا لي أن أقدم إعجابي وشكري العميق لمقال الأخ البداح الموضوعي الواعي ردًا على عبد اللطيف الدعيج. آملا أن نجد في «المجتمع» دومًا مثل هذه المقالات المهمة، التي تعري أعداء الإسلام، وتكشف باطلهم وتفضح تبعيتهم الفكرية.
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكل
«الإرهاب» في القانون الدولي والشريعة الإسلامية.. إشكالية المفهوم
نشر في العدد 2110
106
الثلاثاء 01-أغسطس-2017